حقيبة الأسرار اللبنانية.. قصة اغتيال رجل الظل وسام الحسن

حبيب مايابى

في المساء ترجل من سلم طائرة قادمة من فرنسا، والتحق باجتماع في شقة سرية عند الحادية عشرة ليلا، حيث التقى بضيف خاص ثم ودعه عند الرابعة فجرا.

وعند الثانية ظهرا، غادر المكان السري، وبينما كانت سيارته تمر بشارع إبراهيم المنذر خلف مؤسسة البريد بمنطقة الأشرفية، نفذ المتربصون خطتهم على أكمل وجه.

دوى انفجار هائل، ولم يعثر إلا على شظايا مسدس وساعة يدوية، وبعد ساعات من البحث والتحليل تبين أن لبنان فقد واحدا من أهم قادته الأمنيين. هذه القصة وثقتها الجزيرة في فيلم بعنوان “الجريمة السياسية.. وسام الحسن رجل الظل”.

يروي الفيلم مسيرة قائد شعبة المعلومات الأمنية في لبنان وسام الحسن، ابتداء من نشأته وتكوينه ومرورا بمساره المهني وعلاقته بالراحل رفيق الحريري وانتهاء باغتياله في يوم مشهود ببيروت.

 

الضابط الهادئ الواعد

ولد وسام الحسن عام 1965 في بلدة بتوراتيج شمال بيروت، وقد تميزت طفولته بحب الرياضة والشغف بالصيد.

بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان الحسن من الذين قرروا الانخراط في القوات المسلحة، فانتسب للكلية الحربية عام 1983. تخرج ضابطا سنة 1987 وبدأ يتدرج في الخدمة العسكرية، وقد تميز بالانسجام والعمل الجاد، وكان يتمتع بهدوء لافت للانتباه.

وفي حديثه للجزيرة يقول المدير العام لقوى الأمن الداخلي سابقا أشرف ريفي “إن وسام كان ملفتا بعمقه وحضوره، وحينما تعرفتُ عليه شعرت أنني أمام ضابط واعد”. وعلى خلاف الكثير من العسكريين والأمنيين وقادة المخابرات في العالم العربي، كان بشوشا ومبتسما لا يفارق المرح محياه، وطيلة حياته حافظ على أناقته ومظهره الحسن مع الابتعاد عن مظاهر الأبَّهة والسلطة.

 

ذراع الحريري الأب والابن

بعد اتفاق الطائف عام 1989 بدأت مرحلة جديدة في لبنان كان من معادلاتها الفعلية أن يتولى الراحل رفيق الحريري قيادة سلطة الاقتصاد والمال بوصفه سُنِّيّا وسعوديا ورجل أعمال.

وبعد تعيينه رئيسا للحكومة تعرف الحريري على وسام الحسن في السراي الكبير (مقر رئاسة الوزراء في لبنان) وسرعان ما توطدت العلاقة بينهما.

أصبح الضابط الشاب من صفوة رئيس الحكومة ورافقه في رحلاته حتى عينه مديرا للمراسيم والبروتوكولات واعتمد عليه في كثير من الأمور.

وفي تصريحه للجزيرة يقول وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق “إن وسام الحسن بدماثة خلقه وقدرته على التعامل مع الناس بسلاسة وائتمانه على الأسرار جعل الحريري يعتمد عليه”.

وقد ساعده العمل مع رئيس الحكومة على اكتساب خبرة في العلاقات الدولية كما يرى المحلل الإستراتيجي جابر هاشم.

وفي 14 فبراير/شباط 2005 اغتيل رجل المال والسياسة رفيق الحريري، لكن الحسن لم يكن يومها مع رفيقه حيث تغيب لإجراء امتحان في الجامعة اللبنانية.

وعندما أراد البعض أن يشكك في غياب خزان المعلومات عن حادث الاغتيال لم يتفاعل أحد مع تلك الفرضيات. وبعدما أصبح سعد الحريري زعيما سياسيا بعد والده اختار وسام الحسن واعتمد عليه وأصبح من مستشاريه ومقربيه.

ظل الحسن وفيا لرئيس الوزراء الراحل وقد وصفه مراقبون بأنه كان ظلا وذراعا للشيخ رفيق الحريري وعيونا وآذانا لابنه سعد.

 

قيادة الاستخبارات وضبط الأمن

بعد سنة من العمل مستشارا لسعد الحريري عُين الحسن في 12 فبراير/ شباط 2006 رئيسا لشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبناني. وتزامن ذلك التعيين مع خروج القوات السورية من لبنان والتي كانت تسيطر على مفاصل الدولة الأمنية.

لم يكن يُسمح لشعبة المعلومات أن يتجاوز عددها سبعة ضباط و120 عنصرا أيام الوصاية السورية، لكن خروج جيش دمشق سمح للبنان بإعادة التشكل.

وبعد سنوات قليلة من تولي خزان المعلومات لقيادة المخابرات أصبحت شعبة المعلومات تضم 100 ضابط و2300 من العناصر العسكرية. عمل على تقوية جهاز المعلومات حتى أصبح من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم العربي وقد تمكن من تفكيك 30 شبكة تجسس تعمل لصالح إسرائيل.

