اللغة الفرنسية في المغرب العربي.. غزو استعماري لا يعرف الهدنة

خاص-الوثائقية

“بعد أن حقق فريق فرنسا بالمغرب نصرا كبيرا على المنتخب المغربي في مباراة “العربية/الفرنسية في التعليم المغربي”، انطلق أنصار الفريق الفرنكفوني ومشجعوه يرددون منتشين أكذوبتهم المفضلة وهي: فشل التعريب، الذي أدى بدوره إلى فشل التعليم، وإلى البطالة والتخلف عن ركب الحضارة.. إلى آخر ما يلوكون[1].

الحديث هنا للفقيه المقاصدي ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد الريسوني، والسياق هو مجادلته للوزير المكلف بالتعليم العالي في حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي خالد الصمدي الذي خرج للدفاع عن قانون يقسّم المغاربة حاليا، لكونه يفتح الباب أمام تدريس الأطفال المواد العلمية باللغة الفرنسية بدل العربية.

الوزير وإن كان ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المدافع عن الهوية واللغة العربية، فإنه تولى تبرير خضوع حزبه بعد معركة طويلة للضغوط التي مورست عليه من أجل التصديق على هذا القانون في البرلمان وإلزام برلمانييه بذلك.

يقول الريسوني الذي تصدّر لائحة مؤسسي جبهة وطنية لمواجهة القانون الجديد، إن ما تميز به حديث الوزير عن التعريب هو أنه “كاد أن يجهر بالحقيقة، أو بجزء منها، حين أشار إلى أن السبب الذي فشَّل سياسة التعريب هو أن العملية توقفت عند نهاية التعليم الثانوي، ولم تنتقل إلى الجامعة”.

والأسئلة التي كان على الوزير أن يجيب عنها برأي الريسوني هي: مَن منع التعريب من الدخول إلى الجامعة؟ ولماذا تم هذا المنع؟ ولماذا “فشَّلوا” التعريب بهذه الطريقة؟ وهل هذا يعدُّ فشلا حقيقة؟

 

فقيه اليوم ومشير الأمس

الجواب الذي يلمّح إليه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هو الذي دوّنه المسؤول العسكري الفرنسي الذي أخضع المغرب لسيطرة بلاده بالقوة العسكرية بعد رفض عموم المغاربة لمعاهدة الحماية التي وقّعتها فرنسا مع السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ سنة 1912.

يقول المشير هيبير ليوطي في مراسلة سرية موجهة إلى حكومة بلاده عام 1920، “وأما التعليم فبواسطته يمكن أن يتم العمل الأكثر عمقا، والأشد تأثيرا في تطور الفكر المغربي الجديد، وإن في هذا الميدان لشغلا كبيرا يلزم الاعتناء به حينا، لأنه أهمل غاية الإهمال، فبواسطة المدارس وحدها يمكننا أن نهيئ النخبة المتأهلة للمشاركة معنا، ونكوِّن العنصر الحي والأهم لموظفي الحماية”[2].

وتنص المادة التي أثارت الجدل ضمن القانون الجديد للتعليم بالمغرب على “إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد، ولا سيما العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية”. وهو حديث يفسّره وزراء الحكومة بشكل علني بالإحالة إلى اللغة الفرنسية تحديدا دون غيرها، مبررين ذلك بكونها اللغة الممكنة الوحيدة نظرا لتاريخ المغرب الطويل معها[3].

وفيما تشبث حزبا العدالة والتنمية (حكومة) والاستقلال (معارضة) بالتدريس باللغة العربية مقابل دفاع باقي الأحزاب عن تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، عاد الحزبان بعد شهور من الجدل ليتراجعا عن موقفهما دون أي مبرر مقنع.

هكذا أقرّ البرلمان المغربي يوم 23 يوليو/تموز 2019 القانون الخاص بتعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المدارس بموافقة 241 نائبا ومعارضة أربعة نواب وامتناع 21 نائبا عن التصويت، وامتنع معظم أعضاء حزب العدالة والتنمية الشريك في الائتلاف الحاكم والذي يغلب عليه الإسلاميون ونواب حزب الاستقلال المحافظ عن التصويت على المواد التي تنص على استخدام اللغة الفرنسية في التدريس[4].

