“احتجاجات كنت وحرب فيتنام”.. كفاح الموسيقى ضد السياسة يغير وجه أمريكا

خاص-الوثائقية

كانت الأغاني تعبيرا حقيقيا وصادقا يجسد نبض الشارع الأمريكي في الأحداث الفاصلة في تاريخهم الحديث. وتعد حرب فيتنام وما حدث في جامعة كنت من احتجاجات مناهضة لتلك الحرب، منعطفا تاريخيا بارزا يظهر رفض الأمريكيين لتلك الحرب من خلال أغانيهم واحتجاجاتهم.
يتناول هذ الفيلم الذي تبثه قناة الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة تحت عنوان “أغان صنعت التاريخ”؛ هذه الحرب وأهم ما رافقها من احتجاجات، وتسلط الضوء على الفن والموسيقى والأغاني الشهيرة التي رافقت تلك الأحداث، وكيف عبرت الفنون في تلك الفترة عن مشاعر كثير من الأمريكيين تجاهها وكيف اعتبروها حربا غير أخلاقية وبلا فائدة.
فما الذي يعنيه أن تحارب الشيوعية في بلد يبعد عنك آلاف الكيلومترات؟ إذن فالنية في هذه الحرب كانت القتل، ثم القتل، والاستمرار في قتل الأبرياء.
تقدم هذه الحلقة عددا كبيرا من الصور والمقاطع الأرشيفية النادرة، إلى جانب المقابلات مع بعض أعظم الموسيقيين والصحفيين والمؤرخين الذي عاشوا تلك الأحداث.

فيلم أغان صنعت التاريخ – احتجاجات كنت وحرب فيتنام

 

تهديد غزو كمبوديا.. زيت الحرب الذي أشعل الجبهة الداخلية

رفض الأهالي إرسال أبنائهم إلى حرب فيتنام التي حصدت الكثير من الأرواح، فقد كان 300 جندي أمريكي يسقطون قتلى أسبوعيا، قامت الاحتجاجات في البلاد، وقد أدرك كل شاب أمريكي أنه أو شقيقه أو صديقه يمكن أن يقتل في تلك الحرب اللعينة.
دعا طلاب جامعة برينستون لإضراب طلابي على مستوى عموم البلاد، وخططوا لتنظيم مسيرات مناهضة للحرب في جامعات هارفارد وأنديانا وبيردو ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكليات أخرى.
شهدت الأيام التي سبقت الرابع من مايو عام 1970 كثيرا من التوتر، وأعلن الرئيس “نيكسون” أنه سيغزو كمبوديا، وهذا أطلق موجة موسعة من الاحتجاجات.
يقول أستاذ الجامعة في هارفاد فريدريك لوغفال: كانت هناك مظاهرة مناهضة للحرب في جامعة كنت في الأول من مايو/أيار، وأدى ذلك لحدوث صدامات بين المتظاهرين والشرطة، ووقتها أعلن جايمس ألين رودس حاكم ولاية أوهايو بأنه سيستخدم جميع قوات إنفاذ القانون، إذا اضطر لإخراجهم من كنت، وسيستأصل المشكلة من جذورها، وأدى هذا التحدي إلى إحراق مبنى الضباط.
يقول الموسيقي “جيري كاسال”: كان الحرس الوطني متحصنا في عدد من مباني الحرم الجامعي ومستعدا للهجوم دون علمنا، وكان هناك ألف ناشط في الحرم الجامعي وبضعة آلاف عند التل، ولم يكن أحد ينوي الانصراف.

