“القتلى الغرباء”.. زيارة إلى أضرحة الشهداء والغزاة والمجهولين

علي صبري

تاريخها الحديث كالقديم، مثقل بالصراعات والحروب، وصفحاته ملأى بالقصص، وأكثر ما يروى فيها قصص الموت، موت يترك آثاره على كل تل وفي كل سهل، بين البيوت وفي البراري، وعلى شواهد قبور شهود الحرب ترفرف رايات خضر وأعلام، تُنبئك أن في ظلها قبرا لصاحبه قصة.. قصة غربة وغريب.. هذه هي أرض الحروب، هذي هي أفغانستان.

لأن الأفغان اعتادوا الموت وألفوه وكثر قتلاهم، لم يعد لبناء القبر وتزيينه وتمييزه بالشاهد المعنون باسم القتيل أهمية تذكر، فكثير من القبور مجهولة، وإنما هي شواهد من صخر مسطح بلا عنوان ولا أسماء، وقليل منها يحفر على الشاهد الرخامي ويلون أو يغطى بمظلة حديدية لحمايته، ولكن حمايته من ماذا؟ أيخشون عليه من موت آخر؟

لعل في أفغانستان، أكثر المهن شيوعا مهنة حُفار القبور، مهنة تغذيها المعارك التي لا تهدأ والتفجيرات التي تطال كل مكان. وأكثر لافتة يقع عليها نظرك في أطراف المدن والقرى، كلمة “آرامكاه” أي قبر.

 

قصة الموت التي شغلت الأفغان

فيلم “القتلى الغرباء” يحكي قصة الموت التي تشغل الأفغان في مواكب الجنائز اليومية، وما يعقبها من زيارات للراحلين، والخوف من اللحاق بهم. ولبعض الراحلين وقبورهم حكاية أخرى، حكاية الغربة أو الشهادة أو قُل القتل ظلما.. هذه الخصوصية تحيل القبر إلى محل لتقديم النذور ومزار يقصده البسطاء طلبا للحاجات والبركة. فما هي قصة القتلى الغرباء؟

الفيلم الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، يروي قصة القتلى الغرباء من خلال نماذج ثلاثة، أم لأربعة أيتام قتل والدهم في الحرب العمياء، ومراسلة تلفزيونية في كابُل تُعد تقريرا عن مزارات الغرباء، وشاعر وكاتب يكافح شهوة القتال والاقتتال بالثقافة والوعي.

زينب أفغانية فقدت زوجها وأخاها وأكثر من ثلاثين من أقاربها في الحرب

 

قبّل قبر أبيك.. أمّ الأيتام عند ضريح زوجها

ذكريات الحرب وأوجاعها تثقل ذاكرة زينب، التي فقدت زوجها وأخاها في الحرب، وتعول بمفردها أطفالها الأربعة، فتقول: كنا عندما تشتعل الحرب نذهب إلى سفوح الجبال ونحفر حفرا نمكث فيها، وأحيانا كنا نقضي فيها شهرا لا نذوق فيها طعاما غير الخبز الجاف.

وتعتقد زينب أن الحكومة الأفغانية تتعمد تقليل أعداد القتلى في المعارك والتفجيرات إلى النصف، حفاظا على معنويات الشعب الأفغاني من الانهيار.

وقد جرت العادة أن تخصص أماكن للدفن في أكثر الأحياء السكنية في العاصمة كابل، لذلك تصطحب زينب ولديها وابنتها لزيارة قبر زوجها في مقبرة قريبة من منزلها، فهي تزور قبره مرتين في الأسبوع، تدعو له بالرحمة وتسأل الله أن يحمي أطفالها الأيتام ويرزقهم رزقا حلالا ويحفظهم من الزلل، فالمجتمع الأفغاني كما تقول زينب انتشر فيه الإدمان، وهو ما تخشى على أطفالها منه.

تنادي زينب طفلها الذي لا يتجاوز ثلاث سنوات، وتطلب منه الكف عن اللعب على القبور، ليجلس عند قبر أبيه ويطلب حاجته من روحه الطاهرة، تضع يدها على شاهد القبر وتمسح بها رأس طفلها، وتقول له: قبّل قبر أبيك.
تبدو زينب مثقلة بالهموم والأحزان حين تقول: لم نعد نخشى الموت، وكلما غادر الإنسان هذه الدنيا مبكرا كان أفضل، لأن أفغانستان تتسبب بالألم الدائم لنا، أنا ما زلت على قيد الحياة فقط لأولادي.

