الأسلحة النووية.. السِّباق نحو الموت

موح أوبيهي

“نُشبه إلى حد بعيد عقربين في زجاجة، كل منهما قادر على قتل الآخر”.. هكذا وصف الأب الروحي للقنبلة الذرية “روبرت أوبنهايمر” حالة الصراع المحموم بين القوّتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.

لقد وقفت واشنطن وموسكو في محطات كثيرة على حافة حرب عالمية ثالثة، أبرزها على الإطلاق أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر/تشرين الأول 1962.

خاض الأمريكان والسوفيات حروبا بالوكالة ومواجهات ندّية، منها حصار برلين 1948–1949 والحرب الكورية 1950–1953 وحرب فيتنام 1956–1975، لكن خلال كل هذه الحروب تحكّم العقل أو الخوف من الانجرار إلى حرب شاملة.

عندما تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، دخل العالم مؤقتا عهد نهاية التحالفات العسكرية والإنفاق الضخم على الدفاع والحروب بالوكالة.

انهارت النظرية الاشتراكية وتبددت الأحلام الجميلة لكارل ماركس وفريدريك أنغلز في القضاء على “العبودية المأجورة”. كما تركت الاشتراكية مكانها للرأسمالية والليبرالية السياسية، وكتب علماء السياسة في أمريكا بزهو المنتصر أن العالم دخل “مرحلة نهاية التطور الأيدولوجي للإنسان، فالليبرالية هي الصيغة النهائية للحكومة البشرية”.[1]

 

وفي 2019، يمكن الحديث -دون تبجح- عن 74 عاما من السلام بين القوى العظمى، وهي سابقة في تاريخ البشرية؛ فالحروب بين الإمبراطوريات الكبيرة موضة قديمة وليست وليدة الحداثة كما يعتقد البعض.

وإذا كان علماء الاقتصاد يرجعون السبب في هذا السلام إلى العولمة الاقتصادية وتشابك اقتصادات الدول الكبرى، فإن علماء السياسة يرون أن السلاح النووي لعب دورا في إحلال السلام بين الأقوياء.

جذور “الحرب الباردة”

بعد نهاية الحروب الكبرى عادة ما تظهر دعوات لطَي صفحة الماضي والانفتاح على عهد جديد من السلام والعدالة والرخاء الاقتصادي.

لم تكن الحرب العالمية الثانية (1 سبتمبر/أيلول 1939 – 2 سبتمبر/أيلول 1945) استثناء في هذا المجال، لكن لسوء حظ العالم، فقد تنامت التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مباشرة بعد سحق الحلفاء للقوات النازية واحتلال برلين.

شكلت القوتان معسكرات أيديولوجية أحبطت المتفائلين بإمكانية إحلال السلام في العالم، وفي هذه المرحلة كانت الولايات المتحدة الأقوى عسكريا بسلاحها النووي، وبالرغم من ذلك فقد ظلت إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة واردة إلى أن فجّر الاتحاد السوفياتي قنبلة ذرية أسقطت العالم فيما سمّي آنذاك “ميزان الرعب”.

 

في هذه الفترة، تصاعد الحديث عن “الحرب الباردة”، وهو مصطلح انتشر بشدة سنة 1947 بعد صدور كتاب “الحرب الباردة.. دراسة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة” للكاتب الأمريكي والتر ليبمان.

غير أن ليبمان لم ينحت شخصيا هذا المفهوم، وإنما اقترضه من الإعلام الفرنسي الذي وصف إستراتيجية أدولف هتلر لإنهاك أعصاب الفرنسيين خلال الثلاثينيات من القرن الماضي بـ”الحرب الباردة” (la guerre froide).

حلبات الملاكمة الدولية.. من يسدد اللكمة الأولى؟

يشبّه المؤرخ البريطاني لورانس فريدمان في كتابه “الإستراتيجية” (The Strategy) الحرب الباردة بـ”ملاكمين داخل حلبة، ينظر كل منهما إلى الآخر بحذر، ثم يدوران في الحلبة قبل أن تبدأ اللعبة بأول لكمة”،[2] لكن هذه الضربة لم تحدث أبدا في حالة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

وبدلا من أن يسدد كل منهما اللكمة الأولى، اعتمدا على عشرات الملاكمين في حلبات صراع ساحتها بحجم دول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بينما ظلا يتفرجان ويمدّان المتحاربين بالسلاح والمال.