الصورة الآيقونة التي تتساءل فيها الطالبة لماذا تقتلون زملاءنا

 

“أن تعلم أمريكا أن الجيش يقتل أبناءنا”.. مجزرة الجامعة

لُقن الجيش أن هناك شيوعيين في الحرم الجامعي يحاولون إشعال ثورة. يقول “ريتشارد غولدستين” الصحفي في “ذا فيليج فويس”: اصطف أفراد الحرس الوطني على التل في مواجهتنا، وبدلا من إطلاق الغاز المسيل للدموع، صوبوا أسلحتهم ناحيتنا، ما أدركناه لاحقا هو سقوط أشخاص على الأرض.
لم يفعل الطلاب الذين تعرضوا للإصابة أي شيء بل كانوا شهود عيان، ففي أحد المشاهد المأخوذة من الأرشيف، يظهر “سيمور بارون” أحد أساتذة جامعة كنت وهو يطلب من الحرس الوطني إيقاف الأمر قبل أن يتحول إلى مجزرة، ويقول “لا يبدو عليكم التأثر، هذا شيء مروع، هذا شيء كبير، إنهم طلبة جامعيون”، لقد قتل 4 طلاب جراء إطلاق النار المباشر عليهم، وأصيب عدد آخر.
يقول الموسيقي “ديفيد كروسبي”: بعد الحادثة كنت أنا و”نيل يونغ” في منزل صديق لنا، فجاءنا بمجلة عليها غلاف لفتاة إلى جانب فتى غارق في بحيرة من الدماء، كانت تلك النظرة في عيون الفتاة وكأنها تتساءل لماذا؟ المشهد من جامعة كنت، ورأيت “نيل” ينظر إليها مصدوما ثم التقط الغيتار، وكتب أغنية أوهايو بعد ذلك اتصلت بـ”ناش” وحجزت استديو على الفور.
يقول الموسيقي “غراهام ناش”: قلت لـ”ديفيد” ما الخطب؟ تبدو متوترا، قال انتظر حتى تسمع أغنية أوهايو، كان أحمد أوردغان الذي يملك شركة تسجيل حاضرا تلك الليلة، فأعطيته اللحن وطلبنا منه أن يعمل توزيعا موسيقيا، قال لنا لديكم أغنية منفردة “تتش يور تشلدرن” (علم أطفالك) وهي تتصاعد للتو في قائمة في قائمة الأغاني، قررنا نحن الأربعة أن من الأهم أن تعلم أمريكا أن الجيش يقتل أبناءنا لأنهم يتظاهرون ضد ما تقوم به الحكومة في كمبوديا، لقد أحب “ديفيد كروسبي” الأغنية وقد شعر لأول مرة أنهم مدركون لما يجري حولهم، ووصف ذلك بلغة الموسيقى.
في غضون أسابيع قليلة كانت أغنية “فور ديد أوهايو” (قتلى أوهايو الأربعة) تسمع في كل راديو وصنفت من أفضل الأغاني الاحتجاجية. يقول الموسيقي “بن هاربر”: لقد كانت واحدة من تلك الأغاني التي تعرف الناس أنه يمكنهم التواصل مع الآخرين من خلال موجات الأثير، كانت الأغنية صرخة مدوية ومعيارا للمعارضة، كما هو حال كثير من أغاني تلك الفترة.

في جامعة كنت، أردت الشرطة أربعة من الطلاب المعتصمين ضد الحرب

 

“إطلاق النار على الطلبة كان لحظة فقدان للبراءة”

في الخامس من مايو/أيار عام 1970، قتل أربعة طلاب أمريكيون في أوهايو في ملعب جامعتهم، قتلوا في قلب أمريكا بسبب الطبيعة العنيفة لمجتمعنا كما يقول “تيد كينيدي”، كانت حربا لم يفهمها المجتمع ولم يوافق عليها، وطالما لم يوافق عليها فلن تنجح، بينما اعتبر المقاتل السابق في فيتنام “آرثر فلورز” أن إطلاق النار على الطلبة كان لحظة فقدان للبراءة.
مع أحداث كنت والتحول الكامل الذي أصاب أمريكا عام 1965، بدأ الرئيس “جون نيلسون” بإرسال الجنود إلى فيتنام التي لم يكن يعلم الناس أين تقع.
يقول المقاتل السابق في فيتنام “دوغ برادلي”: كان لدينا تصور عن الشيوعيين أنهم آفة، وأن علينا استئصالها بعدما عانينا من الفاشية في الحرب العالمية الثانية.
في العام 1966، كان السواد الأعظم من الناس مع الرئيس “ليندون جونسون” فظهرت أغنية “ذا بالاد أوف ذا غرين بيرتس” (أغنية القبعات الخضراء). يقول “جيري كاسال”: مست تلك الأغنية قلوب الكثير من الأمريكيين، واعتبروا ما يقوم به الجنود في فيتنام أمرا عظيما، وأرادوا دعمهم.

