الصين.. إستراتيجية كبرى لمواجهة أمريكا العظمى

الصين بلورت أيضا إستراتيجية دفاعية كبرى بثلاثة أبعاد للتعامل مع إمكانية حدوث حصار غربي

تاريخيا، كان صعود وأفول القوى العظمى مرتبطا بحروب مدمرة، فالحرب العالمية الأولى جاءت بعد صعود ألمانيا كقوة عظمى بارزة مقابل تضعضع نسبي للقوى التقليدية في أوروبا. وقبيل الحرب العالمية الثانية، استطاعت ألمانيا النازية في أوروبا والإمبراطورية اليابانية في آسيا إحداث نهضة سريعة وغير مسبوقة زرعت بذور صراع عالمي جديد. وبحلول 1930 كانت بوادر حرب عالمية جديدة تلوح في الأفق.[1]

اليوم، يُشكل صعود الصين التحدي الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الدائرة في فلكِها. فخلال 30 عاما حققت الصين قفزة اقتصادية أبهرت العالم. وقد أدّت الإصلاحات الاقتصادية التي تزعمها دنغ شياوبنغ (بين عامي 1978 و1992) إلى نمو سريع للاقتصاد الصيني. وبينما تُحقق الصين معدلات نمو مرتفعة تُقدر بـ8% سنويا، تعاني الاقتصادات الغربية من معدلات نمو بطيئة.[2]

وتتخوف الولايات المتحدة من حدوث انتقال سريع للهيمنة الاقتصادية والعسكرية من الغرب إلى الشرق، فالصين لا تتبنى المفاهيم الحضارية للغرب، وليست دولة ديمقراطية مثل اليابان، بالإضافة إلى أن عدد سكانها يفوق عدد سكان كل الدول الغربية مجتمعة.

 يقول الكاتب الألماني إريك وويد صاحب كتاب “ميزان القوى.. العولمة والسلام الرأسمالي”، “ستصبح الصين قوة عالمية عظمى بإمكانيات هائلة لو استطاعت التغلب نهائيا على الفقر، لكن عندئذ ستصبح الحرب ممكنة جدا”. ويقترح الأستاذ في جامعة بون الألمانية حلا لتجنب كارثة حرب نووية قائلا “التشابك الاقتصادي هو الحل، الأرقام تؤكد أن القوى المرتبطة ببعضها اقتصاديا لا تدخل في نزاعات عسكرية”.[3]

لكن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب يسير عكس نصائح معظم الأكاديميين الداعين إلى دمج كلي للاقتصاد الصيني في النظام الاقتصادي الدولي، حتى تصبح المصالح الصينية متماهية مع المصالح الغربية. ويُفضل الحزب الجمهوري -وبعض صقور الحزب الديمقراطي- سياسة عزل الصين عن الاقتصاد الغربي عبر ضرب العملاق التكنولوجي هواوي، ودفع الحلفاء إلى رفض مشاريع البنى التحتية البحرية والبرية المعروفة بـ”مبادرة الحزام والطريق”.

لكن الصين بلورت أيضا إستراتيجية دفاعية كبرى بثلاثة أبعاد للتعامل مع إمكانية حدوث “حصار غربي”. فقد كانت بكين تتوقع -منذ عقود- ردة فعل أمريكية رافضة لانتقال القطبية الأحادية من الغرب إلى الشرق، وكان قادة “جيش التحرير الشعبي الصيني” وضعوا كل الاحتمالات على الطاولة، بما فيها احتمال اندلاع مواجهة نووية مع الولايات المتحدة.

الأمن الغذائي لـ1.4 مليار إنسان

منذ البداية، نظر القادة الصينيون إلى أهمية تحصين البلاد من المجاعات في حالة حدوث حصار غربي أو حرب نووية، فكان أهم شق في الإستراتيجية الكبرى للصين هو تحقيق الأمن الغذائي عبر شراء المناجم وآبار النفط وملايين الهكتارات من الأراضي في الدول الأجنبية.

