بعث المريخ.. إنعاش الكوكب الأحمر للعودة إلى الحياة

أفسدت صفو الجو أعمدة دخانية متعرجة متصاعدة، كما بدا أن ثمة مجموعة من الرجال كانوا متجمهرين حول جسم غريب سقط لتوه من الأعلى من السماء. لم يكن نيزكا ولم يكن حتى قريبا من ذلك، لقد كان أسطوانة معدنية كبيرة ذات منافذ عدة مغلقة بإحكام، بدت مصنعة بأيدي ماهرة للغاية.

حاول أولئك الرجال فتحها لأنهم أحسوا بأن شخصا ما عالق بداخلها على الرغم من أنها سقطت من السماء، ولعلّها جاءت من المريخ، لكن محاولاتهم باءت بالفشل لشدة حرارة سطح الأسطوانة إثر اختراقها للغلاف الجوي للأرض بسرعة عالية، وتلك الحرارة كانت كفيلة بإذابة قطعة من الحديد.

وبعد أن مرّت برهة من الزمن، وفي وسط ذهول الجميع أمام أعينهم المترقبة، أصدرت هذه الأسطوانة أو هذا الجسم الهندسي الغريب أزيزًا حادا ثم تبعه دخان داكن اعتلى المشهد، منطلقا من إحدى الفتحات التي كانت تغطي الجسم.

لم يكن يعلم أيٌ منهم بأن هذه هي نهايتهم، إذ على حين غرة ومن دون سابق إنذار، انبثق شعاع حراري من الأسطوانة باتجاههم ينتقل من رجل إلى آخر في ومضات سريعة، وميض خاطف أسقطهم واحدا تلو الآخر.

وقد كانت تلك الحادثة هي بمثابة إشعار لبداية غزو الأرض من قبل المريخيين أصحاب الحضارة الضاربة في التقدم العلمي والتقني، كما يسردها الكاتب البريطاني “هاربرت ويلز” في روايته ذات الخيال العلمي “حرب العوالم” (The War of the Worlds) الصادرة في عام 1898.

لم تنل رواية نقدا علميا أو تثر ضجة في الوسط العلمي كما نالته وأثارته هذه الرواية، فالذي ساهم في إحداث كل هذه الجلبة هي تلك الادعاءات التي جاءت مع طرح الفلكي الأمريكي “بيرسيفال لويل” بأن ثمة حياة ذكية على سطح المريخ مستشهدا بالقنوات المائية الصناعية على سطح الكوكب الأحمر كما تبيّن له عند استخدام تلسكوبات محدودة القدرة.

وفي الحقيقة فإن “برسيفال” قد التبس عليه الأمر، فهذه القنوات المائية لم تكن سوى أخاديد وتصدعات حدثت بفعل الحمم الهائلة المتدفقة من البراكين، مما أدى إلى عوامل التعرية في القشرة فأظهرت النتوءات البارزة، ويطلق على هذه المجموعة وديان “فاليز مارينيرز” (Valles Marineris)، ولشدة ضخامتها فهي تشغل تقريبا خمس مساحة كوكب المريخ.1

لكن هل يحسم ذلك جدل وجود الماء بحالته السائلة على المريخ، وبالتالي عدم وجود أي نوع من أنواع الحياة عليه؟ أم أن هناك أمرا ما يتوارى خلف الكثبان الرملية الحمراء يقودنا نحو المشهد القديم مرفقا بأنماط حياتية متنوعة على سطح المريخ، وإن كان الأمر كذلك بالفعل فهل بمقدورنا إعادة إحياء الكوكب الأحمر مجددا كما كان في سابق عهده؟

كتاب حرب العوالم الذي أثار الرعب بين الناس

سكان النطاق الصالح للحياة.. تواؤم الأرض والمريخ

يقول الفلكي السير “ويليام هيرشل”: ربما يكون التشابه بين كوكبي المريخ والأرض إلى حد بعيد هو الأعظم في النظام الشمسي بأكمله.2

يمكننا علميا الوقوف على هذه العبارة بالاستشهاد بنقاط الالتقاء بين الكوكبين، فهما كوكبان صخريان، أي أن لهما سطحا صلبا ولبا منصهرا، وهما يجاوران الشمس ويدوران حولها في نطاق كوكبي تصح فيه نشأة الحياة عمليا لتوفر القدر الكافي والملائم من الطاقة الشمسية اللازمة للمخلوقات الحية، ويطلق على هذه المنطقة فلكيا “النطاق الصالح للحياة” (Habitable Zone).

