“العلاج بالتحدي”.. بريق أمل في اليوم العالمي للسرطان

الوثائقية-خاص

مع احتفاء العالم في الرابع من شباط /فبراير من كل سنة باليوم العالمي للسرطان، لا تزال الدعوات متواصلة لرفع الوعي أكثر بمخاطر هذا الداء الذي يعتبر السبب الرئيسي الثاني للوفاة على مستوى العالم بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.

و”العلاج بالتحدي” هو عنوان فيلم وثائقي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية وبثّته قبل ثلاث سنوات، ويعرض تجربة ثلاثة مرضى مصابين بالسرطان استطاعوا بفضل عزيمتهم وإرادتهم القوية التعايش مع هذا المرض الخبيث والتماثل للشفاء تدريجيا.

أمثلة تعطي أملا للمرضى من أجل التشبّث بالحياة، والعلاج مهما كانت نوعية الحالة ومرحلتها، فالوضعية النفسية الإيجابية للمريض تساعد كثيرا في استجابته للأدوية المتوفرة بحسب العديد من الدراسات.

 

وتتحدث آخر أرقام الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية عن ارتفاع حالات الإصابة إلى حوالي 18,1 مليون شخص، وموت ما لا يقل عن 9,6 ملايين شخص مع نهاية 2018 بسبب هذا المرض، أي أن 17 مريضا حول العالم يموتون كل ثانية بسبب السرطان.

وتعتبر قلة الرعاية الصحة وضعف الولوج إلى العلاج والتأخر في الكشف المبكر من أبرز أسباب قوة هذا المرض الخبيث، خصوصا في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تسجل حوالي 70 بالمائة من الوفيات.

فإلى أين وصلت الأبحاث المتعلقة بمرض السرطان؟ وما هي الوضعية الحالية لهذا المرض في العالم وخصوصا في عالمنا العربي؟ ولماذا ارتفعت حالات الإصابة في السنوات الأخيرة؟

 

العلاج المناعي.. ثورة داخل جسم الإنسان

يمكن اعتبار مرض السرطان قاتلا بطيئا، على اعتبار أن 44 مليون شخص يبقون على قيد الحياة مدة 5 سنوات من حين تشخيص المرض لديهم بحسب الوكالة الدولية لبحوث السرطان في عام 2018، وهذه المدة الطويلة تعزز فرص العلاج، والقضاء نهائيا على المرض.

وباختصار فإن مرض السرطان ينتج عن خلايا تعرضت لطفرة معينة جعلتها تنمو بشكل غير طبيعي وغير منتظم، مستخدمة الأكسجين والغذاء الخاص بالخلايا السليمة المجاورة لها، مما يتسبب في تلف تدريجي للأنسجة البشرية.

وقد تناسلت في الفترة الأخيرة الإعلانات عن اكتشافات ثورية لعلاج مرضى السرطان، لتكون بديلا عن الطرق الحالية المعتمِدة على العلاج الكيمياوي والعلاج الإشعاعي والجراحة التي غالبا ما تكون لها تأثيرات جانبية، وفرص نجاحها غير مضمونة.

ويرى المتفائلون أن المختبرات اقتربت فعلا من اكتشاف علاج نهائي للمرض، خصوصا إذا نجحت الطرق الجديدة التي تعتمد على استغلال قدرات جسم الإنسان الذاتية للقضاء على السرطان، ومن أبرز هذه الطرق التي استعملت حديثا، “العلاج المناعي” الذي استأثر باهتمام جل الباحثين، باعتباره “علاجا ثوريا” يعتمد على حقن الجسم بمواد محفزة للجهاز المناعي، من أجل توجيه هذا الجهاز لمهاجمة الخلايا السرطانية والتخلص منها دون المساس بالخلايا السليمة.

