السينما التونسية.. 100 عام من الكفاح

 

بعد حلقات “السينما المصرية” في سلسلة من أربعة أفلام تحكي قصتها من التأسيس إلى الألفية؛ تفتح الجزيرة الوثائقية ملف “ذاكرة السينما” وتتناول فيها السينما العربية إضافة إلى السينما النيجيرية والتركية. وتتناول السلسلة بدايات السينما وتطوراتها في كل دولة، إضافة إلى أبرز الأحداث التي أثرت فيها والتغييرات التي طرأت على محتواها والتحديات التي واجهتها والآمال المرجوة منها، كما تتطرق إلى أبرز الممثلين والنجوم الذين صنعوا السينما في هذه الدول، وتعرض لأبرز أفلام كل مرحلة. وفي الحلقة الخامسة نُلقي الضوء على تاريخ السينما التونسية منذ بدايتها، مرورا بتأثير الاستعمار والاستقلال على مضمونها، وانتهاء بوضعها اليوم. 

 

حسن العدم

قد يكون الوصف الأنسب للسينما أنها تمثل ذاكرة الشعوب في القرنين الأخيرين، فعندما كانت جدران الكهوف ذاكرة الإنسان الأول، والتماثيل والرسوم والمعمار ذاكرة الإنسان المتحضر الوسيط، والكتاب يمثل أغزر وأطول ذاكرة عرفها الإنسان، فلا شك أن تكون السينما ذاكرة بهذا المفهوم كذلك.

تسلط الجزيرة الوثائقية الضوء على مسيرة السينما التونسية عبر فيلمين عرضتهما بعنوان “السينما التونسية” ضمن سلسلة “ذاكرة السينما”، حيث سيلمس المشاهد من خلالهما أن السينما التونسية تشترك مع مثيلاتها في التعريف أعلاه، بيد أن لها خصوصيتها التي تقتسمها مع محيطها العربي، وموقعها المتوسطي، وخلفيتها الإفريقية، وهي أيضا مبعث للتفاؤل على مستوى الوطن التونسي عموما، ولدى جيل الشباب خصوصا، وذلك مع بداية الألفية الثالثة.

 

بدايات واعدة.. ثم سينما استعمارية

بدأت السينما التونسية -شأنها شأن أي سينما أخرى- بتصوير الأفلام الوثائقية والتقارير اليومية عن الشارع التونسي، ثم تطورت مع الوقت إلى تصوير الأفلام الروائية.

ويعتبر ألبير شمامة شيكلي أبا للسينما التونسية بشكلها الروائي، وذلك مع بدايات القرن العشرين، كما ساهم شيكلي في السينما العالمية بشكل عام، فقد صوّر في مصر، وصور يوميات الحرب العالمية الثانية، إلى جانب العديد من الفعاليات العالمية.

بعد النجاح الباهر الذي حققته الصورة في الحرب العالمية الثانية، وبفعل التجربة الألمانية المميزة في استخدام الصوت والصورة لنشر الثقافة النازية؛ قرر المقيم العام الفرنسي في تونس تأسيس المركز السينمائي التونسي في يونيو/حزيران 1946.

طغت على هذه الفترة حتى استقلال تونس في 1956 ما يسمى بالسينما الاستعمارية، حيث كان المستعمر الفرنسي يفرض رؤيته وأولوياته في المادة التي يطرحها للجمهور، وكانت قاعات العرض في تونس والبالغ عددها 126 آنذاك، تبث عددا قليلا من الأفلام المصرية أو العربية وفق حصة محدودة في مقابل الحصة الكبيرة من الأفلام الناطقة بالفرنسية.

الاستقلال.. الحلم الذي أصبح حقيقة

بعد الاستقلال في مارس/آذار 1956 تم إنشاء الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية (ساتباك)، والتي كان من أهم أولوياتها تغطية أخبار الجمهورية الفتية، في غياب التلفزة آنذاك، ثم كان تصوير فيلم “جحا” كأول فيلم روائي طويل من بطولة النجم المصري عمر الشريف، وكانت مدينة القيروان في ذلك الوقت مكانا سينمائيا طبيعيا، وذلك بفضل طرازها المعماري العتيق، الذي يوحي للرائي أنه يعيش في القرن الرابع الهجري/العاشر للميلاد؛ ما جعلها مهوى أفئدة السينمائيين العالميين، فضلا عن التونسيين.

يقول المخرج عمار الخليفي أحد رواد السينما التونسية، إنه عندما قدم إلى تونس عائدا من فرنسا لم يجد من السينما إلا قاعات العرض، فقام بتأسيس جمعية التنمية الفنية من أجل المسرح والسينما عام 1960.