وبالنسبة لطول اليوم فهو متقارب إلى حد كبير في كلا الكوكبين مع زيادة طفيفة تعادل 44 دقيقة في المريخ، بالإضافة إلى تشابه مثير في نسبة ميلان محور الدوران، إذ تبلغ 23.5 درجة عند كوكب الأرض بينما تصل إلى 25 درجة في المريخ، ويعد الميل المحوري هو المسؤول عن اختلاف الفصول وتعاقبها، وبالتالي تنوع الحياة على سطح الكوكب.

وللمريخ قمران هما “فوبوس” و”ديموس”، ورغم أنهما ليسا كبيرين فإنهما حاضران دوما كما هو حال العلاقة بين القمر والأرض، وهذا يعد عاملا مؤثرا في الحفاظ على درجة ميلان محور الكوكب أثناء دورانه حول الشمس.

الشمس من سطح كوكب المريخ كما صورتها مركبة الفضاء “كيريوسيتي”

بيئة المريخ.. نسخة الأرض الميتة القاتلة

رغم الوفاق بين الأرض والمريخ فهناك عدة اختلافات جوهرية بين الكوكبين لا يمكن غض الطرف عنها فيما يخص تسخير بيئة صالحة للحياة، كالتغير الكبير في الضغط الجوي، فلكوكب المريخ غلاف جوي رقيق للغاية ينتج عنه ضغط جوي يتراوح بين 0.4 و0.87 كيلو باسكال، وهو ما يعادل أقل من 1% فقط من الضغط الجوي على سطح كوكب الأرض.

كما أن غلاف المريخ الجوي يشهد غياب عناصر كيميائية هامة للمخلوقات الحية، وبالمقابل ينتشر غاز ثاني أكسيد الكربون الضار الذي يمثل أكثر من 90% من الغلاف الجوي، مما يجعله بيئة هوائية غير صالحة للحياة.

وكذلك من الفوارق البارزة غياب الغلاف المغناطيسي لكوكب المريخ الذي يعد جدار الصد الأول أمام الأشعة الكونية الفتاكة بالمخلوقات الحية. وهناك أيضا التباين الجلي في تسارع الجاذبية الناتج عن اختلاف كتلتي الكوكبين، إذ تمثل الجاذبية على سطح المريخ 40% فقط منها على الأرض.3

وفي ظل هذه الاختلافات بمقايسنا ومعاييرنا الأرضية، ومما لا يدع مجالا للشك، فإن من المستحيل نشأة أي نمط من أنماط الحياة على الكوكب الأحمر، وذلك وفقا لتجربة قامت بها جامعة إدنبره في أسكوتلندا بتعريض البركلورات (perchlorates) -نوع من الأملاح- المنتشرة على سطح المريخ للأشعة فوق البنفسجية، ثم إضافة بعض من البكتيريا التربية “العصوية الرقيقة” (Bacillus subtilis) التي ما لبثت أن فارقت الحياة.4

نيزك المريخ.. كنز المعلومات المخبأ في القطب الجنوبي

يفصح كوكب المريخ عن نفسه بأنه بيئة غير صالحة للحياة مطلقا لشتى الكائنات الحية، سواء الدقيق منها والعظيم، وهذا ما يبدو عليه اليوم، ولكن ألا يمكن للسجلات التاريخية أن تمنحنا مفتاحا للمشهد الغابر حينما كان الكوكب ينعم بكامل عافيته ويحيطه غلاف جوي ومغناطيسي محكمان.

في عام 1996 أعلن مركز جونسون لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا بأن ثمة أدلة على وجود حياة على كوكب المريخ، بعد اكتشاف نيزك قادم من الكوكب الأحمر قد سقط على الأرض قبل 13 ألف سنة.