 

معركة مغاربية

في خلفية هذه المجادلة عودة قوية في الفترة الأخيرة لمعركة اللغة الفرنسية ومن خلفها الدولة الفرنسية، من أجل البقاء في موقع الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية، في مقابل حراك شعبي ومدني متصاعد يرمي إلى تخليص شعوب دول المغرب العربي من سطوة لغة المستعمر السابق واستعادة السيادة اللغوية.

ففي مقابل الجولة التي ربحتها اللغة الفرنسية في المغرب بعد تصديق البرلمان على القانون الجديد المثير للجدل، جعل الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر المجاورة من إسقاط اللغة الفرنسية من موقعها المهيمن واحدا من مطالبه الملحة.

وفي الوقت الذي كانت الطبقة السياسية المغربية تتعرّض لضغوط كبيرة من أجل حملها على تمرير القانون الجديد الذي يعيد الفرنسية إلى المدارس الثانوية؛ دخلت الجزائر مرحلة تعويض اللغة الفرنسية بنظيرتها الإنجليزية في مؤسساتها الجامعية، وذلك بهدف تطوير مستوى البحث العلمي وفتح آفاق جديد أمام الجزائريين[5].

وقد أعلن وزير التعليم العالي الجزائري بشكل رسمي أثناء زيارته إحدى المؤسسات الجامعية يوم 8 يوليو/تموز 2019، توجيه وزارته أوامرها إلى المؤسسات الجامعية من أجل القيام بالتحضيرات اللازمة لتعويض اللغة الفرنسية المهيمنة حاليا في الجامعة الجزائرية، بنظيرتها الإنجليزية[6].

وبعدما أطلقت وزارة التعليم العالي الجزائرية استفتاء لمعرفة موقف الجزائريين، وأظهرت النتائج الأولية هيمنة الموقف المؤيد لهذا التحول، فيما شدّد الوزير في أحد تصريحاته، على أن للجزائر لغتين وطنيتين هما العربية والأمازيغية، وأن استعمال لغة أجنبية يجب أن يقتصر على البحث العلمي، وهو ما يؤدي إلى اعتماد اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية.

من جانبها تشهد تونس -البلد الذي شمله أيضا الاستعمار الفرنسي خلال القرن الـ20- نقاشا، وإن كان أقل سخونة، بشأن السيادة اللغوية وجدوى استمرار هيمنة اللغة الفرنسية.

وفي تقرير حديث لمرصد اللغة الفرنسية التابع للمنظمة الدولية للفرنكفونية في شهر مارس/آذار 2019 قال إن 52% من التونسيين يستعملون اللغة الفرنسية في حياتهم اليومية، أي أكثر من 6 ملايين تونسي[7].

وبالرغم من أن الفرنسية ليست لغة رسمية حسب الدستور التونسي، فإن هذا البلد المغاربي يعتبر أكثر بلدان المنطقة من حيث عدد المتحدثين بلغة المستعمر السابق، بينما تحضر لغة “موليير” على ألسن ثلث سكان المغرب والجزائر (%35  من المغاربة و33% من الجزائريين)[8].

 

طليعة الغزو

تفيد الدراسات التاريخية والأكاديمية أن اللغة الفرنسية تسلّلت إلى المغرب العربي منذ أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20 بغايات وخلفيات سياسية هدفها بسط السيطرة الفرنسية.

ففي تونس مثلا، البلد الذي يشهد أقل قدر من الجدل بشأن اللغة الفرنسية حاليا، جاء التغلغل الفرنسي مع فرض الحماية سنة 1881، وذلك عبر اجتثاث الإرث اللغوي القائم حينها في تونس، والذي كان يجمع أساسا بين اللغتين الإيطالية والتركية إلى جانب اللغة العربية.

فعندما توافقت القوى الاستعمارية الأوروبية على “منح” فرنسا حق السيطرة على دول المغرب العربي، كان أول ما بدأت به هذه السيطرة هو اقتلاع المنظومة التعليمية والثقافية الراسخة في كبريات المدن التونسية حينها، والتي كانت تقوم على اعتماد اللغة الإيطالية التي حملها المهاجرون الأوروبيون إلى سواحل تونس، ثم اللغة التركية التي جاءت مع بسط الخلافة العثمانية على تونس[9].