بوستر نانسي سيناترا وأغنية “هذه الأحذية صنعت للمشي”

 

للمشي صنعت الأحذية”.. عروض موسيقية في ميادين الحروب

كان العام 1966 عاما رائعا لموسيقى الفولك، وكانت فرقة “مونتاون” في أوج شهرتها بالإضافة لفرقة “ذا بيتلز” و”روينغ تونز” وكانت أغنية “ذا بالاد أوف غرين بيرتس” التي غناها الرقيب أول “باري سادلر” تحتل المرتبة الأولى، وظلت في الصدارة أسابيع عدة، وأصبح “سادلر” وجها للجيش وللحرب، كما أصبح “جونوي” الذي أنتج فيلم الخوذة الخضراء جزءا من تلك الأغنية وغدت وسيلة فعالة للتجنيد.
يقول المقاتل السابق “روجر ستيفنز”: التحقنا في البداية بالخدمة العسكرية، وخضعنا للتدريب المكثف والعمليات النفسية، واستخدموا الأفلام النازية لغرض تدريبنا، وقد عينت بالوحدة النفسية، وانتقلت أنا وأصدقائي الذين درسوا معي في كلية الإذاعة والتلفزيون إلى محطة القوات المسلحة، وقدمت برنامج في ظهيرة الأحد لقراءة الشعر وكانت أغنية “بوتس آر مايد فور واكين” (للمشي صنعت الأحذية) لـ”نانسي سيناترا” المغنية المفضلة للعسكريين الذين يدكون الأرض، ويرتدون الأحذية طوال حياتهم وينامون بها.
يقول الكاتب “جايمس كابلان”: لخصت تلك الأغنية كثيرا مما يشعر به الجنود، كانوا يلبسون الأحذية ويمشون بها في أوحال فيتنام، يلدغهم الناموس فيموتون، إنها أغنية قاسية ومثيرة وغاضبة.
كانت “نانسي” في تلك الفترة مجرد ابنة لـ”فرانك سيناترا ولم يكن غناؤها بارزا، لكن تلك الأغنية غيرت كل شيء وصنعت منها نجمة عملاقة. تقول “نانسي”: كان صدور الأغنية ذكيا من حيث الأزياء، فقد كنت أرتدي أحذية ورداء من تصميم ماري كوان، وكان اسم الألبوم “شوغر”، كنت أرتدي على الغلاف لباس بحر وردي فحظر الألبوم في بوسطن، لكننا رغم ذلك أخذنا تلك الصورة وصنعنا منها ملصقات، وأرسلناها إلى الجنود حيث كانوا يضعونها في خوذاتهم.
يقول “جايمس كابلان”: لقيت الأغنية رواجا كبيرا في فيتنام، وكانت توزع صورتها، وقد شغف الجنود بها، وطالبوا بصخب أن تغني “نانسي سيناترا” في فيتنام، وفعلا قدمت “نانسي” عرضا، وقد قدر الجنود ذلك.
تقول “نانسي”: اصطحبت مجموعة صغيرة معي وقدمنا عرضا في مناطق ريفية، شعرت أنه من الضروري أن أساعد الجنود، شعرت بالحرارة والفوضى والحرب، كان هؤلاء الشباب يقتلون من أجل قضية لا يؤمن أكثرهم بها، ما زلت أتذكر تلك اللحظات بحزن.
بعد عودتها، كانت “نانسي” مناهضة للحرب، وعادت إلى والدها الذي أحبته كثيرا، ودخلا في نقاشات حادة حول حرب فيتنام. تقول الكاتبة “كلار بينغام”: أطلق على ذلك الجيل جيل الصحوة، وكانت السنوات الخمس التي تلت تلك أحداثا كارثية، وتغير كل شيء.

