العرب في كأس العالم.. أحلام المنتخبات الثلاثة التي صنعت المجد

مع بدايات القرن العشرين، بدأت كرة القدم تغزو القلوب وتلعب بعقول المحبين والشغوفين، وحينها أصبحت الحاجة ملحة لبطولة كبيرة على مستوى الأمم لا على صعيد البطولة المحلية لكل دولة. بطولة تتعلق بها العقول وتهفو إلى موعدها الأفئدة والعقول المولعة بتلك الكرة الجلدية المملوءة بالهواء والتي ستحصل مع مرور الوقت على لقب مستحق وهو “الساحرة المستديرة”.

مرّ ميلاد البطولة الكبرى بمخاض طويل حتى نجح الفرنسي “جون ريميه” رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وصاحب فكرة إنشاء كأس العالم بإقامة أول دورة للبطولة في الأوروغواي عام 1930، ليعلن للعالم أخيرا ميلاد هذا الحدث الكبير الذي تنتظر الدنيا كلها لحظة انطلاق دورة جديدة منه كل 4 سنوات، وكأن مولودا جديد سيولد ويملأ الدنيا متعة والقلوب شغفا.

بدأ تاريخ العرب مع بطولة كأس العالم منذ أخذت تلك الفكرة طريقها إلى حيز التنفيذ، وشاركت 8 منتخبات عربية في بطولات المونديال المتتالية. وسنتطرق في هذا التقرير إلى مشاركات الفرق العربية في المونديال حتى نسخة 1978 ضمن سلسلة وثائقية حملت عنوان “العرب في كأس العالم”، من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية.

بعد قدوم المولود الكروي المنتظر، أصبحت المشاركة في النسخ المقبلة من كأس العالم حلم كل دولة وأمل كل شعب، والهدف الأكبر لكل لاعب كرة قدم أن يمثل بلاده وشعبه في هذا الحدث العالمي، ولم تتأخر الفرق العربية كثيرا في المشاركة بهذا العرس الكروي، ولكن تلك المشاركات أصبحت اعتيادية منذ النسخة التاسعة للبطولة عام 1970.

مصر.. مشاركة عربية أولى في ثاني نسخ البطولة

يقول المؤرخ الرياضي المصري أحمد عويس متحدثا عن مشاركة مصر في كأس العالم: كان في أفريقيا 3 منتخبات فقط تلعب كرة القدم، زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا)، ومنتخب جنوب أفريقيا الذي منع من المشاركة بسبب الفصل العنصري، ومنتخب مصر الذي اختير من قبل الفيفا، ليلعب في مجموعة تضم فلسطين وتركيا، على أن يصعد منتخب من الثلاثة لنهائيات كأس العالم 1934.

انسحب الفريق التركي قبل التصفيات مباشرة ليكون التأهل محسوما للفائز بمجموع المباراتين بين مصر وفلسطين، وبهذا ضمن العرب أول وجود لهم في النسخة الثانية من المونديال.

بعد فوزها على فريق دولة فلسطين، تأهلت مصر للمشاركة في مونديال روما 1934

وقد فاز المنتخب المصري 7-1 في مصر و4-1 في فلسطين ليتأهل إلى المونديال الذي أقيم في إيطاليا بنظام خروج المغلوب من البطولة مباشرة.

وفي قرعة المونديال التي أجريت بعد انتهاء مباريات التصفيات، اصطدم منتخب مصر بالمنتخب المجري القوي وصاحب السمعة الكروية الكبيرة في ذلك الوقت.

 أهداف مصرية تمطر شباك منتخب المجر الشرس

بعد بطء التحضيرات والتأخير في اختيار أعضاء البعثة المسافرة إلى إيطاليا، استقر أخيرا على أعضاء البعثة المسافرة التي كأنت تتألف من 18 فردا بينهم 15 لاعبا من 6 أندية مختلفة و3 إداريين فقط، وقد تخلف عن السفر عدد من اللاعبين الأساسيين لأسباب مختلفة، وأبرز هؤلاء الغائبين عبد الشافي مدافع فريق “السكة الحديد” البارز، وكان عاملا بنظام اليومية في “هيئة الهاتف”، وكان التبرير في عدم التحاقه بالبعثة أنه “لا يعرف الإتيكيت (السلوك الاجتماعي) اللائق للمشاركة في مثل هذه المحافل الرسمية”.

ويروي المؤرخ الرياضي أحمد عويس أن البعثة –التي حدد 17 مايو/أيار لمغادرتها من ميناء الإسكندرية إلى إيطاليا- حظيت بوداع ملكي بحضور ممثل شخصي عن الملك وقتها.