أقل من عقدين من الزمن كان كافيا لجعل نسبة هامة من التونسيين -نحو 6%- تحت تأثير متفاوت للغة الفرنسية، وذلك تحديدا عام 1898. وهمّ الأمر حينها الأطفال في سن التعلّم.

كانت هذه النتيجة قياسية في تونس التي لم تكمل بعد حينها 20 عاما تحت الحماية الفرنسية، بينما لم تتمكن فرنسا من بلوغ سوى نسبة 3% من الجزائريين بعد نحو سبعين عاما من الاحتلال[10].

أما في المغرب فالفرنسية لم تواجه الإيطالية، بل وجدت أمامها إرثا ثقافيا آخر هو اللغة الإسبانية الشائعة في شمال البلاد نظرا للاحتكاك المباشر بين المغرب وإسبانيا.

لكن وانطلاقا من حضورها الاستعماري المبكر في الجزائر، ومع تنامي أطماعها في احتلال المغرب أيضا، سبق الوجود اللغوي الفرنسي نظيره السياسي في المغرب عبر مؤسسات تعليمية في كل من مدينة طنجة التي كانت منفتحة على التأثيرات الدولية، ومدينة فاس العاصمة السياسية حينها للمغرب[11].

 

لغة الفصل والطبقية

بعد شهور قليلة من حصول المغرب على استقلاله عام 1956، نجد في العدد 23 من مجلة “دعوة الحق” التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مقالا بعنوان “مأساة اللغة العربية في المغرب”[12].

جاء في المقال “فقد وقع الشروع في نسج خيوطها منذ 45 سنة، أي بالضبط منذ 30 مارس/آذار سنة 1912 وهو تاريخ عقد الحماية الفرنسية الذي فرض على المغرب فرضا، كما فرضت عقود أخرى على شعوب كثيرة كانت مستضعفة مغلوبة على أمرها”.

ومن أهم خصائص السيطرة الفرنسية على كل من تونس والمغرب اللتين خضعتا للحماية وليس الاستعمار، يسجّل الباحثون كيف حرصت فرنسا على الإبقاء على البنيات التقليدية متخلفة ومحرومة من أي تطوّر، في مقابل تخصيص نخبة معينة مكونة من مستوطنين فرنسيين وبعض العائلات المحلية للتعليم العصري المرتبط مباشرة بفرنسا وثقافتها، بشكل يخوّل لفرنسا السيطرة الشاملة دون نقل المجتمع بكامله إلى العالم العصري.

ما حدث في نهاية الأمر هو أن اللغة الفرنسية أصبحت لغة الفئة المسيطرة والحاكمة، بينما العربية والأمازيغية بقيتا لغتين لـ”الأهالي” المتخلفين والخاضعين. “ورأى الاستعمار الفرنسي ألا يخلو برنامجه المدرسي نهائيا من حصة للغة العربية ينتدب للقيام بها في كل مدرسة شيخا من شيوخ الكتاتيب القديمة يتمثل فيه الجهل والتأخر والقسوة والغلطة”، وفقا لما ورد في مجلة “دعوة الحق” المغربية في بدايات استقلال المغرب[13].

ما قد يفسّر إقدام الجزائر مؤخرا على إعلان تعويض الفرنسية بالإنجليزية في الدراسات الجامعية، هو الوضع الاستثنائي الذي ميّز الجزائر عن كل من المغرب وتونس في الفترة الاستعمارية، حيث ظلّ الفرنسيون يمثلون أقلية صغيرة مقارنة بالجزائريين والجاليات الإيطالية والإسبانية، رغم أن فرنسا كانت تعتبر الجزائر جزءا من ترابها منذ الثلث الأول من القرن الـ19.

ولتعويض ضعف حضورها اللغوي، عمدت فرنسا إلى اعتماد نظام تصنيف اجتماعي وسياسي على أساس عرقي وإثني لتجتذب الأقليات غير المسلمة وغير الناطقة بالعربية أو الأمازيغية.

