“إعادة اختراع العجلة”.. تجارة بمليارات الدولارات تلتهم مزارع الفقراء

خاص-الوثائقية

“نعمل ساعات طويلة ونتقاضى رواتب زهيدة وفي بعض الأحيان ليس لدينا ما نأكله”. عبارات كررها عمال فقراء يعملون في زراعة وجمع وإنتاج المطاط الذي يعد المادة الأساسية لصناعة إطارات السيارات والمركبات، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات. ولكن كيف يجري تصنيع هذه الإطارات؟ ومن أين تأتي المواد؟

في هذا الوثائقي الذي عرضته الجزيرة الوثائقية بعنوان “إعادة اختراع العجلة”، نغوص في مصادر الإنتاج وظروف العمل التي يكابدها العمال لاستخراج المطاط، ونتعرف على الدول التي تساهم في إنتاج أكبر عدد من الإطارات.

 

“يمكنك شراء عجلات بضمير مرتاح”.. بلد الصناعة الأكبر

ينطلق فريق العمل من ألمانيا التي يعتبر شعبها العجلات من أهم قطع السيارة، وتباع في البلاد نحو 50 مليون عجلة سنويا، والأرقام في الارتفاع، وتركز إعلانات شركات العجلات على سمتين، هما السلامة والتكنولوجيا، دون التطرق للنواحي البيئية أو شروط الإنتاج التي لا نجد لها أي ذكر في الإعلانات.

والشركات الأربعة الكبرى المصنعة للعجلات هي: بريدجيستون، وغوديير، وكونتيننتال، وميشلان، ومن الصعب جدا التمييز بينها من خلال إعلاناتها، فالعجلات تنتج في مختلف أنحاء العالم، ولكن السؤال: هل يهتم الزبائن بالظروف التي يجري فيها إنتاج العجلات؟

يقول تاجر العجلات الألماني “هيننيغ لامير كامب”: سأكون صادقا تماما، لا أحد يسأل عن ذلك، ما يهم العملاء ليس الاستدامة، ولكن بالنسبة إلينا هذا عامل مهم بالطبع. المصانع الكبيرة تُولي اهتماما كبيرا لعامل الاستدامة، ولهذا ينبغي الشراء من المعامل المعروفة، عندها ستكون متأكدا من أنهم يطبقون إجراءات حماية البيئة، ويهتمون بالنواحي البيئية، وبعدها يمكنك شراء عجلات بضمير مرتاح.

صوت الوثائقية.. فيلم ” إعادة اختراع العجلة”

 

مطاط تايلند.. لحاء الشجرة الذي ينزف بالثروة

ولأن فريق العمل يريد أن نرى ظروف الإنتاج بأنفسنا، فقد سافر إلى جنوب شرق آسيا، فأضخم دولة منتجة للمطاط الطبيعي هي تايلاند، إذ يُحصد أكثر من 4 ملايين طن سنويا من مزارع البلاد.

فعلى مدار 30 عاما مضت، ازداد إنتاج البلاد 300%. وتعد بانكوك مركز تجارة المطاط، ومنذ لحظة الوصول إلى تايلاند، تُلمس أهمية صناعة العجلات في البلاد، لأن المطاط ليس المنتج الوحيد الذي ينتج هنا بل غالبا العجلة بالكامل، ثم تشحن إلى كل أنحاء العالم، ولكن ليس من السهل الوصول والتحري عن هذه الصناعة.

يقول الصحفي التايلاندي المتخصص في صناعة المطاط “فيي إنتراكراتوك”: إن صناعة المطاط مهمة جدا للاقتصاد التايلاندي، ولهذا السبب فإن كل ما يعرضها للخطر يبقى طي الكتمان، ومن الصعب جدا الحصول على معلومات، ولحسن الحظ استطعت الوصول لبعض معارفي الذين قبلوا استقبالنا في مزارعهم، وحصلنا على إذن بالتصوير.

