شباب إلى الأبد.. لماذا تشيخ البشرة؟

عبد الله أيد

دائما ما تدفعنا مشاهدة أجسادنا وأجساد من نحبهم تشيخ وتنكمش يوما بعد يوم إلى التساؤل بالمنطق العلمي عن الأسباب التي تؤدي إلى هذا المصير المحتوم بحكم المشاهدة اليومية، وعما يمكن أن يبقي البشرة تبدو بمظهر يشع برونق الشباب والحيوية، ويمنع من ظهور التجاعيد التي تظهر التقادم في السن بما يلازمه من تراجع في معدل الجمال، الذي يتراجع بتراجعه مستوى الثقة بالنفس والسعادة الداخلية.

ورغم كل الوسائل التي نقوم بها من أجل رأب ما تصدع من شبابنا لا تزال معاول الشيخوخة تنحت أجسادنا مخلفة عليها آثار الزمن، فالجراحة التجميلية ووسائل الوقاية من الشمس وغير ذلك من الوسائل لا تفلح إلا قليلا ولا تعمر طويلا، الأمر الذي يدفعنا إلى البحث عن الطريقة الحقيقية التي يشيخ بها هذا العضو المسمى الجلد.

في هذا الفيلم “شباب إلى الأبد” تقوم استشارية الجراحة التجميلية الدكتورة روزينا باستعراض أسباب شيخوخة البشرة، وما يرافق ذلك من عوامل تزيد من شحوب الجسد وانكماشه، وأدوات تخفيف أو علاج التجاعيد التي تجعل الأجساد أكبر من ما هي عليه في الحقيقة، عبر دراسة تأثير الظواهر الكونية والغذاء على الجسم البشري من الناحية العلمية، والجهود المبذولة في علم الأحياء من أجل علاج الشيخوخة الجلدية.

بفعل أشعة الشمس يتضاءل الكولاجين، ثم تتضاءل البشرة وتتجعد نتيجة لذلك
بفعل أشعة الشمس يتضاءل الكولاجين، ثم تتضاءل البشرة وتتجعد نتيجة لذلك

العضو الأبهى والأعظم

إن الجلد ما هو إلا عضو من أعضاء الجسد مثل القلب والرئة والكبد، لكن ما يجعله مميزا عن غيره هو أننا نستطيع رؤيته دائما بكل عظمته اللافتة للنظر خلافا لغيره، وهو أيضا العضو الأكبر في الجسد، حيث يبلغ عشرين قدما مربعا تقريبا إن جعلناه مسطحا، إضافة إلى ذلك فإن الجلد هو العضو الأول تكوناً في مسيرة خلق الإنسان، وهو أيضا ما يميز بينك وبين غيرك عند رؤيتك.

لكن هذا العضو يواجه بشكل يومي حربا ضروسا من العالم المحيط به، فأول تلك المعارك وأشرسها هي المعركة التي نخوضها ضد القوة غير المرئية للشمس، والتي تؤدي مفعولا قويا على مادة الكولاجين (Collagen) المسؤولة عن منح البشرة امتلاءها ومنعها من الترهل، وبفعل أشعة الشمس يتضاءل الكولاجين، ثم تتضاءل البشرة وتتجعد نتيجة لذلك.

اكتشف العلماء عاملا جوهريا آخر لظهور الشيخوخة على الجلد وهو الأكسجين
اكتشف العلماء عاملا جوهريا آخر لظهور الشيخوخة على الجلد وهو الأكسجين

الشاحنات مهد الشيخوخة

عادة ما يقوم أطباء التجميل بإجراء تجاربهم على سائقي الشاحنات باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة في المجتمع للإصابة بالتجاعيد، لذلك قامت روزينا معدة الفيلم باستخدام السائقَين روب وآلن اللذين كانا يجوبان أرجاء بريطانيا وأوروبا في الشاحنات منذ نحو خمسين عاما.

حضر السائقان إلى مركز طب الأمراض الجلدية التابع لجامعة مانشستر من أجل إجراء فحوص على بشرتيهما. وعلى وجهيهما تستطيع أن ترى من أول وهلة آثار الشمس رغم استخدام مستحضرات الوقاية من الشمس، ورغم الزجاج العاكس للأشعة في الشاحنة.

