انتحر أم قُتل.. لماذا صمت الإخوان على وفاة كمال السنانيري؟

حبيب مايابى

بعد رحلة خارجية قادته لدول الخليج وأفغانستان، حط كمال الدين السنانيري رحله في سجن طره سيئ الصيت في سبتمبر/أيلول 1981.

وبينما كان يُرَوَّج في الساحة أنه سيخرج من السجن ضمن مجموعة من المحتجزين بقرارات التحفظ، أُعلن عن وفاته داخل المعتقل منتحرا في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني من ذات العام.

وبعد فترة وجيزة من وفاته دخلت حركة الإخوان المسلمين في تفاهمات مع النظام المصري، وعلى غير المعهود في الوفيات الغامضة للقيادات التنظيمية والحزبية صمتت الجماعة عن ظروف وملابسات النهاية الغامضة لأحد زعمائها البارزين ولم تتقدم بأي بلاغ للتحقيق في وفاته.

وضمن سلسلة “نهايات غامضة” خصصت قناة الجزيرة حلقة خاصة لمعرفة ظروف وملابسات مقتل الرجل الذي يعتبر من قادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

من هو السنانيري؟

كمال الدين السنانيري أحد تلاميذ مؤسس حركة الإخوان المسلمين “حسن البنا”. ورغم أنه لم يتبوأ قيادة مركزية محددة في الحركة فإنه تولى العديد من الملفات الخارجية للتنظيم، ويعتبر مرجعية ورمزا من الصف الأول.

سافر لدول الخليج عدة مرات، وكان كثير التردد على أفغانستان، وعمل على التقارب بين القادة الجهاديين عندما نشبت بينهم خلافات ونزاعات. كما شارك في تسهيل ذهاب الشباب نحو ميادين القتال في أفغانستان واهتم بتأمين حاجيات المجاهدين هناك.

تعرض السنانيري للاعتقال في مراحل متعددة حيث اعتُقل إبان حكم جمال عبد الناصر وأنور السادات وبداية حكم محمد حسني مبارك، ولقي صنوفا من التعذيب.

وبعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل واتفاقية كامب ديفد في 17 ديسمبر/كانون الأول 1979 تولد غضب شعبي كبير في الساحة المصرية جعل السادات يعمل على تغييب القيادات الحركية والتنظيمية حتى تنتهي فترة الاحتقان، فاعتقل ما يقرب من 1600 من كل الاتجاهات والحركات، وكان السنانيري واحدا من المشمولين بقرارات الاعتقال.

شارك كمال السنانيري في تسهيل ذهاب الشباب نحو ميادين القتال في أفغانستان
شارك كمال السنانيري في تسهيل ذهاب الشباب نحو ميادين القتال في أفغانستان

موت أثار التساؤلات

أودع السنانيري سجن طره بالعاصمة القاهرة في سبتمبر/أيلول 1981 رفقة عدد من القيادات التنظيمية، ولم تكن ظروف المعتقل حينها سيئة، حيث كان السجناء يتمتعون بالكثير من الحقوق.

وفي حديث للفيلم، أكد العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أن معاملة السجن كانت محترمة ومهذبة إلى أن اغتيل السادات.

وبعد اغتيال السادات في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 وُجهت أصابع الاتهام للإسلاميين، وكان السنانيري معروفا بمشاركته في الملف الأفغاني.

وعندما تولى الرئيس المصري حسني مبارك مقاليد حكم البلاد شُكلت لجنة للتحقيق مع المعتقلين أعطيت رئاستها لوكيل مباحث أمن الدولة اللواء فؤاد علام.

بدأت أحوال المعتقلين بقرارات التحفظ تتغير، فألحق بهم زبانية السجن أشكالا من العذاب الوحشي والإهانة النفسية.

لقي السنانيري أهوالا من التعذيب لتُنتزع منه المعلومات المتعلقة بسفره إلى أفغانستان مما ألحق به الكثير من المتاعب الصحية لأنه كان متقدما في العمر.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1981 أعلنت إدارة السجن عن وفاته منتحرا، وذكرت أنه شنق نفسه في الحمام. وأضافت الرواية الرسمية أنه كتب قبل ذلك على حائط غرفته عبارة “لقد يئست من هذه الحياة”.

لكن إفادات الكثير من السجناء الذين كانوا برفقته في السجن تؤكد استحالة فرضية الانتحار حيث إن الوسائل التي يمكن من خلالها تنفيذ عميلة الشنق لا توجد في السجن.

ذكرت إدارة السجن أن السنانيري شنق نفسه في الحمام
ذكرت إدارة السجن أن السنانيري شنق نفسه في الحمام

خرج ولم يعد

وفي إفادته قال أبو الفتوح إنه رأى السنانيري يخرج من السجن قبل يوم من وفاته ولم يعد للمعتقل.

ويقول الصحفي والنزيل السابق بنفس السجن “محمد عبد القدوس” إن أحد المحققين أخبر السنانيري أن معتقل طره سيشهد مذبحة لم يشهدها سجن حرب 1954.

كما أن محامي الجماعات الإسلامية في مصر “منتصر الزيات” قال إن كمال الدين السنانيري نُحِرَ ولم ينتحر.

ويؤكد تحقيق أجراه الصحفي عبد القدوس أن السنانيري مات بسبب التعذيب وأن كل الذين رأوه بعد وفاته قالوا إنه مات شهيدا وليس منتحرا.

وبعد الإعلان عن وفاته دعت إدارة الأمن شقيق الراحل وقلة من أفراد عائلته ليروا جثته، وكان من ضمن الذين تعرفوا عليها “علاء الجابوري” الذي قال للفيلم إن الكدمات في الوجه والإصابات في الفك كانت واضحة مما يدل على أن الموت ليس طبيعيا.