وجهة فريق العمل الأولى هي مقاطعة “كاوكماو” جنوب شرقي بانكوك، فهنا ينمو المطاط على مساحات شاسعة جدا. ويقول “باو زوبات”، صاحب المزرعة التي ورثها عن والديه، إن والده بدأ بزراعة الأرز وقصب السكر، ثم اكتفوا بزراعة المطاط.

واصطحبنا “زوبات” بجولة في مزرعته- التي يعمل فيها نحو 50 عاملا- لنشاهد -للمرة الأولى- كيف يُجنى المطاط. فعند إحداث شق في لحاء الشجرة يتدفق السائل، وبعدها يجنى بشكله السائل أو إضافة الخل ليتحول لكتلة صلبة، وبالتالي يمكن حصاد المطاط بالكامل.

يقول “زوبات”: كنا نحصل على مبالغ جيدة مقابل المطاط، ولكن منذ 5 سنوات انهارت الأسعار فجأة، وفرض علينا التقشف والتوفير لاسترجاع التكاليف.

أيد عاملة رخيصية من كمبوديا تعمل في مزارع المطاط بتايلند مقابل وجبة طعام

 

“نادرا ما يتوافر لدينا طعام نأكله”.. معاناة عمال المطاط

على طرف المزرعة نجد أكواخا بئيسة للعاملين فيها، جميعهم أتوا من كامبوديا لأن اليد العاملة القادمة من هذه الدول الفقيرة، أرخص من اليد العاملة التايلاندية. يقول أحد عمال المزرعة إنه يعمل 12 ساعة في اليوم لخمسة أيام في الأسبوع، وأحيانا أكثر.

حل الظلام على المزرعة، وتحضر العمال لجمع المطاط، لأنه يتدفق أكثر في الظلام، حيث يتقاضى العمال مقابل هذا العمل المضني طوال الليل نحو 140 يورو في الشهر وهذا يساوي نصف الحد الأدنى للأجور في تايلند.

وتقول “نا” -التي تعمل مع عائلتها في المزرعة منذ 7 سنوات ولا تجيد القراءة أو الكتابة-: أجني القليل هنا، ولكي أستطيع العيش عليّ العمل يوما في المناوبة الصباحية و4 أخرى في الليل، ففي موسم المطر لا يمكننا العمل ولا نحصل على أجر، ونادرا ما يتوافر لدينا طعام نأكله.

وعندما يطلع النهار، تحرص “نا” على إيصال ابنتها -التي لم ترها إلا دقائق- إلى المدرسة، فالجميع خلد إلى النوم بعد يوم عمل صعب، وتملك هذه العائلة في كوخها المتواضع، فرشتين لثمانية أشخاص.

عمال جني المطاط يعملون ليلا لأوقات متأخرة مقابل خمس دولارات في اليوم

 

مبيدات الأعشاب.. سم يقتل الأفاعي والبشر كل عام

في الخارج يعمل شقيق “نا” في رش المبيدات، فهو يستخدم مادة “هيدروكسايد البركوات” السامة جدا والمحظور استخدامها في أوروبا منذ فترة طويلة، ويشعر “دا” (25 عاما) بأنه آمن جدا مع قناع التنفس، وليس لديه فكرة أن “البركوات” تُمتص عبر الجلد أيضا ويمكنها إلحاق أضرار كبيرة بالكبد والكلى والقلب، وعليه أن لا يعمل دون ملابس واقية وعدم ارتداء سروال قصير تحت أي ظرف كان، لكن لم يخبره أحد بذلك.

يقول “باو زوبات” صاحب المزرعة: يجب أن نرش السم ونقضي على الأعشاب الضارة، وإلا قد تختبئ الأفاعي بين الأعشاب والأشجار وتلدغنا.

وما لا يعرفه “زوبات” هو أن مبيدات الأعشاب تبقى في التربة لأشهر، والأخطر أنه لا يرتدي أي عامل في مزرعته القفازات، ويقال إن آلاف العمال الزراعيين من جنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية يلقون حتفهم كل عام نتيجة استخدام مادة “البركوات” السامة التي ليس هناك ترياق لها.

