الكونغو.. أرض الثراء وجمهورية الفقراء

حبيب مايابى

القصدير والكولتان والنحاس أنواع من المعادن الثمينة التي تزخر بها جمهورية الكونغو الديمقراطية وتقدر قيمتها بـ24 تريليون دولار. ورغم ذلك فإنه على أديم تلك الربوع الغنية بالثروات المعدنية، يعيش واحد من أكثر شعوب العالم فقرا وتخلفا بسبب الحروب والنزاعات المحلية بين السكان.

بثت الجزيرة الوثائقية فيما بعنوان “الكونغو.. الصراع على الثروة”، ناقشت أثر الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة على ثروة البلاد التي أصبح تصديرها للخارج مرهونا “بقانون دود فرانك” الذي وُصف بأنه ضيّق الخناق على المواطنين وقلل من فرص الاستثمار والاستفادة من ثروات البلد الذي يعيش مواطنوه تحت وطأة الفقر والتخلف.

 

قانون في وجه الاستثمار

تعتبر الكونغو من أغنى بلدان القارة الأفريقية بالمعادن المتنوعة، وقد أدى البحث عن المعادن إلى نشوب صراعات بين المتمردين والجيش خلفت ما يربو على خمسة ملايين قتيل من البشر في العقد الماضي.

وتستخدم المعادن التي تزخر بها تلك الدولة ذات الشعب الفقير في صناعة الهواتف والرقائق الإلكترونية.

وعندما تم إعداد قانون إصلاح “وول ستريت” المعروف بقانون دود فرانك سنة 2010، خصص فصلا ينظم الاستفادة من المعادن المستوردة من المناطق ذات الحروب والنزاعات. وفي المادة 1502 نص القانون على أنه يجب أن تكون المعادن المستوردة خالية من شبهة النزاعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وإثر صدور القانون الذي يفرض على المصدرين للمعادن أن يضعوا على بضاعتهم بطاقات تكشف عن مكان التصدير، تم اعتماد 160 موقعا للتعدين فقط شرق الكونغو كمناطق خالية من النزاع ويسمح للمواطنين الاستفادة منها. لكن المناطق المصرح بالتنقيب فيها لا تمثل سوى نسبة 10% من مناجم الثروة الهائلة في جمهورية الحروب.

وفي حديثه للجزيرة قال جون كانيوني أحد المصدرين لمعدن القصدير إنه بعد قرار 1502 أصبح يصدر حاويتين فقط، بعدما كان يصدر أكثر من ثماني حاويات، مما يعني أن الإجراءات في حق التجار أصبحت مجحفة وقاسية.

وقد أدى هبوط الأسعار إلى زيادة الخسائر مما جعل التجار يصفون قانون دود فرانك بأنه أضر بالكونغو أكثر مما ساعدها.

رغم أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها، فإن المناجم المعدنية المنتشرة على عموم التراب الوطني لم تغير من واقع حياة الناس
رغم أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها، فإن المناجم المعدنية المنتشرة على عموم التراب الوطني لم تغير من واقع حياة الناس

 

التعدين الفردي.. وسيلة الحياة

ورغم أن الحرب الأهلية وضعت أوزارها، فإن المناجم المعدنية المنتشرة على عموم التراب الوطني لم تغير من واقع حياة الناس.

وقد تسبب قانون دود فرنك في حجب المناجم عن المواطنين بسبب شبهة النزاعات والخوف من اندلاع الحروب.

ويقول المنسق الميداني الضابط ما كسي مونغي إنه تم اعتماد 160 من مواقع التعدين شرق الكونغو كمناطق خالية من النزاع، بينما تبقى نسبة 90% من المناجم غير معلّمة ولا يُرخص بيعها. وأضاف أن التعدين الفردي الذي يعتمده الأهالي في الدولة هو الطريقة المنتشرة، لأنه بالنسبة لهم سبيل القوت والحياة.

وفي منجم نومبي الذي تم اعتماده مؤخرا كواحد من المناجم الخالية من شبهة النزاع، يقول العاملون به إن قانون دود فرانك أثر سلبا على عملهم وتسبب في معاناة المواطنين الذين تعودوا على الاقتيات من التعدين الفردي الذي يجد فيه الناس طريقا للعيش.