مظاهرات مناهضة للحرب ضد إرسال الأمريكيين إلى الموت دون سبب

 

“لم نكن نعرف أين تقع فيتنام”.. مواجهة الدعاية الحربية

كانت موسيقى الفولك هي السباقة في التعبير عن وجهة النظر المناهضة للحرب في منتصف الستينيات، وتأثر الناس بها كثيرا، وكان الموسيقيون هم من أطلقوا الاحتجاجات، وكانت عنصرا فعالا ضد الدعاية الإعلامية.
وقد التقط بعض عناصر موسيقى “الروك أند رول” الأمر ونقلوه للناس. يقول الموسيقي “جون ميلينكامب”: يكبرني والداي بعشرين عاما، لذا نشأت في منزل سمعت فيه كل أغاني الفولك، كنت أجلس في الفراش واستمع لأغاني “أوديتا ودي غوتري”.
وسع الرئيس “نيكسون” الحرب بطريقة كبيرة، وكان هناك 27 مليون شاب مؤهلين للخدمة في الجيش، لكن لم يكن أحد متلهفا لقيام حرب. يقول “جون ميلينكامب”: لم نكن نعرف أين تقع فيتنام من مدينة ثيمور في أنديانا.
وترى الموسيقية “ميليسا إيثريدج” أن الشخص الموسيقى لديه نظرة عامة للحياة، وأن مؤلف الموسيقى هو مرآة للمجتمع، وأن هذه طريقة لتوحيد الجمهور من أجل السلام والحب والدفاع عن الحقوق.

محمد علي كلاي يرفض الانضمام للجيش الأمريكي إلى فيتنام ويفضل السجن على ذلك

 

“أعداء شعبي الحقيقيون هنا لا في فيتنام”.. ثورة محمد علي كلاي

لقد أضاف الملاكم “محمد علي كلاي” مزيدا من الجدل الدائر حول فيتنام، ورفض التجنيد في الجيش الأمريكي وكان النضال الذي خاضه في هيوستن لحظة الحقيقة بالنسبة له، فقد قدم إلى مركز التجنيد رافضا الخدمة حتى لو عرضه ذلك للسجن. وقال: قلتها وسأكررها، أعداء شعبي الحقيقيون هنا لا في فيتنام.
يقول “ديفيد كروسبي”: أردت أن أتطوع في الحرب العالمية الثانية، لكني لم أكن أشعر أن حرب فيتنام صحيحة، وانتابني نفس شعور محمد علي، كيف أقتل هؤلاء المساكين الذين لم يفعلوا شيئا، إنه رجل شجاع.
لم يكن “محمد علي كلاي” الوحيد في ذلك، فالمغنية “جوان بايز” كانت تقول للناس بأنهم ليسوا مضطرين للذهاب إلى هناك، ويمكن أن يعترضوا بدافع الضمير ولو تعرضوا للعنف والسجن، وكانت تقول: حين تسجن لكونك داعية سلام فستخرج أقوى مما كنت عليه.
ازداد الوعي عند الشباب نتيجة التحاقهم بالتعليم، وشعروا بالقوة والتحرر، وظهرت حركة مناهضة الحرب. يقول الموسيقي “روني دون”: لأول مرة، ومن خلال التعليم، أصبح عليك أن تدرك أن ثمة ما هو أكثر من أن ترتدي بزتك وتذهب إلى الحرب، هناك في الواقع حرية في التفكير.

فور وات إتس وورث..  أولى الأغنيات المناهضة للحرب

 