مات الكاتب البريطاني جورج أورويل عام 1950 قبل أن يرى نهاية هذا النزال، لكنه كتب في 1945 عن هذا الصراع الذي سمّاه أيضا “الحرب الباردة”، وكان أول من حاول تقييم تأثير الأسلحة النووية على العلاقات الدولية.

 

ووصف أورويل في مقالة نشرها بعنوان “أنتَ والقنبلة النووية”[3] شدة الفتك الذي يمكن أن تسببه هذه الأسلحة، متنبئا باحتمال وجود دولتين أو ثلاث دول نووية قادرة على القضاء على ملايين البشر في بضع ثوانٍ، مما يجعل قادة هذه الدول يقسمون جغرافيا العالم فيما بينهم.

كما حذر من انتشار القنابل النووية وسط أنظمة وحشية قادرة على تحويل هذا السلاح الفتاك إلى أدوات للذبح الجماعي في حق شعوبها.

لم تتحقق نبوءة أورويل المعروف بتشاؤمه السياسي وخوفه من الأنظمة الشمولية، لكن ما تحقق بالضبط هو حديثه عن إمكانية أن يتجنب “الكبار باتفاق ضمني استخدام القنبلة ضد بعضهم البعض”.

السلام العالمي.. وليد غريزة الخوف

جاء بعد أورويل الخبير الإستراتيجي العسكري برنارد برودي (1910-1978) الذي أسس فعلا أبجديات الإستراتيجية النووية، وكان مهندس ما يسمى بنظرية “الردع النووي”.

عندما سمع برودي عن القنبلة الذرية لأول مرة قال لزوجته: كل ما كتبته إلى اليوم عن الحروب أصبح متجاوزا بسبب هذا السلاح الجديد.

وأضاف: حتى الآن كان الهدف الأساسي لمؤسستنا العسكرية هو الانتصار وكسب الحروب، من الآن فصاعدا يجب أن يكون الهدف هو تجنب هذه الحروب. هذا السلاح لا يفيد في شيء غير منع اندلاع الحروب.

 

منذ البداية، أدرك برودي الطبيعة الرادعة لهذه الأسلحة الفتاكة، فالمجتمع الدولي سيحوّل هذه الأسلحة إلى ما يشبه “التابو” (مصطلح يستخدم لكل ما هو محظور)، لأن استخدامها -ولو على نطاق ضيّق- كفيل بأن يدمر قارات بأكملها، وينتقل مفعولها إلى مناطق بعيدة بما فيها الدولة المهاجمة نفسها.

كان برودي أشد المعارضين لترك الحرب والسلام بيد المؤسسات العسكرية، مثل البنتاغون، فكتب قائلا: ليس من مهام الجندي تأليف الكتب، التدريبات العسكرية بطبيعتها تعادي التفكير والتأمل العقلي، فهي تركز على الأمور العملية وتنفيذ الأوامر.

كما دعا برودي إلى منح الأكاديميين داخل المؤسسات العسكرية زمام المبادرة، لأن الاعتماد على الجنرالات قد يؤدي إلى مهلكة حقيقية.

إستراتيجية الردع.. إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب

لم تتحول الحرب الباردة أبدا إلى صراع مباشر بين العملاقين، فتأكد للخبراء أن السياسيين في المعسكرين أكثر حذرا مما كانوا يعتقدون.

وبعد مرور سنوات على اندلاع الحرب الباردة، أدرك العالم أن عليه أن يتعايش مع الواقع الجديد تحت شعار “لا حرب ولا سلام”، لكن هذا لم يمنع الدوائر الأكاديمية في الغرب من الحديث عن الإستراتيجية الجديدة “إستراتيجية الردع”، والتي تستند إلى فرضية تعتبر أن القوة الشديدة هي أفضل علاج للقوة؛ فمن أجل تجنب الصراع يجب أن يدرك العدو تماما أن أي محاولة للهجوم ستواجَه بقوة مدمرة قد تعرضه للهلاك، وعندما يدرك العدو مخاطر هذه المواجهة العسكرية وصعوبة حسم المعركة والأضرار الجانبية، فإنه سيتراجع كابحا جماحه، آنذاك تتحقق “سياسة الردع”.

