“شعاب وادي رم”.. مهرجان حافل بألوان الحياة البحرية

خاص-الوثائقية

يقع وادي رم أو وادي القمر على الحد الجنوبي من الأردن، ويشبه إلى حد كبير سطح المريخ، فهو عبارة عن منطقة صحراوية قاحلة لكنها ترتفع عن سطح البحر 1100 متر، وهي مكونة من جبال غرانيتية ورملية شاهقة تمتد إلى داخل الحدود السعودية.

وعلى بعد عشرات الكيلومترات، يقع خليج العقبة (فرع عن البحر الأحمر)، وهو عالم بحري غني وساحر، حيث الشعب المرجانية المتنوعة التي تشكل بيئة مناسبة وملجأ لما يربو على 1200 نوع من الأسماك.

 

نتعرف في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية على زاوية صغيرة من البحر الأحمر، تقع فيها واحدة من أكثر الشعب المرجانية تنوعا وحيوية على كوكب الأرض.

مرجان الخس.. بيئة جاذبة للأسماك المفترسة

تكثر الشعب المرجانية في خليج العقبة، لا سيما مرجان الخس الممتد على مساحة كبيرة داخل المياه، والذي يميزه هو لونه الأخضر النضر، وبين تكويناته تزهر الحياة، ففيه مجسات تتخذ شكل الزهر، وتجذب الآلاف من الأحياء الصغيرة، وفي المقابل فإن هذه البيئة تجذب أنواعا أخرى من الأسماك المفترسة التي توفر لها مصدرا غنيا للصيد.

يتشكل المرجان بفعل الكثير من الكائنات المتعددة الخلايا المعروفة باسم الزوائد، وتعيش ضمن مستعمرات ضخمة، وداخل المرجان تنمو الطحالب في علاقة تكاملية بينها وبينه، فهي تتغذى على مخلفاته وتزوده بالسكر والأوكسجين الذين تنتجهما.

تنضم لتلك العلاقة التكافلية أسماك “دامسل” ثنائي اللون وسمكة البحر الذهبية، وتتغذى على العوالق الحيوانية التي تنمو على ثنايا المرجان، كما تتخذه ملجأ لها للاختباء عند الضرورة، وتمتاز تلك الأسماك بجمال ألوانها المتعددة كالبرتقالي والأسود والأبيض.

الأخطبوط الأزرق حيوان لافقاري يصطاد نهارا وينتقل بسرعة كبيرة في الماء وله ثلاثة قلوب وعيون كثيرة

 

لكن ملكة هذه المنطقة هي سمكة الأسد المفترسة، وبسبب طبيعتها المنعزلة فإنها تقضي النهار بحثا عن مخبأ، فهي سمكة ليلية تصطاد فرائسها ليلا.

أسماك “الأنتياس” أيضا من سكان هذا الخليج، فهي تعيش هناك بأعداد ضخمة، وتمتاز بلونها البرتقالي البراق، وعلى طرفها يمتد خط أرجواني يصل إلى عينها، أما الذكور فهي رمادية اللون، وهي أكبر حجما ولها ذيل طويل ينتهي بزعنفة على شكل قيثارة، وتعمل الذكور بجد لحماية الإناث والعناية بها.

صياد النهار المتلون.. خدعة الأخطبوط القاتلة

يسبح الأخطبوط الأزرق بين الشعب المرجانية وهو الوحيد الذي يصطاد أثناء النهار، حيث تنتقل الأخطبوطات بسرعة لافتقارها إلى التكوين العظمي، مما يساعدها على الانزلاق بسهولة والسباحة بسرعة.

كما يمتلك الأخطبوط ثلاثة قلوب ودماغا وعيونا متطورة وأنبوبا عضليا لطرد المياه والسير بسرعة لأعلى، وهناك نوع آخر من الأخطبوطات ذات لون بني أو أحمر، ويستطيع هذا النوع تغيير لونه للتمويه ويستخدم الألوان الفاتحة لتضليل الفريسة.

يمكن للأخطبوط تغير حركته بشكل متكرر، كما أنه يستطيع تغيير ملمسه بشكل مذهل، فالأكواب الماصة تمكنه من الصيد بيسر، فهو حيوان قارض يتغذى على الأسماك والقشريات والطحالب، وحين يقترب من فريسته ينقض عليها بسرعة ويبتلعها بواسطة المنقار الموجود أسفل الرأس.