فمنذ تطبيق ما سُمى آنذاك “إستراتيجية الخروج” سنة 2001،[4] عملت الشركات الصينية المملوكة للدولة، بدعم من البنوك الحكومية والصناديق السيادية على شراء حصص ضخمة من الأسهم في حقول النفط في السودان وبنغلاديش وفنزويلا وكندا، ومناجم النحاس في تشيلي وبيرو، والأراضي الفلاحية المناسبة للزراعة في كزاخستان وباكستان وملاوي.[5]

ويعتقد بعض الخبراء أن الشركات الصينية أضحت في السنوات الأخيرة تتعامل بانتقائية مع الاستثمارات في الدول الأجنبية، إذ تراجعت قليلا عن دفع أموال طائلة مقابل الحصول على الأراضي أو حقول النفط. يقول ميكائيل ليفي وإليزابيت إيكونومي في كتابهما “بكل الوسائل اللازمة.. كيف غيّرت الصين العالم عبر بحثها عن الموارد؟” إن الصين “أقل استعدادا اليوم لدفع الأموال في كل الصفقات، إنها تحاول تنويع استثماراتها عبر شراء شركات التكنولوجيا والعقارات، بالإضافة إلى الموارد الطاقية”.[6]

وفي هذا الصدد، تُعتبر أشهر صفقة عقدتها بكين في السنوات القليلة الماضية هي استحواذ المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري (سنووك) على شركة “نيكسون” الكندية بمبلغ 15.1 مليار دولار في 2012.[7] وعلى الرغم من أن البعض اعتبر هذه الصفقة “حماقة”، فإن الصين استطاعت الحصول عبرها على مليارات من نفط أثاباسكا الرملي الموجود في شمالي شرق مقاطعة ألبرتا الكندية، ويعتقد أنه  ثالث أكبر مصدر للاحتياطيات في العالم.

وبعد ذلك بخمس سنوات، استحوذت شركة الكيماويات المملوكة للدولة “كيم تشاينا” على مجموعة “سينغينتا” السويسرية للبذور والمبيدات بصفقة تقدر بـ43 مليار دولار.[8] وقد وصف أحد المحللين الصفقة بـ”محاولة الصين السيطرة على منظومة الاستيراد دوليا”، مضيفا أن “إستراتيجية الصين الجديدة للأمن الغذائي تشمل السيطرة على سلاسل الإمدادات الحيوية من البداية إلى النهاية، وتبدأ هذه السلسلة بإنتاج الحبوب”.[9]

ولا تكتفي الشركات الصينية المملوكة للدولة بمجرد الاستحواذ على شركات معزولة في صفقات كبيرة، إذ إنهم في بعض الحالات يبدو أن الصينيين مستعدون لشراء أو إنشاء شبكات إنتاج وبنية تحتية متكاملة لتلبية الاحتياجات الغذائية للبلاد.

ففي 2017، حاولت الصين تحويل “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” -وهو مشروع اقتصادي لبناء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر (في الصين) وميناء غوادر الباكستاني- إلى شبكة ضخمة للاستثمار الزراعي تبدأ بتوفير البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية ثم تقوم الشركات الصينية بزراعة الأراضي وجني الفواكه والخضراوات والحبوب، ثم لاحقا تخزينها ونقلها.[10] وهي سلسلة كاملة هدفها تأمين الاكتفاء الذاتي لنحو مليار و400 مليون إنسان.

السيطرة على البحار

وبالإضافة إلى السعي لتحقيق الأمن الغذائي، تحاول الصين أيضا السيطرة على أضخم شركات الشحن البحري عبر العالم، والتي تستطيع نقل البترول الخام والمعادن والحبوب وباقي المواد التي تنتجها الشركات الصينية في البلدان الأجنبية. وتسعى إستراتيجية الصين هنا إلى الهيمنة الكلية على التجارة البحرية.

وبدعم أيضا من البنوك الحكومية مثل “بنك الصين”، استفادت الشركات الضخمة المملوكة للدولة، مثل مجموعة الشحن البحري الصينية “كوسكو” من ركود عالمي في مجال النقل البحري لشراء شركات منافِسة وتوسيع حصة الصين في هذا القطاع. فالصفقة التي أبرمتها شركة كوسكو للملاحة للاستحواذ على شركة الشحن أورينت أوفرسيز كونتينر لاين (OOCL) جعلت منها أكبر أسطول للشحن على مستوى العالم.[11] وفي 2019، أصبحت الشركات المملوكة للصين الأولى عالميا في مجال نقل البضائع باستخدام حاويات الشحن والسفن العملاقة العابرة للمحيطات.