ويضيف: عملنا كفريق من الهواة بتجهيزات يدوية بسيطة، وبإمكانات فنية متواضعة في مجال الصوت والصورة لإنتاج أفلام مختلفة.

ثم تلاه حسن بوزريبة وأسس جمعية الشباب السينمائي التونسي، وأثمر ذلك عن مهرجان لأفلام الهواة تم تنظيمه في قليبية بمشاركة 24 فيلما عام 1965، والذي تحول فيما بعد إلى مهرجان دولي، ثم تطورت هذه الجمعية وأصبحت تعرف بالجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، والتي أخذت على عاتقها إنتاج الأفلام التونسية الهامة في العقود التي تلت تأسيسها وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين.

 

بين الواقع المرير وأحلام التغيير

مثل السينما في باقي الدول العربية، أرادت السينما التونسية تغيير الأوضاع البائسة في العالم العربي، وإزالة آثار هزيمة 1967، ومحاولة خلق واقع جديد يقوم على إيمان الشباب بالتغيير من خلال الصورة، وكان هذا الطرح –على سذاجته- كما يقول المخرج رضا الباهي؛ محركا دافعا لقطاعات واسعة من الجماهير العربية، من أجل تحسين المزاج العربي السوداوي في تلك الفترة.

بدورها ترى المخرجة سلمى البكار أن النوادي السينمائية التي انتشرت في أنحاء تونس كانت نواة لثورة فنية نسائية قادتها مجموعة من المخرجات الهاويات للتفوق على سطوة زملائهن الرجال على صناعة السينما. وتضيف عن بداياتها أن المخرج المخضرم حاتم بن ميلاد هو من دعاها لأول مرة لتكون مساعدة مخرج في فيلم “أقفاص وسجون”، وعندما سألته عن سر اختياره لفتاة مبتدئة في مجال السينما، قال لها كلمات تعتبرها أثرت في سائر حياتها العملية “من أجل هذا اخترتك، لأنك لم تصابي بعد بأخطاء الآخرين”، يقصد الكبر والغرور والثقة الزائدة.

استقلال بين استعمارين

يقارن المخرج والمنتج حاتم بن ميلاد بين جلاء القوات الفرنسية عن مدينة بنزرت وبين استقلال السينما التونسية عن الشركات الفرنسية، فيقول إنهم حرموه وفريقه من استخدام المعدات لتغطية أخبار معركة بنزرت، فقام حاتم وزملاؤه باستخدام بطارية السيارة لتشغيل الكاميرا.

ثم بعد التصوير لم يُسمح لهم بإرسال الأفلام إلى فرنسا لمعالجتها مخافة أن يصادروها، فتمت معالجتها محليا، وكانت هذه الحادثة بمثابة فسخ العلاقة مع الشركات السينمائية في فرنسا المستعمرة.

دعا الحبيب بورقيبة رئيس تونس إلى عقد مجلس رئاسي لمناقشة الحالة الثقافية في البلاد بعد الاستقلال، وكانت السينما على رأس الأولويات كونها تمثل أداة فعالة لرفع معنويات الشعب وتدعيم ثقافة الاستقلال عن المستعمر، ولم تقتصر هذه الحالة على تونس وحدها، بل إن معظم الدول الإفريقية التي نالت استقلالها بدأت تتنبه إلى دَور الثقافة والسينما والفنون بعامة في إذكاء روح المواطنة واستشعار الهوية، ومن هنا ولدت فكرة أيام قرطاج السينمائية، كجامعة لأفكار وثقافات الفيدرالية الإفريقية الوليدة، كما قال بابا ديوب رئيس الجامعة الإفريقية للنقد السينمائي.

 

مراحل تطور السينما التونسية

يمكن القول إن تجربة السينما في تونس قد تطورت بفعل الأحداث الداخلية والمؤثرات الخارجية والنظريات العالمية، وأنها مرت بالمرحلة الوطنية أولا حيث كان للقيادة السياسية تأثير كبير في المادة السينمائية المطروحة.

وبعد توطيد أسس الدولة الحديثة توجهت السينما إلى حالة من الاستقلالية دفعتها إلى رصد هموم المواطن اليومية، وتسجيل واقع حياة الفرد والمجتمع تحت لافتة السينما الواقعية، ثم بفعل تأثرها بالنظريات الحديثة للسينما العالمية ظهر ما يمكن تسميته بالمرحلة التجريدية أو سينما البحث كما وصفها الناقد والباحث كمال بن وناس.