“فور وات إتس وورث”.. نشيد الجيل المعارض للحرب

يقول الموسيقي “ستيفن ستيلز”: ذهبنا إلى الجامعات وتعلمنا الفنون الحرة والأدب وتوسعت مداركنا، ثم بدأنا التصرف وفقا لذلك، وكنا راضين عن رسالتنا أن نكون أحرارا، لذا كتبت “فور وات إتس وورث” (هل تستحق ذلك)، وقد ألف “نيل” إشارة موسيقية رائعة تبدو مثل صفارات الشرطة.
ويصف الأغنية قائلا: وضعت تلك الأغنية في صف الحركة المناهضة للحرب، وكانت بمثابة النشيد لجيلي، لقد عبرت تماما عن ما شعر الناس به وكأن الأرض تهتز من تحتك، هذا النوع من الإلحاح والصدمة الذي يصف ماهية الشعور بأن تكون ذلك الشخص في هذا الموقف بالذات، يضربك جنون الشك وينساب إلى أعماقك وينتابك دوما، وعندما تشعر بالخوف وتخرج عن الصف يأتي شخص ويأخذك بعيدا.
أما “إيرك بيردن”، فيرى أن الأغنية كانت قطعة رائعة من موسيقى الروك أند رول، قالت ما يجب قوله عن الحرب، وعدم الرغبة في المشاركة والالتحاق بالجيش “لن أفعل ذلك بعد الآن”.

الاحتجاجات تعم أمريكا ضد الحرب

 

“العالم كله يشاهدنا”.. احتجاجات مؤتمر الحزب الديمقراطي

كان الجو مشحونا ومتوترا في العام 1968، وازدادت حدة الاحتجاجات المناهضة للحرب، وكان متوقعا حدوث اضطرابات في افتتاح الدورة 53 لمؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو سواء في داخل القاعة أو تهديدات بالعنف خارجها. يقول جيري كاسال: لا يمكن أن تصبح الأمور أكثر بشاعة كما حدث في مؤتمر شيكاغو.
لم يحسم كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري مرشحيهما وخاصة الديمقراطيين، وكان هناك حزب الشباب الدولي “الهيبيز السعداء”، كانوا جماعة انتقادية ساخرة وأرادوا ترشيح خنزير للرئاسة، وغنت فرقة “كاونتري جو اند ذا فيش” السياسية الساخرة أغنية مناهضة للحرب، ومع ذلك بدت وكأنها أغنية سعيدة وتحمل دلالات مختلفة، كما رأت منظمة “طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي” أن تكون الاحتجاجات قوية.
وعلى إثر ذلك تحول مؤتمر شيكاغو إلى حرب شوارع. تقول مارلين يونغ: ما جرى ترداده في مظاهرات شيكاغو هو: “العالم كله يشاهدنا”، وبالفعل شاهد العالم أشخاصا في مثل سني يساقون إلى سيارات الشرطة دون أن يفعلوا شيئا، أصابوا رؤوس مذيعي الأخبار الذين كانوا يذيعون الحدث.
شمل المشهد ما كان يحدث داخل وخارج القاعة، كانت معركة لأجل إخماد الحراك، كان ما حدث تحولا باتجاه اليمين، ولم يمانع عامة الناس في التخلي عن حقوقهم المنصوص عليها في التعديل الأول من الدستور طالما وجهت لأشخاص لا يروقون لهم من المناهضين للحرب.

أغنيات مؤيدة للحكومة موجهة ضد الحركات المناهضة للحرب

 

“هؤلاء الأطفال عاطلون ويمزقون مجتمعنا”.. رجل تقليدي في البيت الأبيض

يقول “يوهورو ويليامز”: كان المرشح الفائز عن الحزب الجمهوري للرئاسة “ريتشارد نيكسون”، وقد ترشح من منطلق النظام والقانون، وكان ألد أعدائه حركة القوى السوداء والطلاب المتطرفين.
وقد أطلق “نيكسون” نداء قال فيه: “هؤلاء الأطفال عاطلون ويمزقون مجتمعنا، وسأتحدث عن الأغلبية الصامتة”. لقد كان من الطراز القديم واعتبر المعارضة عدوا، فقد كانوا هيبيزا بالنسبة له، ويراهم تهديدا للوضع الراهن، ولم يكن يستمع إلى “مارثن غي”.
في تلك الفترة أصبحت الأغنية المفضلة للصقور أغنية ماريل “أوفي فرم أسكوفي”، ولم يكن مؤيدا للحرب، لكنه ضد تجاوزات الحركة المناهضة للحرب. يقول “ريتشارد غولدستين”: كانت الأغنية إشارة لنا بأن هناك أناسا آخرين، ويصوتون أكثر منا، ولذا فإن المستقبل لا يخصنا وحدنا.
كانت الأغنية ناجحة للغاية وجرى استغلالها من قبل البعض في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهذا ما ساهم في اتساع الهوة بين الأجيال، وهو انقسام بين الصقور والحمائم.
والاغنية الوحيدة التي صعدت للحركة المناهضة للحرب هي أغنية “ذا وور” (الحرب) لـ”إيدون ستار”. يقول “إيريك بيردن”: كانت أغنية رائعة ومزيجا من الإيقاعات، وتقول الأغنية: الحرب ما الغاية منها، قالت الحقيقة بشكل مباشر دون تلاعب.