وخصصت مجلة “لونوفيل أوبسيرفاتور” الفرنسية أحد ملفاتها منتصف أغسطس/آب 2019، لكسر “طابو” الحرب التي شنتها فرنسا على الإسلام في الجزائر منذ القرن الـ19، خوفا من تحوله إلى أداة للمقاومة. وتمثلت الحرب في مسارعة السلطات الفرنسية إلى وضع يدها على ممتلكات الأحباس والأوقاف الإسلامية، وتحويل القضاة والأئمة إلى موظفين لديها يتقاضون رواتب على غرار مسؤولي باقي الديانات في فرنسا، بينما اعتبر التمسك بالدين الإسلامي من موجبات رفض منح الجنسية الفرنسية للجزائريين[14].

 

لغة لا تواكب العصر

الجدل الذي تعرفه الدول المغاربية في السنوات الأخيرة عن التخلص من هيمنة اللغة الفرنسية، يرتبط من جهة بالبعد الثقافي، ومن جهة ثانية بتطلّع براغماتي إلى التطوّر واللحاق بالركب العالمي في مجال العلوم والصناعات والتكنولوجيا.

فعكس لغات واسعة الانتشار مثل الإنجليزية والصينية والإسبانية والعربية، تظل اللغة الفرنسية منحصرة في دول هي كل من فرنسا وسويسرا بلجيكا في أوروبا، وبعض، المستعمرات السابقة في أفريقيا مثل السينغال ومالي وتشاد.

في المغرب، جرى في ربيع العام 2018 إطلاق حملة استندت أساسا إلى منصة “فيسبوك” حملت اسم “المغرب بالإنجليزية”. وشهدت هذه الحملة انتشارا واسعا وسريعا، خاصة مع تنامي إقبال الشباب المغاربة على اللغة الإنجليزية مقابل عزوفهم عن اللغة الفرنسية، وهو ما تجسّد في تفوّق شُعب الآداب الإنجليزية في الجامعات المغربية على نظيرتها الخاصة بالآداب الفرنسية[15].

وهناك موجة مماثلة شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث بات الشباب يعتبر اللغة الإنجليزية وسيلته للتمرّد والانعتاق من الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم.

كما شهدت البلاد في صيف 2018، إطلاق مبادرة تضم عددا من المنظمات والنقابات وشخصيات سياسية وأكاديمية، تنادي بتعزيز اللغات ذات الحضور العالمي النوعي واعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى بدل الفرنسية[16].

ولم تشكّل تونس استثناء في هذا المنحى الذي شهده تطوّر الوضع اللغوي في المغرب العربي، حيث تصدّرت تونس الترتيب العربي من حيث إتقان اللغة الإنجليزية حسب تقرير “التربية أولا” في شِقه الخاص بإتقان اللغة الانجليزية، وذلك في عام 2017[17].

 

دبلوماسية فرنسية شرسة

هذا التطوّر في الوضع اللغوي لم تستسلم له فرنسا الراعية الأولى للغة الفرنسية عبر العالم، حيث سارع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون خلال زيارته تونس في يناير/كانون الثاني 2018، إلى إعلان تونس عاصمة للفرنكفونية عام 2020[18].

وحمل ماكرون أجندة مماثلة في زيارته الرسمية للمغرب صيف العام 2017 لدعم اللغة الفرنسية في المملكة. بل إن فرنسا لا تخفي ذلك وتُدرجه ضمن أولويات سياستها الخارجية.

وفي الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية نقرأ: تسعى الدبلوماسية الفرنسية إلى تعزيز اللغة الفرنسية والفرنكفونية، وهما واسطتان تحققان إشعاع فرنسا ونفوذها، كما تسعى فرنسا إلى إقامة تعاون مع السلطات المحلية بغية تعزيز مكانة اللغة الفرنسية في نُظمها التعليمية وإلى تنظيم نشاط تعليمي مباشر تديره الشبكات الثقافية والمدرسية الفرنسية”[19].