وتتحدث المخرجة سنية الشامخي عن نوع رابع يمكن أن يطلق عليه اسم السينما الحداثية أو الوجودية التي طغت على أعمال السينمائيين في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وتقول إن الأب الروحي لهذه الثورة السينمائية هو “حموده بن حليمة”، وهي سينما تعتمد على السرد القليل، ولكنه مع ذلك مشحون بكثير من الأحاسيس والحميميات التي تعبر عنها الصورة ومساحات الظل والضوء أكثر من السرد القصصي.

ويضيف النقاد السينمائيون نوعا آخر إلى صنوف السينما يسمونه سينما الـ”أنا”، ويعتبرون المخرج “النوري بوزيد” هو رائد هذا الفن، إضافة إلى بعض أقرانه في هذا المجال من أمثال “محمود بن محمود”. وتنطلق رؤية هؤلاء من تصوير ذواتهم وتجاربهم الذاتية في أفلام لاقت رواجا لافتا لدى جمهور المتفرجين، من أمثال فيلم “ريح السد” للنوري بوزيد، وكذلك فيلم “عبور” لمحمود بن محمود.

أعطني حريتي والمال.. أعطيك فيلما ناجحا

في عام 1975 أخرجت سلمى بكار فيلم “فاطمة 75″، وهو مزيج بين الوثائقي والروائي، وكان أول فيلم طويل لها.

تقول عنه سلمى: عاش هذا الفيلم أكثر من 40 عاما، وتنقل بين دول العالم الكثيرة، ولاقى نجاحا منقطع النظير، وأرسل رسالة واضحة إلى السياسي والرقيب والفنان والمواطن العادي مفادها “أعطونا الحرية، وارفعوا مقص الرقيب عن إنتاجنا، وسوف تجدون أعمالا إبداعية تدوم عمرا وتسجل تاريخا”.

وكان هذا أيضا لسان حال عبد اللطيف بن عمار ورضا الباهي، وهم يضربون أمثلة على الصدام بين السياسي والسينمائي في أفلام ما زالت تشكل جدلا على أرض تونس مع أنها لاقت نجاحات مميزة في المهرجانات العالمية والبلدان الأخرى، مثل فيلم “سجنان” وفيلم “شمس الضباع”.

وتواجه صناعة السينما في تونس نفس المعوقات التي يمكن أن يشار إليها في سائر المحيط العربي، وعلى رأس هذه المعوقات ضعف التمويل وقلة الإمكانات الفنية، والشح في تبادل الخبرات العالمية، والتدخلات السياسية ومقص الرقيب.

لقطة من فيلم رسائل من سجنان لعبد اللطيف بن عمار
لقطة من فيلم رسائل من سجنان لعبد اللطيف بن عمار

 

نكبات السينما.. حين يتجسد الجرح فيلما

وقد تلقت السينما التونسية ضربتين موجعتين، تمثلت أولاهما في إغلاق مدينة السينما، والثانية في تصفية الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية (الساتباك).

يرى الناقد الفرنسي والمتخصص في السينما الإفريقية أوليفر بارلي، أن معظم الأفلام التونسية تعبر عن خيبة الأمل وانكسار الذات، وهي أفلام تحدثنا عن كيفية اكتشاف ذاتنا في هذا العالم، وتتحدث عن تجربة الشعب التونسي تحت حكم الديكتاتور، وعن المعوقات الوجودية في عالم متغطرس يُهان فيه العالم العربي. وتعبر كذلك عن تواصل هذا الوضع المهين تاريخيا، حتى أن جدلية التموقع في هذا الحاضر المضطرب أصبحت موضوعا سينمائيا بحد ذاته، وهذا يفسر انشغال السينما التونسية عن المواضيع التاريخية.

ويضيف بارلي: أصبحت السينما مشغولة بالتمعن في جراح الذات التونسية سواء كانت رجلا أو امرأة، فجراح المرأة مرتبطة كليا بعلاقتها مع الرجل، أما جراح الرجل فغالبا مع صعوبات الحياة، وصعوبة التعبير عن الوجود وعن المستقبل. وحتى مع قيام الثورة واندحار الديكتاتور، ما زالت هنالك نظرة شك وريبة تجاه المستقبل، وهذه الحالة تجدها حاضرةً بقوةٍ في الأفلام السينمائية.

السينما التونسية.. جدلية الهوية

ثمة تساؤلات يطرحها جيل الشباب المعاصر من المخرجين التونسيين حول الهوية ومدى ارتباطهم بجيل العمالقة القديم، وهنالك تساؤلات أخرى تتعلق بلجنة الدعم المركزية للسينمائيين الشباب وكيفية الوصول إليها، ففي الوقت الذي يرى فيه الشباب أنهم يستحقون الدعم مقابل أي عمل سينمائي يقدمونه، يرى بعض القائمين على لجنة الدعم أن بعض الأعمال لا ترقى لأن تمثل هوية السينما التونسية، وبالتالي فإنها لا تستحق أن تتلقى الدعم.

