أمومة مسروقة.. سلب الأطفال من أسرهم بذريعة الحماية

سناء نصر الله

في ليلة من ليالي فبراير/شباط الباردة تستعد أم وابنتها لمغادرة إنجلترا للبحث عن ملجأ آمن لهما في فرنسا، يودع الزوج زوجته وابنته “بيثاني” (22 عاما)، وهو لا يدري متى سيراهما ثانية.

ما الذي يدفع الأم وابنتها الحامل لمغادرة بلدهما والبحث عن ملجأ لهما في بلد آخر؟ السبب يكمن في قانون حماية الطفولة الذي ترفعه مؤسسات الخدمات الاجتماعية البريطانية سيفا مسلطا على العائلات لسلب أطفالهم بذريعة احتمال وقوع ضرر في المستقبل على الطفل.

يحكي هذا الفيلم التسجيلي الذي عرضته الجزيرة الوثائقية بعنوان “أمومة مسروقة” قصة الآلاف من الأطفال الذين تم انتزاعهم من أمهاتهم في غرف الولادة، بسبب الاشتباه بسوء المعاملة في المستقبل من قبل الآباء الجدد.

المآسي التي يكشف عنها الفيلم تحدث في دولة أوروبية هي المملكة المتحدة التي سُن فيها تشريع حماية الأطفال عام 1989 يُمنح من خلاله الاختصاصيون الاجتماعيون صلاحيات كاملة باسم حماية الطفولة، تخولهم بأخذ المواليد الجدد من أمهاتهم بذريعة احتمال وقوع ضرر في المستقبل على هؤلاء الأطفال.

البحث عن ملجأ

قبل ثلاثة أسابيع هددت هيئة الخدمات الاجتماعية “بيثاني” الحامل في شهرها الثامن بسلب ابنها الأول فور ولادته. تقول “بيثاني” إنها لا تريد العودة إلى بريطانيا “فالمكان غير أمن هناك، وهيئة الخدمات الاجتماعية ستأخذ الطفل”، ولا خيار أمامها إلا الفرار إلى فرنسا حيث تأمل أن تنعم بحياة سعيدة هناك.

قبل أن تضع بيثاني طفلها قررت هيئة الخدمات الاجتماعية أن الأم غير مؤهلة للأمومة، لذا فهم يأتون ببساطة ويأخذون الطفل ويضعونه في حضانة خاصة، “لأننا في حالة سوء معاملة محتملة وأذى محتمل في المستقبل”.. تحت هذا القانون الفضفاض يتم سلب عشرات الأطفال من عائلاتهم سنويا في بريطانيا.

بيثاني، إحدى ضحايا قانون حماية الطفولة
بيثاني، إحدى ضحايا قانون حماية الطفولة

بيثاني.. ملاحقة بسبب أختها

هي الأخت الصغرى بين ثلاث أخوات، الكبرى “بيكي” انتحرت قبل ستة أعوام تاركة وراءها مولودا جديدا، ومنذ تلك الحادثة والهيئة الاجتماعية تلاحق كل نساء العائلة بذريعة احتمال تكرار ما حدث لبيكي، وحين أنجبت “جودي” الأخت الوسطى مولودها سُلب منها لحظة ولادته.

ولما علمت الهيئة أن بيثاني حامل تابعتها وراقبتها بذريعة أنها تشكل تهديدا لطفلها، تقول الأم “يريدون أن يأخذوه لأنهم يعتبرونها مدمنة على الكحول، لقد شربت وهي في سن السادسة عشرة عندما توفيت أختها الكبرى منتحرة، الآن هي في سن الـ22، ومع ذلك علقوا بلاغا أمام المنزل لأخذ المولود”.

بقي أمامها خمسة أيام لتوكيل محام، لكنها لا تستطيع ذلك فالوقت ليس لصالحها، لذا فإنها قررت الهروب.

على غرار بيثاني فرت مئات الأمهات من المملكة المتحدة حفاظا على أطفالهن، أما اللواتي لم يأخذن تهديد الهيئة الاجتماعية على محمل الجد فقد انتهى بهن المطاف بمصادرة أطفالهن منهن.

