“حلم البطاقة الخضراء”.. رحلة الشباب العربي إلى أرض الأحلام

خاص-الوثائقية

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية مهوى أفئدة الشباب العربي، وأرض الأحلام التي ترنو إليها أنظارهم، فما ينفك الإنسان العربي منذ نعومة أظفاره يطمح إلى فرصة للسفر إليها بهدف العمل، بعيدا عن أسوار الوطن التي لا تحقق حلما ولا تسمن ولا تغني من جوع.

في هذا الفيلم الاستقصائي الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، بعنوان “حلم البطاقة الخضراء”، نتطرق إلى الأسباب الداعية إلى الهجرة، من خلال عرض تجارب لثلاثة من الشباب العربي، يروون قصصهم مع البطاقة الخضراء.

 

طموح السفر إلى الضفة الأخرى.. بقايا أحلام الطفولة

“اسمي عمرو عبده، أنا من مواليد القاهرة، وخريج جامعة عين شمس كلية الحقوق، كنت أعمل خطاطا لشركات الدعاية والإعلان، وكنت أحب الخط كثيرا منذ الصغر، ثم تعلمت هذه المهنة واحترفتها. كان طموحي -مثل باقي الشباب- أن أسافر خارج مصر، وكانت تراودني أحلام السفر إلى أمريكا تحديدا منذ الصغر، ومن عجائب القدر أن تحقق هذا الحلم وأصبح حقيقة”.

“اسمي ربى عبد الكبير، عمري 24 سنة، تونسية الأصل، منذ تفتحت عيناي على هذه الحياة كان والدي غير موجود، كنت أسأل عنه فيقولون لي إنه يعمل في فرنسا، وكان السؤال الذي يراودني دائما: لماذا أنا هنا وأبي في فرنسا؟ ثم علمت أن والدتي أيضا كانت في فرنسا، وأن أخويّ الكبيرين ولدا في فرنسا، وهكذا تولدت لدي الرغبة في السفر إلى أي مكان في العالم منذ طفولتي”.

“أنا يونس عواشقي، من مدينة تارودانت في المغرب، من مواليد 1989، بدأت مسار الدراسة الأساسي في مسقط رأسي، وبعد حصولي على الثانوية العامة عملت مع عدة شركات في مجال الفلاحة ومشتقات الحليب، وكذلك في مجال البناء، وأي مجال آخر أستطيع من خلاله تأمين مصروفي اليومي”.

عمرو عبده.. مهاجر مصري

 

“هذه أوراق الهجرة إلى أمريكا”.. هدية وزارة الخارجية إلى العالم

تقدم وزارة الخارجية الأمريكية سنويا ما معدله 50 ألف تأشيرة دخول إلى أراضيها، عن طريق برنامج الهجرة العشوائي (اللوتاري)، والشروط للاشتراك ليست صعبة، فيجب أن يكون المتقدم بعمر 16-18 سنة، وأن يكون حاصلاً على الثانوية العامة (الباكالوريا)، وهذا البرنامج يضمن التأشيرة فقط لمن يقع اختيارهم عشوائيا، ودون أي ضمانات أخرى بطريقة العيش أو الدراسة أو العمل.

إذن هي فرصة لدخول البلاد بطريقة قانونية فقط، والرهان على المهاجر في أن يختار طريقه في الدراسة أو العمل هناك. والملاحظ أن فكرة السفر تلقى رواجا شديدا بين الشباب العربي بشكل خاص، ويبدو أن الظروف المعيشية والسياسية والاجتماعية في البلدان العربية لها أكبر الأثر لدفع الشباب إلى التفكير الدائم بالهجرة والسفر.

يقول عبده: كان الأمر بمحض الصدفة، عندما قابلت زميلا لي في محل الحلاقة، وكان يقلب بين يديه صفحات، سألته عنها فقال هذه أوراق الهجرة إلى أمريكا، فاستغربت ذلك جدا، ثم طلبت منه رزمة الأوراق لقراءتها، وكان حجمها كبيرا. بعد يوم عمل طويل، وفي المساء قرأت كل الأوراق، وعزمت على تقديم الطلب مثل صاحبي، لعل وعسى.