وبمعية النخبة التي كونها في جهاز إدارته أحبط الكثير من الخطط الإرهابية التي كانت تستهدف العاصمة بيروت. واستطاع وسام الحسن أن يوقف نزيف الاغتيالات في صفوف الشخصيات السياسية والأمنية والأكاديمية، وشكل ملاذا أمنيا لتيار 14 مارس/آذار الذي كان ينتمي إليه.

وفي عام 2007 وتحت ضغط الدول الكبرى تم تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري فأعطاها قائد شعبة المعلومات اهتماما خاصا، وكان حاضرا بقوة في مجريات التحقيق مما جعل بعض السياسيين يتهمونه بتسييس القضية، لكن ذلك لم يثنه عن عزمه في المضي قدما نحو كشف الجناة الحقيقيين.

استطاع مهندس الكمبيوتر في شعبة المعلومات الشاب وسام العيد أن يحدد مجموعة من الأرقام ظلت تراقب رئيس الوزراء مدة عام قبل اغتياله وقد عُرفت بالشبكة الحمراء.

عُين الحسن في 12 فبراير/ شباط 2006 رئيسا لشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي

 

بداية النهاية.. على قائمة التصفيات

لكن الساحة اللبنانية تعودت أن تكون مسرحا لنهاية القادة الذين يحملون طموحا لتكون بيروت قائمة لا تتوكأ على حليف.

فبعد اندلاع الثورة السورية سنة 2011 أعدت دمشق قائمة بشخصيات لبنانية اعتبرتها مساهمة في زعزعة الأمن السوري، وكان وسام الحسن ضمن تلك القائمة مع عدد من رموز تيار 14 مارس/آذار.

لم يُعِر الحسن اتهامات دمشق اهتماما كبيرا بل واصل عمله حتى تمكن سنة 2012 من كشف وإحباط المخططات السورية التي كان ميشيل سماحة يتولاها والتي تقضي بتفجير بعض الأماكن الحساسة في بيروت.

تزايدت التهديدات على الضابط الهادئ، ورغم أنه عبر لأحد المقربين بأنه دخل في نفق مظلم لا سبيل للخروج منه فإنه واصل أعماله وأسفاره.

كانت عائلته تسكن في فرنسا بسبب وضعه الأمني الحرج، وقام بزيارة لها لم تستمر إلا أسبوعين رغم أن بعضا من المسؤولين نصحوه بالخروج من البلد فترة طويلة.

وفي مساء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2012 نزل في بيروت قادما من فرنسا وتوجه لمكتبه في مديرية قوى الأمن الداخلي في منطقة المتحف.

وفي وقت متأخر من مساء ذلك اليوم ذهب لشقة سرية في منطقة الأشرفية يستخدمها أحيانا لاجتماعات حساسة، وفي الحادية عشرة من نفس المساء كان على لقاء بضيف خاص لم تفصح الجهات الرسمية عن هويته لكن بعض المصادر أكدت أنه على علاقة بالمحكمة الدولية.

وفي الرابعة صباحا من اليوم الموالي غادر الضيف لكن جهات كانت تراقبه وعرفت أنه كان مع قائد شعبة المعلومات.

وبعد منتصف النهار غادر الحسن الشقة مع سائقه من دون موكب كعادته في اتجاه مكتبه، لكنّ عناصر تتربص به كانت له بالمرصاد.

بعد ساعات طويلة من البحث والتحليل في منطقة التفجير، تبين أن المستهدف هو قائد شعبة المعلومات وسام الحسن

 

“شهيد الحقيقة والعدالة”

وأثناء طريقه بمنطقة الأشرفية في شارع إبراهيم المنذر خلف مؤسسة البريد وعند الثانية وخمس وأربعين دقيقة وقع انفجار كبير لم يترك أثرا للتعرف على الضحية الأساسية. وبعد ساعات طويلة من البحث والتحليل وبعد العثور على شظايا من مسدس وقطعة من ساعة يدوية تبين أنه قائد شعبة المعلومات وسام الحسن.

أصيب اللبنانيون بصدمة كبيرة وبدأت الإدانات العربية والعالمية تتوالى وتطالب بملاحقة المسؤولين.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2012 تم تشييع وسام الحسن وأقيمت له مراسم تأبين في مقر مديرية الأمن بحضور عائلته، وخرج آلاف اللبنانيين في ساحة الشهداء يحملون شعارات “شهيد الحقيقة والعدالة”.

وبعد اغتياله خرج اللبنانيون وخصوصا من التيار السُّنِّي في مظاهرات حاشدة ضد حكومة نجيب ميقاتي.

وقد شارك في التحقيق بشأن جريمة الاغتيال هذه فرق دولية ضمت عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، وكشفت أنها عملية تمت بمستوى عال من الدقة والتنظيم حيث كانت تراقبه 19 سيارة تجسس.

وفي حديثه للجزيرة يقول “سعد الحريري” إن التقنيات التي اغتيل بها وسام الحسن هي نفسها التي استخدمت في اغتيال والده رفيق الحريري.

ورغم أن نتائج التحقيقات لم تحمّل جهة معينة مسؤولية الاغتيال فإن وزير العدل ومدير قوى الأمن الداخلي الأسبق أشرف ريفي يقول إن حزب الله -بالتنسيق مع سوريا وإيران- هو من قام بتنفيذ الجريمة.