وقد استُخدم نظام النقل بالحاويات منذ القرن الثامن عشر لنقل الفحم الحجري من المستعمرات إلى الدول الأوروبية، لكن لم ينافس هذا القطاع بشكل جدي قطارات الشحن إلا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ شهد انتعاشة غير مسبوقة حوّلته إلى القطاع الأول لنقل البضائع عبر العالم.

وبالإضافة إلى الكلفة المنخفضة جدا للنقل البحري بالمقارنة مع النقل الجوي أو البري بنحو 50%، فإن السفن الحديثة -التي يبلغ طول بعضها نصف كيلومتر، أي أطول من ملعب سانتياغو برنابيو- أصبحت قادرة على عبور البوابات الرئيسية عبر العالم مثل مضيق ملقا (بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية) قناة السويس وغيرهما.

وقد ألقت الشركات الصينية أيضا بثقلها في مجال شراء وبناء وتوسيع الموانئ خارج أراضيها، وتستثمر الصين في ثلثي أكبر 50 ميناء عبر العالم، وتوجد هذه الموانئ في جنوب وشرق آسيا، وبدرجة كبيرة في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وضمن هذه القائمة توجد ست دول أوروبية من حلف الشمال الأطلسي (ناتو) هي إسبانيا واليونان وهولندا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا.

واستغلت الصين الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها اليونان في 2008 لتدفع شركة “كوسكو” إلى التعاقد مع الحكومة اليونانية التي كانت آنذاك على وشك الإفلاس لتشغيل ميناء بيرايوس.

وتوسعت الشركة -التي تُسيّر حاليا 400 سفينة ضخمة- لتضم ميناء تريست الإيطالي وموانئ أخرى تشكل أبرز المحاور التجارية في أوروبا الغربية. فقد نجحت في إيجاد موطئ قدم في ميناء روتردام بهولندا الذي تملك الصين نحو 35% من أسهمه، وحصلت على 20% من أسهم ميناء أنتويرب البلجيكي، وحصص مهمة من ميناء هامبورغ الألماني.

تحاول الصين أيضا السيطرة على أضخم شركات الشحن البحري عبر العالم

وفي المجمل، تملك الصين اليوم 42 ميناء بحريا في 34 دولة حول العالم. ويمتد هذا الطريق البحري من الصين إلى تنزانيا مرورا بسريلانكا، ومن البرازيل إلى هولندا.

ويعتبر كثيرون أن الصين تستخدم الاستثمار في الموانئ البحرية -في إطار مبادرة الحزام والطريق- كـ”حصان طروادة” للسيطرة على البحار والمحيطات في انتظار التحكم في كل مفاصل الاقتصاد العالمي. ويذهب أولئك الذين لا ينظرون بعين الرضا عن الصعود الصيني في العالم، إلى أن هذا البلد يحاول إغراق دول العالم الثالث بالقروض والاستثمارات كمقدمة لاحتلالها.

وقد حذرت الولايات المتحدة حلفاءها مما سمّته “دبلوماسية فخ الديون”، إذ تتهم واشنطن بكين باستخدام الديون ومشروعات البنى التحتية كمقدمة لاستعمار جديد، فالدول النامية غير القادرة على سداد القروض ستصبح تحت رحمة الصين سياسيا واقتصاديا، وتتحول بواباتها البحرية بشكل فعلي إلى أجزاء من الأراضي الصينية لقرون.

وليست تحذيرات الولايات المتحدة مجرد فزاعة، إذ تستند مثلا إلى عجز سريلانكا عن سداد ديونها مما جعل الصين تستولي على ميناء هامبانتوتا بشكل كلي لمدة 99 عاما. وينص اتفاق عقدته الصين مع دولة مونتينيغرو على أن الأخيرة ستسدد الديون في وقتها (نحو مليار و300 مليون دولار)، وإذا عجزت عن الوفاء بشروط العقد سيكون من حق الصين الحصول على بعض أراضي مونتينيغرو كضمانة. وقد أثار هذا الحادث مخاوف عميقة في بلدان كثيرة مثل ماليزيا وباكستان وميانمار.[12]

وبعد هذه الصفقة التي أضرت كثيرا بسمعة بكين، ألغى رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير مشاريع مع الصين، قائلا إن بلاده “لا تريد نسخة جديدة من الاستعمار”، وإنها غير قادرة على سداد كل الديون التي تضعها الصين في يد ماليزيا حاليا. وقامت سيراليون بالشيء نفسه، إذ ألغت مشروعا صينا بنحو 400 مليون دولار.