تعيش شقائق النعمان في علاقة تكاملية مع سمك المهرج، فهي توفر له الغذاء وهو يوفر لها الحماية

 

أما أسماك “دامست” ذات اللونين الأبيض والأسود، فتعيش في مجموعات كبيرة، وهي أسماك نشطة تعمل على مراقبة مكانها طوال الوقت.

وهناك ثعابين “موري” ذات الفم الأصفر التي تعتبر من أكثر الحيوانات المفترسة فتكا، ورغم مظهرها المخيف فإنها تختبئ بسرعة بحثا عن الحماية، أما ثعبان “موري” هندسي الشكل فهو أكثر ارتباطا بمنطقته، ويخفي تحت شكله الأملس عدائية كبيرة، وهو من أقوى حيوانات الحيد المرجاني في الصيد، وهو كائن اجتماعي يعيش على شكل أزواج أو بشكل مجموعات صغيرة.

أسماك شقائق النعمان.. ترويض السمك المهرج الراقص

استقرت مجموعة من أسماك شقائق النعمان العماني في منطقة خليج العقبة، وهي تشكل علاقة تكافلية مع أسماك المهرج، إذ تزود شقائق النعمان أسماك المهرج بالغذاء والحماية بفضل خلاياها اللاسعة، ولدى أسماك المهرج مناعة ضدها، وهذا سبب اختيارها لها للتكاثر ووضع بيوضها.

أسماك الأسد هي أقوى وأخطر أسماك خليج العقبة بسبب كثرة زعانفها وسرعة انقضاضها على فريستها

 

حيث يقوم ذكر المهرج بمراقبة البيض وتنظيف أسماك شقائق النعمان وتزويدها بالأكسجين أثناء الحركة، وفي فترة الانتظار تلك تقوم أسماك المهرج بالرقص، كما يمكن لسمكة شقائق النعمان جلب أنواع أخرى من الأسماك، لكن أسماك المهرج تصبح عدائية وتقوم بمهاجمة الدخلاء وطردهم.

رحلة البحث عن الغذاء.. ملامح الحياة الليلية

أثناء الليل تبدأ الأسماك المفترسة بالتحرك، فتنشر أسماك الأسد زعانفها وتقترب من الفريسة ببطء، ثم تنقض عليها بسرعة كبيرة، وتكون المواجهة حتمية بين المفترسات.

وفي مكان آخر تخرج نجمة البحر الرملية للحصول على الغذاء، فهي تتحرك بسرعة بفضل أقدامها الأنبوبية المتعددة، كما أنها تستخدم أقدامها لنبش الرمال والتقاط الكائنات الصغيرة، أما جسمها المسطح وزوائدها الشوكية فيساعدانها في الاختباء بسرعة في الحفر وفي قاع البحر.

ثعبان “موري” الهندسي هو ملك الصيد لسرعته ودقته، وسمي بذلك لوجود رسوم هندسية على جسمه

 

وحين يخرج سرطان البحر كذلك يُبقي ذيله ملفوفا للأعلى، ويمده أثناء السباحة ليتحرك بسرعة أكبر، ولدى سرطان البحر مخالب أمامية قوية وقرون استشعار وعينان متباعدتان تمكنانه من الرؤية بقوة، ويساعده الجزء العلوي من جسده في العثور على الرخويات التي يحملها إلى كهفه كي يتناولها.

حفر في الرمال البحرية.. طرق أخرى للبحث عن الغذاء

يقوم ثعبان “موري” ذو الفم الأصفر بالحفر بانتظار فريسته، وأما ثعبان “موري” الهندسي فينشط في أي وقت ولديه ثقة عالية بقدرته، مما يجعله ملك الصيد.

كما ينتقل سمك موسى متموها بين الرمال مغيرا لونه من بني إلى أخضر، ويساعده جسمه المسطح في السباحة بسرعة كبيرة. وعند الشروق تستيقظ الصدفة ذات الرأس الملون التي تنتمي لبطنيات الأقدام المعروفة باسم حلزون البحر.

أما ثعابين الجنائن فتخرج من الرمال وتتغذى على العوالق الحيوانية التي تجرفها تيارات المياه، وهي سريعة الاختباء عند الخطر، وقد يصل طولها إلى ٤٢ سنتمترا، وتشتبك زعانفها الأمامية والخلفية لتشكل ما يشبه العرف، وهي تعيش بمجموعات كبيرة تزيد عن الألف. وتؤوي رمال البحر العديد من الحيوانات مثل القريدس الأعمى الذي يحتاج لسمك “الغوتشن” لتقوم بالمراقبة بينما يقوم هو بالحفر والبحث.