لقد عثر على النيزك في القطب الجنوبي صدفة أثناء رحلة استكشافية في عام 1984، وقد حصل على رمز (ALH84001)، ولم يتخيل أحد بأن هناك اكتشافا عظيما بين أيديهم لا بد من الكشف عنه، وبقيت الصخرة السماوية في المختبرات 10 سنوات قبل فحصها وإدراجها ضمن النيازك القادمة من المريخ.

ويمكن تصنيف مصدر هذه النيازك بدراسة آثار التراكيب الغازية في النيزك ذاته، ومقارنتها بتركيب الغلاف الجوي للمريخ الذي نمتلك تفاصيل دقيقة عنه بعدما تمت دراسته بواسطة مركبتي “فايكينغ1″ و”فايكينغ2” اللتين هبطتا في عام 1976 على سطح الكوكب الأحمر. وبعد الفحص والمقارنة نجد تطابقا كبيرا للغاية في نسب التركيب الغازي.

دلائل المياه الجوفية.. كشف أسرار النيزك العميقة

رغم التطابقات الكبيرة التي وصل إليها العلماء فإن المفاجأة واللغز الذي كان وما زال إلى اليوم، هو الكشف عن وجود آثار حياة ميكروبية ضمن النيزك، ولكي يتفادى العلماء أن يقع أي لبس أو اختلاط مع بيئة الأرض، فإنهم قاموا بالاستعانة بعينات من لب النيزك المريخي ثم فحصه، وقد استندوا على 3 نقاط تصب في صالح اكتشافهم الهائل:

–         احتوت العينات على آثار لمركبات عضوية معقدة تدعى الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) التي قد تكون ناتجة عن اضمحلال الميكروبات.

–         احتوت العينات على ذرات مجهرية من أكسيد الحديد المغناطيسي (Magnetic Iron Oxide) وكبريتيد الحديد (Iron Sulfide) اللذين قد ينتجان عن طريق التمثيل الغذائي البكتيري.

–         بعد استخدام مجهر إلكتروني عثر على أعداد كبيرة من أشكال شبيهة بالديدان التي تشبه البكتيريا المتحجرة.5

وقد عززت هذه الحجج نشر صور قادمة من القمر الصناعي “الماسح الشامل للمريخ” (Mars Global Surveyor) في عام 2000، وتظهر بها قنوات تعرضت للتعرية جيولوجيا في عهد حديث، ويشير العلماء إلى أن هناك احتمالا بأن يكون الماء بحالته السائلة قد يوجد قريبا من السطح بدلا من أن يكون في الأعماق.

يقول الدكتور “مايكل مالين” الباحث الرئيس في تحليل صور المريخ الملتقطة بواسطة “الماسح الشامل للمريخ” (MGS): إننا نرى تفاصيل تشبه الأخاديد التي تتشكل بفعل جرف وتدفق الماء، ومنها تنتقل المعادن والرواسب من باطن الأرض إلى السطح. ويبدو أن هذه التشكيلات الأخدودية حديثة للغاية لدرجة أنها قد تكون ناشئة عن اليوم. وهذا من شأنه أن يكون دليلا على إمدادات المياه الجوفية في المريخ، على غرار المياه الجوفية (على الأرض).6

رحلات المريخ المأهولة مشاريع المستقبل القريب

“صقيع الملاح القديم”.. سفينة الأرض المبحرة في عالم خال من الحياة

يقول الشاعر الإنجليزي “صامويل كوليردج” (Samuel Coleridge) في قصيدته الشعبية “صقيع الملاح القديم” (The Rime of the Ancient Mariner): بعد أن ساقت الرياح السفينة، بينما كانت تقطع المحيط الهادئ العظيم، إلى أرض باردة خاوية على مشارف القطب الجنوبي: لوحده لوحده، الجميع.. الجميع لوحده، لوحده وسط فضاء بحر شاسع.7

وإذا ما تخيلنا أن الأرض هي تلك السفينة الجارية في بحر من الوحشة في غياهب الكون إلى مستقر لها، نجد أنفسنا وحيدين لا صدى لصوتنا ولا صوت يأتينا، تلك الفكرة التي كانت تستثير حمية علماء الفضاء وتشعل بهم نار الفضول للإجابة على أكبر تساؤل قد يطرحه العلم الحديث، وهو: هل نحن وحدنا؟ أو بعبارة أخرى: هل هناك أي أثر لحياة على سطح آخر بعيدا عن الأرض؟

لذا كانت هناك حملات استطلاعية مكثفة خلال نصف العقد الماضي نحو كوكب المريخ، كما تبيّن لنا أن ثمة احتمالية كبيرة أن نرى أثرا حقيقيا وملموسا لوجود نمط من أنماط الحياة الميكروبية.