مصر تتعادل بهدفين ضد المجر (هنغاريا) قبل أن ينقطع الاتصال بالتلغراف، ليكتشف المصريون أن فريقهم قد خسر تلك المباراة

وصلت الباخرة الإيطالية إلى روما وعلى متنها البعثة المصرية في 20 مايو/أيار 1934 أي قبل 7 أيام من مواجهة المجر، وبذلك كانت أول مباراة لمنتخب عربي وأفريقي في تاريخ كأس العالم. كما كانت أول مواجهة أوروبية أفريقية في البطولة.

وقد قدم منتخب مصر مباراة قوية، إذ عاد من بعيد وسجل هدفين وفرض التعادل على المنتخب المجري القوي في الشوط الأول، وفي الشوط الثاني تقدمت المجر مرة أخرى ثم عادلتها مصر بهدف. وفي أثناء المباراة انقطع الاتصال “التلغرافي” بين مصر وإيطاليا، فظن المصريون أن النتيجة انتهت بالتعادل، لكنهم صدموا في اليوم التالي بعد علمهم أن المباراة انتهت بفوز منتخب المجر 4-2 بعد أن ألغى الحكم الهدف الثالث لمنتخب مصر بداعي التسلل، وضاع حلم التأهل للدور التالي في أول مشاركة عربية بكأس العالم.

ولم تكن هذه المباراة الأولى للفريق المصري سوى الخطوة الأولى في طريق البداية.

أسود الأطلس.. عودة العرب بعد ست مواسم عجاف

بعد المشاركة المصرية الأولى أضاع العرب طريق التأهل للمونديال في 6 دورات متتالية، ثم عادوا إلى الظهور في المونديال بنسخة عام 1970 في المكسيك وبفضل منتخب المغرب.

وقد حظيت هذه الدورة بأول نقل تلفزيوني ملون للمباريات في وقت لم تدخل فيه التلفزيونات الملونة أغلب المنازل العربية، ولكن الشغف بمتابعة منتخب “أسود الأطلس” لم تكن لتعيقه تلك التفاصيل الصغيرة.

المغرب تتأهل لمونديال المكسيك 1970 في حيث بثت المباريات بالألوان لأول مرة في التاريخ

يقول المؤرخ الرياضي المغربي بدر الدين الإدريسي: لكي يشتري المرء تلفازا بالألوان كان لا بد من رصد إمكانيات مادية كبيرة جدا، وكان هناك تلفاز أبيض وأسود يشاهدون عبره مباريات منتخبهم الوطني التي كانت تجرى في مواعيد متأخرة بالليل بتوقيت المغرب.

وقد أوقعت القرعة منتخب المغرب في 3 مواجهات قوية في دور المجموعات بالمونديال المكسيكي، فكانت المواجهة الأولى ضد منتخب ألمانيا العريق وأحد أقوى المنتخبات في العالم، وكان هناك تخوف من مواجهة منتخب المغرب المشكل من لاعبين هواة، كتيبة “المانشافت” المدججة بالنجوم.

ويعود لاعب منتخب المغرب عام 1970 سعيد غاندي بالذكريات إلى يوم المباراة، فيقول: قدمنا هدية للاعبي المنتخب الألماني، لكنهم رفضوا قبولها وأداروا لنا ظهورهم، ثم اجتمعنا وقلنا لبعضنا كلمة واحدة “الموت أو الانتصار”.

مرمى بلا حارس.. خطأ يفسد نشوة التفوق المغربي

قدم منتخب المغرب ملحمة كروية في الشوط الأول ضد الألمان وتفوق عليهم بهدف نظيف، وكان العالم وقتها يتأهب ليشهد أبرز المفاجآت في تاريخ كرة القدم، لكن قبل أن تكتمل صفوف لاعبي منتخب المغرب على أرض الملعب، أعطى الحكم إشارة انطلاق الشوط الثاني من المباراة.

ويقول المؤرخ الرياضي بدر الدين الإدريسي: من المعروف أن المباراة لا يمكن أن تبدأ من دون حارس المرمى، لأن علال بن قصو تأخر ليخرج من غرفة الملابس لظروف خاصة، وأنه كان يتلقى التعليمات الأخيرة من المدرب قبل نزوله للملعب، ورغم ذلك بدأ الشوط الثاني من المباراة.

