المسرح البحريني واليمني.. ميلادٌ مُشرق وشباب متعسّر

تفتح الجزيرة الوثائقية ملف “المسرح العربي” الذي يناقش وضعه وأحواله في سلسلة من عشرة أفلام وثائقية تبحث نشأة المسرح العربي والقُطري في معظم البلدان العربية التي اشتهرت بهذا النوع من الفن ابتداء من الحكواتي أو القصّاص مرورا بمسرح خيال الظل ثم القاراقوز وأخيرا باعتلاء خشبة المسرح التي جاءت تتويجا لكل التقنيات البسيطة التي سبقتها، وكيف تنوع شكل المسرح بتنوع الثقافة والقُطر الجغرافي، وما هو نصيب اللغة العربية الفصحى على ذلك المسرح.

وتستعرض الحلقة الثالثة المسرحين البحريني واليمني، إذ رغم قلة عدد سكانها، فقد كانت دولة البحرين سبّاقة في مجال حركة المسرح خليجيا، وكان ذلك تحديدا في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق. أما في اليمن، فقد تأثر المسرح بتلك القوافل التجارية القادمة من القارة الهندية، فكان لها الفضل في تأسيس المسرح اليمني.

 

سناء نصر الله

كان للمعلمين المستقدمين من بلاد الشام ومصر إلى دول الخليج العربي دور رئيسي في تدشين العمل المسرحي في المدارس، وحدث ذلك أول ما حدث في دولة البحرين، حين استعانوا بنصوص من التاريخ العربي والإسلامي وحولوها إلى مشاهد تمثيلية، فكانت أول مسرحية عام 1925 بعنوان (الحاكم بأمر الله).

وبهذه الطريقة بدأت المدارس بتقديم عروض مسرحية سنوية، وكان الممثل عبد اليوسف أحد رواد المسرح هناك، وكان أول من وقف على خشبة مسرح مدرسته من قبل.

مدرسة الهداية الخليفية بالبحرين حيث كانت انطلاقة العمل المسرحي الأول مع طلابها

 

مسرح المدارس.. فن التشخيص القادم من الشام ومصر

أوجد ما قامت به المدارس رغبة عند المجتمع البحريني لمشاهدة مثل هذا النوع من الفن، فانتقل من مظهره البسيط إلى الأداء الاحترافي في باحات النوادي التي اعتمدت الشكل الكلاسيكي للمسرح من نصوص الأدب والتاريخ الإسلامي.

إلى جانب ذلك فتح المسرح أمام التوجهات الحديثة والانفتاح المنضبط بعادات المجتمع البحريني، كما أعطيت المرأة مساحة للظهور فيه حين قام النادي الأهلي بتقديم المرأة في مسرحية “الهادي” التاريخية. وعلى مستوى الإخراج، بدأت المخرجة حياة الخطيب بممارسة عملها، حيث لقيت في البداية معارضة من الأهل لكون والدها رجل دين، لكنها استطاعت إقناعه في النهاية، كما أقنعت إحدى صديقاتها بدراسة التمثيل.

أما الممثلة أمينة القفاص، فقد درست المسرح ثم كوّنت مع زملائها فرقة الطلبة، وقدموا مجموعة من الأعمال المشتركة مثل مسرحية “الأميرة الصلعاء” و”قابيل لكل العصور”.

ثم كانت جمعية “أسرة الهواة” التي قام بتأسيسها مجموعة من المبدعين من ممثلين ومخرجين وموسيقيين وفنانين تشكيليين، كانت تلك الجمعية النواة التي انطلقت منها الفرق المسرحية الأهلية كفرقة الاتحاد الشعبي، وبعد نضوج فكرتها انقسمت وتكون منها فرقة آوال.

مسرحية “الصفحة الأولى من الجريدة” استُخدمت فيها نصوص عالمية وبحرينية تقليدية وقصاصات من الصحف

 

“زمن البطيخ”.. فرقة المسرح البحريني

عرفت تلك الفترة فنانا مبدعا عرف بموهبته وفنه، وهو الفنان محمد عواد الذي أسس فرقة المسرح البحريني، بالاشتراك مع رفقاء فرقة آوال، وكانت باكورة أعمالهم مسرحية “كرسي عتيق” وهي من تأليفه وإخراجه. وبعد ذلك تغير اسم الفرقة ليصبح مسرح آوال، وقدمت الفرقة مجموعة من المسرحيات مثل “سبع ليالي” تأليف راشد المعاودة وإخراج عبد الرحمن بركات، ومسرحية “ملان وانكسر” و”سوق البطيخ” و”البراحة” و”بنت النوخذة”، ومسرحية “وجوه” وهي من إخراج عبد الله اليوسف، وما كان يميز الفرقة هو قدرتها على تجسيد آلام وأفراح وآمال الجماهير، على الرغم من عثرات الطريق ومشاكله.