بعد الحصاد يبيع “زوبات” المطاط إلى تاجرة المطاط المحلي، وهي وسيطة تجارية تحدد الأسعار، وليس لديه الحق في المفاوضة، لأن هذا التقليد هو المتعارف عليه. وتقول تاجرة المطاط: من هنا نرسل المطاط إلى معمل مملوك لشريك لنا من أجل معالجته، ثم يرسل المطاط إلى عدة شركات مشهورة في إنتاج العجلات.

سأل فريق العمل التاجرة عن أسماء الشركات التي تزودها بالمطاط الخام، لكن الشركة رفضت البوح بأسمائها. وقد تبعنا شاحنة في محاولة منا لمعرفة الشركة المسؤولة عن معالجة المطاط، وانتهت متابعتنا عند بوابة معمل يملكه صينيون، ورفض طلب فريق العمل بالتصوير والحديث مع المسؤولين عن المعمل.

“سعر المطاط الذي ننتجه ينخفض باستمرار”.. الحد الأدنى للأجور

يعد المطاط مادة أولية قيّمة للصناعة بكاملها، ولكن العمال العاملين فيها لا يكادون أن يعيشوا برواتبهم. ويقول البروفيسور “لاي ديلوفيتلغات”، وهو أحد أكثر علماء الاقتصاد المرموقين في البلاد، ويعمل أيضا مستشارا للحكومة: “إن الأجور التي تدفع للعاملين في المطاط تقليد قديم ومبدأ ثقافي، فلا يعامل العمال كموظفين، بل كشركاء في العمل”. وببساطة، لا يشمل هؤلاء العمال الحد الأدنى للأجور.

يزور فريق العمل أحد المعامل الصغيرة لمعالجة المطاط، والعاملون فيه ليسوا من الكمبوديين، بل من التايلانديين، وحتى هؤلاء لا يتقاضون الحد الأدنى للأجور البالغ 9 آلاف بت (نحو 260 يورو)، وتقول إحدى العاملات إنها تتقاضى 5 آلاف بت شهريا مع وعد بأن يرتفع راتبها إلى 20 ألفا في حال ارتفع سعر المطاط عالميا.

وتقول المسؤولة عن المعمل: إن العمال لا يتقاضون الحد الأدنى للأجور لأنهم عمال مياومون، ويتقاضون أجرا فقط عندما يعالجون المطاط، كما يحصلون على نصف سعر البيع (50%).

بعد ذلك لا يعود هؤلاء موظفين، بل شركاء في الأرباح، وبهذه الطريقة يجري تقويض الحد الأدنى المنخفض أصلا في تايلاند.

وتتساءل المسؤولة عن المعمل كيف أن “أسعار العجلات ترتفع كل عام، لكن سعر المطاط الذي ننتجه ينخفض باستمرار”. وعلى صاحب المعمل أن يكافح أيضا، بسبب أسعار المطاط المتراجعة.

وبعد المشاهد المأساوية وتدني مستوى معيشة العاملين في جمع المطاط، أردنا مواجهة أصحاب شركات العجلات العالمية في تايلاند، بما توصلنا إليه، لكن الشركات التي تواصلنا معها رفضت إجراء أي حوار أو الحديث.

عائلات كاملة تعمل في جني المطاط في ظروف معيشية مزرية وبأجور زهيدة جدا

 

“أكسب 150 دولارا في الشهر”.. أكواخ كمبوديا المزرية

من تايلاند توجه فريق العمل إلى كمبوديا، فحياة العاملين في المطاط هناك، أسوأ من ظروفهم في تايلاند. رغم أن مزارع المطاط في كمبوديا، تنتشر بشكل هائل، وفي أحد المعامل الذي استطاع فريق العمل الدخول إليه، يقول أحد العمال: أعمل من السادسة صباحا وحتى العاشرة مساء خلال الموسم، وعندما لا يكون لدينا عمل يكون الدوام ساعات أقل.