وتدرك الصين أن جزءا من هذه المخاوف مشروع، لكن الجزء الآخر تحركه أيادٍ أمريكية لإفشال محاولتها الهيمنة وفرض نفسها في العالم. وبنفس المنطق، يدرك القادة الصينيون أن الاستثمارات وحدها لن تضمن للبلد حماية تامة لتجارتها في أعالي البحار، ففي حالة اندلاع حرب مع قوة عظمى مثل الولايات المتحدة يمكن أن تتعرض السفن للقصف والموانئ للحصار، مما يعني ضربة كبيرة للاقتصاد الصيني.

تسعى الصين إلى إعادة إحياء “طريق الحرير” التجاري القديم الذي كان يربط الصين بأوروبا

التوسع براً.. طريق الحرير

ولا تستبعد إستراتيجية الصين الكبرى لجوء “الأعداء” إلى خنق اقتصادها مستقبلا عبر استهداف المحيطات، كما فعل النازيون إبان الحرب العالمية الثانية، فقد حاولت ألمانيا آنذاك تجويع البريطانيين عبر استخدام غواصات “يو بوت” كسلاح ضد سفن الإمدادات التي كانت تحاول فك الحصار عن المملكة المتحدة.

ولأن الصين لها حدود برية شاسعة عكس الجزيرة البريطانية، فإن القادة الصينيين لا يعوّلون على حماية مصالحهم بالاعتماد على التجارة البحرية فقط. وخلال السنوات القليلة الماضية، حاولت الصين تنويع شبكات الإمداد البرية عبر تشييد الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب التي ستمتد عبر أوراسيا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. وعندما ينتهي هذا المشروع البري ستضمن الصين الحد الأدنى من السلع الأساسية -خاصة النفط والغاز الطبيعي وهما العصب الأساسي للاقتصاد الصيني- في حالة وقوع كارثة نووية.[13]

ففي حالة الحرب، يستطيع الخصوم قصف السفن في البحر أو حصار الموانئ، لكن سيعجزون عن التوغل براً لقطع الإمدادات عن الصين بسبب الدفاعات الجوية، وأيضا لأن الأنابيب والطرق البرية تمر عبر دول محايدة.

يقول أستاذ السياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون إيرون فريدبورغ “في ضوء المخاوف الصينية من الاعتماد كليا على التجارة البحرية، وشعور الصينيين بحساسية مفرطة تجاه استمرار التفوق البحري الأمريكي، يمكن فهم الاستثمار في الطرق البرية كشكل من أشكال التحوط في حالة الطوارئ الكبرى”، في إشارة إلى الحرب.

ويضيف صاحب كتاب “التنافس من أجل الهيمنة.. الصين، أمريكا، والصراع من أجل السيطرة على آسيا”[14] “رغم أن هذا مستبعد، فإن الصين ستعاني بشكل مدمر إذا وقعت اضطرابات في المد البحري. الاستثمار في البنى التحتية على المستوى البري هي محاولة لأخذ تدابير استباقية فيما لو أصبحت المحيطات غير آمنة للملاحة”.

وتعتبر مبادرة “الحزام والطريق” التجلي الأبرز لخطة الصين في هذا المجال، فـ”الحزام” يرمز إلى الممرات البرية، أما “الطريق” فيُقصد بها المحور التجاري البحري. وقد أطلق الزعيم الصيني شي جين بينغ هذه المبادرة في 2013 خلال زياراته إلى كزاخستان وإندونيسيا.

الشركات الصينية أضحت في السنوات الأخيرة تتعامل بانتقائية مع الاستثمارات في الدول الأجنبية

أضخم مشروع عرفته البشرية

وتسعى الصين إلى إعادة إحياء “طريق الحرير” التجاري القديم الذي كان يربط الصين بأوروبا. وتغطي هذه المبادرة أكثر من 68 دولة و65% من سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم في 2017. ويعتبر البعض المبادرة “مشروع مارشال الجديد”، لكن بتمويل ضخم جعله أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.[15]

وقد تَحقق جزء من حلم شي جين بينغ في 2017، بعد أن نجح أول قطار لشحن البضائع الصينية في الوصول إلى بريطانيا، وهي المحطة النهائية للقطار الذي مرّ من كزاخستان وروسيا وبلاروسيا وبولندا وألمانيا وفرنسا، وقطع 12 ألف كيلومتر في رحلة استغرقت 18 يوما، وحمل ما يزيد على 1300 نوع من السلع إلى 121 مدينة في 24 دولة في الاتحاد الأوروبي وروسيا ووسط آسيا.

