“حين غيّر بيليه أمريكا”.. أسطورة كرة القدم البرازيلي يسحر بلاد العم سام

خاص-الوثائقية

يوم قرر أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه السفر إلى الولايات المتحدة في الـ35 من عمره، كان مفلسا ويبحث عن تأمين تقاعده قبل الاعتزال، ولكن ما فعله هناك لم يكن إفادة مادية فقط، بل وضع حجر الأساس للعبة كانت شبه مجهولة في أمريكا، والآن بات منتخبها موجودا بشكل دوري في كأس العالم.

اسمه الحقيقي إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، ويعرفه المليارات من مشجعي كرة القدم باسم “بيليه”. ترك “الملك” كرة القدم في أحد أيام أغسطس/آب عام 1977، لم ينظر خلفه، ولم يكن بحاجة لأن ينظر خلفه.

 

ويسلط الفيلم الوثائقي “حين غيّر بيليه أمريكا” الذي عرضته الجزيرة الوثائقية؛ الضوء على رحلة بيليه الكروية الأمريكية، والتي كانت آخر محطاته في مسيرته الحافلة.

إلى نيويورك.. مهمة مستحيلة

عام 1975 وصل بيليه إلى نيويورك، وللمرة الأولى في حياته يرتدي قميصا غير قميص منتخب البرازيل وفريق سانتوس البرازيلي. كان “ملكا” متقاعدا، ولكنه كان قادرا على تحقيق المعجزة.

كانت بداياته في مونديال 1958 بالسويد، إذ أبهر وهو في سن الـ17 كل من حضر المونديال، فلم يشاهد الناس أبدا لاعبا شابا يسجل 6 أهداف في بطولة كأس العالم؛ بينها هدفان في المباراة النهائية.

وفي مونديال 1970 بالمكسيك كانت الرأسية المذهلة التي أذهلت إيطاليا وأتت بلقب المونديال مرة أخرى لبلاد السامبا.

رأسية بيليه في مونديال المكسيك 1970 والتي أذهلت إيطاليا وأتت بلقب المونديال للبرازيل بلاد السامبا

 

فالملك الجذاب الفريد وصعب المنال الذي يحمل 3 ألقاب في كأس العالم وصاحب أكثر من ألف هدف؛ هو رياضي مفلس وخانه مديرو أعماله في الوقت نفسه.

كانت مهمة بيليه في الولايات المتحدة تبدو مستحيلة، فعلى عاتقه دفْعُ شعب أمريكا لاعتناق كرة القدم، وإيجاد سوق للعبة الشعبية الأولى عالميا.

قال بيليه وقتها: “يمكنك أن تذيع الخبر للعالم كله.. أن كرة القدم وصلت للولايات المتحدة”.

تقول روزا غانغوزا مديرة أعمال بيليه السابقة: إن “كل العالم يعرف بيليه، في تلك الأيام أجروا دراسة ليعرفوا من هو أشهر شخص في العالم، وكان الأمريكيون يقولون إنه حتما فرانك سيناترا (مغنٍ وممثل ومنتج أمريكي وأحد أكثر الفنانين الموسيقيين شعبية وتأثيرا في القرن العشرين) أو شخص بمقامه، ولكنه كان بيليه، ومن هنا جاءتهم فكرة السعي وراء بيليه”.

التعاقد.. أكبر عقد في تاريخ الرياضة آنذاك

أما وارنر روث المدافع السابق لنادي نيويورك كوزموس وزميل بيليه، فأكد أنه كان بالنسبة للاعبي كرة القدم وقتها “إلها وأسطورة وشخصا لا يمكن تخيل لقائه فكيف باللعب إلى جانبه!”.

ويضيف أن بيليه تقاعد وقال له مديرو أعماله ليس لدينا أي مال، فالمديرون كانوا فاسدين، وفعليا قاموا بسرقة الأموال التي جمعها خلال مسيرته الكروية الحافلة، فقد جعلته الحكومة البرازيلية أحد الأصول الوطنية التي لا يمكن بيعها لأحد خارج البرازيل، لكنه وقع مع كوزموس عقدا كان الأكبر في تاريخ الرياضة.