وعلى الطرف المقابل للمعمل، هناك أكواخ لا تصلح للسكن، تعيش فيها العائلات التي تعمل إما في المعمل أو في المزارع التابعة له، لكن حال عمال المعمل أفضل من عمال المزارع.

وتقول إحدى العاملات: أكسب 150 دولارا في الشهر مقابل العمل 7 أيام في الأسبوع، إضافة إلى ذلك نعطى مكانا للإقامة فيه وكهرباء مجانا، و20 كيلوغراما من الأرز شهريا، وأحيانا في الموسم الجيد نحصل على 250 دولارا في الشهر.

من أجل زراعة أشجار المطاط، يُهجّر سكان بعض القرى الفقيرة في كمبوديا تحت سطوة القوة العسكرية

 

“في صباح أحد الأيام احتل العمال والجنود المكان”

كان مدخول المزارِعة “تشاف كاباك” يعتمد على الأرض التي ورثتها عن والديها، ولكن تغير كل شيء فجأة. تقول “كاباك”: قبل 4 سنوات، جاءت شركة مع حفارات وجنود واقتلعت كل ما في أرضي ببساطة وزرعت مكانها أشجار المطاط، غالبا ما لا يكون لدي طعام لأبنائي الأربعة، فأضطر للتسول في القرية.

وكانت “كاباك” تزرع ما تأكله في أرضها، لكن أرضها تحولت لغابة من أشجار المطاط، وتصف يوم احتلال أرضها قائلة: في صباح أحد الأيام احتل العمال والجنود المكان ولم يعد مسموحا لي بالدخول لأرضي التي أملكها، دفعنا الجنود إلى الخارج وضربونا، لم يتركوا لنا أي خيار، أريد استعادة أرضي، وكذلك الكثير من جيراني، ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟

تعبر قصة “كاباك” عن مجتمع كامل، إذ في كمبوديا عائلة من كل 5 عوائل لا تملك ما يكفي لإطعام أفرادها، وتشير التقديرات إلى أنه في إحدى المناطق الريفية، وتسمى “راتانا كيري”، تتحول 3 آلاف هكتار من الأراضي كل عام، لزراعة المطاط.

وفي هذا السياق، يقول “إيانغ فوتي”، مدير منظمة الإغاثة “كمبوديا عادلة” التي تكافح لمنع سرقة الأراضي: إن تجمعات السكان الأصليين تأثرت بسرقة الأراضي، ونحن نتعامل مع شركتين فيتناميتين متورطتين بسرقة الأراضي، وهاتان الشركتان تعملان في مجال المطاط، وقد حُرمت آلاف العائلات من أراضيها بسبب هاتين الشركتين، وتجري غالبية هذه العملية برفقة قوات الجيش التي تصوب أسلحتها على رؤوس الناس، وتعرض العائلات للضرب وإطلاق النار لمحاولتهم الدفاع عن أرضهم، وغالبا ما يقتحم الجنود منازل المزارعين لترهيبهم.

ويؤكد “فوتي” أن أراضي قرى بأكملها تعرضت للسرقة، فعدنا إلى “راتانا كيري” للتدقيق أكثر في هذه المعلومات.

تكثر زراعة أشجار المطاط في المناطق الاستوائية المطيرة في كمبوديا وتايلند

 

“قطعت أشجار جبلنا المقدس”.. سرقات قانونية برعاية الجيش

أجّرت حكومة كمبوديا آلاف الهكتارات لشركات المطاط، متجاهلة مطالبات الملكية من السكان المحليين، وكان أساس سرقة الأراضي وضع بالفعل في حقبة “الخمير الحمر”، ومنذ تولي “الماويين” للحكم، نشأت كمبوديا الجديدة، وجرى إتلاف جميع وثائق الأراضي وصكوك الملكية، ولهذا فاليوم، لا يكاد يستطيع أي أحد إثبات ملكيته للأراضي عبر الوثائق والمستندات.