ويتابع: بعد خمسة شهور جاءني الرد من السفارة الأمريكية بأن أوراقي قد قبلت، وعليّ إكمال الإجراءات، وقد استغرقت تلك الإجراءات سنة كاملة.

ربى عبد الكبير.. مهاجرة تونسية

 

“تخيلت أنني لن أرى والديّ بعد هذه اللحظة”.. مزيج الفرح والحزن

تقول ربى عن تجربتها: عرفت بموضوع (اللوتاري) من إحدى زميلاتي، وعندما تحدثت إلى خطيبي في الموضوع، شرح لي الفكرة، وقال إنها سحب عشوائي على طلبات الهجرة إلى أمريكا، ولا ضير في أن تقدمي طلبا، فقمت بالبحث على الإنترنت، وتأكدت بنفسي أن الموضوع ليس مزحة أو خداعا، وقمت بتعبئة الطلب فورا.

وتضيف ربى: علمت بصدور النتائج بعد خمسة أيام، لأني في الحقيقة لم أتوقع القبول أو السفر ولو حتى بنسبة صفر بالمئة، وعندما فتحت الموقع وجدت بأن طلبي قد قبل، وحينها لم تسعني الدنيا من الفرحة، وأذكر أنه كان وقت السحور برمضان، فملأت البيت صراخا وبكاء من شدة الفرح، وفزع أهلي من النوم بسبب صراخي.

وعن تجربته مع التأشيرة يقول عواشقي: عندما تسلمت جواز سفري بدأت أقلب أوراقه بحثا عن التأشيرة، وعندما وجدتها تأكدت أنها صحيحة وغير مزورة، ثم وضعت الجواز في جيبي، وكنت في أشد الحرص والخوف من أن يسرقه أحد اللصوص ويضيع عليّ حلم عمري.

وعن تجربة السفر يقول عبده: تألمت جدا لحظة وصول المطار، كان والداي معي لتوديعي، وفي اللحظة الأخيرة تاه سيارة الأجرة التي تحملهما عني، لذا بكيت بحرقة وتخيلت أنني لن أرى وجه والديّ بعد هذه اللحظة، ولكن أحد رجال الأمن ساعدني وعثرت عليهما وودعتهما. ثم إن البكاء والنشيج عاودني في الطائرة، عندما تذكرت وجه أمي وهي تركض نحوي بلهفة.

يونس أوشقي.. مهاجر مغربي

 

إجراءات الفحوص والبحث عن السكن.. خطوات الهجرة الأخيرة

يروي عواشقي في المطار قصة الوداع الأخير قائلا: لم ترُقْ لأمي فكرة سفري، والعيش في بيئة غير التي تعودت عليها، ولكنها كانت تدعو لي بأن يوفقني الله ويبعد عني أهل السوء. في المطار ودعني أهلي بالبكاء، وكانت أمي أشدهم حرقة على فراقي، لكنني وعدتها أن أعود عند نهاية العام. وها أنا أعد الأيام والليالي من أجل أن ينتهي العام، وأعود لأرى وجه أمي من جديد.

أما ربى فهي تحضر نفسها للسفر، وتدرس مع خطيبها خطط السكن هناك، وتبحث في الإنترنت عن مسكن مع بعض الفتيات، بينما ينصحها خطيبها بالتواصل مع عمها هناك، لكي يساعدها في إيجاد سكن مناسب. “بينما وعدني إخوتي بدعمي ماديا حتى لو لم أجد عملا في البداية. وتحدثت إلى خطيبي في موضوع العرس الذي قد يتأجل”.

وبينما كان هدف عمرو عبده من السفر أن يواصل إبداعه في المجال الذي أحبه، إذ لم يكن يجد نفسه في المهن التي تستهوي معظم الشباب، مثل العمل في المطاعم ومحطات الوقود؛ فإن عواشقي لم يكن له هدف محدد، وكان يريد تغيير المحيط الذي يعيش فيه، والتعرف على أشخاص جدد.

وعن تحضيراتها للحصول على التأشيرة تقول ربى: من ضمن التحضيرات الواجب عليّ عملها الفحص الطبي الشامل، والتأكد من خلوّي من أمراض محددة، وتجرى هذه الفحوص في مراكز طبية معتمدة لدى السفارة الأمريكية، وبعد تسليم نتائج هذه الفحوصات، علينا الانتظار ريثما تصلنا رسالة بالبريد الإلكتروني تحدد لنا موعد المقابلة مع موظفي السفارة.