ويشترط لنمو الحياة وجود الماء الذي يمثل الحجر الأساس في وجود المخلوقات الحية، ويشبه التنقيب عن الماء في المريخ عملية البحث عن الماس بمشقته، إلا أن الماء بالنسبة لنا في هذه المهمة هو أغلى من الماس ومن أي شيء باهظ آخر.

آثار أخاديد الماء على سطح المريخ دلائل على حيوية الكوكب في عصوره القديمة

مجاري الأنهار القديمة.. رحلات البحث عن آثار الماء

في سبيل البحث عن أي أثر للماء في حالته السائلة أو الصلبة، أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مطلع سبعينيات القرن الماضي المكوك الفضائي “مارينر9” (Mariner9) نحو الكوكب الأحمر، ويعد أول مكوك يدور حول كوكب آخر غير الأرض.

وقد تمكن القمر الصناعي من تغطية شاملة للكوكب على شكل لوحات فسيفسائية ذات دقة عالية تظهر ما لم نكن نتوقعه، ففوهات البراكين الخامدة كانت تتعملق أمام عدسة الكاميرا، بالإضافة إلى مجموعة الأودية العظيمة “فاليز مارينيرز” (Valles Marineris) المسمى بهذا الاسم تكريما لمشروع “مارينير” الفضائي.

والأمر الأكثر دهشة هو اكتشاف وجود بقايا مجاري أنهار قديمة نحتها الماء في فترة ما في القدم، وتبدو اليوم جافة تغطيها كثبان رملية.8

ثم تلا ذلك عدة رحلات فضائية لذات الغرض مثل مشروع “فايكينغ” (Viking) في منتصف السبعينيات، ومركبة الفضاء الروبوتية “الماسح الشامل للمريخ” التي تضمنت تقنية مطياف الانبعاث الحراري (Thermal Emission Spectrometer) التي تستعين بالاهتزازات الطبيعية التوافقية للروابط الكيميائية في المواد لتحديد تركيبها، سواء كانت غازية أو سائلة أو صلبة.

ثم مسبار “مارس أوديسي” (Mars Odyssey) في بداية الألفية الثالثة الذي اكتشف كميات هائلة من الماء منتشرة على أماكن شاسعة، إلا أن العلماء يعتقدون بأن هذه المياه حبيسة في التركيب الكيميائي للمعادن مثل الطين والكبريتات.

وفي ذات العقد الزمني هبط المكوك الفضائي “فينيكس” (Phoenix) على سطح المريخ، وكذلك عربة “سبيريت” (Spirit) وعربة “أوبرتشونيتي” (Opportunity) في أماكن متفرقة، ولم ينتج من هذه الرحلات سوى المزيد من التأكيدات على وجود مياه متجمدة تحت سطح الكوكب، بل أن أدلة تشير إلى وجود بحيرات جليدية ضخمة تقع في القطبين، ولو ذابت (أو أذيبت) هذه البحيرات فإنها كفيلة أن تغرق الكوكب وتغمره بأكمله بحاولي 5 أقدام.9

يعتقد العلماء بأن المريخ كان في عصر من عصوره شبيها بالأرض قبل أن يتصحر

عوائق الكوكب الأحمر.. فرضيات تتأرجح بين الحقيقة والخيال

يرى بعض علماء الفلك أن كوكب المريخ كان له فيما سبق غلاف جوي شبيه بغلاف الأرض، وأن عارضا ما أثر على الغلاف المغناطيسي، وتسبب في اختلال الغلاف الجوي ثم انتهاء سبل الحياة على سطح الكوكب.