ويشرح الصحفي سيمون مالين أن “المقصود من إحضار بيليه كان محاولة إثارة إعجاب العالم بأسره، وكانت خطوة شجاعة وجريئة ومجنونة، وبما أن المهمة هي محاولة النهوض بكرة القدم الأمريكية في بلاد غريبة عليها، فكان لا بد من الاستعانة بالملك”.

بيليه يتعاقد مع فريق كوزموس الأمريكي مقابل 6 ملايين دولار، رقم لم يحصل عليه حتى الرئيس الأمريكي آنذاك

 

ويتابع: “الشغف والحافز بالنسبة له كانا أكثر من المال، والهدف لم يكن تسجيل المزيد من الأهداف وتحقيق نصر شخصي له وللفريق، بل يتعلق بجعل بلاد بكاملها تحب كرة القدم”.

6 ملايين دولار لمدة 3 سنوات لم يكن عقد لاعب رياضي، بل عقد فنان استعراضي على خشبة المسرح. فقد تدخل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر بنفسه وبذل قصارى جهده لجعله يوقع على العقد، وتمكن من إقناع الحكومة البرازيلية بالتخلي عن هذا الرمز الوطني.

ورغم أن وجود النجوم والمشاهير أمر طبيعي في نيويورك، فإن قدوم بيليه كان استثنائيا. وتكشف غانغوزا مديرة أعمال بيليه السابقة، أن 6 ملايين دولار في وقتها كانت مبلغا ضخما، والأمر المثير في العقد كان كل شيء، إذ تضمن الكثير من المزايا الخاصة، وقد أخذ ستيف روس (مالك فريق كوزموس) بالفعل بيليه تحت جناحه وكان مصمما على جعله نجما خارقا، ونجح في فعل هذا.

لم يجنِ أي من الرياضيين السود في أمريكا هذا المبلغ حتى أكثرهم شهرة، ففي منتصف السبعينيات كان البطل الأعلى أجرا لاعب كرة القدم الأمريكية “أو جي سيمسن” ولاعب كرة السلة كريم عبد الجبار براتب يصل إلى 600 ألف دولار سنويا، وكان راتب الرئيس الأمريكي حينها جيرالد فورد 200 ألف دولار.

ولم يقتصر الأمر على التقدير المادي، ففي 28 يونيو/حزيران عام 1975، التقى بيليه الرئيس الأمريكي فورد خلال زيارة البيت الأبيض. ويومها قال بيليه إنه جاء إلى أمريكا لأنه يؤمن بكرة القدم فيها، فالأطفال هنا يحبون هذه الرياضة، والشعب الأمريكي رياضي بطبعه، وخلال سنوات قليلة سيصبح لدى أمريكا منتخب جيد جدا.

قبل بيليه.. كرة قدم أمريكية للهواة

كان كل لاعبي فريق نيويورك كوزموس الأمريكي الذي أسسه عام 1971 ستيف روس من الصفر؛ يعملون في وظائف أخرى حتى يعيلون أنفسهم وعائلاتهم، لأن لعبة كرة القدم في أمريكا كانت وقتها هواية وليست احترافا.

يقول وارنر روث المدافع السابق في فريق كوزموس، إنه كان يعمل في مكتب للهندسة المعمارية، وكان لاعب آخر يعمل في مطار جون كينيدي، وكل اللاعبين كانوا يعملون في وظائف أخرى.

نقل بيليه شغف كرة القدم إلى الجماهير الأمريكية من خلال لعبه المتميز

 

وتابع: “لم نشعر بالاستياء من قدوم بيليه، بل شعرنا أن هذا الرجل هو الذي سينهض بلعبة كرة القدم في الولايات المتحدة”.

وأضاف: “كان هناك فرق كبير بين بيليه وبقية لاعبي الفريق، وجميعنا كنا نسعى دائما لتمرير الكرة له، وأذكر أن في مباراتنا الأولى أمام دالاس كان يتذمر ويقول: أتعلمون يا رفاق، هناك لاعبون آخرون في الملعب وعلينا تمرير الكرة للجميع”.