واستطاعت أيضا الأبحاث في الخريطة الوراثية للإنسان استنباط علاجات تعتمد على دراسة التركيبة الجينية لكل مريض على حدة، وأعطت هذه التجارب على المرضى نتائج جيدة، إذ إن الدواء لا يهتم بالمكان الذي ينمو فيه السرطان في الجسم، وإنما يركز على معالجة الخلل الوراثي الذي تسبب في المرض.

ويفتح هذا العلاج الجيني إمكانية علاج أنواع مستعصية ونادرة من السرطان، إلى جانب السرطانات الأكثر شيوعا مثل “سرطان الثدي” أو “سرطان الأمعاء” أو “سرطان الرئة” أو “سرطان الكبد”.

 

فيروس ذو حدين.. تقنيات جديدة

تطور الأبحاث في المجال الطبي عموما ساعد في توسيع نطاق التجارب لإيجاد علاج فعال وسريع للمرض المخيف، وقد ركز العلماء مؤخرا على “جسيمات النانو” المجهرية التي طُورت خصيصا لإيصال الأدوية وتوجيهها مباشرة إلى الورم الدقيق بدقة وكفاءة. كما استطاع علماء في الصين والولايات المتحدة في العام 2018 التوصل إلى نوع من “جسيمات النانو” قادرة على تعريض الأورام للحرارة، مما يساهم في تقليص الخلايا السرطانية مع تجنب ملامسة الأنسجة السليمة.

وذهب باحثون أمريكيون إلى أبعد من ذلك، من خلال تسخير “فيروسات” قاتلة للخلايا السرطانية. وبحسب تقرير لموقع “لايف ساينس” الأميركي، فإن هذه الكائنات المجهرية تستطيع قتل الخلايا السرطانية، وتنبيه الجهاز المناعي لجسم المصاب أيضا إلى وجود السرطان.

لكن الطريقة هذه لا تزال محفوفة ببعض المخاطر، إذ يصعب أحيانا التحكم في “الفيروس” الذي يتحول إلى مهاجمة جسم المريض وأنسجته السليمة بشراسة. ويرى باحثون في المقابل أن العلاج بالفيروسات لا يمكن أن يكون علاجا قائما بذاته، وإنما يكون مُكمّلا للعلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي أو العلاج المناعي.

وقد اعتمدت عدة أبحاث في المقابل على دراسة كل نوع من السرطان على حدة، وتحديد الدواء المناسب له اعتمادا على خاصياته ومميزاته. وهو ما مكن من تطوير عشرات العقاقير، بعضها ما زال قيد التجريب في المختبرات، والبعض الآخر شُرع في استعماله وأبان عن نتائج مشجعة، كعقار “كيمريا” لعلاج سرطان الدم “اللوكيميا”، الذي تصنع لكل مريض نسخته الخاصة بشكل يلائم تماما نوع السرطان المشخص لديه، مما يجعله من أكثر الأدوية الباهظة الثمن في الوقت الحالي.

يأتي السرطان في المرتبة الرابعة من بين الأمراض المؤدية إلى الوفاة

 

تعددت الأنواع والسرطان واحد

جميع أعضاء جسم الإنسان تقريبا مهددة بالإصابة بالسرطانات الخبيثة، فالنمو غير الطبيعي للخلايا الذي يتسبب بالمرض ليس حكرا على عضو دون آخر، لكن هناك أعضاء أكثر عرضة للإصابة خصوصا تلك المعرضة للتأثيرات الخارجية.

وعلى رأس السرطانات الأكثر فتكا بالإنسان نجد سرطان الرئة الذي يقتل سنويا حوالي 1.67 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل 22% من الوفيات، ويمثل تعاطي التبغ أهم عوامل الخطر المرتبطة بهذا النوع من السرطان.

وفي المرتبة الثانية سرطان الكبد الذي يتسبب بـ788 ألف وفاة، وتزيد من احتمالات الإصابة به إصابة الجسم بأمراض الكبد الوبائي (B) أو (C) أو التناول المفرط للخمور.

