الأنفلونزا الإسبانية.. الذكرى المئوية لاندثار أشرس سفاحي القرن العشرين

خاص-الوثائقية

هناك حاجة أكيدة لدى الإنسان إلى مقارنة حاضره بماضيه، لأخذ العبرة من المآسي السابقة وتجنب تكرارها، أو للشعور ببعض الاطمئنان حين يكتشف أن ما يعيشه من كروب لا يرقى إلى ما سبق أن عاشه الأجداد، وأقرب ذكريات الماضي إلى الوقت الحاضر هي جائحة “الأنفلونزا الإسبانية” التي وقعت بداية القرن الـ20 ولم تميّز بين المعسكرين المتقاتلين، أي دول “المحور” ودول “الحلفاء”.

فقبل 102 عاما اجتاح وباء فتاك العالم على مشارف الرمق الأخير من الحرب العالمية الأولى، وإلى حين انتشار وباء “كورونا” في العام 2019، ظل هذا الوباء يعتبر أكبر موجة وبائية عرفها العالم في العصر الحديث، وبالرغم من اسمها الذي يشير إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، فإن جل المصادر ترجّح آسيا كمصدر للفيروس الذي سبّب تلك الجائحة.

وتقول الأبحاث العلمية التي أجريت حتى اليوم إن أول ظهور لهذا الفيروس يعود إلى الصين عام 1915، بينما سجلت أول حالة إصابة به خارج الصين في ولاية كنساس الأمريكية بداية العام 1918، كما ترجح بعض الدراسات الحديثة احتمال نشأة الفيروس في أمريكا[1].

 

“الأنفلونزا العظيمة”.. تشابه واختلاف مع “كورونا”

القاسم المشترك الأول بين وباء 1918 وجائحة كورونا الجديدة، هو تأخر الانتباه إلى خطورة الوباء، فبعدما كانت الموجة الأولى من الأنفلونزا الإسبانية قد ضربت أمريكا وأوروبا بداية العام 1918، فإن السلطات في هذه الدول لم تهتم بالأمر كثيرا، بل إن الخبراء أنفسهم -مثل علماء معهد “باستور” الفرنسي ونظرائهم في المختبرات الأمريكية- استهانوا بخطورة الفيروس الجديد، معتبرين أنه مجرد أنفلونزا موسمية معتادة.

هذا التشابه الذي يبدو ظاهريا بين الأنفلونزا الإسبانية وفيروس كورونا “كوفيد 19” الذي يجتاح العالم اليوم، يقابله تسجيل المختصين فروقا عديدة بينهما، وأول تلك الفروق هو جنس الفيروس، إذ ينتمي “كوفيد19” إلى فصيلة فيروسات “كورونا”، بينما تنحدر الأنفلونزا الإسبانية من فصيلة الـ(H1N1) التي تعتبر مسؤولة عن الأنفلونزا الموسمية بمختلف أنواعها، كما يبدو الاختلاف واضحا في الفئة العمرية التي استهدفها كل منهما، فقد مسّت “الأنفلونزا الإسبانية” الشباب بشكل خاص، بينما يصيب “كوفيد19” كبار السن.

ويشير “فريدي فينيه” المتخصص في الجغرافيا بجامعة “بول فاليري” الفرنسية في مؤلف نشر عام 2018 حول تاريخ الأنفلونزا الإسبانية بعنوان “الأنفلونزا العظيمة”؛ إلى اختلاف في السياقات التي ظهر فيها الفيروسان، ويتجسد الفرق في كون وباء 1918 نتج عن أنفلونزا من الصنف “أ”، بينما وباء 2020 سببه فيروس من فصيلة كورونا[2].

 

من لم يمت في الحرب مات في الوباء.. جد السلالة السفاح

جاء وباء “الأنفلونزا الإسبانية” في شكل ثلاث موجات متتالية موزعة على الأعوام 1918 و1919 و2020، فبعد ظهوره الأول في مستهل سنة 1918 عادت الموجة ثانية مع حلول الخريف في أواخر العام نفسه، لكنها كانت أكثر قوة وأوسع نطاقا فأصيب بالفيروس نحو 500 مليون إنسان، أي أكثر من ثلث ساكنة المعمور وقتها.

ورغم التضارب الكبير في التقديرات الخاصة بالعدد الدقيق لوفيات “الأنفلونزا الإسبانية” التي تتراوح بين 17 مليونا و100 مليون، فإننا حين نقارن بين مستوى النمو الديمغرافي الذي كان يعرفه العالم وقتها، والعدد الإجمالي لساكنة الأرض الذي كان يقل عن ملياري نسمة، سنجد كل التقديرات تشير إلى أن هذا الوباء قتل ما بين 1 و5 بالمائة من سكان العالم[3].