 

لاحقا، اعتنقت بعض الدول الخائفة من أي جارٍ صاعد هذه الإستراتيجية في محاولة لحماية مصالحها القومية. وقد حدث هذا في شبه القارة الهندية، عندما هدد الرئيس الباكستاني الراحل “ذو الفقار علي بوتو” في عام 1965، من أن الشعب الباكستاني “سيأكل العشب والأوراق” حتى يحصل على السلاح النووي. وفي عام 1983 جربت باكستان قنبلة نووية وأصبحت منذ ذلك الوقت تهدد جارها القوي “الهند” من إمكانية استخدامه إن دعت الضرورة إلى ذلك.

الانتحار الجماعي.. عليَّ وعلى أعدائي

لقد فتحت “عقيدة الردع” بابا للدول الفقيرة عسكريا للحصول على السلاح الفتاك وتهديد الدول العظمى بـ”الانتحار الجماعي” في حالة تعرضها لخطر محدق، فمثلا تؤكد باكستان أنها غير مضطرة لخوض حرب برية محدودة بأسلحة تقليدية مع الهند، وتهدد بحماية أراضيها من أي عدوان كيفما كان بالترسانة النووية.

وحصلت كوريا الشمالية على التكنولوجيا النووية أيضا لتحقيق إستراتيجية الردع العسكري من أجل حماية نظامها من الانهيار، كما أن دولا أخرى مثل سوريا وليبيا والعراق وربما إيران حاولت في السابق الحصول على الأسلحة النووية لأهداف الردع، وقد تمكنت إسرائيل من الحصول على هذا السلاح بمساعدة فرنسية، كما أن الكثيرين لا يستبعدون إمكانية حصول السعودية مستقبلا على تكنولوجيا السلاح النووي إما عبر باكستان أو دول أخرى حليفة.

 

وفي 17 سبتمبر/أيلول الماضي، قال وزير الطاقة الأمريكي “ريك بيري” إن الولايات المتحدة لن تزود السعودية بالتكنولوجيا النووية إلا إذا وقعت المملكة اتفاقية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسمح بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة ومتعمقة.

عقيدة “التدمير المتبادل”.. الصاروخ الأخير

كان علماء السياسة والاقتصاد داخل البنتاغون يسخرون من الجنرالات في وزارة الدفاع الأمريكية بسؤال مؤلم: سيدي الجنرال، كم حربا نووية خضت في حياتك؟

لم يكن هدف السؤال خلال النقاشات الحامية هو السخرية فقط، بل لفت الانتباه إلى أن خبراء السياسة المدنيين في البنتاغون مثلهم مثل الجنرالات، كلاهما يعتمد على العقل لا التجربة عند الحديث عن سيناريوهات نشوب حرب نووية وتداعياتها على العالم.

 

وفي الحقيقة فالمدنيون هم الذين وضعوا أساسيات ما يسمى بـ”عقيدة التدمير المتبادل” (Mutual assured destruction)، وهي عقيدة بُنيت في الأصل على إستراتيجية الردع، وهدفها سحب ما يسمى بـ”امتياز الضربة الأولى”.

ففي السابق كانت الدول التي تباغت خصومها تزرع البلبلة داخل الجيوش المعادية مما يسهل عليها مهمة الغزو والفتك، فالزعيم الألماني هتلر -مثلا- اعتمد أسلوب الحرب الخاطفة (Blitzkrieg) خلال الحرب العالمية الثانية خصوصا خلال عملية “بارباروسا” التي سعى فيها النازيون لاجتياح الاتحاد السوفياتي.

لكن السلاح النووي جعل هذا الامتياز وهمًا من أوهام الماضي، لأن الضحية قادرة بعد أن تتعرض لمحرقة نووية على الرد بضربة انتقامية تؤدي إلى إبادة جماعية كاملة للطرفين.

الغواصات النووية.. الموت القادم من البحار

لم يأخذ السياسيون “عقيدة التدمير المتبادل” على محمل الجد، إلا بعد أن زوّد الجيش الأمريكي والاتحاد السوفياتي في وقت لاحق غواصاتهما بأسلحة نووية.

كان الخبراء الأمريكيون يعتقدون أن الاتحاد السوفياتي يستطيع بضربة خاطفة تدمير الأسلحة النووية الأمريكية الموجودة في تركيا، ثم في الوقت نفسه يدمر أماكن تخزين باقي القنابل النووية على الأراضي الأمريكية، بما فيها قطارات كانت تحوم البلاد ليلا ونهارا حاملة هذه القنابل.