لكن مع توفر أدلة دامغة على وجود المياه في حالته المتجمدة على سطح الكوكب، فإن هناك فرصة جيدة لتأهيل الكوكب لكي يصبح صالحا لاحتضان الحياة، ولعلّنا اليوم نعيش حلما بشريا أصبح حديث العامة، فرجل الأعمال “إيلون ماسك” صاحب شركة “سبيس إكس” أنجح شركات الفضاء في القطاع الخاص، يكاد لا يترك فرصة إلا ويستحضر حلم الوصول إلى المريخ، ليس للزيارة فحسب، بل لإنشاء مستعمرة خارج قواعد الأرض.

ومع تطور صناعة الفضاء على نحو متسارع، فإن هدف الوصول إلى المريخ ببعثات بشرية لم يعد مستحيلا، لا سيما مع انتهاء العمل على الأعجوبة الهندسية الفريدة صاروخ “ستارشيب” (Starship) الذي لن يضاهيه عمل آخر في المستقبل القريب.

وعلى الرغم من أن العائق الأكبر الذي يتمثل بوجود المياه على سطح المريخ قد بات أمرا محسوما، فما زالت هناك عقبات -تشكل تهديدا على استقرار الحياة- لا بد من تجاوزها وإيجاد حلول لها وتتمثل بما يلي:

–         غياب الغلاف المغناطيسي.

–         تمثل الجاذبية 40% فقط من جاذبية الأرض.

–         يمثل الضغط الجوي أقل من 1% مما هو عليه في الأرض.

–         متوسط حرارة الكوكب 63 تحت الصفر.

–         انخفاض مستويات الإضاءة بسبب البعد عن الشمس.

–         الهواء السام بسبب هيمنة غاز ثاني أكسيد الكربون.

–         الرياح والأعاصير الرملية المستمرة.

–         تربة سامة غير صالحة للاستعمال.

ولأن هذه العقبات يرتبط بعضها ببعض بشكل حقيقي، فإن معالجة جزء منها قد يؤتي ثماره بمعالجة الجزء الآخر، وهنا يضع علماء الفلك فرضياتهم التي تتأرجح بين الحقيقة والخيال العلمي.

يتولد حقل مغناطيسي حول كوكب المريخ بفضل الحركة الدورانية للموائع الموصلة للكهرباء في باطن الكوكب

صناعة الحقل المغناطيسي.. حل مؤقت لعلاج اختلالات المريخ

تقول “نظرية الدينامو” (Dynamo Theory) إن الأجسام السماوية مثل الكواكب والنجوم تولد حقلا مغناطيسيا حولها بفضل الحركة الدائرية للموائع الداخلية والموصلة للكهرباء والحرارة على فترات زمنية فلكية، ويعتقد العلماء أن حادثة ما طرأت على الكوكب الأحمر أخلت بالدينامو الذي بداخله، مما أثر على الغلاف المغناطيسي ليصبح رقيقا للغاية كما يبدو عليه اليوم.

وتعد فائدة الغلاف المغناطيسي العظمى حماية الكوكب من الجسيمات عالية الطاقة القادمة مع الأشعة الكونية (Cosmic Rays)، وتلك القادمة مع الرياح الشمسية (Solar Winds) الناتجة من النشاط الشمسي المستمر. وتمثل البروتونات النصيب الأكبر من الشحنات، وكذلك جسيمات ألفا (Alpha) وجسيمات بيتا (Beta) الفتاكة بالأحماض النووية للمخلوقات الحية بسبب تردداتها العالية.

كما أنّ الغلاف المغناطيسي يرتبط بالغلاف الجوي ارتباطا وثيقا، ويمكّن من تحصين الكوكب من تسرب الغازات، وبالتالي يحافظ على حرارة الكوكب، لذا يرى الباحثون أن معالجة الغلاف المغناطيسي أمر لا بد منه، وقد كان اقتراحهم وضع مغناطيس ضخم بين المريخ والشمس في “موقع لاغرانج” (Lagrange Point). و”مواقع لاغرانج” الخمسة هي المواقع الفلكية التي يبطل بها تأثير جاذبية جسمين على جسم ثالث، فيكون الجسم بحالة اتزان فلا يتغير موقعه.