وفي حديثه عن واقع المعادن في جمهورية الصراعات والحروب قال “جين نغيراغيزي” رئيس إحدى التعاونيات المعنية بالتعدين: إن جمهورية الكونغو تغني العالم، لكن مواطنيها يبقون في فقر دائم.

على أديم تلك الربوع الغنية بالثروات المعدنية، يعيش واحد من أكثر شعوب العالم فقرا وتخلفا بسبب الحروب والنزاعات المحلية بين السكان
على أديم تلك الربوع الغنية بالثروات المعدنية، يعيش واحد من أكثر شعوب العالم فقرا وتخلفا بسبب الحروب والنزاعات المحلية بين السكان

 

سرقة الوطن

ورغم الإجراءات المتخذة لمنع تهريب الثروة من مناطق النزاع، فإن مدينة نيبابوي تعتبر ملاذا للمهربين، حيث يجلبون إليها معدن القصدير من المناطق غير المرخصة ليتم تصديره على أنه من ثروات تلك المدينة الخالية من النزاعات.

وفي حديث للجزيرة قال رئيس قسم مكافحة الاحتيال بوزارة المناجم “عباس كايونغا” إن فريقه ضبط في أشهر قليلة 52 طنا من القصدير تم استخراجها من مناجم غير معتمدة، وكانت ستهرب عبر الحدود مع رواندا.

وتعتبر رواندا طريقا مفضلا للنافذين وكبار المسؤولين الحكوميين وأصحاب الرتب العليا في الجيش، حيث يهربون المعادن الثمينة بواسطة المعابر الحدودية ليتم تصديرها كبضاعة رواندية.

واستقصاءً لتتبع آثار التلاعب بثروة الشعب الكونغولي الفقير، قابلت الجزيرة وزير التعدين الرواندي إيغود إيمينا، وعن جوابه على السؤال المتعلق بالإجراءات التي تتخذها دولته في محاولة منع التهريب من جمهورية الكونغو قال: إن تصدير المعادن في دولته يتم بطريقة قانونية ولا يُستغل في أماكن النزاعات.

يَعتبر العاملون في التعدين الفردي أن قانون فرانك تسبب بانتشار الفقر بين المواطنين الكونغوليين
يَعتبر العاملون في التعدين الفردي أن قانون فرانك تسبب بانتشار الفقر بين المواطنين الكونغوليين

 

المعادن.. شركتا إنتل وأبل

وقد قامت شركة المحاماة اللندنية بسن قانون يفرض على شركات الهواتف تتبع آثار المعادن التي يتم استيرادها من جمهورية الكونغو عبر نظام الوصف بالبطاقات.

لكن المحقق الأممي السابق في شرق الكونغو “دان فيهي” قال إن هنالك الكثير من عمليات التحايل الذي يصعب على نظام الوصف بالبطاقات أن يقضي عليها، كنقل البضاعة عبر شاحنات الجيش إلى الحدود ليتم تهريبها عبر رواندا، مما يعني أن أساليب الاحتيال على الثروة تطورت بعد قانون دود فرانك.

وأضاف المحقق الأممي أن قانون فرانك جاء نتيجة لفهم مبسط من نشطاء حقوقيين في واشنطن، بينما الوضع في الميدان معقد ويحتاج لتعاون بين الأطراف المحليين.

وقد قامت شركتا إنتل وأبل بالترويج لقانون فرانك بوصفه يضع حدا للنزاع المسلح في دولة الكونغو. وقد وزعت شركة إنتل -الرائدة في صناعة الرقائق الإلكترونية- بيانا يقول: إن منتجاتها خالية من المعادن المشبوهة بالنزاعات.

ويرى كثير من المحققين الدوليين أن الشركات الرواندية تتحمل مسؤولية كبيرة في تهريب المعادن المشبوهة، ولها دور كبير في تأجيج النزاعات.

ويَعتبر العاملون في التعدين الفردي أن قانون فرانك تسبب بانتشار الفقر بين المواطنين الكونغوليين مثل ما فعلت بهم الحرب الأهلية، ولا سبيل لخطة عادلة في توزيع المعادن إلا عبر إجماع وطني ورؤية محلية تأخذ بعين الاعتبار أحوال الفقراء والمهمشين.