 

كان بعض السياسيين في واشنطن لا يستبعدون حدوث هذا السيناريو، وإن كان نجاحه كليا عملية شبه مستحيلة، ومن أجل قطع الشك باليقين، لجؤوا إلى الغواصات لحمل صواريخ نووية لضمان “الضربة الانتقامية” في حالة وقوع هجوم وتدمير للترسانة النووية الأمريكية بالكامل على الأرض. هذه الغواصات تتجول في أعماق البحار وتضمن على الدوام هذه “الضربة الثانية”.

بعد نهاية الحرب الباردة، ظهرت معطيات جديدة عن هذه الغواصات، إذ تستطيع مثلا أن تحوّل أكثر من 288 هدفا بحجم مدينة إلى رماد مشع في أقل من 30 دقيقة، بل قادرة على إنهاء الحضارة البشرية برمتها. لقد سَحبت “الضربة الثانية” من كل سياسي ذي عقل راجح حافز الحرب المباغتة.

ولم يكن مفاجئا لجوء كوريا الشمالية مؤخرا إلى تزويد الغواصات بالصواريخ النووية، فبيونغ يانغ تفترض ببساطة إستراتيجية قديمة تقول عبرها للأعداء “حتى وإن دمرتم شبه الجزيرة الكورية برمتها، فهناك صواريخ نووية مشتتة في أعماق البحار قادرة على الوصول إليكم”.

التاريخ يعيد نفسه.. حسابات العملاق الصيني

يعتبر البعض أن كل ما قيل مجرد لغو أكاديمي، لأن استخدام السلاح النووي إمكانية قائمة دائما، ليس فقط لأن بعض الدول قد تخطئ الحسابات ويؤدي التصعيد إلى ضربة نووية (هذا الاحتمال وارد في شبه الجزيرة الهندية)، لكن أيضا يستطيع القادة المجانين (خاصة في البلدان الشمولية) قيادة بلدانهم إلى عمليات انتحارية.

يتخوف الغرب من تصرفات الزعيم الكوري الشمالي، وينتقد الديمقراطيون تنطّع الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وصعوبة ائتمانه على أسرار بلاده النووية، بينما يحذر آخرون من دور روسيا المخرب في السنوات الماضية وإمكانية انتقال التكنولوجيا النووية إلى المليشيات والجماعات المسلحة.

وقد تعززت المخاوف مجددا بعد انسحاب أمريكا من “معاهدة القوى النووية متوسطة المدى” التي تفاوض عليها الرئيس الأمريكي آنذاك “رونالد ريغان” والزعيم السوفياتي “ميخائيل غورباتشوف” سنة 1987، مما يفتح الباب على سباق جديد للتسلح في العالم.

 

ويأتي هذا التطور المقلق بينما تتجاهل الكثير من الدول معاهدة حظر الانتشار النووي، مما يعني حسب البعض بداية تآكل النظام العالمي الذي صممته القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وكان من أهم أهدافه منع انتشار الأسلحة النووية.

ورغم أن الولايات المتحدة تتهم روسيا بالغش وعدم الانصياع لحظر الصواريخ القصيرة أو المتوسطة المدى (مداها بين 500 و5500 كيلومتر) فإن كثيرين يرون أن واشنطن انسحبت بسبب رفض الصين الانضمام إلى المعاهدة.

اليوم، لم تعد أمريكا تنظر إلى روسيا كتهديد حقيقي، فالناتج المحلي الإجمالي لروسيا الاتحادية بأكملها لا يتعدى الناتج الإجمالي لولاية نيويورك.

إن الخطر الحقيقي هو صعود الصين بكتلة بشرية هائلة واقتصاد سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي في 2025، إضافة إلى أن الطموحات التوسعية للصين بارزة في بحر الصين الجنوبي، مع تهديد متصاعد لضم تايوان. وقد بدأ الكثيرون يتحدثون عن بداية حرب باردة جديدة بين الشرق “الصين” والغرب “أمريكا”.

ويثير الصراع الحالي حول تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) ومبادرة الحزام والطريق الصينيتين مخاوف الغرب من صعود الصين بزعامة الحزب الشيوعي، وبداية تغيير النظام العالمي الحالي الدائر في فلك الليبرالية السياسية والاقتصادية، والقيم الغربية عموما.