ويعتقد العلماء بأن مغناطيسا كهذا يستطيع حماية الكوكب، ولو كان ذلك مؤقتا إلى أن يتعافى الغلاف الجوي.10

“إيلون ماسك” ضرب المريخ بالنووي لإذابة الجليد على سطحه

“إيلون ماسك”.. رؤوس نووية تفجر ينابيع القطبين

لم تكن المرّة الأولى التي يغرد بها “إيلون ماسك” عن رغبته في ضرب كوكب المريخ برؤوس نووية، وهي على ما يبدو فكرة عدوانية، لكنه قام بالتوضيح بتغريدة أخرى مشيرا إلى أن الهدف من هذه العملية هو إذابة الجليد المتراكم على قطبي الكوكب، فيطلقان كمية كبيرة من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فينتج في النهاية تأثير مشابه للاحتباس الحراري (Greenhouse Effects).

ومع ارتفاع نسبة الغازات الدافئة في الغلاف، فإن حرارة الكوكب تلقائيا سترتفع وبالتالي فسيتوفر مزيد من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وهلم جرّ. وهكذا نحصل على كوكب شبيه بالأرض بدرجات حرارة متقاربة في غضون سنوات قليلة.

قد يبدو حلا سريعا وفعالا للوهلة الأولى، إلا أن الأمر لن يخلو من الجوانب السلبية، فالإقدام على خطوة كهذه يتطلب أعدادا كبيرة من القنابل النووية، ولن يكون إرسالها بالأمر الهين، ناهيك عن امتناع الدول النووية مشاركتها بتصدير السلاح في مشروع كهذا.

كما أن الأمر قد يثمر بنتائج عكسية، فحدوث “الشتاء النووي” (Nuclear Winter) أو كما يُعرف بالشتاء الذري وارد جدا، إذ إن التفجيرات النووية يعقبها تصاعد أدخنة وغبار وغمام قد يدوم لأشهر وربما سنوات، فتحجب الأشعة الشمسية عن الوصول مما يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة على نحو دراماتيكي.

وبالإضافة إلى احتمالية وجود مخلوقات حية على كوكب المريخ، فصاروخ واحد كفيل بمحوهم جميعهم بفعل الإشعاع النووي، وهذا ما لا يسعى إليه أحد.11

مرآة مفترضة بقطر 1.5 كم تركز أشعة الشمس على بقعة من سطح المريخ لرفع درجة حراراتها

“ريجل وويدا”.. طالب يخترع مرايا فضائية لتدفئة الكوكب

في عام 2006 قام طالب من جامعة أريزونا يُدعى “ريجل وويدا” بتقديم مقترح يتضمن بناء آلية لتركيز أشعة الشمس على بقعة محددة على سطح المريخ، ونال على إثر ذلك دعما يُقدّر بـ9 آلاف دولار من وكالة ناسا الأمريكية.

وترتكز فكرة المقترح على وجود 300 بالون عاكس للأشعة بقطر 150 مترا لكل بالون، وتصطف بجانب بعضها لتشكل مرآة بعرض 1.5 كيلومتر تدور مع دوران الكوكب.

ستقوم المرآة بتركيز أشعة الشمس نحو بقعة قطرها 1 كيلومتر، وسترفع درجة الحرارة في هذه البقعة لـ20 درجة مئوية، في حين متوسط درجة حرارة الكوكب 60 تحت الصفر، وهذا من شأنه أن يكون قفزة هائلة سواء كان لحياة الإنسان أو لعمل الآلات، فلن يكون هناك داع لارتداء العوازل الحرارية الثقيلة ونحوه، بالإضافة إلى إمكانية إذابة المياه الجليدية بكل سهولة واستغلالها لاستعمالات عدة.

ومع كونها فكرة جذابة وتطبيقها ممكن، فإن على العلماء التعامل بحذر شديد مع نقطتين:

–         الأولى وضع المرآة على ارتفاع ثابت، ويتعلق ذلك بميكانيكا المدارات.