ويشتكي بعض أعضاء اللجنة، مثل الناقد السينمائي الهادي بن خليل، من تدخل الحكومة لصالح بعض الأعمال وإجبار اللجنة على صرف المستحقات لمن لا يستحق.

وفي المقابل يرى الشباب أن الوسط السينمائي المتمرس يطلب منك كفاءة فوق الوصف في إنجاز العمل، في الوقت الذي لا يوفر لك سوى القليل من الدعم المالي والمعنوي وتوفير الإمكانات الفنية للقيام بعمل ناجح.

لقطة من فيلم عبور إخراج محمود بن محمود
لقطة من فيلم عبور إخراج محمود بن محمود

 

بين إملاء الشروط وبلورة الهوية

فيما يتعلق بجهات الدعم فهي تتنوع بين الأوروبية، ممثلة بالمنظمة الفرنكوفونية وبعض المنظمات الأوروبية الأخرى، ثم الجهات العربية ممثلة بعواصم مثل الدوحة وأبو ظبي ودبي.

تقول المخرجة ناديه تويجر: المنظمات الأوروبية تطلب نصوصا منتقاة تتعلق بالمرأة ومكانتها الضعيفة في المجتمع، وتسلط المجتمع الذكوري عليها، حتى تقدم لها الدعم المطلوب.

ويضيف المخرج الشاب إلياس بكار: هي إذن إملاءات من الصناديق الداعمة، ومحظوظة هي الأفلام التونسية المحدودة جدا التي تتسنى لها فرصة الدعم.

فيما تؤكد سعاد حسين مديرة صندوق الدعم السينمائي الفرنكفوني، أنه لا شروط مسبقة على الأفلام التي تستحق الدعم، إلا تلك المتعلقة بمعايير الصندوق من قبيل أن يكون التصوير في نفس البلد، وأن تكون القصة نابعة من ثقافة البلد.

وتضيف سعاد: نحن في النهاية نتبع فلسفة الطاهر شريعة، صاحب الرؤية الأولى للمنظمة الفرنكوفونية.

ويميل المخرج الفلسطيني الأصل رشيد مشهراوي، إلى فكرة التمويل العربي أكثر من فكرة التمويل الأوروبي، ويقول إن المنتج العربي المشهور أحمد بهاء الدين عطية قد موّل له فيلمين فلسطينيين نالا حضورا دوليا مميزا.

آباء السينما.. تسليم المشعل

في الوقت الذي يشكو فيه المخرجون من عدم وجدود توزيع جيد، وكذلك غياب الجمهور العربي عن مشاهدة الأفلام الهادفة، فإن بعض القنوات مثل قناة الجزيرة الوثائقية، والجزيرة الإخبارية قد ساهمت بشكل لافت في دعم الكثير من الأفلام الهادفة التي تعتني بهموم المواطن العربي، وتتناول قضاياه اليومية والمصيرية من المحيط إلى الخليج.

يتفهم الجيل القديم من المخرجين مدى التطور التقني الذي يتوفر للشباب اليوم، ويدركون عمق المدرسة المعاصرة في الإخراج والتصوير، ويستطيعون التفريق بين القضايا المعاصرة المعقدة التي يتصدى لها جيل الشباب اليوم، وبين قضاياهم الواضحة البسيطة التي صوروها في الماضي.

وهاهم اليوم يسلمون المشعل عن طيب خاطر، ويقدمون خبراتهم المتراكمة بين يدي الشباب ليفيدوا منها وليستخدموها في إثراء تجاربهم المعاصرة.

ويعترف جيل الشباب بالفضل والجميل الذي غمرهم به الجيل المؤسس، ويعترفون لهم بالأبوة الروحية في سائر مجالات النشاط السينمائي.

المنتج التونسي أحمد بهاء الدين عطيه وهو من أهم المنتجين العرب مع الفنانة التونسية هند صبري
المنتج التونسي أحمد بهاء الدين عطيه وهو من أهم المنتجين العرب مع الفنانة التونسية هند صبري

 

من العالمية الضيقة إلى المحلية الفسيحة

يختار بعض النقاد مصطلح “التعبير النزيه” لوصف حال العمل المتواضع الناجح، فعلى الرغم من بساطة الإمكانات، يساعد صدق التوجه ونصاعة الفكرة في تقديم أي عمل ذي أثر يدوم طويلا، وتحفظه الذاكرة الجمعية لجيل ما.