وفي حديث للجزيرة، قال المحامي منتصر الزيات إن كمال الدين السنانيري تحدث لرفاقه في السجن عن حجم التعذيب الذي لقيه وأنه يتوقع الموت.

ويرى رئيس قسم التاريخ الأسبق في جامعة عين شمس “جمال شقرة” إن السنانيري مؤمن وورع ويستحيل منطقيا أن يقدم على فعل الانتحار.

وكانت أمينة قطب زوجة السنانيري قد أوصت الذين حضروا لتسلم جثة زوجها ألا يغسلوه لأنها ترى أنه مات شهيدا.

اللواء فؤاد علاّم  الذي اتهمه البعض بأنه المسؤول الأول عن مقتل السنانيري
اللواء فؤاد علاّم الذي اتهمه البعض بأنه المسؤول الأول عن مقتل السنانيري

صمت الإخوان

بعد حادثة الوفاة بفترة قليلة بدأ حسني مبارك ينتهج مقاربة مع الإخوان عنوانها “اعملوا بصمت.. واتركوني أحكم بهدوء”، وأطلق سراح عدد من رموز الحركة الذين اعتقلوا بعد اغتيال السادات.

وفي تلك الفترة سافر وكيل مباحث أمن الدولة اللواء فؤاد علام إلى برلين، وجمعه لقاء بممثل الإخوان المسلمين هناك “علي جريشه” وتطرقا لوفاة السنانيري.

طلب جريشة الاطلاع على ملف التحقيق المتعلق بوفاة كمال الدين السنانيري، وبعدما أُرْسِلَ له في برلين كتب إلى اللواء يشكره على التعاون وقاله له إن الأفضل هو الكف عن البحث في هذه الموضوعات والعمل على إعادة الطمأنينة في نفوس الجميع.

وقد كتبت مجلة الدعوة الكويتية حينها عن وفاته وقالت إنها كانت بسبب التعذيب، لكن “شوقي السنانيري” -وهو شقيق الراحل كمال السنانيري- سرعان ما فند الخبر وقال إن ما نشرته المجلة مجرد افتراء.

انخرط الإخوان حينها في مفاوضات مع النظام وبدأت العلاقة البينية تتسم بالهدوء ودخلت شخصيات من الحركة في البرلمان بعد انتخابات 1987.

ولكن اللافت للانتباه هو أن جماعة الإخوان لم تتقدم للجهات المعنية بطلب لفتح تحقيق في وفاة كمال الدين السنانيري.

أكد شهود في المعتقل أن السنانيري خرج من السجن قبل يوم من وفاته ولم يعد
أكد شهود في المعتقل أن السنانيري خرج من السجن قبل يوم من وفاته ولم يعد

مطالب جديدة بالتحقيق

ظل الصمت عن أسباب وفاة أحد الرموز البارزين لتنظيم الإخوان متواصلا، وبعد 25 سنة وفي سبتمبر/أيلول 2006 وجه النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان حينها محمد حبيب اتهاما لوكيل مباحث أمن الدولة الأسبق فؤاد علام بتحمله المسؤولية الكاملة عن وفاة كمال الدين السنانيري.

بدأت أصوات في القيادات تتهم النظام وتعتزم إثارة الملف أمام القضاء، لكن الموضوع لم يتجاوز المنابر الإعلامية، فلم يطرح بلاغ ضد فؤاد علام ولم يُطلب فتح تحقيق.

وعندما أرادت الجزيرة استقصاء الملف الغامض رفض محمد حبيب المشاركة والحديث في هذه القضية.

لكن عددا من رموز الحركة الذين تم اعتقالهم سابقا مع السنانيري أكدوا أن اللواء علاّم هو المسؤول الأول عن مقتله.

وقد تحدث فؤاد علام في الفيلم وقال إنه لم يلتق السنانيري في حياته قط، كما أن اسمه لم يطرح أمامه إلا بعد وفاته، وأنه لم يحقق مع أحد بشكل مباشر. وأكد أن وفاة السنانيري كانت طبيعية وأن الأطباء أكدوا ذلك.

وحاولت الجزيرة الاطلاع على التقرير الطبي لوفاته لكن إدارة مصلحة الطب الشرعي قالت إنه تم إتلافه لانتهاء المدة القانونية اللازمة للاحتفاظ به.

وحسب محللين فإن سكوت الإخوان عن مقتل السنانيري أمر مريب، لكن القيادي في الحركة ونائب المرشد العام الدكتور إبراهيم منير قال إنهم لا يُتهمون في إبرام صفقة على دماء أحد.

وفي تصريحاته للفيلم قال المحامي منتصر الزيات إن علاّم هو المسؤول عن السجن وهو الذي أشرف على تعذيب المعتقلين، كما أكد أن قضية السنانيري لا تسقط بالتقادم ويمكن أن يفتح لها ملف رغم أن توجيه التهم يحتاج إلى دليل ملموس، وأضاف أنه اكتشف مؤخرا أن جماعة الإخوان لم تتقدم ببلاغ بشأن القضية.

وفي خلاصته، توصل فيلم الجزيرة إلى أن أكثر الروايات شهودا تلك التي تقول إن السنانيري تم استدعاؤه ليلا إلى التحقيق قبل أن يعلن عن وفاته، وأن موته تعذيبا هو الأكثر ترجيحا، بينما يبقى المسؤول عن قتله والكيفية التي مات بها ضمن الأسرار التي لا تزال غامضة.