بقايا طعامك اللذيذ.. تُخمة الأغنياء ومخمصة الفقراء

حبيب مايابى

 

تسجل الإحصائيات الرسمية أن عدد المتضررين من المجاعات يصل إلى 800 مليون نسمة، وتقدر الكلفة السنوية لهدر الطعام بترليون دولار

على وقع العوز والتهميش وويلات الحروب تنتزع المسغبة أرواح ملايين الأطفال. وفي الوقت الذي تسجل فيه الإحصائيات الرسمية أن عدد المتضررين من المجاعات يصل إلى 800 مليون نسمة، تقدر الكلفة السنوية لهدر الطعام بترليون دولار.

ومع تقدم وسائل الإنتاج وتطور الصناعات الغذائية أصبح ثلث المأكولات وفضلات الغذاء من نصيب حاويات القمامة، ليخلّف ذلك أضرارا بيئية وخسائر اقتصادية كبيرة.

وقد أنتجت الجزيرة الوثائقية فيلما بعنوان “بقايا طعامك اللذيذة” يسلط الضوء على تفاصيل الإسراف في إتلاف المنتجات الغذائية، والآثار البيئية والاقتصادية الناتجة عن ذلك.

تحدث في فيلم الجزيرة عدد من أصحاب المزارع، والمحلات التجارية وروادها من أرباب الأسر، بالإضافة للطهاة العاملين في المطاعم، وأعربوا عن امتعاضهم من تفشي ظاهرة العبث بالطعام وفضلاته.

وقد زاد المهتمون بمجال الأمن الغذائي من نشاطهم على العمل في خلق ثقافة جديدة ترفع شعار “خذ فقط ما يمكن أن تأكل حفاظا على البيئة”، لكن الأمر يتجاوز مخلفات الموائد إلى فائض الصيد البحري والإنتاج الزراعي.

 

إتلاف أطنان الطعام

يعيش العالم ثورة في الرفاه خلقت عند العامة ثقافة التبذير في الإنفاق على أنواع متعددة من المذاق، فانتشار المطاعم وزيادة الإقبال على الوجبات السريعة عوامل أساسية في تراكم الأطعمة الفاسدة.

وأدَّى التنافس بين شركات تصنيع المأكولات إلى إغراق مراكز التموين بالمواد المستهلكة يوميا على موائد الطعام، ليترك ذلك تضخما تسبب في إتلافٍ للمنتجات وهدرٍ للطاقات.

وعلى المستوى العالمي يتم التخلص من ثلث المنتجات الغذائية بسبب انتهاء صلاحيتها قبل أن تستهلك، وفي الولايات المتحدة الأميركية التي تصنف بأنها دولة المطاعم وأكبر بلد للإنتاج الزراعي، يتم سنويا هدر 40% من مجموع الصناعات الغذائية.

ورغم الجهود المبذولة من منظمات المجتمع المدني بالتوعية بمخاطر الإسراف في الطعام وتصنيفه ضمن الأعمال الإجرامية فإن 90% من فضلات الطعام مازالت ترمى في القمامة.

وحسب الإحصائيات فإن الغذاء الذي يتم إتلافه على الصعيد العالمي يصل سنويا لمليار و300 ألف طن.

حسب الإحصائيات فإن الغذاء الذي يتم إتلافه على الصعيد العالمي يصل سنويا لمليار و300 ألف طن

 

 

الدول النامية.. انعدام الوعي

وتعتبر البلدان النامية من أكثر الأماكن التي تعبث بالطعام بسبب انعدام الوعي والثقافة، بالإضافة إلى النقص في وسائل التخزين المتطورة.

وتتصدر آسيا قائمة القارات التي يتم فيها إتلاف طعام الأرز، بينما تصنف أوروبا بأنها الأكبر هدرا للغذاء المنتج من القمح، ففي المملكة المتحدة وحدها يتم إتلاف 900 ألف طن من الخبز سنويا.

تتصدر آسيا قائمة القارات التي يتم فيها إتلاف طعام الأرز

 

أمريكا.. لا تعرف الجوع

وتصنف الولايات المتحدة الأميركية بأنها تقع على قائمة الدول التي يتم فيها إرسال فضلات الطعام إلى صناديق القمامة.

السيد مارك بيتمان مؤلف كتاب “كيف تطبخ كل شيء”، يقول إذا أردت أن تتحدث عن إتلاف الطعام فعليك بأمريكا أكبر بلد زراعي في العالم، فالمجتمع الأميركي لا يعرف معنى الجوع ولا يحسن استغلال الطعام.

وبغض النظر عن إتلاف فضلات الغذاء، فإن الحقول الزراعية هي أكثر ما يتم فيه العبث بالطعام من خلال الإنتاج الخاطئ.

ورغم أن العقدين الماضيين دمر فيهما البشر 10% من الأراضي الزراعية، فإن نسبة 40% من مساحة الأرض تستخدم للإنتاج الغذائي.

ويهدر الصيادون نسبة كبيرة من محصولهم، ففي الولايات المتحدة يُتلَفُ الكثير من الأسماك الهامة، إذ إنه مقابل كل رطل يتم اصطياده من الروبيان يتم التخلص من ستة أرطال من أنواع أخرى من السمك الثمين.

وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة رسمت خطة لمواجهة مخاطر إتلاف المنتجات الغذائية تتمحور حول إعادة تدوير الطعام والحث على التبرع به لصالح المحتاجين

 

الغرب.. يحب الطعام ولا يعرف الإطعام

وفي كثير من البلدان الغربية لا يرغب الناس في تناول الحيتان المُسنَّنَةِ، فترمى في مكبات النفايات.