 وفي مارس/آذار الماضي، وقّعت الصين اتفاقية مع إيطاليا أضحت بموجبها أول دولة أوروبية تنضم إلى “مبادرة الحزام والطريق”. وفي أبريل/نيسان، أعلنت الصين أنها وقعت اتفاقيات قيمتها 64 مليار دولار خلال منتدى “مبادرة الحزام والطريق” في العاصمة بكين، وسجلت صفقات وصل إجمالي قيمتها إلى 3.67 تريليونات دولار.

وقد تغيّب عن المنتدى الرئيس الجديد للبنك الدولي ديفد مالباس -وكان موظفا سابقا في وزارة الخزانة الأميركية- المعروف بانتقاداته لما يسمى “ممارسات الإقراض الصينية”، كما غاب المسؤولون الأمريكيون عن القمة بمبرر وجود “قلق شديد من تجاهل البنية التحتية الصينية المعايير الدولية المتعلقة بالتنمية وحماية العمالة والبيئة”.

وفي المقابل، غيّرت روسيا رأيها بخصوص “مبادرة الحزام والطريق”، إذ دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدول المشاركة في منتدى بكين للانضمام إلى المشروع الصيني الضخم. وقال “نولي اهتماما كبيرا لتطوير الطريق البحري الشمالي، نفكر في إمكانية ربطه بطريق الحرير الصيني وبالتالي خلق طريق نقل عالمي وتنافسي، يربط شمال شرق، وشرق وجنوب شرق آسيا بأوروبا”.

تسعى الصين إلى إقامة علاقات اقتصادية وسياسية متينة مع روسيا، جارها القوي والغني بالموارد النفطية

تحالف صيني روسي

وتسعى الصين إلى إقامة علاقات اقتصادية وسياسية متينة مع روسيا، جارها القوي والغني بالموارد النفطية.  وحاليا يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 108 مليارات دولار. وإذا استطاعت الصين أن تربط أراضيها براً بروسيا الاتحادية -وهي الأخرى خصم شرس للولايات المتحدة- فيمكن أن تسبب أوجاعا سياسية للأمريكيين، خاصة وأن البلدين ينظران إلى قوات حلف الناتو -في بحر الصين الجنوبي وشرق أوروبا-  كتحد حقيقي لمصالحها في دول الجوار.

وفي مقالة نشرها ديفيد شولمان وأندريا كاندال في مجلة “فورين أفيرز”، حذرا من التقارب الصيني الروسي على مصالح الولايات المتحدة عبر العالم، واعتبرا أنه “يمكن لموسكو وبكين تنسيق الجهود لإحباط المصالح الأمريكية بشكل كبير على مدار الأعوام الـ15 إلى الـ25 القادمة”.

وأضاف الخبيران في “مركز الأمن الأميركي الجديد” أن الصين وروسيا قد لا تنجحان في تشكيل تحالف عسكري بشكل رسمي، “لكن بإمكانهما العمل معا بطرق قد تؤلم الولايات المتحدة”.[16]

وتسعى روسيا إلى توسيع نفوذها داخل الجمهوريات السوفياتية سابقا، وأحيانا وصل هذا الأمر إلى قضم أراضي في شرق أوروبا (أوكرانيا وجورجيا)، في حين تُلح الصين على أن بحر الصين الجنوبي يقع تحت سيادتها، وتهدد باستمرار بضم تايوان -الحليف الأمريكي القوي في آسيا- إلى أراضيها.

لكن الصين تعوّل أيضا على دول أخرى مجاورة لتوسيع طرقها البرية في ظل التحالف القوي القائم بين الهند والولايات المتحدة. ويعتبر الصينيون باكستان -العدو اللدود للهند- أهم حليف يمكن الاعتماد عليه في المنطقة، بالإضافة إلى إيران -الجار البعيد- الذي تجمعه بالصين علاقات وطيدة ومصالح مشتركة على رأسها التصدي للتدخل الأمريكي في آسيا وخلط أوراق واشنطن في دول شرق أوسطية مثل اليمن والعراق ولبنان وسوريا.

المصادر:

[1] https://www.jstor.org/stable/2111353?seq=1#page_scan_tab_contents