تقع قرية “كاك” على نهر “تون لي سان”، وزرع الناس حقولهم حتى وقت قريب، وكانوا يعيشون حياة متواضعة وجيدة أيضا، ولكنّ هذا أصبح من الماضي، لأن أراضيهم الخصبة سرقت منهم أيضا، فقد استأجرت الشركات الفيتنامية نفسها الأراضي -التي تعود ملكيتها للناس هنا منذ أجيال- من الحكومة، لأن الطلب العالمي على المطاط كان كبيرا جدا لدرجة أن اقتُلعت كل أشجار ومزروعات حقول القرويين وزرعت مكانها أشجار المطاط، حتى خسرت هذه القرية جميع أراضيها تقريبا، وحرمت من كل مصادر عيشها من أجل المطاط.

يقول أحد القرويين: اقتحموا أراضينا بالجرافات، حاولنا الوقوف أمامهم ولكنهم تغلبوا علينا، الشركة استولت على حقولنا وقبورنا، وقطعت أشجار جبلنا المقدس.

وتقول مزارعة أخرى: أخذوا كل شيء منا، ولم يعد لدينا ما نأكله، عندما قطعوا أشجارنا لم يعد لدينا خشب لإصلاح أكواخنا، وأصبح علينا شراء المواد الآن، وليس لدينا المال وحتى ليس لدينا خشب كاف لصنع توابيت للموتى، ليس لدينا ما نأكله في بعض الأحيان، لا أريد سوى استعادة أرضي، هذا كل ما أريده.

وتعيش 110 عائلات في قرية “كاك”، ويرفضون العمل لمصلحة الأسياد الجدد في حقول القرية التي استولت عليها شركات المطاط ، ومثل باقي القرى يطالبون باستعادة أرضهم ولكن آمالهم ليست كبيرة.

“نأكل صحن أرز يوميا”.. نمو اقتصادي خارج جيوب الشعب

ننتقل إلى قرية “ماليك” المجاورة التي جرفت بالكامل وهدمت منازلها وحلت مكانها أشجار المطاط، فقد أخذت الأرض من أصحابها قبل 9 سنوات، ولم يعد هناك أثر للقرية سوى ذكريات أهلها، وقد عرضت شركات المطاط 300 دولار على سكان قرية “ماليك” مقابل أراضيهم، ولكن في الماضي كان محصولهم من المزروعات يدر عليهم 1000 دولار في العام.

وبما أن القرويين رفضوا العمل لصالح شركات المطاط، جرى إنشاء مستوطنات جديدة في الحقول، وانتقلت عائلات إلى هذه المستوطنات، وهي تعمل في مزارع المطاط، وتعيش هذه العائلات في ظروف فظيعة وليس لديها ما تأكله تقريبا.

يقول أحد العاملين في هذه المزارع: “نأكل صحن أرز يوميا”. فغالبية الشعب في كمبوديا لا يستفيد من صناعة المطاط، فالفوائد والأرباح تذهب لمكان آخر، ففي كل عام ينمو إنتاج المطاط في البلاد بنسبة 6 إلى 7 %، وهذا النمو آخذ في التصاعد.

ولا تكتفي السلطات بمصادرة الأراضي في كمبوديا، بل تحرق أيضا الحقول الزراعية، لزراعة أشجار المطاط وإنتاج المزيد من عجلات السيارات.

تثري مصانع الإطارات العالمية على حساب الأيدي العاملة الرخيصة في بلاد المطاط كتايلند وكمبوديا

 

“ملتزمون بالشراء المسؤول للمواد الأولية”.. شركات الإطارات

البداية مع شركة “كونتيننتال”، رابع أكبر الشركات إنتاجا للعجلات في العالم، لكنها رفضت المقابلة وردت ببيان قالت فيه إنها تستخدم مواد خاما طبيعية، وهي ملتزمة بتنمية وترويج وتنفيذ عمليات شراء مستدامة، وأن الشركة تعرف معنى المسؤولية، وقد وضعت لنفسها هدفا بتقديم مساهمة فعالة ومسؤولة في الترويج للمطاط الطبيعي المنتج بشكل مستدام.