أما ابنتها أسماء فتترنم ببعض الشعر المُغنى حول آثار الحرب والتشرد واللجوء وأحزان اليتم والأرض المشتعلة حروبا.

الأفغانية فرحناز تعمل مراسلة في قناة آريانا نيوز الإخبارية

 

ميلاد تحت القصف.. هكذا تستقبل كابُل صغارها

في اليوم الذي ولدت فيه فرحناز كانت صواريخ زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار تمطر العاصمة كابل، وأصاب أحد الصواريخ المستشفى الذي ولدت فيه، فكان ميلادها في الظلام الدامس، هكذا استقبلت كابُل الوليدة الجديدة.

فرحناز ذات الـ24 عاما تعمل مراسلة منذ سبع سنوات في قناة آريانا نيوز الإخبارية، وفازت مرتين بجائزة أفضل مراسلة في أفغانستان، تقدر الصعوبات والتحديات الاجتماعية التي تواجهها في عملها كفتاة في الميدان، فقد تلقت تهديدات بالقتل عدة مرات من متطرفين، لكنها لا تنوي التراجع عن عملها كما تقول، ما دامت لديها الطاقة للعمل كمراسلة.

في أحد شوارع كابُل، ينتصب على الجزيرة الضيقة بين الشارعين قبور مسيجة ومظللة بالحديد وترتفع عليها أعلام خضر، هي أشبه بالأضرحة المباركة التي يقصدها البسطاء للنذر والبركة وطلب الوسيلة.. وعلى أحدها يرتفع عمود خرساني مكتوب عليه “أبناء الوطن المتفانين والشجعان الذي حاربوا قوات الاستعمار من أجل الحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها الوطنية واستشهدوا على يد القوات البريطانية فهنيئا لأرواحهم الشامخة”.

مسيرة حاشدة في كابل ترفع شعارات وتهتف مطالبة بالعدالة للشهيدة فرخندة

 

الجندي البريطاني الشهيد

يرصد الفيلم بعض البسطاء الذين يتوقفون على جنبات الشارع ليربط قطعة قماش على القبر ويطلب تحقيق أمانيه، وآخر يقود دراجته الهوائية، وحين يمر بجانب القبر يمرر يده على قماش القبر وحديده طلبا للبركة.

اختارت فرحناز أن تعد تقريرا لقناتها عن قبور الغرباء التي يقصدها بسطاء الناس باعتبارها أضرحة ومزارات، وتناقش الأمر في اجتماع التحرير في القناة، ويتداولون قصصا عن قناعات عامة الناس تجاه المزارات والأضرحة، فحين منع بعضهم من زيارة قبر السيدة فرخندة، ذهبوا إلى قبر جندي بريطاني قُتل في أفغانستان في عهد الاحتلال البريطاني، يدعى “بيرت بلاند”، لإضاءة الشموع على قبره في منطقة “باغ بالا”، لاعتقادهم أنه شهيد، وذلك لمجرد أنه غريب قُتل في الحرب.

وتذكر فرحناز مشاهدتها لحادثة قتل فرخندة عندما كانت في السوق للتبضع، حين أبلغها أصدقاء لها أن امرأة قتلت في منطقة “شاه دوشمشير”، وكانت مسيرة حاشدة ترفع شعارات وتهتف مطالبة بالعدالة لفرخندة، وكانت أكبر مسيرة للمطالبة بحق ضحية بريئة، واليوم ترتفع رايات ولوحة تحكي قصة “الشهيدة” فرخندة، ولقب الشهادة هنا، كما تعتقد فرحناز، يعود إلى براءة الفتاة القتيلة.