وفي حديثها لوثائقي الجزيرة تؤكد الرئيسة السابقة لمؤسسة روكفيلر “جوديث رودين” أن الدول الصناعية تصل نسبة خسارة فضلات الطعام فيها إلى 680 مليار دولار.

وتعتبر ظاهرة إتلاف الأكل في العالم الغربي منتشرة على نطاق واسع، فالمجتمع يحب تناول الطعام لكنه لا يعرف الإطعام.

تصنف الولايات المتحدة الأميركية بأنها تقع على قائمة الدول التي يتم فيها إرسال فضلات الطعام إلى صناديق القمامة

 

فضلات الطعام.. مخاطر بيئية

يصنف عدم ترشيد الطعام في المجتمعات المتحضرة ضمن العادات المتخلفة التي ترمز لنقص في الوعي والثقافة، لأن إتلاف الغذاء هدر للوقت والمال والمياه والنقل والطاقة، على حد تعبير عضو مؤسسة بنك الطعام السيدة “ليا سيلي”.

وحسب الدراسات فإن إرسال فضلات الطعام إلى حاويات القمامة من أكبر أنواع المخاطر على البيئة، فعندما يتحلل الطعام دون إمكانية وصول الأوكسجين إليه يبدأ في إنتاج غاز الميثان ثم يتسرب في الغلاف الجوي، وضرره يفوق غاز الاحتباس الحراري 23 مرة.

وقد عملت الكثير من الدول على إعداد خطط لمواجهة هذه المخاطر، ففي ألمانيا والسويد يتم إبعاد فضلات الطعام عن أماكن النفايات.

وقد اتخذت كوريا الجنوبية سنة 2013 نظاما جديدا لمحاربة هذه الظاهرة، حيث أنتجت صناديق للقمامة تفتح بواسطة بطاقات إلكترونية يتم التعرف من خلالها على المنازل، ومن يرمي فضلات الطعام يتعرض لضريبة حسب الحجم الذي أتلفه.

أنتجت كوريا الجنوبية صناديق للقمامة تفتح بواسطة بطاقات إلكترونية يتم التعرف من خلالها على المنازل، ومن يرمي فضلات الطعام يتعرض لضريبة حسب الحجم الذي أتلفه

 

حلول وبدائل

وعلى الرغم من أن كثيرا من البلدان تشهد موجات من سوء التغذية ويتضور أبناؤها جوعا، فإن دولا عديدة يؤرقها مخاطر هدر الطعام وزيادة إنتاجه. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تنفق الأسرة ذات الدخل المتوسط 1500 دولار سنويا على الطعام المُتْلف.

وتُشكل تواريخ انتهاء الأطعمة هاجسا قويا للمستهلكين فيعزفون عن شراء ما اقتربت نهاية صلاحيته، مما يزيد من تفاقم أزمة نفايات الغذاء.

تُشكل تواريخ انتهاء الأطعمة هاجسا قويا للمستهلكين فيعزفون عن شراء ما اقتربت نهاية صلاحيته، مما يزيد من تفاقم أزمة نفايات الغذاء

 

إعادة تدوير الطعام

وقد قامت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأميركية برسم خطة لمواجهة مخاطر إتلاف المنتجات الغذائية تتمحور حول إعادة تدوير الطعام والحث على التبرع به لصالح المحتاجين في العالم قبل فساده.

مدير مطعم بلوهيل بنيويورك السيد دان باربر يقول للجزيرة الوثائقية “أقوم أنا وفريق الطهاة بالاستفادة من بقايا الطعام، فننتج منها أطباقا كحساء السمك وجذوع الخضار المحشوة بالمعكرونة”.

وفي ولاية كاليفورنيا يُستعان بغاز الميثان -الذي ينتج عن تحلل المواد الغذائية- لإنتاج الطاقة الكهربائية، فيحولون فضلات الطعام من منتج لا يريده أحد إلى طاقة يحتاجها الجميع.

تشكل كثرة الأطباق وتنوعها سببا رئيسيا في وجود فائض المأكولات، فالطبخ ينبغي أن يكون حسب الحاجة والاستهلاك

 

تدارك انتهاء الصلاحية

وتقوم محلات “ديلي تابل” في الولايات المتحدة بجمع المواد التي ستنتهي صلاحيتها وتبيعها بتخفيضات كبيرة بهدف التغلب على هدر الطعام، وتلقى سلسلة هذه المجمعات إقبالا كبيرا من الشارع الأمريكي.

وتصنف اليابان عالميا بأنها أكبر مستورد لذرة إطعام الماشية، وقد بدأت تعمل على إعادة بقايا الغذاء وتصنيعه علفا للحيوانات.

وتعمل في كوريا كثير من الشركات الناشئة في إعادة إنتاج فضلات الطعام واستخدامها في الأسمدة والأعلاف الحيوانية، وقد جنت أرباحا خيالية وساهمت في الحفاظ على البيئة من التلوث.

وتقوم بعض الجمعيات بالتوعية ورفع شعار “التفكير قبل رمي الطعام” والحث على الاهتمام بالجياع، وشراء الغذاء حسب الحاجة.

وتشكل كثرة الأطباق وتنوعها سببا رئيسيا في وجود فائض المأكولات، فالطبخ ينبغي أن يكون حسب الحاجة والاستهلاك.

وتبقى الثقافة والمعرفة والحس بالمسؤولية هي الطرق الأمثل للمساعدة في التخلص من الإسراف والتبذير مما يقود إلى المحافظة على إدارة الطعام بشكل صحيح.