يرى عمرو بأن الحصول على مهنة مستقلة أمر مهم في الغربة

 

“درس تعلمته من هذه التجربة”.. تحديات العمل في بلاد العم سام

يصف عبده انطباعاته لحظة وصوله: كانت رحلتي من مطار القاهرة إلى ميامي في فلوريدا، عندما وصلت هناك هالني ما رأيت من البنايات العالية والطرق الواسعة النظيفة، والمناظر الخلّابة والبيئة الساحرة وإطلالة البحر الجميلة، مناظر كنا نراها فقط في الأفلام الأجنبية. وهي تقريبا نفسها التي وجدها يونس عواشقي، ولكن في ولاية أخرى.

يتحدث عواشقي عن أيامه الأولى هناك قائلا: كانت الأيام الأولى لوصولي إلى أمريكا من أصعب الأيام، فقد كنت أذهب إلى أصدقائي وأبناء بلدي طلبا للمساعدة، بعضهم كان يتعاطف معي ويقدم ما يستطيع من الدعم والمساعدة، وفي المقابل كان آخرون يحاولون استغلالي عن طريق تشغيلي بأجر زهيد، أو حتى بدون مقابل.

أما عبده فقال: عند وصولي إلى هنا لأول مرة عملت في أحد المطاعم طباخا، ولكن لم أجد نفسي في هذه الوظيفة، وبدأت أبحث عن وظيفة أحقق فيها أحلامي، وتكون من صميم الأشياء التي أحبها، وكان لي صديق تونسي يعمل في المقاولات، ودلّني على مجتمع المقاولات، فعملت نقاشا (دهان البنايات)، وأحببت هذه الوظيفة، فعملت فيها نهارا وفي المطعم ليلا.

ويضيف عبده: بعد أن ادخرت مبلغا جيدا من المال، حدثتني نفسي أن أكون صاحب عمل لا موظفا عند أحد، فتشاركت مع أحد أصدقائي وفتحنا مطعما، ولكن التجربة فشلت، والسبب أنني وضعت جميع مدخراتي في هذا العمل، وهذا درس تعلمته من هذه التجربة.

يعتقد يونس بأن أي عمل في أمريكا يمكن أن يدر عليك دخلا أفضل من دخل بلدك بأضعاف

 

فوارق الأجور.. إغراء الغربة وإرهاق الوطن

أصبح يونس أيضا يعمل في مطعم في أمريكا، وعن ذلك يقول: أستيقظ في الخامسة صباحا، وأتوجه للعمل مباشرة مشيا على الأقدام، لمدة ساعة كاملة حتى أصل إلى عملي، وبالطبع تكون الأمور صعبة في أوقات البرد والمطر. وللحقيقة فالعمل هنا أسهل من العمل في المغرب، والعائد أحسن. وفي وقت الغداء هناك نصف ساعة للاستراحة، ونتناول طعامنا هنا في المطعم.

ويتابع: في الثالثة والنصف نغادر إلى منازلنا، أو إلى مكان العمل الثاني، لمن لديه وظيفة أخرى. كان أول راتب لي بحدود 1100 دولار، أرسلت منها 150 دولار هدية لوالدتي، ولكنها رفضت في البداية، وطلبت أن لا أرسل ثانية حتى تتحسن أموري في بلاد الغربة.

ومن خلال استقراءاتها عن طبيعة العيش في أمريكا تقول ربى: “المعيشة في أمريكا ستكون أسهل من الناحية المادية، فالعائدات المالية هناك أكثر منها بكثير في تونس والدول العربية الأخرى، ومصروف المأكل والمشرب مقبول نوعا ما. وبينما نحتاج لقرض بنكي أو دخل مرتفع جدا حتى نحصل على سيارة في تونس، فإن متوسطي الدخل في أمريكا بإمكانهم شراء سيارة ببساطة.

يتحدث عبده عن حياته الاجتماعية قائلا: بالنسبة للاستجرار الأسري، فكثير من المغتربين يؤثرون إبقاء أهلهم في بلدانهم، أما أنا فقناعتي أن أسرتي يجب أن تكون معي طالما أن وضعي المالي مستقر، وبالفعل فقد أحضرت أسرتي من مصر لتعيش معي هنا. وتعلمت في هذا البلد تحديدا أن ترضى بعملك إذا كان يدرّ عليك دخلا مناسبا، ولا تنظر إلى عمل آخر أحسن دخلا طالما أن دخلك مستقر وثابت.