بعد ذلك انشقت الفرقة وتشكلت من أفرادها فرقة سميت بمسرح الجزيرة، وكان من أشهر روادها سعد الجزاف ومحمد الجزاف وفيصل المنباطي وآخرون. وكانت أول أعمالهم “زمن البطيخ” من تأليف عبد الرحمن رفيع، لكنها توقفت، ويعلل ذلك محمد الجزاف بقوله: لأن السياسة ليس لها صديق دائم ولا عدو دائم.

وبجهود من المخرج عبد الله السعداوي والفنان إبراهيم بحرة ظهرت فرقة مسرح الصواري، حيث قامت أعمالهم على المسرح التجريبي، وعملوا دراسات على المسارح التجريبية حول العالم للخروج بأفضل النتائج، وقاموا بتطوير أسلوبهم الخاص الذي شذ كثيرا عن أعراف المسرح التجريبي، وكان لهذا المسرح دور كبير في ظهور جيل جديد صاحب مسرح مغاير.

يقول المخرج السعداوي: قام خالد الرويعي بعمل مسرحية “إيفا” وهي مسرحية صعبة جدا، لكنها بدأت تعمل نوعا من التلقي لدى الآخرين، وكانت آخر مسرحية عملها “الصفحة الأولى من الجريدة” التي استُخدمت فيها نصوص عالمية حديثة ونصوص بحرينية تقليدية وقصاصات من الصحف.

المسرح البحريني تميز بتنوع مواده وطرق عرضه وجمهوره المستهدف

 

فن التعبير الحركي.. دعم الفرق المسرحية

كانت الفرق الأهلية تقدم موضوعات جادة تلامس الواقع، مما دفع الكثيرين للتوجه للعمل المسرحي ومنهم الفنان والمنتج أحمد الزياني الذي أسس شركة تقوم على إنتاج مسرحيات للفنانين البحرينيين والعرب، فقد أنتج مسرحيتين مصريتين عرضتا داخل البحرين، إحداهما كانت لسمير غانم بعنوان “سعديه ورايا ورايا”.

واجهت الفرق الخاصة تحديات عدة، أهمها عدم توفر الدعم من قبل الدولة لكن في مطلع القرن الـ21 تغيرت السياسات وزخرت الحركة الفنية، وولدت فرق جديدة لاقت دعما من الدولة ومنها فرقة جلجامش والبيادر.

يقول الفنان ياسر ناصر: سلكنا في فرقة جلجامش طريقا وفكرا مختلفا وهو فن التعبير الحركي، وقدمت الفرقة قصصا ملحمية خاصة بشعب البحرين لكن بلمسات حداثية، ومن أعمالها “رقصة جلجامش” و”العرض لم يبدأ بعد”.

أما فرقة البيادر فهي مؤلفة من مجموعة من الشباب المولعين بالمسرح، قدموا عروضا مسرحية للصغار والكبار، وقد بدأت الفرقة أعمالها عام 2005 ومن مسرحياتها “كمين” ومسرح الأطفال “سمير وسمورة” و”مدينة الألوان” و”نجمة فرح”.

مهرجان الريف المسرحي.. عين الرقيب

وعرفت البحرين مهرجان الريف المسرحي الذي أسس للمسرح الريفي، وقام بإطلاق مسرحية “دوائر” من إخراج حسن منصور، وتتحدث المسرحية عن شخص مصاب بالزهايمر يدور في حلقة مفرغة ويقوم بمحادثة نفسه بطريقة المنولوج.

والمسرح البحريني كما يراه المختصون بين مد وجزر، وهو كمركب في بحر متلاطم الأمواج، لكن البحر مغلق يكافح به المسرحيون في بيئة معادية للمسرح، وعلى الرغم من الانعكاسات الثقيلة للواقع السياسي والاجتماعي فإنه ما تزال لديه القدرة على شق الطريق نحو آفاق جديدة ليكون في خدمة المجتمع والناس، ولقد لعبت الرقابة دورا كبيرا في تعطيل الحركة المسرحية فلم يستطع تحقيق آماله ويعكسها للجمهور العربي ولا حتى جمهور بلاده.

المسرح اليمني أخذ دوره على الخشبة منذ أن زارته القوافل الهندية قبل قرن من الزمان

 

بضاعة القوافل الهندية.. ميلاد المسرح اليمني

أما المسرح اليمني فقد انتقل إلى اليمن من خلال القوافل الهندية التي كانت تمر في أراضيها أو تستقر فيها، فتأثر اليمنيون بالحضارة الهندية أيما تأثر، وفي أوائل القرن العشرين جاءت فرقتان هنديتان إلى مدينة عدن وأقاموا فيها عروضا مسرحية عام 1910، وكان أولها مسرحية “يوليوس قيصر”، ثم انتقلت العروض بعد ذلك إلى باقي مدن الجنوب، وتأسست فرقة أبناء الجنوب والفرقة القومية.

يقول الفنان محمد الرخم: كانت فرقة أبناء الجنوب أهلية وكان يسمونها أولاد الرخم، بعد ذلك تطورت عام 1970 وغدا اسمها فرقة المسرح الشعبي.