جبل أفشار مزار قديم يقصده سكان كابل لزيارة قبور أقاربهم ومزارات الشهداء كل أربعاء

 

جبل أفشار.. مكانة أعلى عند الله

جبل أفشار، مزار قديم يقصده سكان كابل، لزيارة قبور أقاربهم ومزارات الشهداء، وفي السنوات الأخيرة بُني مزار إسمنتي يأتيه الرجال والنساء كل أربعاء لطلب حاجاتهم عنده، وتعود المكانة الخاصة لهذا الجبل المطل على العاصمة الأفغانية إلى ما يرويه السكان عن مقتل ثلاثين شخصا في الغزو السوفياتي لأفغانستان، وتحول مع الوقت إلى مزار لسكان العاصمة.

الصحفية فرحناز التقت زينب على قمة جبل أفشار، وسألتها عن مقصدها من الزيارة وما ترجوه منها، فأجابت زينب أنها تأتي لزيارة “شهدائنا وشهداء أفغانستان، نطلب حاجتنا من شهدائنا كي يشفعوا لنا، فهم لهم مكانة أعلى عند الله، وأطفالي أيتام يحتاجون العون”.

وتضيف زينب “استشهد زوجي وأخي، وهناك ما يقارب 100 شهيد من عائلتنا وأقاربنا”، وتواصل إجابتها على أسئلة فرحناز بقولها: بدأت القصة مع الحرب السوفياتية، عندما أخذ السوفيات أبي من بيتنا، وكنت حينها صغيرة، ولاحقا استشهد أخي وهو ابن 22 عاما في الحرب الأهلية في كابُل.

انفجرت زينب بالبكاء، حين استذكرت أقاربها الشهداء، وتحاول فرحناز إقناعها بالكف عن البكاء، وتقول “أبناؤك الثلاثة سيكبرون ويصبحون سندك الذي تعتمدين عليه”. وتؤكد على أهمية تعليم الأطفال لتحميهم من شرور الأوضاع والصراعات في أفغانستان.

نساء يتجمعن عند أحد المزارات لطلب الحاحة ونذر النذور

 

الأربعاء.. يوم النذور

تقول فرحناز إن بعض الأفغان يعتقدون أن بعض أيام الأسبوع لها خصوصية لزيارة المزارات وقراءة الأدعية وطلب الحاجات والنذور من أهل القبور.

سألت الصحفية -أثناء إعدادها تقريرا عن هذه القضية- متولي أحد المزارات يدعى ساجد رجب علي عن الأوقات التي تزداد فيه زيارة قبور الشهداء ويقدمون عندها النذور ويجلبون معهم الخبز الساخن لوضعه عند القبور، قال: يتوافد الناس بكثرة لزيارة هذا المزار يوم الأربعاء، نظرا للقصص التي تروى عن الشهيد المدفون هنا، بأنه شخص شريف وعظيم المنزلة كانت له كرامات كثيرة، ويبدو أنه قُتل دون ذنب.

يأتي كل هذا الإقبال على زيارة القبر وطلب الحاجات منه والنذر عنده، برغم أن الناس لا تعرف تاريخا ولا هوية محددة للمدفون فيه.

تلتقي فرحناز مجموعة من النسوة عند المزار المنتصب وسط الشارع، وتتحدث إليهن دون تصوير وجوههن بناء على طلبهن. وتقول إحداهن إن هذا المزار لشهيد طاهر ووجيه عند الله، وعندما نطلب حاجاتنا منه ستتحقق. وعلى جانب الطريق توزع امرأة أخرى الخبر الساخن والحلوى كنذر نذرته، ويكرر بسطاء الناس هذه الأفعال كل أربعاء تحديدا.

لا يكاد بيت من بيوت أفغانستان يخلو من فقيد أو شهيد

 

الحكم الشرعي.. مزارات لا يُعلم ما فيها

لتوضيح حكم ومشروعية زيارة القبور والمزارات، سألت فرحناز الشيخ شمس الدين رحمن فروتن، فأكد على جواز زيارة القبور لتذكر الموت والآخرة ولطلب الرحمة للموتى. أما تحديد يوم خاص لزيارة القبور فهو بدعة.

وتؤكد فرحناز أن تقريرها يتحدث عن القبور مجهولة الهوية، وبعضها لا يعرف على وجه اليقين إن كان فيها ميت أم لا، وتوضح أنها لا تتحدث عن أضرحة الأئمة المعصومين أو الصحابة أو آل بيت النبي، فهذه لا خلاف عليها.