وتصنع سمكة الماعز سحابة كبيرة من الغبار أثناء حفرها بحثا عن اللافقاريات الصغيرة، وهي تبلع الرمال ثم تخرجها مرة أخرى، وتعيش في مجموعات صغيرة، وقد ترافقها أنواع أخرى من الأسماك مثل السلطان إبراهيم والأسماك الحمراء لتأكل ما تخلفه ورائها من بقايا، أما الأنقليس النجمي فهو حيوان ليلي يختبئ في الشقوق حتى المغيب ثم يخرج للصيد.

السمكة الصخرية والأنبوبية.. موت يختبئ بين الأعشاب البحرية

تبقى السمكة الصخرية ساكنة بلا حراك وما إن تقترب منها إحدى الأسماك حتى تقفز وتلتهمها، ولدى تلك السمكة ثلاث عشرة شوكة سامة موجودة في زعانفها الظهرية، وهي تفتح فمها المتمدد لتبتلع الفريسة في ثواني.

للسمكة الأنبوبية ثلاث عشرة شوكة سامة موجودة في زعانفها الظهرية

 

أما السمكة الأنبوبية فتمتلك فما على شكل خاص تمتص به فريستها، وهي تتغذى على العوالق والقشريات مثل القريدس، وهي تعيش بين أعشاب البحر وتمتلك جسما طويلا يمنحها إمكانية الاستلقاء على سطح البحر، لكن حركتها بطيئة، والجزء البارز من جسدها هو الخياشيم وزعنفة صغيرة.

ومن نفس الفصيلة يوجد فرس البحر ذو الأنف الطويل، لكن جسمه أكثر بدانة، ويعيش في المروج العشبية على شكل جماعات، وتحمل الذكور أطفالها في جيبها وهي ليست قادرة على السباحة بشكل جيد، لذا يموت كثير منها أثناء الرحلات الطويلة.

وتتحرك فرس النهر بشكل عمودي، وتساعدها على الحركة زعانفها الصدرية التي تبدو على شكل مروحة، بينما يساعدها ذيلها الملتف على الالتصاق بالشعب المرجانية.

أسماك الشاطئ.. مساكن متقاربة وأغذية متباينة

أكثر الأسماك شيوعا هي “اليونفوخ” ذات العيون الكبيرة، وهي ذات أشواك تغطي كل جسمها، كما أنها بارعة في السباحة وتتحرك بهدوء، وهي كائن ليلي، ويبقى فمها الدائري مفتوحا بشكل مستمر في داخله سنّ مدببة تستخدمه في تحطيم صدفة الفريسة.

أما أسماك البزر الفضية فتعيش بمجموعات كبيرة على الشاطئ الرملي للحيد، حيث تتغذى على العوالق،  وتمتاز بلونها الفضي وعيونها الكبيرة البارزة، وعلى جانبها خط أزرق زاه، وتشكل الأعمدة الملتفة ملجأ مثاليا لها.

سمكة “اليونفوخ” ذات العيون الكبيرة، لها أشواك تغطي كل جسمها، ولها فم دائري وسن حاد يحطم الصدف

 

وبين شقوق تلك الأعمدة تنتقل سمكة “الشلمون” ذات النقاط الزرقاء، وهي تتغذى على القشريات والأسماك، ولها جسم طويل وفم يشبه القمع تمتص به الفريسة، أما زعنفتها فهي كالخيط ولها زعانف صغيرة تمكنها من السباحة، ويمكنها اتخاذ شكل عمودي لمهاجمة الفريسة، وتتجول قرب الشاطئ وفي القيعان الرملية.

أما قناديل البحر ذات الأجسام الهلامية التي تشبه الصحن، فتتميز بلونها الأرجواني الشفاف، وتظهر أعضاؤها الداخلية من خلاله، وليس لديها قصبة هوائية ولا رئتان، وتتنفس بواسطة الانتشار، وليس لديها جهاز دوري ولكنها تنتقل من خلال الانقباضات القوية، وفي نفس الوقت تلتهم الطعام بمساعدة اللوامس الرفيعة والكثيرة التي تمتلكها، وحين تموت تصبح مصدرا غذائيا لكثير من الأسماك التي تتجنب لمس مجساتها اللاسعة.