يقول “بوريس إينغلهارت” المدير التنفيذي في الرابطة الألمانية التجارية لصناعة المطاط التي تضم أغلب الشركات المصنعة لعجلات السيارات: وضعنا مدونة سلوك قبل سنوات وهي أساس الاستدامة، وتفيد بأن الشركة مسؤولة عن الأشخاص الذين يعملون في كافة مراحل إنتاج المطاط، ولكن لا يمكننا التأثير في كل المراحل وصولا إلى المزارع، إن حاولت الشركات دفع المزيد من الأموال، ستصل إلى التاجر الأول فقط ولن يستفيد منها المزارعون.

وبعد اطلاعه على الصور والتسجيلات، أبدى “إينغلهارت” حزنه وأسفه، وقال: لا أجد أي عذر أو تفسير لذلك، ولهذا علينا أن نمضي قدما في شراء المطاط المنتج بطريقة عادلة ومستدامة فقط، فلن يكون هناك سوق لمثل هذا النوع من المطاط.

وحدها شركة “غوديير” ردت على استفسارات فريق العمل بشكل مباشر، وأرسلت رسالة جاء فيها: إن الشركة لا تشتري المطاط من كمبوديا، ونشتري أقل من 5% من احتياجاتنا من المطاط الطبيعي من تايلاند، نحن ملتزمون بالشراء المسؤول للمواد الأولية، بما فيها المطاط الخام، نحن نعيد إنتاج العجلات المجددة للمركبات التجارية والطائرات.

ملايين الإطارات يتم استبدالها سنويا، ويشكل القديم منها كارثة بيئة حقيقية

 

تجديد العجلات.. سمعة سيئة وأسهم متهاوية في ألمانيا

بدلا من إعادة تدويرها وإنتاج العجلات المجددة، يجري -في ألمانيا- حرق نحو 200 ألف طن من العجلات كل عام، بينما يزرع المزيد والمزيد من المطاط في جنوب شرق آسيا، ويستخدم المطاط في إنتاج العجلات المجددة، ولكن بنسبة أقل تصل إلى نحو 80% من إنتاج العجلات الجديدة.

وللعجلات المجددة سمعة سيئة. يقول “أوبيكا يوليوس” المشرف على الشركة الوحيدة في ألمانيا التي تجدد العجلات: حتى الشرطة الألمانية التي تتحدث عن الاستدامة رفضت أن تستخدم لسياراتها عجلات مجددة، رغم حصولنا على شهادات إيزو في العمل وإنتاج العجلات بأعلى المواصفات.

وبررت الشرطة عدم استخدام العجلات المجددة بقولها: إنه على مركبات الطوارئ أن تتمكن من الوصول لأعلى قدراتها الفيزيائية، وعليها تحمل الكثير من الضغوطات.

ولكن من أين أتت الشرطة بالملاحظات القائلة إن العجلات المجددة غير قادرة على تحقيق ذلك؟

للإجابة على هذا السؤال، نلتقي مع “بيتر كلينغارن”، أحد أهم المختصين في العجلات بألمانيا، ويقول: العجلات المجددة تكافئ جودة العجلات الجديدة، فالعامل الحاسم هو ما يسمى الهيكل الفرعي أو الدعامة، فعندما تهترئ العجلة يجري تجديدها، وبالتالي تستعيد كفاءتها عند القيادة.

ويتحدث عن تاريخ العجلات المجددة قائلا: بدأ تجديد العجلات في خمسينيات القرن الماضي بعد سنوات الحرب، ولإنتاج العجلات بمبالغ زهيدة جرى ترقيع العجلات القديمة، لكن التكنولوجيا لم تكن قد تطورت بعد، غير أن التكنولوجيا الحالية الموجودة في أوروبا تستطيع تجديد عجلات تضاهي الجديدة، نحن نختبر العجلات المجددة والجديدة منذ عقود، فإذا أعيد تجديد العجلة المنتجة من شركة مرموقة فستكون كفاءتها عالية.

رغم كل ذلك فإن قلة من الناس في ألمانيا هم من يقودون سيارات ذات عجلات مجددة، ولا تتعدى حصتها في السوق 5%.