أصبحت حرب فيتنام عبيثية في عيون الأمريكيين الذين أصبح حلمهم عودة أبنائهم إلى البلاد

 

“زر أمريكا فما زالت موجودة”.. بلاد على وشك التمزق

مع اجتياح كمبوديا وتوسيع نطاق الحرب التي أراد الناس إنهاءها، تفجرت الاحتجاجات وعمت أرجاء البلاد، وأطلق الحرس الوطني النار في الجامعات، ليس في جامعة كنت وحدها، بل في جامعة جاكسون وساوث كارولاينا وجامعات وكليات السود التاريخية، ولم يحصلوا على القدر الكافي من الاهتمام، إلا حين قتل الحرس الوطني طلابا من ذوي البشرة البيضاء. يقول “نيلسون جورج”: عندما رأيت الفتاة في جامعة كنت ونظرتها، لم يكن لشخص أسود أن يحظى بذلك الاهتمام.
ويقول “ريتشارد غولدستين”: رأيت في أوروبا ملصقا من الخطوط الجوية يقول: (زر أمريكا فما زالت موجودة..). بداية ظننته مضحكا، لكن كان شعورا بأن البلاد يمكن أن تتمزق بالفعل.
كانت البلاد تتجه إلى الأسوأ. يقول “بول غامبا تشيني” مذيع هيئة الإذاعة البريطانية: كانت نهاية التفاؤل، فقد صدقنا ذلك في العام 1967 في سان فرانسيسكو، ووضعنا الزهور على رؤوسنا، لكن بعد أحداث جامعة كنت لم نعد نصدق.
أما المقاتل السابق “إد جيرمان” فيقول: ما أردت فعله هو العودة إلى المنزل، فقد سمعت الناس يقولون ماذا فعلت لكم فيتنام؟ لماذا أنتم هناك ولماذا تموتون؟ للأسف كانت الصورة متجزئة بشكل وحشي لا تراه على التلفاز، عليك أن تكون على الأرض، لقد رأى البعض الجنود كمقاتلين جردوا من كل مظاهر الحضارة وأصبحوا بدائيين، لذا كانت علاقتهم بالموسيقى أيضا بدائية.

تركت أغنية “تراك أوف ماي تيرز” أثرا إيجابيا على الجنود في المعركة من حيث الأمل في العودة

 