ولكن على أي حال فهذا الزجاج يقيهما ضربة الشمس وحروقها الجلدية التي تسببها الأشعة فوق البنفسجية ذات الموجة المتوسطة (UVB)، وهي أشعة بطول موجي قصير جدا، لذا فإنها إنما تحرق الطبقة العلوية من البشرة فقط، ولا يمكنها اختراق البشرة من العمق، كما أنها لا تستطيع اختراق زجاج النوافذ.

تتولى الخلايا الليفية إنتاج الكولاجين في البشرة الشابة المشدودة فيما يشبه خيوط العنكبوت المترابطة
تتولى الخلايا الليفية إنتاج الكولاجين في البشرة الشابة المشدودة فيما يشبه خيوط العنكبوت المترابطة

تحت المجهر

قام أحد أهم علماء الجلد في بريطانيا البروفيسور كريس غريفتز بإجراء فحوص على السائقين روب وآلن عبر آلة تصوير خاصة يستخدمها في الكشف عن بعض الأسرار المتعلقة بكيفية مساهمة الشمس في شيخوخة البشرة.

وأظهرت الصور على أحدهما تجاعيد أطول وأكثر عمقا في الجهة اليمنى، مما يدل على أن الأنسجة أقل مطاطية في هذه الجهة. أما الآخر وهو الأصغر سنا فقد ظهرت عليه تجاعيد أكثر مما على صديقه رغم كونها أقل ظهورا للعين المجردة، كما أن التجاعيد أكثر في الجهة اليمنى من اليسرى، وهذا الرجحان في كفة الجهة اليمنى كان غريبا، لكنه لم يكن مفاجئا للبروفيسور، فقد أجرى عدة دراسات على سائقي الشاحنات تفيد بأن السائقين الذي يجوبون المسافات الطويلة يتعرضون للشمس على نحو مكثف، لكن جهة واحدة من الوجه هي الأكثر عرضة لذلك.

قد يعتقد البعض أن الزجاج العاكس للأشعة يحمي السائقين من الشمس، وهذا الأمر غير صحيح، فهناك أشعة قادرة على اختراق الزجاج هي الأشعة فوق البنفسجية الطويلة أو الضوء الأسود (UVA)، ولها طول موجي يسمح لها باختراق الجلد بمسافة أكثر عمقا من الأشعة ذات الموجة المتوسطة (UVB)، مما يساهم في تقليل مادة الكولاجين في البشرة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ظهور التجاعيد.

ليس الأمر خاصا بسائقي الشاحنات على ما يبدو، فعندما تم إخضاع روزينا للفحص على مضض ظهرت التجاعيد الخفية في وجهها بكمية أكبر في الجهة اليمنى، أي الجهة الموالية للنافذة في حالة القيادة في بريطانيا، فالأمر إذن عائد إلى القيادة اليومية التي أنتجت تلك الكمية من التجاعيد.

هناك أشعة قادرة على اختراق الزجاج هي الأشعة فوق البنفسجية الطويلة أو الضوء الأسود (UVA)
هناك أشعة قادرة على اختراق الزجاج هي الأشعة فوق البنفسجية الطويلة أو الضوء الأسود (UVA)

الجذور الحرة

بعيدا عن الشمس وأشعتها الطويلة والمتوسطة اكتشف العلماء عاملا جوهريا آخر لظهور الشيخوخة على الجلد، وهو عامل سام جدا لكن ليس للإنسان أن يعيش من دونه، ألا وهو الأكسجين.

يُجري عالم الأحياء البروفيسور جون كايسي دراسة عن الصلة بين الأكسجين والشيخوخة الجلدية منذ أكثر من عشرين عاما، وهو يعمل في مركز يونيليفر العلمي، ويدرس كيفية تسبب عمليات تجري في عمق الجسم البشري في ظهور علامات الشيخوخة على ظاهر البشرة.

يقول كايسي “في كل مرة نتنفس فيها فإننا على الأرجح نستخدم نسبة 98% من الأكسجين الذي نستنشقه في حرق الطعام الذي نتناوله، وهو يطلق جزيئات صغيرة نحتاج إليها في تجديد الخلايا، كما يطلق كمية كبيرة من الطاقة لجعل عضلاتنا تعمل، إلا أن نسبة 1 أو ربما 2% من هذا الأكسجين تذهب إلى قسم مختلف وخطير، حيث تتولى هذه النسبة الصغيرة من الأكسجين المعروفة باسم “الجذور الحرة” مهاجمة الحمض النووي للإنسان، ثم يبدأ الضرر الذي تخلفه بالتراكم مع مرور الزمن، فتظهر العلامات التقليدية للشيخوخة على البشرة”.