–         الثانية تصفية الأشعة مما هو ضار منها كالأشعة فوق البنفسجية، لأن غلاف المريخ رقيق ويعجز عن تصفية الأشعة بنفسه على خلاف الغلاف الجوي للأرض، لذا على المهندسين تغليف البالون بمواد تعكس الضوء المرئي فقط دون غيره.12

هل يمكن استنبات الطعام على كوكب المريخ يوما

مستعمرات الطحالب والبكتيريا.. خطة الأسطوانات المغلقة

بادر معهد ناسا للأفكار المتقدمة (NASA Institute for Advanced Concepts) بالتعاون مع شركة “تيك شوت” (Techshot Inc) إلى ابتكار حل لتزويد الكوكب الأحمر بالأوكسيجين اللازم لحياة المخلوقات الحية، فكان مقترحهم هو إرسال أعداد ضخمة من الأسطوانات قابلة للغلق، ثم غرسها على سطح المريخ بشكل يكون الجزء العلوي منه مفرّغا والجزء السفلي داخل التربة.

وستكون هناك آلية لعزل جزء من التربة داخل الأسطوانات، ثم ستحرر أعداد ضخمة من الطحالب والبكتيريا المنتجة للأوكسجين، وفي حال نجح هذا الحل فإنه سيمنح مدة زمنية إضافية للمستعمرة البشرية.13

وفي ظل السباق نحو استعمار المريخ، ما زالت أفكار أخرى طور العمل عليها في المختبرات في تصاعد مستمر، فالأمر لم يعد خيالا علميا كما كان قبل مئة عام، إذ أصبح الوصول إلى المريخ حلما يراود البشر كما كان حلم الأوربيين الرحيل نحو العالم الجديد “الأمريكيتان” قبل 5 قرون.

ومن كان يطمح إلى تخليد اسمه في تاريخ البشرية، فاليوم أوسع أبواب التاريخ مفتوح على مصراعيه لنيل هذا الشرف.

 

المصادر:

[1] الشريف، يمان (2020). الهجرة إلى المريخ.. نحو احتلال الكوكب الأحمر. تم الاسترداد من: www.doc.aljazeera.net

[2] دودان، أوجوست (2020). أوراق بعد وفاته. أوتلوك فيرلج، فركافورت. الطبعة الأولى. ص12

[3] ويليامز، مات (2015). مقارنة المريخ بالأرض. تم الاسترداد من: www.phys.org

[4] وادزورث، جينفير (2017). تعمل البركلورات على المريخ على تعزيز تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للبكتيريا. ورقة بحثية. تم الاسترداد من: www.nature.com

[5] محررو الموقع (من غير تاريخ). دراسة حالة: الميكروبات الأحفورية على سطح المريخ؟. تم الاسترداد من: www.amnh.org

[6] د. ويليامز، دافيد (2000). تشير الصور الجديدة إلى مصادر حالية لمياه سائلة على سطح المريخ. تم الاسترداد من: www.nssdc.gsfc.nasa.gov

[7] كوليردج، صموئيل (من غير تاريخ). صقيع الملاح القديم (النص عام 1834). تم الاسترداد من: www.poetryfoundation.org

[8] محررو الموقع (من غير تاريخ). مارينير 8 و9. تم الاسترداد من: www.mars.nasa.gov

[9] بارتلز، ميغان (2019). كميات هائلة من الجليد المائي رصدت على سطح المريخ. تم الاسترداد من: www.space.com

[10] وود، تشارلي (2017). هل يمكن لمغناطيس ضخم أن يحول الكوكب الأحمر إلى اللون الأخضر؟. تم الاسترداد من: www.sciencealert.com

[11] لوكيت، ويل (2020). هل إيلون ماسك على حق؟ هل يجب علينا تفجير كوكب المريخ؟. تم الاسترداد من: www.medium.com

[12] شايجا، دافيد (2006). يمكن أن تخلق المرايا الفضائية ملاذًا شبيهًا بالأرض على المريخ. تم الاسترداد من: www.newscientist.com

[13] بولاند، يوجين (2017). سرير اختبار الايكوبيسيس على سطح المريخ. تم الاسترداد من: www.nasa.gov