أكثر من ذلك، تخطط فرنسا حاليا لتفعيل إصلاح شامل لمنظومتها الخاصة بنشر الفرنسية في العالم، من خلال مضاعفة عدد التلاميذ الذين يدرسون في نحو 500 مؤسسة تعليمية فرنسية في الخارج قبل حلول العام 2030.

وتسعى باريس إلى بلوغ رقم 700 ألف تلميذ داخل فصول هذه المدارس من أجل الحفاظ على حضور اللغة الفرنسية في دول جلها كانت مستعمرات سابقة لفرنسا، كما تحثّ الحكومة الفرنسية جامعاتها على فتح فروع لها عبر العالم لضمان التحاق أكبر عدد من الطلاب بصفوفها[20].

وتعتبر شبكة المدارس الفرنسية في دولة مغاربية مثل المملكة المغربية الأكبر بين جميع دول العالم، ودور هذه المدارس هو تعليم تلاميذ يلتحقون بعد إنهاء دراستهم الثانوية بالجامعات والمدارس العليا الفرنسية، ثم يعودون إلى بلادهم ليلتحقوا بشبكة علاقات متشعبة مرتبطة بفرنسا، وهو ما يفسّر كيف تحصل الشركات الفرنسية على أغلب الصفقات في المغرب، كما يقول الخبير المختص في اللسانيات بجامعة “سَيَنس بو” الفرنسية مراد علمي[21].

ويذهب خبير آخر جزائري هذه المرة هو البروفيسور أحمد تيسا، إلى وصف الوضع في بلده بالـ”أبارتايد” (نظام الفصل العنصري)، القائم في التعليم الجزائري بسبب اللغة الفرنسية. ويتعلّق الأمر بسياسيين قاموا بتعريب المدرسة العمومية الجزائرية، لكنهم أخذوا أبناءهم إلى المدارس الفرنسية والخصوصية، مما أدى إلى فوارق اجتماعية[22].

تفيد الدراسات التاريخية والأكاديمية أن اللغة الفرنسية تسلّلت إلى المغرب العربي منذ أواخر القرن الـ19

 

لغة النجاح أم الخضوع؟

مختص آخر في علم السياسة هو أستاذ القانون الدستوري المغربي مصطفى السحيمي، يفسّر الصراع اللغوي القائم في بلاده بوجود رهانات سياسية.

ويَعتبر السحيمي -الذي يكتب ويدرّس باللغة الفرنسية- أن أربع لغات تقتسم المشهد العام المغربي، هي كل من اللغتين الرسميتين في الدستور، أي العربية والأمازيغية، ثم لغتان لهما مكانة اجتماعية، ويشير هنا إلى العربية الدارجة التي يتحدثها غالبية المغاربة، واللغة الفرنسية[23].

يقول مصطفى السحيمي “في الحقيقة، ينبغي تسجيل أن اللغة الفرنسية هي لغة الترقي الاجتماعي في المغرب. إنها لغة حاضرة بقوة، في المجال الحضري على الأقل، في أنشطة التجارة والمطاعم والنقل والبنوك والتأمينات والمقاولات متعددة الجنسيات..”، ويشدد على أن الرافضين لتدريس العلوم باللغة الفرنسية يحرمون أبناء المغاربة من فرصة للترقي الاجتماعي.

وهو موقف لا يشاطره فيه كثيرون، خاصة منهم المدافعون عن الهوية المغربية الأصيلة دينيا ولغويا. فالمسؤول الأول عن موقع “هوية برس” ذي المرجعية الإسلامية إبراهيم الطالب، يَعتبر جازما أن “اعتماد اللغة الفرنسية كان له المكانة العظمى في المشروع الفرنسي الإمبريالي الذي حاولت من خلاله الدولة الغازية أن تمسخ هويتنا عن طريق لغتها”[24].

وبعيدا عن الاصطفاف الأيدولوجي، خرج أحد رواد البحث السوسيولوجي في الجامعة المغربية وهو إدريس بنسعيد، لينفي وجود أي ارتباط بين التعريب الذي قام به المغرب في السبعينيات والثمانينيات -خاصة الذي طال مادة الفلسفة في الجامعة- وبين تنامي التطرّف.