ويُحدث دفاع خلايا البشرة عن نفسها توازنا بين قوى البشرة المدافعة عن نفسها وقوى الأكسجين الغازية، لكن الأضرار المتراكمة في الخلايا الجلدية المتضررة والتالفة والمختلة وظيفيا يجعل البشرة عاجزة عن تنظيم الدفاع، فيشيخ جسم الإنسان ببطء.

البروكلي يحتوي على مكونات تسمى "الغلوكوسينوليت" (Glucosinolate) وهي مفيدة للبشرة
البروكلي يحتوي على مكونات تسمى “الغلوكوسينوليت” (Glucosinolate) وهي مفيدة للبشرة

معمل الكولاجين

في معمل يونيلفر أظهر لنا البروفيسور جون كايسي خزعة من بشرة حقيقية، وهي تتكون من طبقة ظاهرية وطبقة باطنية تسمى الأدمة، وفيها يجري إنتاج الكولاجين، وهو البروتين الذي يساعدنا على أن نبدو أكثر شبابا، وتتشكل الأدمة من خلايا ليفية، وهي أشبه بآلات تصنع الكولاجين.

تتولى الخلايا الليفية إنتاج الكولاجين في البشرة الشابة المشدودة فيما يشبه خيوط العنكبوت المترابطة، ومن خلال الدفع القوي للخلايا الليفية تبدو البشرة على منظرها الشاب المشدود الناعم، إلا أنه بتقادم الزمن تتقطع الصلة بين الخلايا الليفية والكولاجين.

يقول جون كايسي “ما تتجه الخلايا الليفية إلى فعله عندما تشيخ البشرة هو أنها تبدأ برفض خيوط الكولاجين، التي تبدأ بالدوران وتبدأ إسقاطاتها خارج الخلايا بالاختفاء، فيبدو الكولاجين أشبه بوعاء من المعكرونة أكثر من كونه شبكة مشدودة بطريقة جيدة”.

تتكون البشرة من طبقة ظاهرية وطبقة باطنية تسمى الأدمة
تتكون البشرة من طبقة ظاهرية وطبقة باطنية تسمى الأدمة

ترميم ما أفسد الدهر

ما زال العلماء يحاولون اكتشاف كيفية تعجيل الأكسجين بشيخوخة الخلايا الليفية، ولكن هل من الممكن أن تعود عجلات الزمن إلى الوراء؟ هل من الممكن إصلاح ما أتلفت الأيام؟

عملت د. غيل جنكين طيلة عقد من الزمن على ما يسميه العلماء الإجهاد التأكسدي، وهي مقتنعة بأن ما نستهلكه هو المفتاح لحماية خلايانا الليفية، ولإعادة إحيائها أيضا. وقد استنتجت عدة قواعد منها:

1.    البحث عن الأطعمة ذات الألوان الزاهية كالطماطم مثلا، فهي غنية جدا بمكون مميز هو مادة “اللايكوبين” (Lycopene)، وهي المادة التي تعطي الطماطم لونها الأحمر الزاهي، وهي ممتازة في امتصاص أصناف الأكسجين التفاعلية، وفي منع الإجهاد التأكسدي.

2.    البحث عن الفواكه والخضراوات ذات الطعم المر كالقرنبيط (البروكلي) مثلا، لاحتوائه على مكونات تسمى “الغلوكوسينوليت” (Glucosinolate) مفيدة للبشرة.

3.    البحث عن الأسماك الزيتية مثل الماكريل، فهي ممتازة للبشرة، حيث تحتوي على مكون مميز يدعى أوميغا 3 (Omega 3)، وهو عبارة عن أحماض دهنية أساسية، ولهذا المكون منافع مضادة للالتهابات، فتخفف من حدة الالتهاب في خلايا البشرة، وكل ما يخفف من الالتهاب جيد لمنع الشيخوخة.

4.    محاولة تجنب تناول النشويات كالأرز والبطاطس والمعكرونة.