ويأتي سرطان القولون والمستقيم في المرتبة الثالثة متسببا بـ774 ألف وفاة في السنة، وتبقى أسبابه غير معروفة، وغالبا ما تعزى إلى تاريخ الإصابة به في العائلة والنظام الغذائي المُتبع والخمور والتدخين. وهي الأسباب نفسها التي قد تؤدي إلى سرطان المعدة الذي يأتي رابعا في القائمة وبعدد إصابات سنوية متقاربة مع سرطان القولون والمستقيم.

ويأتي سرطان الثدي خامسا من حيث عدد الوفيات التي تصل سنويا إلى 571 ألف وفاة، لكنه يعتبر أكثر السرطانات انتشارا في العالم خصوصا لدى النساء، ويمثل 16% من جميع حالات السرطان التي تصيب النساء.

ورغم هذا الأرقام المخيفة فإن منظمة الصحة العالمية أكدت أن تطور الرعاية الصحية والكشف المبكر مكّنا من تفادي موت 1.7 مليون شخص خلال العقدين الأخيرين، كما انخفضت نسبة الموت بسبب الأمراض السرطانية بحوالي 23% بعد الذروة التي سجلت في العالم سنة 1991 حين كان معدل الموت 215 حالة من بين كل 10 آلاف حالة.

الخلايا السرطانية .. لا تزال تحير العلماء في كيفية القضاء عليها ومنعها من الانتشار

 

العالم العربي.. ضعف الرعاية الصحية يُعقّد الوضع

تراجع حالات الموت بسبب مرض السرطان في السنوات الأخيرة لا يعني تراجعا في عدد حالات الإصابة، بل تشير آخر التوقعات إلى إمكانية ارتفاعها حول العالم إلى 23.6 مليون إصابة بحلول العام 2030.

هذا ما سيزيد من الضغط على المؤسسات الصحية وسيطرح إشكالية الولوج إلى العلاج والكشف المبكر أكثر، وهو وضع سيجعل الدول المتوسطة والقليلة الدخل أكثر تأثرا بالمرض في المستقبل، في مقابل تحسن في الدول الغربية التي تتوفر لديها أنظمة صحية متطورة.

ويُعتبر مرضى السرطان في الدول العربية من بين الأكثر معاناة في العالم بسبب هذا المرض الخبيث، خصوصا في ظل ضعف ولوجهم للخدمات الصحية وهشاشة البُنيات الاستشفائية، وصعوبة التوعية بأهمية الكشف المبكر عن المرض وإمكانيات العلاج، وهو ما تُعقّده أكثر الصورة النمطية الراسخة في أذهان الكثير من الأشخاص التي تربط المرض بالموت مباشرة.

وحذرت منظمة الصحة من إمكانية تضاعف حالات تشخيص السرطان خلال السنوات العشر المقبلة في الدول العربية التي ستقترب من مليون حالة مشخصة في 2030 عوض 600 ألف حاليا، وتوقعت المنظمة زيادة نسبة الإصابة بسرطان القولون والمستقيم والمعدة والكبد عند الذكور بشكل خاص. أما نسبة سرطان الرئة المرتفعة أصلا في المنطقة العربية فمن المتوقع أن تزيد بنسبة 13% بسبب التلوث.

ويصعب إعطاء أرقام مفصلة ودقيقة عن عدد الإصابات بالمرض في الدول العربية، بسبب عدم وجود بيانات كافية، لكن منظمة الصحة العالمية وضعت لبنان على رأس القائمة بين الدول العربية وفي المرتبة الـ48 عالميا، حيث بلغ معدل المصابين بالسرطان فيها 242 حالة بين كل 100 ألف شخص عام 2018. وفي المرتبة الثانية نجد الأردن بنسبة 155 حالة لكل 100 ألف شخص، وتأتي مصر ثالثة بـ152 حالة إصابة بين كل 100 ألف نسمة.