لدى وصول بيثاني وأمها إلى نورماندي وجدتا “جينا” في استقبالهما، وهي سيدة هربت من بريطانيا بعد أن أخذت الهيئة منها أطفالها، وتعيش الآن في فرنسا بعد أن وجدت لها ملجأ قرب مدينة نانت، حيث أسست عائلة جديدة مع شريكها وهم في مأمن الآن من السلطات البريطانية.

أخذت جينا على عاتقها حماية هؤلاء الأمهات وأطفالهن من الأحكام التعسفية للخدمات الاجتماعية، وقد تعارفت جينا وبيثاني عبر فيسبوك قبل أسابيع.

تقول جينا: يجب على الأمهات إثبات قدراتهن العقلية والنفسية والجسدية على رعاية أطفالهن، بالإضافة إلى القدرة المادية وتدبر أمورهن.

لقد ساعدَتْ جينا خلال أربع سنوات أكثر من أربعين عائلة، ويساعدها رجل تعتمد عليه هو إيان جوزيفر، الذي قدم الدعم المادي لأكثر من 100 امرأة من الأمهات المستقبليات.

تشريع حماية الأطفال يُمنح من خلاله الاختصاصيون الاجتماعيون صلاحيات كاملة تخولهم بأخذ المواليد الجدد من أمهاتهم
تشريع حماية الأطفال يُمنح من خلاله الاختصاصيون الاجتماعيون صلاحيات كاملة تخولهم بأخذ المواليد الجدد من أمهاتهم

افتراض وجود تهديد

تقول ماغي ميلون التي تعمل اختصاصية اجتماعية منذ 1977، لقد جرت عملية تحولت من خلالها حماية الأطفال إلى وسيلة للتدخل بكل ما يخصهم، وتحولت العملية من دعم إيجابي للأسرة إلى العمل على افتراض وجود تهديد.

وعلى مر السنين شرّع هذا الافتراض بوجود تهديد لكافة أنواع الشكوك بوجود ضرر مستقبلي جسدي ونفسي وعاطفي، فالقانون الذي صدر في 1989 كان فكرة حكومية جعلت الأبرياء مذنبيين.

بدأت الفكرة عام 1979، فبعد سنوات من حكم حزب العمال وضعت إنجلترا مصيرها السياسي بأيدي المحافظين الذين كانت تتزعمهم مارغريت تاتشر التي أرادت فرض نجاحها الشخصي على المواطنين، كما تقول ميلون.

وتضيف: هذا النهج لم يترك مجالا للضعفاء، فقد أساءت حكومة تاتشر معاملة الشعب، وفرضت نظام الحماية الاجتماعية حيث تخلت المملكة عن الفقراء وحولتهم إلى مشتبه بهم.

كولين وشريكته كلير التي تعاني من الصرع وكان سببا في أخذ طفلها منها
كولين وشريكته كلير التي تعاني من الصرع وكان سببا في أخذ طفلها منها

كولين وكلير.. الصّرَع سببا

يروي كولين البالغ من العمر 34 عاما قصته هو وشريكته كلير التي تعاني من الصرع، فيقول إنه ولد في النرويج حيث حظي بطفولة سعيدة، “ربما لم أعش مع أمي ولم أعرف أبي الحقيقي، عشت مع مربيتي وكان الأمر طبيعيا، وأحب كل ثانية فيه”.

أما كلير (24 عاما) فتقول: تم أخذي لدار الحضانة عندما كنت في الـ12 من عمري، زرت ثلاثة مراكز رعاية ثم انتقلت إلى دار رعاية الشباب عندما بلغت الـ21، تعرفت على كولين وأحببنا بعضنا بعضا، ولما وضعتُ طفلتي الأولى أخذتها الخدمات بعد ثلاثة أيام من ولادتها.

يقول كولين عن قصة سلب طفلتهما: عرفنا بالحمل في الشهر الثالث، وذهبنا للطبيب للتأكد، خلال الفحوصات الروتينية أطلقت خدمات مقاطعة كامبردج الاجتماعية تحقيقا عن ماضينا وأسلوب حياتنا، وقررت بأن هناك احتمالا لوقوع ضرر جسدي وعاطفي وأننا غير مؤهلين لنكون والدين صالحين، وتم إبلاغنا بقرار سحب ابنتنا فور ولادتها.