ولا يتأتى هذا إلا من أصحاب الهم المشترك والأمل الواحد، أما بائعو السينما ومستثمرو شباك التذاكر فسرعان ما يهربون، ورأس المال جبان كما يقول الاقتصاديون.

بعد عام 2008/2009 حدث ما يشبه الثورة التغييرية في السينما التونسية، فبعد أن كان معظم المخرجين والفنيين يتخرجون من المعاهد الأوروبية للسينما، ترى الآن أكثر من 80% من العاملين في صناعة السينما هم خريجو المعاهد المحلية المنتشرة في كافة مدن الجمهورية التونسية.

غير أن هؤلاء لا يحظون بالدعم والتقدير اللازم من الدولة أو الفئة السياسية في البلاد، وإنما هي بعض الجوائز والأوسمة التي يحصل القليل منهم عليها من المهرجانات والمواسم السينمائية.

ويؤكد المخرج رضا التليلي أن 50% مما أُنتج في سنة 2010/2011 كان بدعم ذاتي من المنتجين التونسيين الشباب، وهذا يعادل ما أنتجته السينما التونسية على مدى الأعوام الخمسين الفائتة منذ تأسيس السينما في تونس.

بيع دور العرض.. سينما بدون جمهور

تواجه السينما التونسية الكثير من التحديات والعقبات التي يتم التغلب عليها، ولكن ما يزال التحدي الأكبر يتمثل في غياب الجمهور التونسي.

يقول المخرج عبد الله يحيى: لا معنى للسينما إذا لم يشاهدها أبناؤها، ولا يلزم أن تشتري وزارة الثقافة أفلامي إذا لم تطرحها للجمهور ليشاهدها.

ويعلق المخرج حسن دلدول على السوق الداخلي للسينما فيقول: إن معايير اليونسكو تقضي بوجود 60 شاشة لكل مليون إنسان من السكان، وبالتالي فإن 12 مليون تونسي يلزمهم وجود 720 شاشة عرض، وهذا يحتم على الدولة تبني سياسة واضحة، وتخصيص ميزانية كافية، وتوخي روح العدالة والمساواة في توزيع الشاشات ودور العرض على كافة أنحاء الجمهورية، وخصوصا المناطق المحرومة منها.

وهناك حقيقة أخرى يؤكد عليها المخرج “منير بعزيز” تتمثل في ضرورة تساوي الفرص وضمان الحقوق بعقود قانونية موحدة للمخرجين والفنيين العاملين في قطاع السينما.

ويشير المنتج والموزع “الحبيب بلهادي” إلى إشكالية خطيرة تمثلت في تخلي الدولة عن إدارة قاعات العرض التي كان تتبناها.

ويقول بلهادي: إن تونس كانت تعج بدور العرض، سواءً تلك المملوكة للدولة أو التي يمولها القطاع الخاص، ولكن في الآونة الأخيرة باعت الدولة القاعات المملوكةً لها، وللأسف كان المستثمرون من خارج البلاد يغلقون استثماراتهم جراء أية هزة داخلية أو أزمة سياسية تتعرض لها البلاد.

لقطة من فيلم عيد ميلاد ليلى وهو إنتاج تونسي فلسطيني مشترك
لقطة من فيلم عيد ميلاد ليلى وهو إنتاج تونسي فلسطيني مشترك

 

تلك الشاشة التي نعلِّق عليها همومنا

يستبشر الجميع في تونس خيرا بالمستقبل، ولسان حالهم يقول: السينما لن تموت في تونس.

وتكاد تسمع همس المخضرمين في آذان الشباب: لا تعيروا اهتماما كبيرا للصوت الأجنبي الناقد، أنتم ستقودون التغيير إلى الأحسن بأنفسكم، وبالمال القليل الذي تنتزعونه من جيوبكم، ومن أفواه أطفالكم تستطيعون أن تبنوا مجدا يضاهي ويعلو على ما تبنيه ملايين الدولارات الفرنكوفونية.

وعلى الرغم من كونها صناعة استثمارية لكثير من العاملين في قطاعها، فإن السينما تبقى فنا وجدانيا راقيا، وأسلوب حوار تتخاطب به مع الآخر، ومرآة نرى من خلالها همومنا وأوجاعنا وآلامنا وأحلامنا، ومنصة ثقافية نطرح من خلالها أفكارنا ومشاريعنا، ومنظارا نرى من خلاله مستقبلنا، ثم هي في نهاية المطاف لوحة جميلة نرمي على عتباتها همومنا وأثقالنا، ونستمتع في رحابها بنوبة استرخاء على مساحة من الجمال والصفاء الروحي.