في رأي عمرو.. الغربة بلا أهل لا تستحق المجازفة

 

“أفتقد دفء الوالدين والأسرة”.. صفقة التضحيات

يصف عواشقي يومياته في أمريكا قائلا: الحمد لله، وضعي مستقر هنا، ماديا ونفسيا، وفي بعض الأوقات حين أعاني ضغوطا نفسية آتي إلى هذا المكان، حيث المتنزهات الفسيحة والمقاهي النظيفة، وأقضي العطلة الأسبوعية باسترخاء لأبدأ أسبوعا جديدا من العمل والروتين القاسي.

ويضيف: غربتي هنا في أمريكا مثل غربتي في وطني، لا شيء تغير، غير أنني أفتقد دفء الوالدين والإخوة، ولكنني أحاول تعويض ذلك بكثرة التواصل معهم عن طريق وسائل التواصل. وهناك أصدقاء مغاربة من العرب والأمازيغ، أجلس إليهم وأتحدث معهم ويقدمون لي كل أسباب الدعم والمساعدة، وبعضهم نصحني بإكمال دراستي قبل الزواج والانشغال بهموم الأسرة.

ثم يشرد بخياله بعيدا وهو يقول: أمريكا تعترف بخبراتك وتجاربك في الحياة، ويهمها ما يمكن أن تضيفه لها نتيجة عملك وجهدك، ولا يهمها نسبك أو دينك أو خلفيتك الثقافية، في المحصلة ستكون هي وطني الثاني، وهنا سأربي أطفالي، ولكن سوف أعلمهم أن لا ننسى وطننا الأول، المغرب.

وفي خضم ترتيباتها للسفر تحكي ربى: الحياة كلها تضحيات، تحصل على أشياء في مقابل أخرى تخسرها، سوف يستقر وضعي ماديا، ولكن سوف أخسر رؤية أهلي وبلدي في المقابل، المعادلة صعبة، ولا يمكنك تحصيل كل ما تحب. وما يخيفني في أمريكا كثرة الجنسيات هناك، أخشى أن أتعامل مع أناس ليسوا طيبين، وفي الوقت نفسه أخاف من الوحدة.

الحنين إلى الأهل والوطن شعور لا مفر منه عند كل المغتربين

 

“بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ”.. ضريبة الهجرة واختلاف الثقافات

يتحدث عبده عن اختلاف الثقافات قائلا: واجهتني في البداية مشكلة الحصول على الطعام المناسب، وأمضيت فترة حتى تأقلمت مع أنواع الأكل هنا، أذكر أن أحد أصدقائنا المصريين دعانا إلى طعام الإفطار في رمضان، وعندما رأيت الأكل المصري كدت أبكي من شدة الفرح، وأكلت طبق الفول فقط، لشدة اشتياقي إليه.

ويتابع: أمريكا بلد مبني على النظام، فإذا كنت منتظما مع هذا الكيان فسوف تنجح في حياتك وتحقق أمنياتك، انظر إلى الطوابير في كل مكان، إنها أبسط مظاهر النظام، ولكنها تضمن لك سهولة الحصول على الأشياء.

ومن وحي تجربته في الغربة، ينصح عبده الذين يفكرون بالقدوم إلى أمريكا قائلا: إذا أتيحت لك فرصة العيش في أمريكا، فيجب عليك أن تقوي لغتك الإنجليزية، وتطور من مهاراتك التقنية، وأن تكون لك حرفة تبدع فيها، حتى لو كانت بسيطة أو ذات قيمة متدنية في بلادنا العربية، فإنها مهمة جدا هنا، وتكسبك دخلا مرتفعا ومكانة اجتماعية عالية.

وبينما تعدُّ ربى حقيبة السفر، فقد حرصت على اصطحاب مجموعة من صور الأهل والأصدقاء، وما زال لسانها يلهج بالدعاء أن لا تندم على قرارها بالسفر إلى أمريكا، وتردد قول الشاعر:

بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ

وأهلي وإن ضَنُّوا علي كِرام