وتعود غانغوزا مديرة أعمال بيليه السابقة إلى الذاكرة وتروي قصة ترجع للأيام الأولى لقدوم بيليه إلى أمريكا وتقول: “أذكر عندما لم يكن لدينا ملعب في نيوجيرسي، وحين أرادوا تجميل ذلك الملعب القبيح طلوا العشب باللون الأخضر. وفي أحد الأيام قال لنا بيليه بالبرتغالية: لم يعد بمقدوري اللعب هنا، انظروا ماذا حل بقدمي.. كان يظن أنه أصيب بمرض، ولكن ذلك بسبب الطلاء الأخضر”.

العلامة التجارية.. اختراع أمريكي للبشر والسلع

والشخص الذي أراد بيليه بأي ثمن كان ستيف روس المدير التنفيذي لشركة “وارنر” والذي كان قد أسس نادي “كوزموس” عام 1971 عملا بنصيحة الأخوين التركيين أرتغوين اللذين كانا يديران شركة “وارنر” للتسجيلات.

وعن تأسيس الفريق يقول مارك نجل رجل الأعمال ستيف روس إنه “في البداية قال كثير من الناس لوالدي لا يجدر بك القيام بذلك، وكان هذا الرفض سببا إضافيا للقيام بالأمر، وهذا لم يكن غريبا عليه، فهو معتاد على التحدي في كل عمل يقوم به، وكان يعمل مع أفضل الناس الموجودين وقتها في كافة المجالات، ولهذا تعاقد مع بيليه الذي رأى فيه علامة تجارية عالمية، فبمجرد معرفته بمن هو بيليه، أدرك أنه سيكون قيمة مضافة ومميزة لشركته، وأن بيليه سيساعده للوصول إلى الصين وإلى أماكن أخرى لم يسبق لها السماع بشركة وارنر، وأن هذا من شأنه أن يملأ الملاعب بالجماهير”.

بيليه يظهر بجدارة على غلاف مجلة “سبورتس إيلوستريتد” المخصصة للرياضيين”

 

وتشرح غانغوزا أن “الولايات المتحدة لديها طريقة خاصة للتعامل مع المشاهير، وتختلف عن أي مكان آخر في العالم، فنحن من اخترعنا فكرة العلامة التجارية وهذه ليست محصورة في السلع، فبإمكاننا أن نصنع من الأشخاص علامة تجارية أيضا، وهذا ما حصل مع بيليه، فقد تحول من لاعب كرة قدم في البرازيل إلى علامة تجارية في الولايات المتحدة، ولغاية اليوم لا يزال يعيش على هذه العلامة التجارية التي صنعها الأمريكيون”.

وكان قدوم بيليه إلى أمريكا أشبه بوصول كائن فضائي، فهذا الكائن موهوب بشكل استثنائي، ونجم مشهور يتنقل بسيارات ليموزين وطائرات خاصة ويُفرش له السجاد الأحمر في كل مكان يأتي إليه، حتى إنه ظهر على مجلة “سبورتس إيلوستريتد” المخصصة للرياضيين البارزين.

ويقول بوبي سميث المدافع السابق لنادي نيويورك كوزموس إنه “عندما كنا نتجول مع بيليه، كنا نقول لأنفسنا انظروا إنني معه لأنه كان الأيقونة، كنت أحد معجبيه وأشبه بطفل صغير، ورغم أنني كنت زميله فإنني كنت معجبا صغيرا به”.

مع بيليه.. كرة القدم باتت الأكثر شعبية أمريكيا

ولم تكن كرة القدم لعبة شعبية في الولايات المتحدة، إذ كانت آخر مشاركة للمنتخب الأمريكي في كأس العالم عام 1950 في البرازيل، وقدوم بيليه –الذي أصبح نعمة لنادي كوزموس- قلب الأمور رأسا على عقب خلال بضعة أشهر.

وأصبحت كرة القدم في الولايات المتحدة مشهورة كما هي في بقية أنحاء العالم، وارتفع عدد الجماهير في الملاعب من 5 آلاف إلى 50 ألفا. ولتلبية الطلب على التذاكر انتقل فريق “كوزموس” إلى ملعب فريق يانكي” ولاحقا إلى ملعب “جيانتس” العملاق المخصص لكرة القدم الأمريكية.