تقول د. غيل جنكين “من خلال تناول هذه المكونات وجعلها تتموضع داخل البشرة يمكن للخلايا أن تدافع عن البشرة، إنها مصدر طبيعي لمساعدة الخلية على حماية نفسها من الشيخوخة”.

الطماطم غنية جدا بمكون مميز هو مادة "اللايكوبين" (Lycopene)، وهي ممتازة في امتصاص أصناف الأكسجين التفاعلية
الطماطم غنية جدا بمكون مميز هو مادة “اللايكوبين” (Lycopene)، وهي ممتازة في امتصاص أصناف الأكسجين التفاعلية

إكسير الشباب

لا يبدو الحل الذي توصلت إليه د. غيل جنكين من خلال قواعدها الأربع حلا عمليا يمكن للإنسان أن يدأب عليه، فحاجته إلى القرنبيط وأخواته من ذوات الطعم المر مثلا تصل إلى نصف كيلو يوميا، وقد يحتاج أيضا إلى كمية كبيرة من الطماطم والفراولة وأخواتهما، وهو أمر قد يعجز المرء عن المداومة عليه. لذلك قامت مجموعة من العلماء في مركز يونيليفر العلمي باختراع حبوب طبية يعتقدون أنها تحمل كافة مكونات النظام الغذائي المناسب، لكن يبقى السؤال المطروح: هل هي ناجحة فعلا؟

نعود إلى مختبر البروفيسور جون كايسي من أجل اختبار الحبوب على خلايا بشرة شخص كبير في السن، وفجأة بدأت الخلايا الليفية النائمة تنتج من جديد مادة الكولاجين، ثم أجرى العلماء بعد ذلك دراسة على 480 امرأة كبيرة في السن في أنحاء أوروبا من أجل اختبار مفعول الحبوب، وأظهرت الصور بعد 14 أسبوعا فرقا كبيرا في البشرة.

ففي صورة عين إحدى هؤلاء النسوة يظهر جليا أن نوعية البشرة تحسنت وأصبحت التجاعيد أقصر وأكثر سطحية، وهذه النتائج التي توصلت إليها الدراسة قد لا تكون مبهرة مقارنة بالجراحة، لكنها مُرضية باعتبار أنها مجرد حبوب طبيعية.

يقول البروفيسور كايسي “إن هذه الحبوب تنفع فعليا في علاج البشرة، وقد جربناها على مئات النساء، وستكون النتيجة ناجحة حتما”.

يخطط العلماء المسؤولون عن الحبوب في مركز يونيليفر العلمي لنشر نتائج الدراسة في مجلة علمية ليقوم بمراجعتها علماء آخرون زملاء لهم، وهذا أمر مهم لأن العلماء الآخرين يستطيعون أن يقوموا باختبار نتائج تجاربهم من أجل التأكد من قابلية النتائج للتكرار والاستمرار في النجاح.

السكر ليس قادرا على زيادة الوزن فقط، بل له سلبيات أخرى من أخطرها أنه يجعل المرء يبدو أكبر سنا
السكر ليس قادرا على زيادة الوزن فقط، بل له سلبيات أخرى من أخطرها أنه يجعل المرء يبدو أكبر سنا

الحلاوة المرة

من الصعب تصور أو تصديق أن أحد الأطعمة التي نحبها هو عامل مهم في تحديد مظهر البشرة، فالسكر ليس قادرا على زيادة الوزن فقط، بل له سلبيات أخرى من أخطرها أنه يجعل المرء يبدو أكبر سنا، وهنا يرد على الذهن سؤال: كيف للسكر أن يُحدث فرقا هائلا في هذه المسألة؟

تكمن الإجابة في كيفية تعلق السكر بالكولاجين في البشرة، فحالما يعلق السكر بالكولاجين فإنه يجعله أكثر هشاشة وقابلية للتكسر، فيصعب على البشرة أن تصلح نفسها بنفسها، وحينما يقع هذا الأمر يصبح المرء على طريق الشيخوخة المتقدمة في البشرة.