حريق السفينة الإسبانية.. حفلة أسماك الساردين الاستعراضية

شكلت السفينة الإسبانية الغارقة في خليج العقبة مأوى فولاذيا لأسراب من الأسماك المتنوعة، فلقد تعرضت تلك السفينة لحريق شب بها وخرج عن السيطرة فغرقت، وغدت منذ ذلك الحين موطنا تلفه سحابة من أسماك الساردين، فيصبح الفولاذ الصدئ ضاجا بالحياة.

السفينة الإسبانية الغارقة في خليج العقبة منذ الحرب العالمية الأولى

 

وتتغذى أسماك الساردين بواسطة الترشيح، فتستفيد من الكائنات الدقيقة التي تعيش هناك، واللوحة الاستعراضية الراقصة التي تقوم بها ليست عملية اعتباطية، بل لاحتجاز أكبر كمية من الكائنات بواسطة خياشيمها، ويمكن لواحدة من الإناث أن تضع خمسين ألف بيضة، وتعوم هذه البيوض بين العوالق لمدة أسبوعين، لكنها وليمة مضمونة لسمكة الأسد التي تفترس معظمها.

وكل مجموعة من الشعب المرجانية في الخليج مملوءة بالآلاف من الأسماك وجميعها بحاجة لتنظيف لتتخلص من الطفيليات.

سمكة العقرب الشيطانية.. مفترسات بحرية خادعة

يعيش القريدس المخطط مع شريكه، فهو فصيلة أحادية التزاوج، وفي المنطقة تنتشر آلاف الكهوف التي تعيش فيها أسماك “كرومس بامي” أيضا وغيرها من الأسماك الصغيرة.

وفي أعماق الحيد المرجاني يعيش سمك الرعاد الذي ينتج صدمات كهربائية تصل قوتها ٢٢٠ فولت تنتج في الجزء السفلي من جانبي جسمها.

سمكة العقرب الشيطانية تنتظر فرائسها بلا حراك، وهي قادرة على التمويه، وسميت باسم السمكة الصخرية المزيفة

 

أما الكريدونات وزنابق البحر فتنشط بالليل، ورغم أنها تبدو كالنباتات فإنها أقدم شويكات الجلد، وهناك سمكة العقرب الشيطانية التي تنتظر فرائسها لكنها متيقظة وقادرة على التمويه، لذا سميت بالأسماك الصخرية المزيفة.

وهناك “أندريزيا بارفينوبيا” التي تنتمي للشقائق وتشبه نجمة البحر، وهي مفترسة ولاحمة تتغذى على القشريات والأسماك والرخويات، وتمتص الأحماض الأمينية والغلوكوز من الماء.

زوائد المرجان النابض.. عناقيد “زينيا” الجاذبة للمفترسات

يعد مرجان “زينيا” من فئة المرجان الطري والمكون من مجموعة زوائد لحمية على شكل عناقيد وتبقى في اهتزاز دائم، لذا تسمى بالمرجان النابض، وهي تستخدم هذه الزوائد للحصول على الغذاء والأوكسجين، وتجلب تلك المستعمرات عددا من الكائنات التي تبحث عن ملجأ لها، وبالتالي فإنها تجذب الحيوانات المفترسة أيضا مثل ثعبان “موري” وسمكة الأسد.

المرجان النابض مكون من مجموعة زوائد لحمية على شكل عناقيد تبقى في اهتزاز دائم لجمع طعامها وأكسجينها

 

وقبيل الفجر تصبح سمكة الأسد فتاكة جدا، فرغم ضعفها في السباحة فإن سرعتها وقوتها تعوضان عن ذلك الضعف، كما أن حركة الشفط والامتصاص التي تلتهم بها فريستها تجعلها أكفأ المفترسات.

دبابة الجيش الأردني.. أوامر ملكية لتنشيط السياحة

تستقر في البحر أيضا دبابة “إم 48 دستر” التابعة للجيش الأردني، وقد ألقيت بأوامر ملكية حتى تزدهر سياحة الغطس في الخليج، ولم يشكل سلاح الدمار هذا إلا مصدرا للحياة، فقد أصبحت مأوى ومقصدا لكل تلك الكائنات في البحر الأحمر.

الدبابة الأردنية في قعر خليج العقبة أصبحت مأوى اللكائنات البحرية

 

فإن حالفك الحظ يوما بأن تزور العقبة، فما عليك إلا أن تركب القارب الزجاجي وتستمع بالمناظر الرائعة تحت الماء الذي يطفو عليه هذا القارب.