وفي سهرة بمنزل إحداهن تتجاذب فرحناز الحديث مع صديقاتها حول موضوع المزارات الذي تعد عنه تقريرا. فتقول إحداهن إن النساء في مجتمع لم يغادرنه أبدا كأفغانستان، وليس لهن اتصال بالعالم الخارجي، من الطبيعي أن يلجأن إلى الخرافات، لأن الإنسان بطبعه يحتاج إلى سند معنوي يتكئ عليه في كل الأحوال.

يعرض الفيلم مجموعة من الرجال يشيعون جنازة أحد الغرباء إلى مقبرة في سفح الجبل قبيل غروب الشمس. وتقول فرحناز، في أفغانستان لا تفكر بالموت، لأن الموت هو الذي سيفكر فيك على الدوام. وتمضي في حديثها “حينما نذهب إلى قاعة “لويا جرغا” أو أية مراسم شعبية كبيرة من الممكن أن نودع الحياة في ذلك المكان”.

الشاعر والصحفي رضا محمدي الذي يعكس شِعره عمق الإحباط

 

“حياتنا تقطر دما”.. البحث عن الشِّعر في شوارع كابُل

أما الشاعر والصحفي رضا محمدي فقد صادفت أول زيارة له إلى كابُل يوم دخول حركة طالبان إلى العاصمة عام 1994، وشعر حينها بإحباط وخوف شديدين، ورآها كمدينة أشباح، إلا أن المفارقة أنه كان في هذه الأجواء يبحث عن نقابة للشعراء في طرقات كابل.

يقرأ محمدي، الذي يعمل مدرسا ومعلما للشعراء والكتّاب الأفغان الشباب؛ بيتا من شعره الذي يعكس عمق الإحباط: “ألمٌ يصادف أن يقوم تاجر عبيد بإنقاذ يوسفنا القابع في ظلمات الجب”، ويمضي في القراءة بصوت متعب حزين “حياتنا تقطر دما ممزوجا بالحماس الديني”.

وعنها يقول محمدي إن القبور تضم غرباء قدموا من مختلف البلدان مثل الروس والعرب والباكستانيين والشيشانيين والإيرانيين، فكل من قتل منهم يطلق عليه شهيد.

يقول محمدي، إنه في كل مرة كان يعود إلى أفغانستان كان يأمل أن يبقى في العاصمة إلى الأبد، ويقول لنفسه إنه لن يخرجه منها إلا الموت، لكن المشاكل التي تعترضه في كل مرة كانت تنفيه من حضن المدينة الأم مرة أخرى. وفي المرة الأخيرة قال: قلت لنفسي سأبقى فيها حتى وإن أمطرت السماء حجارة.

قصر دار الأمان الذي أعيد افتتاحه في الذكرى المئوية لاستقلال أفغانستان

 

خاوية على عروشها.. “دار الأمان”

حسب الشاعر محمدي، فإن الثقافة الأفغانية تطلق لقب الشهيد على كل من يقتل في الغربة أو يموت وحيدا، أو حتى إن مات في حادث سير، فغالبية الشهداء “لم يستشهدوا أثناء الحرب، بل كانوا في الواقع، ضحايا تبعاتها”.

يُظهر الفيلم محمدي وهو يجول في جنبات قصر دار الأمان الذي أعيد افتتاحه في الذكرى المئوية لاستقلال أفغانستان من الاحتلال البريطاني التي تصادف 19 أغسطس/ آب 2019، وقد بُني القصر في عهد الملك أمان الله خان، بفخامة وروعة تعكسان العمارة الألمانية، على يد المهندس الذي صمم القصر، وأطلق على القصر اسم العاصمة في ذلك الوقت “دار الأمان”.

كان القصر مَهيبا لضخامته، ففيه 150 غرفة لا يظهر منها في الفيلم سوى خرائب وجدران مهدمة وأسقف جرداء من أي زينة أو زخرفة، فالقصر واحد من المعالم الكثيرة التي تعكس بشاعة الحرب ودمارها في أفغانستان، ويحسن المصور في عرض جوانب من القصر بحركة بطيئة من الكاميرا لممرات القصر وسلالمه المدمرة، يرافقها صوت صفير الهواء دون موسيقى، ليضع المشاهد في أجواء الخراب، وخواء القصر على عروشه.