الحكم يبدأ الشوط الثاني من المباراة ضد ألمانيا سنة 1970 قبل التحاق حارس مرمى المغرب

وقد واصل أسود الأطلس تقديم أداء متميز في الذود عن مرماهم خلال الشوط الثاني، وعانى الألمان أمام صلابة الدفاع المغربي ولياقة لاعبي المنتخب البدنية العالية وروحهم القتالية، ولكن خبرة لاعبي منتخب ألمانيا الذين لم يغيبوا عن البطولة إلا في الدورة الافتتاحية كسرت صمود لاعبي منتخب المغرب وسجلوا هدفين متتاليين.

ورغم الخسارة خرج الإعلام المغربي والعالمي لتحية المنتخب والإشادة بمستوى اللاعبين الذين قدموا أجمل صورة في أول اختبار على مستوى عال، وأمام منتخب عنيد كالألماني.

هجمات البيرو.. انهيار الثلث الأخير من المباراة

يقول اللاعب المغربي سعيد غاندي: بعد مواجهة منتخب ألمانيا، خضع لاعبو منتخب المغرب لفحوصات طبية لكشف المنشطات.

وقد أجرى مسؤولو اختبارا للمنشطات لبعض لاعبي منتخب المغرب، للتأكد من أن ذلك الأداء القوي لهذا المنتخب القادم من بلاد مجهولة في عالم كرة القدم، جاء من دون مساعدات خارجية، غير أن نتائج الفحوصات كانت سلبية، ولم تكشف وجود أي مواد غير قانونية.

وبات على اللاعبين المغاربة أن يثبتوا أمام منتخب بيرو أنهم يستحقون ذلك التقدير الاستثنائي الذي نالوه بعد مباراة ألمانيا، فقدم المنتخب 66 دقيقة استثنائية في المباراة، لكنه انهار بعدها بدنيّا وخسر بثلاثية نظيفة.

على الرغم من سيطرة الفريق المغربي على مباراة البيرو، غير أن النتيجة حسمت لصالح الخصم

يقول المؤرخ الرياضي بدر الدين الإدريسي: لم يتمكن المنتخب من مقاومة المد البيروفي، رغم أنه كان مسيطرا على المباراة في عدة فترات، ورغم الخسارة الكبيرة لم تتغير الصورة الجميلة التي كانت عند الجماهير، بل ظلت منتشية وسعيدة بالعرض القوي الذي قدمه منتخب بلادهم أمام ألمانيا.

تعادل بلغاريا.. نقطة العرب الأولى في تاريخ اللعبة

يأبى المنتخب المغربي العودة من المشاركة الأولى خالي الوفاض، فكان لا بد أن تكون العودة للوطن حميدة، وكانت الجماهير المغربية والعربية تمني النفس بكتابة إنجاز في تاريخ هذه المسابقة العالمية. فقد تمكن المنتخب المغربي من تحقيق أول نقطة للمنتخبات العربية في هذه البطولة، بعد أن فرض التعادل على منتخب بلغاريا 1-1، وبقيت هذه النقطة محفورة في تاريخ البطولة منذ ذلك الوقت.

المغرب تتعادل مع بلغاريا في مونديال 1970 بنتيجة 1-1

ويختتم المؤرخ الإدريسي قائلا: الجولة الأولى من الحلم الكبير وحالة العشق التي كانت تربط المنتخب المغربي في كأس العالم، انتهت.

وقد تغيّب العرب عن مونديال 1974 بألمانيا، وحضرت زائير كممثل وحيد لأفريقيا، ولم يكن قد حان الوقت بعد لمشاركة عربية آسيوية في المحفل العالمي.

مونديال الأرجنتين.. صراع آخر الأشقاء في تونس

في التصفيات الأفريقية إلى مونديال 1978 وصل منتخب تونس بعد أن اصطدم مع منتخب مصر في الملحق الأخير المؤهل للمونديال، فقد كادت مصر أن تصل له للمرة الثانية، لكن تونس أصبحت البلد العربي الثالث الذي يمثل العرب في هذه البطولة.

يقول المؤرخ التونسي عبد الباقي مسعود: في هذه المباراة كانت توقعات عبور تونس للمونديال تقارب الصفر، ففي مصر خسر المنتخب 2-3، ولكن كانت مباراة الإياب هي الفاصلة بين المنتخبين، لأن الفائز سيتأهل.