لم يسجل التاريخ بطل كرة قدم -حتى تاريخ اعتزاله 1977- كما سجل لبيليه البرازيلي في أمريكا

 

وسرعان ما لفت بيليه أنظار وسائل الإعلام، وكان يملأ محطات التلفزة والإذاعة والمجلات، وأصبحت غرفة “كوزموس” لتغيير الملابس غرفة للنجوم، وأصبحت كرة القدم رائعة ورائجة للغاية.

ورغم وجود “الملك” في فريق كوزموس فإنه الفريق لم يتمكن من الفوز بلقب البطولة، ولهذا تعاقد كوزموس عام 1977 مع القيصر الألماني فرانتس بكنباور والمدافع البرازيلي كارلوس ألبيرتو زميل بيليه السابق في المنتخب لينضما إلى المهاجم الإيطالي جورجيو كيناليا ويصبح “نيويورك كوزموس” فريق الأحلام.

ويقول “بكنباور” إن وجوده في الولايات المتحدة قد يساعد في تطوير اللعبة الوليدة، وكان سبب انضمامه إلى “كوزموس” أنه فريق جيد ويضم بيليه في صفوفه، لأنه “من أشد المعجبين به، وهو لاعب عظيم في تاريخ الرياضة وقد يكون الأعظم، ولا يمكن مقارنته إلا بالملاكم محمد علي”.

أما كيناليا الذي لم تكن علاقته ببيليه على ما يرام، فأكد أنه “لا بد للفرق التي تريد الفوز باللقب أن تلعب بطريقة جماعية وليس بلاعبين فرديين، علينا العمل كمجموعة واحدة وفريق واحد”.

قميص بيليه.. يوازي ثروة لمن يملكه

وفي مارس/آذار 1977، قابل بيليه الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا جيمي كارتر، وقال له الأخير: “أنا جيمي كارتر ولا داعي لتعرفني بنفسك لأن الجميع يعرفك”.

وليس بيليه وحده بات السلعة الأكثر طلبا في الولايات المتحدة، بل قميصه كذلك، وأصبحت قيمته تزداد، وبات هدفا لجامعي التذكارات.

فالقميص الأول الذي ارتداه في جلسة تصوير -وهو قميص تدريب قديم بأكمام طويلة- صنع له في البرازيل، وأعطاه لمصوره الخاص وقتها أندريه وورهول، وبعدها بسنوات بيع لرائد أعمال إيطالي من بروكلين لديه شغف بقمصان نادي كوزموس.

الرئيس جيمي كارتر يعرّف بيليه بنفسه ،ويقول له لا داع لتعرّفني بنفسك لأن الجميع يعرفك

 

يقول فرانشيسكو بانيلا جامع قمصان كرة قدم: إن “بيليه كان مختلفا بعض الشيء من ناحية تصرفه بالقمصان كونه آلة للتسويق والبيع، وأدرك أن رقمه يحمل قيمة مميزة”.

ويتابع: “قد يصاب المرء بالهوس بسبب قميص ما ولا ينام الليل حتى يصبح مقدسا له، وقد يعني القميص شيئا مختلفا لكل فرد. ولا شك في أن قيمة قميص بيليه عالية جدا، وما عليك سوى متابعة المزادات على الإنترنت لتعرف كم من الممكن أن يبلغ سعر القميص الواحد”.

وقبل 15 عاما في سوق “نوستالجيا”، باعت دار كرستي للمزادات قميصا ارتداه بيليه في نهائي مونديال 1970 ضد إيطاليا مقابل 260 ألف يورو، وكانت ملكيته تعود لمدافع المنتخب الإيطالي روبرتو روزاتو الذي قام بعد نهاية المباراة بمبادلة قميصه بقميص بيليه، واضطر للقتال من أجله عندما اجتاح المشجعون الملعب.

وتبلغ قيمة قميص ارتداه بيليه لكوزموس خلال موسمه الأمريكي الأخير نحو 38 ألف دولار، وليس هناك الكثير منه. بعضها يمتلكه تشارلز مارتينلي الذي كان في ذلك الوقت مسؤولا عن قمصان الفريق.