وفي أحد ممرات القصر، يروي محمدي قصصا ممن قتلوا في ظروف مختلفة، وتحولت قبورهم إلى مزارات للبركة، مثل سائق ألقى نفسه تحت عجلات حافلة لإنقاذها من السقوط في الوادي، وجندي في الجيش الأفغاني احتضن انتحاريا فجّر نفسه لحماية المدنيين العُزل من الموت.

قبر الشهيد المجهول الذي تحول إلى مزار يعد رمزا للمقاومة في أفغانستان

 

رجم في عيد “النوروز”.. بأي ذنب قُتلت؟

يذكر محمدي أشهر المزارات في كابُل وهو مزار السيدة فرخندة التي قتلت ورجمت بالحجارة وأحرقت في العاصمة كابل في عيد رأس السنة “نوروز” من عام 2015 بسبب سوء فهم، ثم تبينت براءتها، وحاول كل من شارك في الجريمة النكراء أن يكفر عن سيئاته، فهي تعد نموذجا من القتلى الغرباء، وتعتبر حتى الآن الأشهر بين القتلى الغرباء. وقد سمي أحد الشوارع باسمها ورفع علم لتخليد ذكراها.

ويعتقد محمدي أن رمزية “الشهيد المجهول” ليست خاصة بأفغانستان، فهي حاضرة في كل العالم، لأن فكرة ومفهوم الشهيد المجهول موضوع مقدس في حد ذاته.

ويؤكد أن قبر الشهيد المجهول الذي تحول إلى مزار “هو رمز للمقاومة في أفغانستان، للشخص الذي استشهد من أجل بلاده واستقلالها، لذلك يحظى هذا المزار بالاحترام على مر السنين وتحت أي حكم مر على أفغانستان”. ويمضي في حديثه بالقول: تروى الكثير من القصص عن هذا المزار، وكيف فشلت البلدية والحكومة في هدمه وتعطلت الآلات التي جلبت لهدمه.

ويروي مواطن ما رآه في حقبة الغزو السوفياتي من أن جنديا روسيا حاول هدم المزار مرتين بجرافة ومجنزرة ضخمة، لكنه فشل في المرتين وتعطلت الآليات وسلم المزار من الهدم.

دماء شهدائنا لم تجف بعد

 

“القمر المغرق في الدم”.. مخلفات الحرب

يقول محمدي إن الكثير من الأفغان نجوا من الحرب، لكنها تركت آثارها فيهم، فخلقت عندهم عقدا من الكراهية لا يمكن القضاء عليها إلا بالوعي والثقافة. ويشعل الشاعر شموعا صغيرة في مكان مخصص لذلك في أحد الأضرحة، ويذكر أن هذا تقليد قديم لدى سكان العاصمة، وأن الشمعة إذا احترقت عن آخرها، فإن هذا يعني أن الشخص الذي فقدته سيعود إليك، وأن دعاءك سيستجاب.

يختتم الفيلم بأبيات من شعر رضا محمدي، تلخص قصة الموت والقبور في أفغانستان فيقول:

جالسون وأصوات الجالسين تضيع في الطين

منكسرون وعزاء المنكسرين في القلوب

جالسون في حمى الحسرات المغرقة في الدم

وننظر إلى القمر المغرق في الدم

في الليل من مطلق قلب الليل أزالوا القرار

وفي كل حركة أراق الناس الصمت المطبق

أراقوا الصمت لكي نبدو عبيدا للسراب

أراقوا الصمت لكي ننام باسم الصمت

لا تزال في العظام غربة ملتهبة

ولا يزال يعيش في قلوبنا أمثال أبي ذر

أمثال أبي ذر الذين يهدون إلى العدل

يرددون العتب على ليل الجهاد المرير

لا تزال الأرض متفجرة من صراخنا نحن الشعب

كيف نثير الفتنة أيها الناس

لا تزال الحربة في أرواحنا لم تجف

لا تزال دماء شهدائنا لم تجف

ويختتم الفيلم بالعبارة اليائسة: ما زالت الحرب قائمة في أفغانستان، ومع كل يوم جديد تزداد أعداد مقابر القتلى الغرباء أيضا.