يتابع: عندما عانت كلير من آلام المخاض ذهبنا إلى المستشفى، وفي الطريق طلبت كلير من المسعف أخذ جرعة دواء الصرع، وأجاب بالرفض، وأثناء الولادة تعرضت لنوبة صرع تركتها في حالة إنهاك، ولم تكن قادرة على العناية بالطفلة، وكان هذا كافيا لاعتبارها غير مؤهلة كليا.

تقول ماغي ميلون: تحوم الشكوك حول الآباء الأكثر فقرا الذين يلجؤون للخدمات الاجتماعية أو يلفتون نظر السلطات بسبب الحاجة، ولكننا في هذه الحالة نجعل الحاجة مصدرا للخطر.

والآن ينتظر الوالدان كولين وكلير حكم المحكمة إن كان بإمكانهما استعادة طفلتهما أم لا، وخلال الأشهر الستة الماضية تعين عليهما أخذ دروس في رعاية الأطفال، وهذا شكل من أشكال الاختبار للفوز بحق استعادة ابنتهما.

يقول كولين: لقد خضعنا لدورة أبوّة، وكانوا يدونون ملاحظات ويتحدثون عن ردود أفعال، وكنا الوحيدين بدون طفلتنا من بين الأباء. ورغم قسوة تلك الظروف حصل كولين وكلير على شهادة في الأبوّة الحسنة تمنحهما حق مشاهدة طفلتهما.

تقول كلير: كنا ذاهبَين لرؤية ابنتنا في مركز هين رايز للتواصل لمدة ساعتين، نأمل أن نحظى ببعض المرح.

لا يزالان يتابعان المحاكمة ويقطعان تلك المسافات الطويلة ثلاث مرات أسبوعيا لرؤية ابنتهما في مركز الوساطة الأسرية المحايد، إنها المرة الأخيرة التي سيريان ابنتهما قبل المحاكمة.

ستكون أول جلسة استماع يوم الاثنين وسيحضران من غير تمثيل قانوني، ولعدة ساعات حاولا إقناع المحكمة أنهما سيكونان أبوين صالحين.

يقول كولين: نظرت إليهم بابتسامة وأجبت عن جميع الأسئلة بكل وضوح، دافعت عن نفسي وتعاملت بطريقة احترافية، لكن الأمر متوقف على نظرة الاختصاصين الاجتماعيين، وبدا القاضي مقيدا ويعرف ما نحن بصدده وأننا على حق.

كان لديهما أمل باسترجاع طفلتهما، وفي اليوم التالي كانت الجلسة الأخيرة من جلسات الاستماع، وكان الكلام من نصيب الاختصاصيين الاجتماعيين. وفي وقت متأخر بعد الظهر صدر الحكم بأنهما غير مؤهلين لتلبية حاجات ابنتهما.

يقول كولين: سرقوها دون سبب، لن أستسلم، لن أتخلى عنها، وسأجدها وسأخبرها يوما أننا نحبها حتى لو كانت غاضبة منا.

ستظهر ابنة كولين وكلير في إعلان مصور خاص بالتبني، ففي إنجلترا يتم التسويق للأطفال المعروضين للتبني علنا، وتظهر وجوههم في الكتيبات وفي المواقع الإلكترونية ويتم المتاجرة بهم. وفي غضون أربعة أشهر تم العثور على والدين لابنة كولين وكلير.

 نيكي ومارك تحولت حياتهم في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2003 بسبب القانون
نيكي ومارك تحولت حياتهم في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2003 بسبب القانون

نيكي ومارك.. استلاب ثلاثة أطفال

في بريطانيا العظمى ليس الآباء الذين ينتظرون ولادة طفلهم فقط هم من يواجه تهديد قانون الحماية، فالأسر المستقرة أيضا عرضة للتفكك في غضون أيام.

فقد تحولت حياة نيكي ومارك في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2003 حين ظهرت على ابنهما البالغ عاما ونصف أعراض غريبة اضطرتهم لنقله إلى المستشفى.

تقول نيكي: نقلناه إلى المستشفى وأُخضع لفحص الأشعة السينية وتحاليل دم، وفي اليوم التالي بدأ الكابوس، فقد استدعونا لغرفة خاصة وطُلب من أحدهم فحص الأشعة، فوجدوا كسرا في كاحله.

حين وقعت هذه الحادثة كان قد مضى على زواجهما ثلاث سنوات، كانا زوجين هادئين وملتزمين بالقانون في حي سكني في كرومر على الساحل الشرقي لإنجلترا. وكانا يربيان ثلاثة أطفال؛ ابنتهما الكبرى (ثلاث سنوات) والصغير (ثلاثة أشهر) وطفلهما المصاب.