واعتادت زوجة مارتينلي أن تخيط أسماء اللاعبين وأرقامهم على القمصان، وتقول إن “زوجي عاد إلى المنزل يوما وقال إنه بحاجة لقمصان رياضية عليها الأسماء، وبما أنني كنت خياطة ولدي آلة، غامرت وقمت بالأمر، سلموني القمصان وشرحوا لي ماذا عليّ فعله، والعدد المطلوب من كل منها، ووضع الشعارات والأسماء، وكنت أحب خياطة قمصان بيليه لأن اسمه كان أقصر بكثير من أسماء باقي اللاعبين”.

ويضم منزل تشارلز مارتينلي اليوم متحفا صغيرا لتذكارات من العصر الذهبي للفريق؛ كقمصان وكرات وشعارات وصور ومجلات وتذاكر مباريات. وقد عرض جزءا من هذا الكنز في مزاد علني بلندن عام 2016، فبيعت مجموعة بيليه الكاملة مقابل 4 ملايين و200 ألف دولار.

نهاية المسيرة.. المباراة الأخيرة والتتويج الأخير

كان بيليه يتمتع بكل شيء كإنسان وكلاعب. في اليوم الأخير من مسيرته بالملاعب الأمريكية، كان هناك 37 ألف متفرج في بورتلاند لتوديع اللاعب الأعظم في تاريخ كرة القدم، والأهم من ذلك رؤيته ينتصر بلقب الدوري الأمريكي. وكانت آخر فرصة لزميل ليمرر الكرة له ومنافس ينتزع منه الكرة.

يقول وارنر روث المدافع السابق لنادي نيويورك كوزموس: “كنا ندرك أنها كانت لحظة تاريخية، فإما أن ندخل التاريخ كفريق منهزم في موسم بيليه الأخير، أو ندخله كأبطال للولايات المتحدة وبيليه يرفع الكأس في نهاية مسيرته”.

التتويج الأخير، يوم رفع بيليه “الملك” كأس البطولة أمام 37 ألف متفرج في ملعب بورتلاند جاؤوا لوداعه

 

وفي المباراة النهائية، استطاع كوزموس بقيادة بيليه –الذي كان يخوض مباراته الأخيرة في مسيرته- هزيمة فريق سياتل ساوندرز (مفاجأة البطولة آنذاك) 2-1 والظفر بلقب البطولة.

ورغم أن بيليه لم يسجل أي هدف منهما، فإنه حمل على الأكتاف بعد نهاية البطولة وأصبح “الأوري” أو “الملك” في الولايات المتحدة.

ويشرح شيب ميسينغ حارس مرمى كوزموس السابق، كيف “جن جنوننا وليس لدي فكرة كيف صعدنا على متن الرحلة في نهاية المطاف لنعود إلى نيويورك قادمين من سياتل، ولكن عندما وصلنا إلى مطار جون كينيدي كان ينتظرنا أكثر من 15 ألف شخص”.

وكان اللاعبون سعداء بالفوز باللقب، ولكن كانوا أكثر سعادة لأن بيليه ختم مسيرته الكروية بالتتويج بلقب على الأراضي الأمريكية.

القميص الأخير.. أشهر قميص بحوزة لاعب مغمور

ويعود جيمي مكاليستر مدافع نادي سياتل ساوندرز بالذاكرة في المباراة الأخيرة في البطولة ضد كوزموس، وكيف فتح ذراعيه وسقط عليهما آخر قميص لبيليه بعد أن رماه في الهواء عقب نهاية المباراة، فسقط أشهر قميص رقم “10” في العالم بين يدي أقل اللاعبين شهرة في العالم.

يقول مكاليستر: “كنت على دراية كاملة بعالم الرياضة، فحين يعتزل لاعب بهذا الحجم تكون لحظة عظيمة ومهمة في التاريخ وليس في الرياضة فحسب، وأن تصبح جزءا من التاريخ وتحمل قميص بيليه الأخير فهذا يجعل حضور المباراة يستحق العناء”.