لقد أذهل تأثير السكر على البشرة عالِم الأحياء د. ديفد غان الذي ابتكر تجربة في هذا الغرض، حيث طلب من مجموعة من المتطوعين تقدير أعمار الوجوه باستخدام الصور الرقمية الموحدة، وقد قام بإجراء التجربة على د. روزينا معدة الفيلم، فعرض صورها على متطوعين لمعرفة عمرها من خلال صورها، وهي صور خالية من مساحيق التجميل يلتقطها في المختبر، ثم يقوم بتعديلها للتطابق مع أشخاص آخرين لهم نفس العمر ونوعية البشرة، وقد أظهرت النتائج أنها تبدو أصغر من عمرها بعشر سنوات، وكان الأمر مفاجئا لها، لكنه ليس غريبا بالنسبة للدكتور ديفد غان لكون معدل السكر منخفضا في دمها.

 الأسماك الزيتية مثل الماكريل ممتازة للبشرة
الأسماك الزيتية مثل الماكريل ممتازة للبشرة

قنوات اتصال الخلايا

ليست الأغذية التي نتناولها هي المقاربة الوحيدة للظهور بمظهر أكثر شبابا، فهناك حقل جديد في العلوم لديه القدرة على تغيير فهمنا في كيفية حصول شيخوخة البشرة كليا، إنه علم الأحياء الغليكوجينية، وهو علم دراسة السكريات المركبة في أنسجتنا، التي يطلق عليها العلماء اسم الغليكانات (Glicans).

تتوافر الغليكانات في كافة أنحاء السطح الخارجي للخلايا، وبدونها لا تستطيع الخلايا أن تتواصل فيما بينها، وباتصال الغليكانات فيما بينها تستطيع الخلايا أن تتناقل الرسائل فيما بينها عن كافة الأمور من صناعة الأعضاء إلى نمو الشعر، وهذا العلم لا يغير فهمنا للبيولوجيا البشرية فحسب، بل يخلق أيضا فرصا لتغيير حياة الإنسان بطريقة لا تخطر على ذهن.

قام البروفيسور بيتر سبيرغر بإنتاج لقاح مضاد للملاريا التي تشكل كارثة في الدول النامية عبر صناعة غليكانات توقف سم طفيلي الملاريا دون أن تقتله، بحيث يبقى في جسد المريض، لكن من دون أضرار، وقد أثبتت المعامل نجاح الأمر بنسبة 100%؛ وهذا اللقاح يحمل دلائل حيوية على إمكانية حل لغز طريقة إعادة الشباب إلى البشرة المتقدمة في السن، حيث تجرى دراسات واعدة في هذا العلم في مركز ماكس بلانك الشهير في برلين.

يقول البروفيسور بيتر سبيرغر المسؤول عن برنامج الأبحاث المتطور والحديث “إن علم الأحياء الغليكوجينية مهم جدا، وقد بدأ الناس في السنوات القليلة الماضية فقط فهم أهمية الغليكان”.

حالما يعلق السكر بالكولاجين فإنه يجعله أكثر هشاشة وقابلية للتكسر، فيصعب على البشرة أن تصلح نفسها بنفسها
حالما يعلق السكر بالكولاجين فإنه يجعله أكثر هشاشة وقابلية للتكسر، فيصعب على البشرة أن تصلح نفسها بنفسها

مرهم الترميم

في مختبرات شركة لوريال (L’OREAL) العلمية في ضواحي باريس يقوم د. برونو بيرنار بإجراء دراسات في علم الأحياء الغليكوجينية لمعرفة ما إذا كان قادرا على إعادة نضرة الشباب ورونقه إلى البشرة، حيث يرى د. بيرنار أن استخدام “الغليكان” سيحدث ثورة في علم الأحياء.

يقول د. برونو بيرنار “تدخل الغليكانات في كافة العمليات البيولوجية الكبرى في كل الأنسجة البشرية ومن ضمنها البشرة، وبالطبع لا يمكن للإنسان أن يعيش دون هذه الغليكانات”.

تبقى شركة لوريال رائدة في مجال البشرة الاصطناعية، حيث يمكنها صنع الطبقتين المكونتين للبشرة، وهما الأدمة وسطح البشرة، أما ما تعمل عليه أبحاث الشركة حاليا فهو كيفية اتصال هاتين الطبقتين وتفاعلهما مع بعضهما البعض، حيث يجري هذا التواصل بين الناقل الذي يفصل بين الطبقتين الغني بالغليكانات.