يقول مارك: طلبوا منا تفسيرا ولم نكن نعرف ما جري، كنا نعتقد أنه مريض، وقالت لهم نيكي إننا نعاني من هشاشة عظام.

كانت المفاجأة أنه ومن دون النظر لأبعد من ذلك، اتُّهم الزوجان بأنهما غير مؤهلين. لم يتمكنا من الشرح أو الدفاع عن موقفهما، عادا وحيدين بعد أسابيع من ذهابهما للمستشفى.

بعد ثلاثة أيام سيواجهان القضاة، وبينما ينتظران الحكم يُحظر عليهما ذكر ابنهما والتحدث عن القصة، لكن في نفس الرحلة قرر مارك ونيكي انتهاك هذا الإجراء القانوني. يقول مارك: لقد قطعت عهدا على نفسي أن أتحدث بكل ما يحصل، فلماذا أكذب على أهلي وأصدقائي.

لكن مع نهاية الستة أشهر أُعلن أن نيكي ومارك مسؤولان عن حادث ابنهما، وسحب منهما أطفالهما الثلاثة إلى الأبد وعرضوا للتبني على الفور.

وعن إعلانات التبني يقول مارك: أشعر بالاشمئزاز عندما أرى هذا الإعلان، فهم يروجون لأبنائنا كما تروج الأسواق لمنتجاتها.

أما نيكي فتقول: تلقينا شريط فيديو قال عنه الاختصاصي الاجتماعي إننا قد نرغب بالاحتفاظ به للذكرى، لقد استخدموه لعرض الأطفال وترويجهم للتبني، ويستخدم الاختصاصيون الاجتماعيون أساليب مماثلة لتلك المستخدمة في محلات بيع الحيوانات الأليفة.

مارك ونيكي أسسا عائلة جديدة حين ولد براندن بعد عام من تبني إخوته
مارك ونيكي أسسا عائلة جديدة حين ولد براندن بعد عام من تبني إخوته

عائلة جديدة

بعد أن فقد مارك ونيكي الأمل في استعادة أطفالهم الثلاثة، أسسا عائلة جديدة حين ولد براندن بعد عام من تبني إخوته، واجتاز الصبي عاصفة كانت تحيط بأسرته لأكثر من سنة.

تقول نيكي: عندما عرفت أنني أنتظر ولادة طفل، كان ذلك مزيجا من الشعور بالرعب وعدم اليقين، وأبقيت الأمر سرا لنحو خمسة أشهر، بعد ذلك بدأت علامات الحمل تظهر.

مارك هذه المرة يصمم على عدم خسارة طفله، كنا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ عليه حين هددت الهيئة الاجتماعية بأخذه بمجرد ولادته، لكن قبل أسبوعين من الولادة هربا إلى إيرلندا، ولحق بهما موظفو الخدمات الاجتماعية، حاولوا خداعهما كي يعودا، لكنهما رفضا.

أدرك كل من مارك ونيكي أن لديهما فرصة في إيرلندا لأن القانون البريطاني لا يستطيع وضع طفلهما تحت الوصاية، وفي هذه المرة تمكن الصحفيون البريطانيون من نشر القضية، وسرعان ما تبنت وسائل الإعلام القضية لتغزو البلاد بكاملها.

وهنا أصبح لنيكي ومارك القدرة على التفاوض مع دائرة الخدمات الاجتماعية للعودة إلى إنجلترا. عادا إلى بريطانيا ووضعا تحت المراقبة في مركز للعائلات المشتبه بأنهم يمارسون العنف على أطفالهم.

تقول نيكي: كنت أشعر كأنني في سجن، كان هناك كاميرات في كل مكان ومكبرات صوت لسماع ما يجري في البيوت، في النهاية تمكن مارك ونيكي من نيل حريتهما، وأصبح براندن معهما، أخيرا أصبحا أبوين.

بعد ذلك تلقت نيكي فحص الطب الشرعي الموازي الذي أجراه طبيب أميركي لامع، وتوصل الطبيب لاكتشاف حاسم أن اتهام الخدمات الاجتماعية لهما كان ظالما وأن طفلهما لم يتعرض للضرب المبرح بل كانت إصابته ناجمه عن مرض الإسقربوط الذي كان يعاني منه. لقد حُرم الأبوان من أطفالهما الثلاثة بسبب تشخيص طبي خاطئ.