حروب غير معلنة.. هل يستمر السلام العالمي؟

لم تقدِّم العلوم الاجتماعية أي شيء يذكر في مجال التنبؤ. وعلى عكس العلوم الصلبة يظل التنبؤ مجرد رجم بالغيب في المجالات العسكرية. وما زال الخبراء في واشنطن يلومون وكالات الاستخبارات بسبب فشلها المتكرر في التنبؤ، مثل فشلها بالتنبؤ بوقوع الثورات العربية في 2011.

ليس التنبؤ في مجال العلوم الاجتماعية مسألة جديدة، إنها أقدم من “إيميل دوركايم” و”سيغموند فرويد” وكل أقطاب علم الاجتماع والنفس الحديث.

لقد عبّر إيمانويل كانْت (1724-1804) عن الألم الذي يعتري الفيلسوف أمام الظاهرة الإنسانية قائلا بجرة قلم: لم يخرج أبدا شيء ذو بال من الخشبة الملتوية التي صُنع منها البشر.

 

ومن أجل تجنب المتاعب والأخطار التي تنطوي على تطبيق “نظرية الألعاب” (Game theory) مجددا على الحالة الصينية كما استخدم كبار القادة في البنتاغون هذه النظرية الرياضية في صراعهم مع السوفيات للتنبؤ بأفضل الخيارات الممكنة؛ ينصح الخبراء في واشنطن الرئيس دونالد ترامب بالتعامل مع الصين بطريقة مختلفة.

ويحاول دونالد ترامب عزل الصين عن العالم الغربي باستهدافها اقتصاديا عبر الضرائب الجمركية، والضغط على الحلفاء لرفض التعاون مع الصين في مجالات البنى التحتية والاتصالات بمبررات منها قدرة الجيش الصيني على التجسس على العالم الغربي عبر الشركات الموالية له.

وتتهم أمريكا الصين أيضا بشن حروب غير معلنة من الأجيال الجديدة ضد الغرب، مثل “الحرب الهجينة” في بحر الصين الجنوبي، و”الحرب السيبرانية” التي تؤدي بالفعل إلى سرقة ما يزيد عن 300 مليار دولار سنويا من حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع من الشركات الأمريكية.

الرئيس الأمريكي.. مالك الكازينو

ينصح الليبراليون في واشنطن -الذين أضحى ترامب ينعتهم قدحيا بـ”رواد العولمة”- بضرورة الانفتاح على الصين اقتصاديا وسياسيا، حتى يصبح الاقتصاد الصيني والأمريكي متشابكين تماما، مما يجعل اللجوء إلى الحرب خيارا مستبعدا، بل غير واقعي لأنه يضر بالطرفين.

ويرى هؤلاء أن الاقتصادات المتشابكة والديمقراطية أدنى وسيلة إلى تجنب الحروب؛ لأن التجارة الدولية تمنح الأطراف جميعها فرصة الاغتناء وتحقيق الثروة عبر الأسواق، بدلا من الغزو أو التهديد بالاستيلاء على الأراضي كما كان يحصل في السابق.

لكن ترامب وأبرز مستشاريه الاقتصاديين بيتر نافارو، لا يؤمنون أصلا بالعولمة ولا بالنظام العالمي الذي صممته أمريكا وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، بل إنهم يعتبرون التجارة الحرة سبب مشاكل قطاع التصنيع في أمريكا وانتشار البطالة وانتقال الثروة إلى الصين، ويعتقدون أن الحل هو استعادة الولايات المتحدة المصانع التي فقدتها لصالح الدول الآسيوية والمكسيك.

ويتهم وزراء سابقون في الإدارة الحالية مثل “ريكس تيلرسون” و”جيمس ماتيس” الرئيس دونالد ترامب بـ”الجهل المطبق بقواعد السياسة الدولية”، ويتهمونه بالتصرف بمنطق “مالك الكازينو” لا رئيس قوة عظمى، ويرون أن أمريكا تحت القيادة الحالية تستعدي الحلفاء قبل الخصوم، وتُفكّك أُسس النظام العالمي الذي كان وراء 74 عاما من السلام العالمي.

 

المصادر:

[1] https://www.embl.de/aboutus/science_society/discussion/discussion_2006/ref1-22june06.pdf
[2] https://books.google.com/books/about/Strategy.html?id=3Zw2AAAAQBAJ
[3] http://orwell.ru/library/articles/ABomb/english/e_abomb