ويتحدث كمال الشبلي لاعب منتخب تونس عام 1978 عن الساعات التي سبقت المباراة المنتظرة بالملعب الأولمبي في المنزه قائلا: كان الملعب ممتلئا عن آخره، والجماهير خارج الملعب قدروا بأكثر من 20 ألفا، مما ولّد ضغطا كبيرا على اللاعبين، ودفع مدرب المنتخب عبد المجيد الشتالي لأخذ اللاعبين إلى ملعب مجاور للمنزه، من أجل عمليات الإحماء وتخفيف الضغوط عليهم، ولهذا دخلنا المباراة بقوة كبيرة ولعبنا بسرعة فائقة.

إشادة صحفية بإنجاز فريق تونس وأدائه في كأس العالم 1978

وقد فاز منتخب تونس وقتها على نظيره المصري بنتيجة 4-1، وحط رحاله في الأرجنتين ليكون حاملا جديدا للأحلام العربية في تحقيق خطوة أبعد من تلك التي حققها منتخب المغرب عام 1970. وكانت تجهيزات منتخب “نسور قرطاج” على قدر الحلم الكبير رغم وقوعه في مجموعة صعبة يحضر فيها المنتخب الألماني للمرة الثانية في مواجهة منتخب عربي وأفريقي.

ويقول المؤرخ عبد الباقي مسعود: عندما تعرفنا على نتائج القرعة التي يوجد فيها منتخب تونس، أصبح لدينا شبه يقين أننا سنخسر المباريات الثلاث ونخرج من دور المجموعات، وكنا نأمل ألا تكون نتائج الهزائم قاسية.

منتخب المكسيك.. رهبة تسبق انتصار العرب الأول

كانت المواجهة الأولى للمنتخب التونسي ضد المكسيك، وكانت الرهبة التي كان يشعر بها لاعبو المنتخب كبيرة، فتسببت بتلقيهم هدفا قبل نهاية الشوط الأول، وبدأ الجميع يتأكد من صعوبة المواجهات في المجموعة وأنها ستطيح بالأحلام والآمال التونسية مبكرا.

ولكن ما حصل هو العكس، فقد انتفض المنتخب التونسي في الشوط الثاني وسجل 3 أهداف متتالية وحقق أول فوز عربي في المونديال وكان الانتصار يمنح الفائز وقتها نقطتين لا ثلاثا.

الحكم يلغي ركلة جزاء محققة لصالح تونس أمام ألمانيا بعد عرقلة واضحة داخل منطقة الجزاء

فتح باب الأحلام على مصراعيه أمام التونسيين، فتحقيق نتيجة إيجابية في المباراة الثانية هو بمثابة طريق مفروش بماء الذهب للتأهل إلى الدور التالي وتحقيق إنجاز للمنتخبات العربية في وقت مبكر جدا من المشاركات العربية.

ويتحسر المؤرخ عبد الباقي بن مسعود على المواجهة الثانية لمنتخب تونس ضد بولونيا (بولندا حاليا)، إذ يقول: لعب المنتخب حينها إحدى أفضل المباريات في تاريخه، وقدم أداء استثنائيا أوجع البولنديين. ورغم الأداء والسيطرة، هُزم المنتخب التونسي بهدف نظيف، لكن الصحافة كانت سعيدة بالأداء وبفريق ظلمته الكرة.

“أفضل للدولة التونسية من إنجاز مئة سفير”.. استقبال رئاسي

كان لا بد للمنتخب التونسي من الفوز في المباراة الأخيرة أمام منتخب ألمانيا للتأهل إلى الدور التالي، وكان الأمل قائما، لأن ألمانيا لم تقدم المستوى التي اعتادت عليه في النسخ السابقة من البطولة، وحرم الحكم -بحسب المؤرخ عبد الباقي بن مسعود- منتخب تونس من ركلة جزاء بعد عرقلة واضحة داخل منطقة الجزاء على المهاجم محمد العقربي.

الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة يشيد بما حققه فريق بلده في مونديال 1978

ورغم التعادل من دون أهداف مع ألمانيا، فإن الرياح عاكست سفينة الحلم العربي في الوصول إلى شواطئ الدور الثاني، ليتأجل الحلم إلى محاولة أخرى ولكن الإخفاق في تحقيق هذا الإنجاز لم يمنع من الاحتفاء التونسي والعربي بهذا المنتخب، وتحولت الفرق العربية إلى منافس قوي ومحترم في أكبر منافسة كروية على وجه الأرض.

وختم المؤرخ عبد الباقي بن مسعود قائلا: استقبل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة اللاعبين في قصر الرئاسة، وقال لهم إن الإنجاز الذي تحقق أفضل للدولة التونسية من إنجاز 100 سفير.