“جيمي مكاليستر” مدافع نادي “سياتل ساوندرز” يحظى بشرف الحصول على آخر قميص لبيليه بعد أن رماه الأخير في الهواء

 

وتابع: “أعتقد أن بيليه أحد أفضل 5 رياضيين على وجه الأرض. وأن يكون قميصه الأخير بحوزتك كأن تكون قفازات الملاكمة الخاصة بالملاكم محمد علي بحوزتك، أو شيئا من هذا القبيل، وهذا يجعلك جزءا من هذا العالم”.

وكان زملاء مكاليستر يعلمون أنها المباراة الأخيرة لبيليه، وكان هناك منافسة بينهم للحصول على قميص بيليه، ولازم مكاليستر بيليه في الدقائق العشر الأخيرة ولم يغب عن ناظريه لثانية واحدة، ولهذا ظفر بالقميص.

ولم يغسل جيمي مكاليستر قميص بيليه أبدا واحتفظ به كما حصل عليه عام 1977، ووضعه في صندوق ودائع ببنك “سياتل” رافضا جميع عروض الشراء غير اللائقة.

ويقول إنه تلقى عرضا بـ100 ألف دولار قبل سنوات ورفضه، لأنه من الصعب أن أبيع قطعة من التاريخ وأشعر أنه نوع من “التدنيس” أن أبيع شيئا بهذه الأهمية.

اعتزال الملك.. عندما تدين أمريكا لبيليه

تقول روزا غانغوزا مديرة أعمال بيليه السابقة: “بالنسبة للأمريكيين، اخترع بيليه كرة القدم، وهذه الأخيرة هي الرياضة رقم واحد التي يشارك فيها من هم دون الـ18 في الولايات المتحدة، فهناك جيل كامل من الأطفال والشباب يلعبون كرة القدم بسبب بيليه. لقد فتح بيليه للأمريكيين باب رياضة جديدة بالكامل لا تتطلب أن يكون وزن اللاعب فيها 95 كيلوغراما أو يكون مفتول العضلات ليمارسها”.

في 1 تشرين الأول/أكتوبر عام 1977 في ملعب “جيانتس” وأمام 76 ألف مشجع، كان وداعه في مباراة ودية، لعب الشوط الأول مع الكوزموس والثاني مع سانتوس فريقه التاريخي، وهما الفريقان الوحيدان في حياته، ليثبت أن كرته قادرة على تخطي الحواجز.

بيليه يعلن اعتزاله كرة القدم سنة 1977، والجماهير تردد وراءه “الحب.. الحب.. الحب..”

 

وقال بيليه وقتها: “السيدات والسادة، أنا مسرور لأكون معكم في هذه اللحظة العظيمة في حياتي، أود أن أشكركم جميعا على كل شيء قدمتموه لي، الحب هو أفضل ما يمكن أن نحصل عليه في الحياة، كل شيء يزول، أرجوكم رددوا معي: الحب”.

وتابع: “عشت هنا أفضل اللحظات وأكثرها حماسة في حياتي، وأشعر بالأسف الشديد لأنني سأتوقف عن فعل أكثر ما أحبه في الحياة وهو لعب كرة القدم”.

لقد غيّر بيليه أمريكا ولكن الأخيرة غيرته أيضا بتحويله لماركة عالمية، ومعا غيّرا الرياضة الجميلة، فأضفوا عليها أمرا شخصيا، وجعلوها أكثر إثارة بكتابة الأسماء على القمصان والقواعد الجديدة. لا شك في أن كرة القدم مدينة بصيغتها الحالية لمغامرة بيليه الأمريكية.

يقول شيب ميسينغ حارس مرمى نادي كوزموس: “ذهبت إلى بيليه وقلت له: مرحبا أيها النمر، أردت أن أطبع على بطاقة عملي: لعب مع بيليه في نيويورك كوزموس. فهل لديك مانع؟ فضحك وضحكنا سويا، وقلت له: ولكن لا تطبع على بطاقة عملك أنك: لعبت مع شيب ميسينغ.. وتلك هي البطاقة التي أحملها معي حتى الآن”.

وفي إحدى المرات سئل بيليه: متى سيولد لاعب جديد مثلك؟

فأجاب: لن يحصل، فأبي وأمي أغلقا المصنع.