كانت هذه الفرقة وغيرها ثمرة للثورة اليمنية في ذلك الوقت التي كان لها الأثر الكبير للانتقال باتجاه الشمال، وبدخولها أبواب صنعاء دخلت الحركة المسرحية طورا جديدا. وكانت تلك هي البداية الحقيقية للمسرح في اليمن، حيث صاحب الثورة مناخ شجع على الإبداع والفن.

فرقة أبناء الجنوب اليمنية تسمى فرقة “أولاد الرخم” ثم تطورت عام 1970 لتصبح فرقة المسرح الشعبي

 

فرقة المسرح الوطني.. إخفاقات ونجاحات

ظهرت الفرق الفنية الخاصة وأهمها “فرقة المسرح الوطني” بقيادة الفنان عبد الله الحيفي، وكانت تقدم عروضها في الملاعب والميادين، وكان الحضور الجماهيري كبيرا، ثم قدّمت عملها الأول في دار سينما بلقيس، ومن أهم أعمالها “إبليس وشركاه” و”الضمير في إجازة” و”وهذا هو هولاكو”.

بعد ذلك قررت الدولة تأسيس فرقة المسرح الوطني بأمر من رئيس الدولة آنذاك إبراهيم الحمدي، وقد كلف كلا من عبد الكريم المتوكل وإبراهيم القصبي بإنشاء مسرح وطني ترعى الدولة أنشطته، وفي ظل الظروف السياسية مر المسرح الوطني بسلسلة من الإخفاقات والنجاحات، لكن تجربته أثرت في المسرح اليمني وحددت هويته.

في مطلع الثمانينيات ضيقت الدولة على الحركة المسرحية، وفي عام 1986 ظهرت مجموعة من الفنانين لهم توجهات جديدة وفكر جديد؛ منهم ونيس العنزي وخالد البحري ومحمد الرقم، وقد توجه الأخير إلى صنعاء لتقديم أعماله، وكان أولها مسرحية “أصول اللعبة” للمخرج عادل الناصر.

“عنتر قاتل شيبوب”.. المسرح الجامعي

شكلت المهرجانات أرضا خصبة لولادة مواهب شابة أثرت المسرح وزادت من رصيد الأعمال الفنية، لكن سرعان ما تراجع هذا الصعود مع زيادة الرقابة.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، ظهر مسار جديد وهو المسرح الجامعي، يقول الممثل أنيس العنزي: تأسس المسرح الجامعي عام 1994 وكنت أحد أعضائه وبدأنا النهوض بجهود فردية، لم نتلق أي دعم، ووصلنا بالمسرح من درجة الصفر إلى مراحل متقدمة وكانت مسرحياتنا تتناول قضايا تخص الطالب ومن أهمها مسرحية “عنتر قاتل شيبوب” و”قرعان في الملاعب” والعديد من المسرحيات الأخرى.

وقد اعتبر المسرح الجامعي علامة فارقة في مسيرة المسرح اليمني، لكنها لم تدم طويلا، حيث تركها أفرادها ولحقوا بركاب المسرح الوطني، وكنتاج لما بعد الحرب، انحسر الإبداع في تلك الفترة.

مشهد من مسرحية “سمّ الحنش” للمخرج يحيى سهيل يمثله مجموعة من الممثلين من الشباب فقط

 

صنعاء عاصمة الثقافة العربية.. انتعاشة فنية

في عام 2004 اختيرت صنعاء كعاصمة للثقافة العربية، فانتعش الفن عموما والمسرح بشكل خاص، وكان قائد هذه الحملة وزير الثقافة خالد الرويشان، وفي ظل هذا الزخم الثقافي حط كثير من المبدعين رحالهم في صنعاء لإظهار إبداعاتهم، ومن بينهم المخرجة اليمنية إنصاف علوي.

تقول إنصاف إنها قَدمت إلى صنعاء تود أن تقدم تجربة اختزلتها، فهي مخرجة وممثلة في آن واحد، وكانت باكورة أعمالها “أنت” ومسرحية “الظل” وهي ميلودراما (دراما انفعالية)، استمرت مسيرة المسرح اليمني بين التعثر والنهوض حتى الثورة عام 2011، التي شكلت دفعة قوية للمسرح.

بعد الثورة دشن المسرح اليمني، وعرضت فيه عشر مسرحيات منها مسرحية “المقهى الزجاجي” ومسرحية “الخيانة” لخالد البحيري ومسرحية “أماني” للمخرجة إنصاف علوي طالبت فيها الرجل أن يكفّ عن سفك الدماء حفاظا على البشرية والإنسان، أما مسرحية “سم الحنش” للمخرج يحيى سهيل فقد اختار لها مجموعة من الفنانين الشباب.

لم يُعانِ المسرح اليمني من ندرة الكوادر الفنية، لكنه عانى من عدم اهتمام الدولة والمجتمع المدني به ودعمه بما يليق ليستمر، كما أنه واجه مشكلة الموسمية في العرض.

كما يرى المختصون أن المسرح اليمني كمن ينحت في الصخر، فإما أن تحدث فتحة للنور، وإما أن تموت في وجه الجدار.