وبعد ذلك وَلدت نيكي ابنتها كارا، وهي الوحيدة بين أشقائها التي لم تتعرض لاضطهاد دائرة الخدمات الاجتماعية، وقد يتاح لها رؤيتهم بعد أن يصبحوا راشدين.

 جاكي وجون، فقدا ولديهما بسبب بثور في صدغ أحدهما
جاكي وجون، فقدا ولديهما بسبب بثور في صدغ أحدهما

جاكي وجون.. إصابة تحرمهما ولديهما

قصة جاكي وجون لا تقل غرابة عن سابقاتها، فقد فقدا ولديهما بسبب بثور في صدغ أحدهما.

تقول جاكي: لم نُسأل عن شيء، وقيل لنا إننا نمارس العنف على الأطفال، وإن ابننا مصاب بكسر في الجمجمة ونزيف في المخ.

يقول جون: تذهب لطلب المساعدة يلتفتون إليك ويوجهون أصابع الاتهام تجاهك.

بعد ثلاثة أسابيع وُضع الولدان في الحضانة واحتُجز الوالدان للاستجواب. وأخذت الشرطة تلتقط الصور لكل شيء في غرفة الأطفال.

يقول “ديفد غايل” وهو شرطي سابق يقوم بدعمهما: إن المدهش في هذه السطور أنها تقول أطلقوا سراح الجميع، ولكن لا يوجد قرار أقوى من قرار الهيئة الاجتماعية، فبينما تحتاج الشرطة إلى أدله يبحث موظفو الخدمات الاجتماعية عن نتائج.

مازال لجاكي وجون بصيص أمل برؤية ولديهما مرة ذات يوم، لقد قاما بتأليف كتاب لولديهما عن تاريخ العائلة ولكل واحد منهما نسخة، درست جاكي قانون الأسرة وأنشأت جمعية لضحايا الخدمات الاجتماعية بفضل معارفها ومهارتها الجديدة.

اكتشفت أن سجلها في ممارسة العنف كاذب، فقد تقدمت بطلب إلى المستشفى، وأرسلت المستشفى المستندات، وبعض النماذج كانت جزءا من التحقيق الذي لم يُعرض عليهما أثناء نقل الرعاية.

تقول جاكي: تشير الأوراق الطبية أن ابني لم يتعرض لأي إصابة حين قالت الهيئة الاجتماعية إنه تعرض لكسر في الجمجمة، وقد حُجب التقرير الذي يثبت عدم الإصابة.

لو أراد القضاة لوجدوا الأدلة التي تثبت براءة جاكي التي اكتشفت قبل عامين أنها مصابة بمرض وراثي يمكن أن ينتقل إلى الأبناء، وهذا المرض يسبب كدمات أو بثورا دون أدنى تأثير.

يقول جون: سألنا عالم وراثة عن احتمالية انتقاله للأبناء فأجاب نعم يمكن بنسبة 50%، كانت كل العوامل تكمل النظرية.

اليوم يتمسك جاكي وجون لإثبات أن طفلهما كان مريضا، وفي غضون عدة أشهر وافقت المحكمة على دراسة الحالة.

نجت بيثاني وطفلها من الخطر الذي كان يلاحقهما
نجت بيثاني وطفلها من الخطر الذي كان يلاحقهما

بيثاني.. أم جيدة

نعود من حيث بدأنا حيث ولد ابن بيثاني بعد خمسة أسابيع من هربها إلى فرنسا. تقول والدتها جين: تركت بيثاني في فرنسا وعدت، جاء موظفو الخدمات الاجتماعية وسألوني أين هي وأين الطفل؟ قلت: ليسا هنا، إنهما خارج البلاد.

نجت بيثاني وطفلها من الخطر الذي كان يلاحقهما، وبقيت قادرة على التفاوض للعودة إلى إنجلترا، وفعلا كان لها ذلك، ووُضعت شهرين تحت الاختبار واكتشفوا أنها أم جيدة.

تقول ماغي ميلون: هناك عدد ضئيل من الآباء الذين لا يجوز لهم أن يعتنوا بأطفالهم، لكن بشكل عام لمعرفة الظلم الذي يلحق بالناس علينا أن نصغي للآباء ولكن ليس بعد فوات الأوان.