تقول التقديرات الأكثر وثوقا إن هذا الوباء خلّف في ظهوره الأول ما بين 40 و50 مليون مصاب بالفيروس القاتل، وهو ما لم تبلغه جميع الموجات اللاحقة المنحدرة من السلالة الفيروسية نفسها، أي وباء “أنفلونزا هونغ كونغ” عام 1968 و”الأنفلونزا الآسيوية” عام 1957، وحتى أنفلونزا الخنازير التي ظهرت عام 2009. فالموجتان اللتان ظهرتا في الخمسينيات والستينيات قتلتا قرابة مليوني شخص، بينما حصدت أنفلونزا الخنازير قرابة 600 ألف ضحية[4].

ويقول الخبراء إن ضعف وسائل التشخيص الطبي، مقارنة بالعصر الحالي، ليس هو السبب الوحيد لفداحة الخسائر البشرية التي خلفتها “الأنفلونزا الإسبانية”، بل كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي البئيس الذي خلفته الحرب مسؤولا بدوره عن هذا الوباء، حيث كانت الخنادق مرتعا للبكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض بين الجنود[5].

وهناك موجة وبائية أخرى تسجلها بعض المصادر، وهي التي تعرف بالأنفلونزا الروسية التي حدثت عامي 1977 و1978، وخلّفت ما يناهز 700 ألف إصابة بالفيروس[6].

 

غضب الطبيعة بعد الحرب.. يوم كان الفناء للأقوى

تميل بعض التفسيرات إلى ربط ظهور هذا الوباء بمخلفات الحرب العالمية الأولى نفسها، حيث يعتبر باتريك “ساوندرز هيستنغز” من جامعة كارلتون بولاية أوتاوا، أن الفيروسات ظهرت عندما جمعت ساحة المعركة شعوبا، لم يكن قد سبق لها الالتقاء ببعضها من قبل، “وكان الكثير من المصابين بفيروس الإنفلونزا يخضعون للعلاج من إصابات أخرى ويعانون من سوء التغذية”[7].

في المقابل يسجل آخرون كيف أن وباء 1918 طال أيضا المدنيين غير المشاركين في القتال، وهو ما يفسرونه أيضا بظروف الحرب، حيث لم تساهم البيئات المغلقة والمكتظة التي كان يعيش فيها الناس بعيدا عن ميادين القتال في تسريع وتيرة انتقال الفيروس من شخص لآخر فحسب، بل فاقمت أيضا حدة الأعراض[8].

ورغم أن تقنيات جمع الفيروسات واختزانها وتحليلها وزراعتها مخبريا لم تظهر إلا بعد اختفاء السلالة الأصلية الفتاكة من الفيروس المسبب لوباء 1918 بعقود طويلة، فإن التطورات الحديثة في مجال الهندسة الوراثية قد مكنت العلماء من إعادة إحياء فيروس فعال من جينات عينات فيروسات خاملة قديمة، وحقن حيوانات مخبرية مثل القرود بهذا الفيروس الفعال الذي تسبب في حدوث وباء 1918، وذلك من أجل دراسة آثاره[9].

ومن خلال هذه التجارب وقف العلماء على أن هذا الفيروس لم يكن قادرا على التكاثر بسرعة فائقة فحسب، بل كان يسبب استجابة مناعية مفرطة يطلق عليها متلازمة إفراز “السيتوكين” أو “عاصفة السيتوكين”، أي الإفراز السريع والمتلاحق لكميات هائلة من الخلايا المناعية والجزيئات التي تنظم الاستجابة المناعية وتسمى بالسيتوكينات. وبينما تساعد الاستجابة المناعية الفعالة في مكافحة العدوى في العادة، فإن الإفراز المفرط للخلايا المناعية النشطة في الجسم، قد يؤدي إلى حدوث التهابات حادة وتجمع للسوائل في الرئتين، مما يزيد احتمالات الإصابة بعدوى بكتيرية ثانوية مثل الالتهاب الرئوي الثانوي.

ويحتمل أن يكون هذا المفعول المختلف لفيروس أنفلونزا 1918 هو السبب وراء جعل الشباب الأصحاء هم الفئة الأكثر تضررا من ذلك الوباء، حيث تسببت أجهزتهم المناعية القوية، في حدوث متلازمة إفراز “السيتوكين” أو “عاصفة السيتوكين” الحادة، مما أدى إلى سقوطهم السريع صرعى لهذا الوباء.