وما تقوله الشركة هو أنها تمكنت في المختبر من استبدال الغليكانات المسببة للشيخوخة من خلال إعادة الاتصال بين الأدمة والطبقة السطحية للبشرة، وقد صنعت مرهما تقول إنه يزيد من عدد الغليكانات في الوصلة الموجودة بين الأدمة والطبقة السطحية، وهو ما يؤدي إلى إعادة ترميم الكولاجين المتضائل وإزالة الترهلات وشد التجاعيد.

كما أجرت مجموعة من الفحوص على بشرة حقيقية، وتظهر صور الأشخاص الذين أجروا هذه الفحوص نجاحا بعد شهر واحد في بعض الأماكن البالغة الصعوبة مثل منطقة العين، حيث أصبحت خطوط التجاعيد أقصر وأكثر سطحية، وأصبحت البشرة أفضل جودة.

يقول د. برونو بيرنار “ما استطعنا إثباته هو أنه عندما يعالج الإنسان بشرته بواسطة بعض المكونات يستطيع أن يحسن من جودة الاتصال بين الأدمة والطبقة السطحية للبشرة، أي أنه بتعبير آخر يعيد الحوار بين الطبقتين، وهذا هو المفتاح الأساسي”.

لكن رغم المعطيات الجيدة والنجاح الذي حققته شركة لوريال في هذا المرهم فإن الأمر ما زال دون مرحلة القطع، لأن التجارب لم تجر إلا على ستين امرأة، ولم تنشر في مجلة علمية لتتم مراجعتها.

 عندما يعالج الإنسان بشرته بواسطة بعض المكونات يستطيع أن يحسن من جودة الاتصال بين الأدمة والطبقة السطحية للبشرة
عندما يعالج الإنسان بشرته بواسطة بعض المكونات يستطيع أن يحسن من جودة الاتصال بين الأدمة والطبقة السطحية للبشرة

ترويض الطبيعة بقوة العلم

كم هو مثير للحماسة هذا الكم من العلم الذي وصلت إليه الأبحاث في علم الأحياء الغليكوجينية والذي تم تحت قيادة البروفيسور بيتر سبيرغر بتعيين من شركة لوريال العملاقة، حيث أصبحت الشيخوخة في مظهرها الخارجي مجرد مرض جلدي قابل للتعافي.

يقول سبيرغر “انتابني الشك على نحو كبير في البداية إزاء الأمر، وشعرت بالقلق فيما يتعلق بالمستوى العلمي الذي تعمل بموجبه شركات مستحضرات التجميل، ولكنني اكتشفت أن بعض الموظفين يعملون في حقل علم الأحياء الغليكوجينية منذ 25 عاما، وهم يستخدمون التقنيات نفسها التي تستخدم في المختبرات الأكاديمية”.

قد لا نتخلص كليا من التجاعيد، لكن من الجيد الاعتقاد بأن الحلول تتجه إلى المزيد من التطور في المستقبل
قد لا نتخلص كليا من التجاعيد، لكن من الجيد الاعتقاد بأن الحلول تتجه إلى المزيد من التطور في المستقبل

الجراحة ليست الحل الوحيد

تقول الطبيبة في مجال الجراحة التجميلية د. روزينا “سأقول رأيي بصراحة، الكثيرون يرغبون بأن يظهروا أصغر سنا لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لكن الزمن لا يسير إلا في اتجاه واحد، ولا يعود إلى الوراء، لتبقى آثاره محفورة على بشرتنا”.

وتضيف “لطالما آمنت بصفتي طبيبة جراحة بقوة العمليات الجراحية، لكنني أعرف أنها ليست الحل الوحيد لهذه المشكلة، لم أكن أعرف ما يجب أن أتوقعه عندما انطلقت في هذه المسيرة، لقد فتحت مسألة النظام الغذائي على شيخوخة البشرة عيني على نحو فعلي، فجعلتني أكثر تفكيرا بشأن ما أتناوله، بالإضافة إلى ذلك شعرت بخيبة أمل حيال مدى قوة وفورية المفعول الذي يسببه التعرض للشمس على التجاعيد، لكنني آمل أن يغير علم الأحياء الغليكوجينية على نحو كامل طريقة معالجة شيخوخة البشرة”.

قد لا نتخلص كليا من التجاعيد، لكن من الجيد الاعتقاد بأن الحلول تتجه إلى المزيد من التطور في المستقبل.