“آثار دموعي”.. موسيقى الجنود في خنادق الموت

انت الموسيقى في كل مكان في فيتنام، وكانت الفرق تعزف في نوادي التجنيد، والأشرطة تأتي من مكان. يقول الأستاذ الجامعي “كريغ ويرنر”: لو كنت جنديا في ظروف خطرة على بعد 16 ألف كيلومتر من الوطن، فحين تسمع (ثوت رنان) فهذا يعني الكثير.
يقول “سموكي روبنسون”: قال لي “أوليفر ستون”: عندما كنا في الخنادق جعلتنا موسيقى موتاون نغني، لقد أبقتنا أحياء، وكانت أغنيتي المفضلة “تراك أوف ماي تيرز” (آثار دموعي)، عندما تفكر أن بعض الموسيقى كانت مصدر طمأنينة لبعض الرجال الذين كانوا يضحون بحياتهم، فإنك تشعر بأن هذا مؤثر.
غيرت الموسيقى مفهوم الحرب عند الجنود، وكانوا يتلهفون لسماع الألبومات الجديدة التي كان يحضرها المجندون الجدد، يقول “إد جيرمان” كانت الأغنية المفضلة للجنود “وي غات تو غت آوت أوف ذيس بليس” (علينا مغادرة هذا المكان)، وهي ليست عن حرب فيتنام، وصدرت في عام 1965، لكنها كأنما كانت مكتوبة خصيصا لأجل فيتنام.
كانت هذه الأغنية بمثابة النشيد الوطني للجنود، وكان ينظر إليها من جانب القيادة أنها تعبير عن السخط، حتى أن بعض منسقي الأغاني تلقوا أوامر بعدم بثها، لكنهم كانوا يشغلوها.
قامت فرقة “ذا أنيمالز” ببث بعض الروح في تلك الأغنية، فالأغاني العظيمة هي التي يمكن قراءة ما بداخلها، وكان الجنود يغنون تلك الأغنية بحماسة كلما اقترب موعد عودتهم إلى الوطن، وكان شعارهم أن كلا منهم لا يريد أن يكون آخر جندي يقتل في فيتنام.
كان الجميع يعلمون أنهم خسروا الحرب، لكن الأمر كان يتعلق فقط بطريقة الخروج من هناك، فقد كانت الحرب لحظة عسيرة في التاريخ الأمريكي، ولم يكونوا يعلمون ماذا كسبوا منها، كانت أسوأ السياسات الخارجية، وهي الحرب الأولى التي خسروها.
كان الغضب عنيفا وعميقا، وشعر الأمريكيون أنهم تعرضوا للخداع والكذب، فما حدث من الفظائع في فيتنام كان باسم أمريكا، لقد تمزقت حياة الناس إربا.

أغنية “ولدت في أمريكا” احتجاجية بامتياز وتدعو لعدم السقوط في براثن اليأس

 

“ولدت في أمريكا”.. أغنية الوطنية والوجع الأمريكي

كان على أمريكا القيام بالكثير للتعافي بعد الحرب، ومحاولة البناء بعد عودة الجنود وكان للموسيقى طريقتها في التعبير عن الألم والمعاناة الناتجة عن حالة الاستقطاب، وظهرت أغنية “بورن إن ذا يو أس إيه” (وُلد في أمريكا).
يقول الموسيقي “بن هاربر”: سأحاول أن أقرا منها دون أن أبكي:
وُلد في المدينة رجل ميت
كانت أول ركلة لي عندما ضربت الأرض
ينتهي بك المطاف كالكلب الذي ضُرب كثيرا
وتقضي نصف حياتك تتستر على الأمر
وُلد في أمريكا

يقول “دوغ برادلي”: إذا استمعت إلى الأغنية، فلا تسئ فهمها كما فعل الرئيس “ريغان” والآخرون، أليست هذه نسخة من أغنية روك “اوكي فرم ماسكوغي” (حسنٌ من ماسكوغي).. هذه أمريكا وهذه هي الوطنية.
تلك الأغنية تدور حول فقدان الحياة، إنها عن الألم والحرب وعدم القدرة على العودة للوطن، أو عدم قدرتك على النهوض، إذا عدت كجندي سابق.
ليس هناك من شك أنها أغنية أمريكية –كما يقول “جون ميلينكامب”- فلا يمكن للمرء إلا سماع الإحساس، إنها أغنية فولك مكتوبة بشكل رائع، كما استخدمها الجمهوريون في حملاتهم.
يقول الفنان “بروس برينغستين”: ما دفعني للكتابة أنني شعرت بأهمية الأمر، عشت في مدينة صغيرة، وكانت هناك خطوط مرسومة في كل مكان في أمريكا، كانت هناك لحظة فارقة في الثقافة الأمريكية، وفي بعض الأزياء تغيرت الأمور حقا، كان هناك ما قبل الحرب وما بعدها، لقد كان العالم والولايات المتحدة عالمين مختلفين للغاية.
كانت أغنية “ولدت في أمريكا” احتجاجية بامتياز ورفضا للسقوط في براثن اليأس، وهي تعبير عن الوطنية في الأوقات الحرجة والدقيقة. يقول “ريتشارد غولدستين”: الوطنية هي للتلويح بالمثل العليا، والاحتجاج تصرف وطني دوما، إنه في حمضنا النووي.