 

فيروس الطيور المهاجر إلى الإنسان

يقول العلماء إن سلالة الفيروس التي سببت وباء 1918 تطورت من سلالة تصيب الطيور، إذ تحورت واكتسبت القدرة على إصابة الجهاز التنفسي لدى البشر، وبالتالي أصبح بإمكان هذه السلالة الانتقال عبر الهواء بسهولة من شخص لآخر عن طريق رذاذ السعال والعطاس.

وتتمثل خطورة هذا الأمر في كون الجهاز المناعي للإنسان لا يستطيع التعرف بسهولة على التهديد الفيروسي القادم من عند الطيور، وبالتالي يعجز أو يتأخر في القيام بالاستجابة المناعية المناسبة، وزيادة على ذلك فإن هذا الفيروس يتميز بعدم إظهار أعراضه المضرة بشكل سريع، بل يظل كامنا بهدف الانتقال إلى أشخاص آخرين ونشر العدوى[10].

وقد تطورت هذه الخاصية أكثر فيما بعد عند هذه السلالة من الفيروس، إذ لاحظ العلماء أن موجة العام 1957 تميّزت بظهور جيل جديد أقل فتكا بحامله، لكنه أكثر قدرة على العدوى والانتشار، كما لوحظ الشيء نفسه مع موجة 1968 الوبائية.

استمرت البحوث الرامية إلى التعرف بشكل علمي على الفيروس المسبب لوباء 1918 إلى غاية السنوات الأولى من القرن الـ21، حين كشف خبير الأمراض “جيفري توبنبرغر” بالمعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية في الذكرى المئوية لهذا الوباء، أي عام 2018؛ أن هناك الكثير من الأسئلة ما تزال عالقة رغم أنه تمكن عام 2005 بمساعدة زميلته “آن ريد” من كشف التسلسل الجيني للفيروس المتسبب في الوباء[11].

مصارع الفقراء والأغنياء.. عدالة الوباء

من أبرز ما كشفته الدراسات الحديثة تأكيدها أن الأقوياء صحيا كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأنفلونزا الغريبة، حيث كانت تفتك بشكل خاص بمن هم في سن العشرين والثلاثين من أعمارهم، وهو ما يعني القضاء على معيل الأسرة في غالب الأحيان، حيث كان الوباء يختاره ضحيته في الغالب من بين الرجال.

جاء وباء 1918 ليدحض بعض الأفكار التي كانت سائدة في تلك الحقبة من قبيل القول إن الأوبئة تأتي لتخلص الأرض من بعض الفئات الضارة وغير النافعة من الناس، وبالتالي تتجنب الأفضل صحة، ورغم إكثارها من حصد الأرواح في صفوف الفقراء فإن “الأنفلونزا الإسبانية” لم تكن تستثني الأغنياء والميسورين في حال اقترابهم من المصابين، كما كان يصيب الأصحاء أكثر من ضعاف البنية الصحية[12].

لكن هذا الوباء أبدى بعض الخصائص الغريبة من قبيل إصابته مناطق جغرافية أكثر من غيرها دون وجود أي تفسير منطقي، فقد كانت بعض المناطق في آسيا تتعرض للفتك الشديد بينما كانت الإصابات خفيفة في بعض مناطق أوروبا، وكان احتمال الوفاة بعد الإصابة مرتفعا بنحو 30 مرة بين منطقة وأخرى.

وسجل المؤرخون عموما أن نسبة الوفيات كانت مرتفعة بشكل خاص في كل من آسيا وأفريقيا، عكس أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، ولم يجد المختصون من تفسيرات لهذه التفاوتات سوى الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان الوباء فتاكا بشكل خاص في المناطق الفقيرة حتى داخل المدينة نفسها[13].

 

50 مليون قتيل.. أين انطلقت الشرارة الأولى؟

تقول الأبحاث العلمية التي جرت على مدى العقود الماضية إن أصل هذا الوباء يعود إلى الصين، لكنه عرف طفرة جينية بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن ينتشر في العالم ويخلف أكثر من 50 مليون قتيل.

كانت الموجة الأولى قد صادفت بدايات فصل الربيع، مما جعل ضحاياها أقل بكثير رغم انتشارها الواسع، لكن الموجة الثانية التي انطلقت مع خريف 1918 كانت فتاكة وخلفت ملايين الضحايا في صفوف الجنود والمدنيين والأغنياء والفقراء، ورغم عودتها في موجة ثالثة في الشتاء والربيع عام 1919 فإنها كانت أقل وقعا من سابقتها، ليندثر الوباء بحلول العام 1920[14].