تتابع: هناك أكثر من مليوني طفل ضمن سجلات دائرة الهيئة الاجتماعية، هذا الإجراء الذي يحطم الأسر ويعيد تدوير الأطفال يواصلون العمل به بشكل جنوني دون معالجته بالطريقة الصحيحة، والناس في الدول الأخرى لا يصدقون أن ذلك يحدث في إنجلترا.

منذ عام 2000 طُلب من كافة سلطات خدمات حماية الأطفال زيادة أعداد التبني
منذ عام 2000 طُلب من كافة سلطات خدمات حماية الأطفال زيادة أعداد التبني

حوافز على مصادرة الأبناء

في إنجلترا يتم إنهاء قضايا التبني بسرعة كبيرة، وهنا يقول القاضي في المحكمة العليا البريطانية اللورد نيكولاس ويلسون إنهم يشددون على إجراء دراسة تلك الحالات خلال 26 أسبوعا، وهذا جدول زمني ضيق للغاية قبل أخذ الطفل للتبني.

لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فالسبب وراء التعجيل صادم في إنجلترا، إذ إن الحكومة تحدد حصص التبني للسلطات المحلية المسؤولة عن حماية الأطفال، وهناك أعداد يجب تحقيقها لكل مقاطعة، مثل أهداف الإنجاز في الشركات، وهي أهداف تتمثل بعدد الأطفال الذين يجب تبنيهم.

يقول جون هيمينغ: منذ عام 2000 طُلب من كافة سلطات خدمات حماية الأطفال زيادة أعداد التبني وبذل كل ما في وسعهم لتحقيق ذلك، لذا قام الاختصاصيون الاجتماعيون بتلفيق الأدلة من أجل إرسال الأطفال للتبني.

ولإعطاء الحوافز لتحقيق المحافظات هدفها، صممت الحكومة نظاما للمكافآت، فكلما ارتفعت حالات التبني زادت ميزانية السلطات المحلية. ومنذ عام 2008 ازداد النظام سوءا، إذ إن المقاعات أو المحافظات إذا لم تحقق الأعداد المحددة لها فإنها ستخسر الأموال.

أما الاختصاصية الاجتماعية ماغي ميلون فتقول: بالنسبة للاختصاصيين الذين فُرضت عليهم أرقام يجب تحقيقها لعدد الأطفال المتبنين، فإن هذا يخلق مشاكل أخرى، حيث لا يوجد آباء للأطفال الأكبر سنا أو ذوي الإعاقة أو المنحدرين من أصول عرقية مختلفة، حين يرغب الكثيرون في تبني أطفال رضع بيض البشرة ذو صحة جيدة.

وفي عام 2015 ومن بين 7740 حالة، وجد فقط 40% منها آباء جددا، ومن ناحية أخرى مازال 70 ألف طفل مع آباء مؤقتين أو مراكز رعاية بكلفة 28 مليار يورو تُجمع من أموال الضرائب.

يقول اللورد نيكولاس ويلسون: يحصل الآباء الذين يقومون بالرعاية على مبالغ كبيرة من المال مقابل قيامهم بالحضانة بخلاف المتبنين، فحين تأخذ طفلا وتضمه لعائلتك لا تحصل على مال، وهذا ما يجعل السلطات تفضل التبني. وللتخلص من أولئك الأطفال لجأت الحكومة وبدون أدنى ضمير للوكالات الخاصة.

تقول ماغي ميلون: يملك الأطفال حقا في معرفة أن هناك وعيا عاما بشأن رعايتهم، وكلما تمت تعاقدات فرعية كهذه فهناك أموال، ونحن نعرف أن المال والأطفال الذين يؤخذون من عائلاتهم يعتبر كارثة.

في بريطانيا يمثل موضوع التبني حلقة لامتناهية من المآسي، فالآباء يُحرمون من أبنائهم بشكل غير عادل مدى الحياة. إنه إجراء لا رجعة فيه، فالأخطاء التي ارتُكبت لا يمكن إصلاحها من خلال قانون الحماية، لقد وجدت بريطانيا طريقة لمحو آثار الآباء البيولوجيين. كيف يمكن للحياة أن تستمر بوجود ذكرى أطفال خسرهم آباؤهم؟