يقول بنسعيد في حوار مطوّل مع مجلة “زمان” التاريخية “لا أتفق مع من يقول إن تعريب الفلسفة أدى إلى تنامي الرجعية والظلامية، فرغم تعريبها في السبعينيات ظل المحتوى نفسه منفتحا ومتطورا. أما الانزلاق نحو الأصولية والراديكالية فإنه حدث عندما وقع انزلاق في المجتمع ككل وليس بسبب اللغة”[25].

وعن نقاش الحاضر بشأن اللغة الأنسب لتعليم الأطفال، قال بنسعيد إنه “وبحكم موقعنا الجغرافي وبحكم التطور الذي نعيش، فإن من لا يعرف حتى لغة الإعلاميات يعتبر أميا، فما بالك بمن لا يعرف لغة أجنبية ثانية أو ثالثة. لذا فالنقاش حول لغة التدريس في اعتقادي هو مجرد مزايدات سياسية وإيدولوجية، وهذه المزايدات تساهم في إضعاف التعليم العمومي، وفي تزايد الانتقائية وإعادة إنتاج النخب. المشكل يكمن في النظام التربوي والتعليمي وليس في اللغة، هذه الأخيرة مسألة ديداكتيكية تقنية وليست جوهرية”.

 

المصادر:

[1] https://m.al3omk.com/449818.html?fbclid=IwAR16kNCv8L1VeUd0ySKI5_pToCPEV4-qmItq6_F5mbed0rTsQ6vn-QegQz4

[2]  محمد العربي الزكاري، “موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية”، نشر حركة الوحدة المغربية 1335هـ-1946م؛ مطبعة الوحدة المغربية تطوان.

[3] https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/2/10/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%AC-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9

[4] https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%87%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B2-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A5%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85/a-49712053

[5] http://www.alyaoum24.com/1280206.html

[6] http://www.alyaoum24.com/1280206.html

[7] http://www.kapitalis.com/anbaa-tounes/2019/03/19/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%AA%D8%A9-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A-52-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7/

[8] http://www.kapitalis.com/anbaa-tounes/2019/03/19/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%AA%D8%A9-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A-52-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7/

[9] https://hal-univ-lyon3.archives-ouvertes.fr/file/index/docid/357266/filename/Sur_l_implantation_du_francais_au_Maghreb.pdf

[10] https://hal-univ-lyon3.archives-ouvertes.fr/file/index/docid/357266/filename/Sur_l_implantation_du_francais_au_Maghreb.pdf

[11] https://hal-univ-lyon3.archives-ouvertes.fr/file/index/docid/357266/filename/Sur_l_implantation_du_francais_au_Maghreb.pdf

[12] http://habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/480-%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8

[13] http://habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/480-%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8

[14] https://www.nouvelobs.com/afrique/20190815.OBS17193/l-algerie-francaise-est-longtemps-restee-taboue-entretien-avec-l-historien-benjamin-stora.html

[15] https://meemmagazine.net/2018/04/01/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%B3%D8%B9%D9%89-%D9%84%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84/

[16] https://arabic.cnn.com/world/2016/08/23/english-or-french-algeria

[17] https://www.huffpostmaghreb.com/2017/11/24/anglais-tunisie_n_18641928.html?utm_hp_ref=maghreb

[18] https://meemmagazine.net/2018/04/01/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%B3%D8%B9%D9%89-%D9%84%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84/

[19] https://www.diplomatie.gouv.fr/ar/politique-etrangere-de-la-france/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D9%83%D9%88%D9%81%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9/la-diffusion-de-la-langue-francaise-une-priorite-de-la-diplomatie-francaise/

[20] Le français de la discorde, jeune Afrique, N° 3057-3058, du 11 au 24 aout 2019

[21] Le français de la discorde, jeune Afrique, N° 3057-3058, du 11 au 24 aout 2019

[22] Le français de la discorde, jeune Afrique, N° 3057-3058, du 11 au 24 aout 2019

[23] https://www.alyaoum24.com/1195232.html

[24] http://howiyapress.com/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%AA-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%BA%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86/

[25] مجلة زمان، العدد70-71، غشت-شتنبر 2019