رواية الأصل الصيني لهذه الأنفلونزا لا تحظى بإجماع المختصين، حيث صدرت عام 2005 دراسة أنجزها مجموعة من العلماء الأمريكيين تقول إن نيويورك هي المنشأ الأصلي للأنفلونزا الإسبانية، وقد اعتمدت هذه الدراسة على أرشيف سجلات الوفيات الذي عرفته ولاية نيويورك الأمريكية في تلك الفترة، لتستنتج حدوث انخفاض مفاجئ وكبير في معدّل أمد الحياة، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بظهور وباء جديد[15].

 

لغز شتاء نيويورك القاتل

تتأتى مصداقية الدراسة التي أنجزها العلماء الأمريكيون من كونها اعتمدت على السجلات الرسمية للوفيات في المدينة، وذلك في الفترة ما بين 1907 و1921، مع تصنيف لأسباب تلك الوفيات كما سجلت في حينها، ورغم أن الوباء لم يكن قد اكتشف بعد، فإن القائمين على الدراسة اعتمدوا على مؤشرات من بينها الوفيات التي فسرت حينها بأمراض ترتبط بالأنفلونزا الموسمية أو الأمراض التنفسية، ليستنتجوا وجود الوباء القاتل في نيويورك قبل ظهوره في أوروبا[16].

وقد كشفت هذه الدراسة العلمية القائمة على تحليل البيانات، وجود ذروة سنوية لارتفاع عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا الموسمية طيلة السنوات التي شملها البحث، وكشفت المقارنات كيف أن عدد الوفيات في هذه المرحلة التي تشهد الأنفلونزا الموسمية قد انتقل من أقل من 3 آلاف وفاة في الموسم 1916-1917 إلى أكثر من 29 ألف وفاة في شتاء 1918 وأكثر من 8 آلاف وفاة في شتاء 1919. وسجّلت الدراسة وجود دورتين أساسيتين، شهدهما شهرا يناير/كانون الثاني ومارس-آذار 1918، مما يعني وجود الوباء في نيويورك[17].

وفي تحليل للأعمار التي كثرت فيها الوفيات الاستثنائية في تلك المرحلة، تسجّل الدراسة أن الفترة التي عرفت ذروة الوفيات -أي شتاء العام 1918- تميزت باستقرار في وفيات الأشخاص الذين يفوق سنهم 65 عاما، مقابل ارتفاع كبير وغير مسبوق في وفيات الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما، وهي الفئة العمرية التي كشفت دراسات مخبرية أنها كانت الأكثر استهدافا من جانب فيروس “الانفلونزا الإسبانية”.

دخول الجيش الأمريكي في الحرب.. رحلة الوباء إلى القارة العجوز

تؤكد مصادر تاريخية أخرى أن الحالات الأولى قد ظهرت داخل أمريكا، ففي الفاتح من سبتمبر/أيلول 1918 كان معسكر “فورت ديفنس” الذي يضم آلاف الجنود قد سجّل أربع حالات، وبعد أسبوع واحد أصبح مجموع المصابين أكثر من 1500 جندي، ثم ارتفع العدد إلى أكثر من 6 آلاف مصاب في منتصف الشهر، لتصبح وتيرة الوفيات تناهز 100 رجل في اليوم الواحد خلال فترة الذروة، ولم يتراجع الأطباء والخبراء عن موقفهم القائل بكونها مجرد أنفلونزا موسمية إلا بعد سقوط مئات الضحايا[18].

ورغم احتفاظها بموقف محايد طيلة السنوات الثلاث الأولى من الحرب الكونية الأولى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قررت في الرمق الأخير من الحرب الالتحاق بمعسكر “الحلفاء” أي إنجلترا وفرنسا. وكانت الصدفة أن أولى الوحدات العسكرية الأمريكية حلّت بأوروبا مباشرة بعد ظهور فيروس “الأنفلونزا الإسبانية” في ولاية “كنساس” الأمريكية، وكانت تلك أول رحلة قام بها الوباء نحو القارة العجوز.

جاءت الرحلة الثانية مع الإنزال الأمريكي الثاني الذي وقع في نهاية صيف 2018، فقد حمل الجنود الأمريكيون هذا الفيروس معهم من جديد إلى القارة الأوروبية، رغم أن نهاية الحرب العالمية كانت وشيكة.