يُعد الكيماوي أصعب علاجات مرض السرطان وأكثرها أثرا في نفس المريض وجسده

 

تطور بشري.. تقدم على حساب الصحة العامة

أكدت التقارير الأخيرة للوكالة الدولية لأبحاث السرطان أن الإصابة بالسرطان حول العالم في تزايد مستمر، فحالات الإصابة انتقلت من 14 مليون حالة سنة 2012 إلى حوالي 18 مليون في 2018، كما اقتربت أعداد الوفيات جراء هذا الداء من 10 ملايين في 2018 مقابل حوالي 8 ملايين في 2012، وتتحدث الأرقام أيضا عن إصابة رجل من بين كل 8 رجال، وامرأة واحدة من بين 11 امرأة بداء السرطان خلال فترة حياتهم.

ورغم أن البشرية حققت في العقود الأخيرة تطورا غير مسبوق في جميع القطاعات، فإن ذلك كان سببا أساسيا في ظهور أمراض لم تكن موجودة في السابق، وسميت بـ”أمراض العصر”، ولا شك أن السرطان بجميع أنواعه يوجد على رأس القائمة.

فالأكل الذي نتغذى به يوميا لم يعد كالسابق، وعاداتنا تغيرت بالاستعمال المكثف للأجهزة والتعرض لتأثيرات الشبكات اللاسلكية وإشعاعات المصانع والمواد الكيميائية. وردة فعل جسم الإنسان تختلف إزاء هذه التأثيرات التي يمكن أن تتحول إلى نموّ شاذ للخلايا على شكل سرطان يفتك بالأعضاء.

وتُعزى حوالي ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان إلى خمسة مخاطر سلوكية وغذائية رئيسية هي: ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (البدانة)، وانخفاض تناول الفاكهة والخضراوات، ونقص النشاط البدني، وتدخين التبغ، وشرب الخمور.

يحتفل العالم في الرابع من شباط/فبراير من كل عام باليوم العالمي لمرض السرطان

 

درهم وقاية خير من قنطار علاج

يمكن حاليا الوقاية من السرطان بنسبة تتراوح ما بين 30 و50% من حالات السرطان، وذلك عبر تفادي العديد من مسببات المرض، واتباع نمط غذائي صحي ومتوازن، وممارسة الأنشطة الرياضية.

فعلى سبيل المثال، منذ أن تسلمت الأميرة الأردنية دينا مرعد رئاسة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان سنة 2016، وهي تحذر من التدخين، وليس فقط التدخين الكلاسيكي، وإنما أيضا السجائر الإلكترونية المختلفة التي أكدت بعض الدراسات احتواءها على مواد ضارة ومسرطنة، واعتبرت الأميرة مرعد التدخين “آفة كبيرة” خصوصا في الدول العربية.

وينصح أغلب الأطباء بتجنب استهلاك منتوجات التبغ أو التعرض لدخان السجائر، إذ أن التدخين والتدخين السلبي يتسببان بوفاة ما يقارب ستة ملايين شخص حول العالم سنويا.

وكان الرئيس السابق للاتحاد الدولي لمكافحة السرطان “تازار كوتلوك” قد أكد أن سبل الوقاية تكمن بالأساس في التغذية المتوازنة و”الاستهلاك الذكي” للكربوهيدرات والدهون، من خلال مراقبة كمية السعرات الحرارية والأملاح بالخصوص (في حدود 5 غرامات في اليوم الواحد).

كما أظهرت أيضا دراسات علمية أن الرضاعة الطبيعية تساعد في انخفاض نسبة خطر الإصابة بمرض سرطان الثدي لدى الأم التي تقوم بإرضاع طفلها طبيعيا.

وعموما يمكن الحد من عبء السرطان من خلال الفحص المبكر، إذ أن الكشف عن الإصابة بالمرض الخبيث في مراحله الأولى، يزيد من فرص نجاح العلاج. ولهذا يُنصح بالقيام بفحوصات دورية ابتداء من سن الأربعين، أو عند الشك بسبب وجود حالات إصابة في العائلة.