إسبانيا المحايدة.. عوامل التسمية

يأتي أحد أكثر التفسيرات وجاهة للاسم الذي أطلق على هذا الوباء ناتجا عن عدة أسباب، حيث كانت القوى الدولية الأساسية المشاركة في الحرب، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ترفض الاعتراف بوجود هذا الوباء الجديد خشية انهيار معنويات جيوشها، وهو ما جعل الآلة الإعلامية السائدة وقتها تلصق هذا الفيروس بإسبانيا كما لو كان خاصا بها[19].

وشجّع على هذا الارتباط بين الجائحة وبين إسبانيا بقاء إسبانيا على الحياد في الحرب العالمية الأولى، وبالتالي احتفاظها بصحافة حرة، مما جعلها تتحدّث بإسهاب كبير عن هذا الفيروس، الأمر الذي أكد هذا الارتباط بين الوباء القاتل وإسبانيا.

ومما زاد من تكريس هذا الارتباط، أن العاصمة الإسبانية مدريد، أصيبت بانتشار شامل للوباء في خريف العام 2018، أي بعد وصول الموجة الثانية من الجنود الأمريكيين إلى الجنوب الفرنسي، حيث أصيب بالفيروس ما يفوق ثلثي سكان مدريد، بمن فيهم الملك ألفونسو الثالث عشر[20].

ضحايا خارج سجلات التاريخ

رغم أن الأضواء التاريخية تسلّط بشكل خاص على الدول الكبرى وخاصة الدول الأوروبية، فإن فداحة الخسائر كانت أكبر في دول أخرى خاصة في أفريقيا، حيث تذهب التقديرات إلى أن بعض المدن والقرى خسرت أكثر من 80% من سكانها.

وتختلف تقديرات أعداد الضحايا من دولة إلى أخرى، لكن الثابت منها يقول بوفاة قرابة 600 ألف شخص في الولايات المتحدة، بينما يجري الحديث في الصين عن قرابة 12 مليون ضحية، ويؤكد بعض المؤرخين أن 18 مليونا توفوا بهذا الوباء في الهند[21].

ويفتقد المؤرخون إلى وثائق دقيقة حول نسبة الوفيات في العالم العربي، لكنها تتحدث عن قرابة خمسة ملايين وفاة بسبب الأنفلونزا الإسبانية، وكانت النسبة الأكبر في شمال أفريقيا وتحديدا في المغرب والجزائر، وذلك بسبب قربهما من أوروبا من جهة، وبسبب ضعف بنيتها الصحية. ويضيف البعض عاملا آخر، وهو عودة الجنود العرب الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى إلى جانب فرنسا وبريطانيا، وكذلك الجنود الأوروبيين الذين توجهوا إلى العالم العربي الذي كان معظم دوله تحت الاستعمار[22].

 

المراجع

[1] https://lepetitjournal.com/vivre-a-madrid/la-grande-pandemie-du-xxe-siecle-la-grippe-espagnole-276886

[2] https://www.hespress.com/histoire/463333.html

[3] https://ourworldindata.org/spanish-flu-largest-influenza-pandemic-in-history

[4] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183

[5] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183

[6] https://ourworldindata.org/spanish-flu-largest-influenza-pandemic-in-history

[7] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183

[8] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183

[9]  https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183

[10] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-46067183.

[11] https://www.bbc.com/future/article/20181016-the-flu-that-transformed-the-20th-century

[12] https://www.bbc.com/future/article/20181016-the-flu-that-transformed-the-20th-century

[13] https://www.bbc.com/future/article/20181016-the-flu-that-transformed-the-20th-century

[14] https://www.lemessager.fr/7282/article/2020-03-29/cent-ans-avant-le-coronavirus-quand-la-grippe-espagnole-ravageait-le-monde

[15] https://www.pnas.org/content/pnas/102/31/11059.full.pdf

[16] https://www.pnas.org/content/pnas/102/31/11059.full.pdf

[17] https://www.pnas.org/content/pnas/102/31/11059.full.pdf

[18] https://www.ledroit.com/actualites/sante/il-y-a-100-ans-la-grippe-espagnole-une-tueuse-sur-quebec-03264788a1b9a9002c3ecd20980edd85
[19] https://lepetitjournal.com/vivre-a-madrid/la-grande-pandemie-du-xxe-siecle-la-grippe-espagnole-276886

[20] https://lepetitjournal.com/vivre-a-madrid/la-grande-pandemie-du-xxe-siecle-la-grippe-espagnole-276886

[21] https://cutt.ly/GtAHnnn

[22] https://cutt.ly/itAHzJ0