شركات التبني وتجارة الأطفال.. مافيا “سرقة” الأطفال الأوغنديين

 

خاص-الوثائقية

سألتها الصحفية: بماذا تشعرين عندما تأتي أسرة من بلد آخر وتصبح هي الأسرة القانونية لأبنائك؟
أجابت فلورنس باكية: أشعر بالألم لأنني لا أستطيع رؤية أبنائي إلا عبر الصور القديمة.
الصحفية: وإذا أتيحت لك الفرصة لتخاطبي الأسرة التي أخذت أطفالك، ماذا تقولين؟
فلورنس: أقول لهم فقط أعيدوا لي أطفالي، لا أستطيع أن أكون سعيدة من دونهم.

جاءت هذه المحادثة التي دارت بين فلورنس الأوغندية التي تعرضت لعملية احتيال أدت إلى فقدانها أطفالها، والصحفية الاستقصائية في فيلم بعنوان “شركات التبني وتجارة الأطفال”، وهو عمل تلفزيوني استقصائي أنتجته قناة الجزيرة الإنجليزية ضمن سلسلة “فولت لاينز”، واستغرق إنتاجه خمس سنوات، كما أنه مرشح للفوز بجوائز “إيمي”، ويسلط الفيلم الضوء على عمليات استقدام أطفال أوغنديين وعرضهم على أسر أمريكية لتبنيهم، وكيف أدى هذا الأمر إلى بروز حالات استغلال واحتيال.

قالت ليلى العريان المنتجة المنفذة لسلسلة فولت لاينز “نحن سعداء بهذا التقدير الذي منحته لنا الأكاديمية الأمريكية للتلفزيون والفنون ولجنة تحكيم جوائز إيمي، ونوجه شكرنا لكل الناس الذين فتحوا لنا أبوابهم وشاركونا قصصهم التي سعينا إلى إيصالها للعالم”.

وإضافة لفلورنس يستمع الفيلم لحكاية “أبو تبيثا” وهي سيدة أوغندية أخرى تعيش في قرية على بعد خمس ساعات من العاصمة كامبالا. تقول أبو تبيثا “أريد أن أبحث عن ابني، وأعلم أين هو الآن، حتى يعلم في المستقبل أنني أمه وأن هذا المكان هو وطنه”.

فقدت أبو تبيثا ابنيها الاثنين في عملية تبنٍ لا تعلم عنها شيئا وجرت دون موافقتها كما تقول، وذلك عندما عرضت عليها أسرة أمريكية معالجة ابنها الأول “مايكل”.

مايكل مع عائلته الأمريكية الجديدة
مايكل مع عائلته الأمريكية الجديدة

 

تقول أبو تبيثا عن الطريقة التي أخذوا بها مايكل “جاء البيض وذهبوا إلى عدة مراكز للعلاج، وقالوا لنا إنهم يساعدون الأطفال الذين يعانون من الأمراض لعلاجهم”.

وتضيف “ما وافقت عليه وفهمته وقتها أنهم سيأخذون الطفل للعناية به حتي يكمل تعليمه، أي حتى سن 18 عاما، وبعد ذلك سيعود إلى أوغندا، وأثناء تلك الفترة سيأتي لزيارتي كل أربع سنوات”. لم تعد أبو تبيثا الأم الشرعية أمام القانون لابنها “مايكل” لأنها وافقت على عملية التبني كما أخبروها.

بعد ثلاث سنوات من رحيل مايكل إلى الولايات المتحدة، وضعت أبو تبيثا ولدا آخر يدعى “سولمون”، وعندما علم من تسميهم “البيض” بولادته أرادوا أخذه هو الآخر، لكنها أخبرتهم هذه المرة بأنها ترفض التبني وستهتم هي بابنها.

أرسل البيض الوسطاءَ أو المهربين “تجار عمليات التبني” إلى أبو تبيثا التي تقول “أخذت امرأة ابني من بين ذراعي وأعطته للبيض، وبعدها أخذوني بعيدا عن هذا المكان وأنا فاقدة للوعي”.

أبو تبيثا والده مايكل وسولمون
أبو تبيثا والدة مايكل وسولمون

 

تسألها الصحفية: هل وافقت أو وقعت علي أي عقد لتبني سولمون؟
أبو تبيثا: لا.

لم تكتمل أوراق سولمون ولم يذهب إلى عائلته الأمريكية الجديدة، ورغم ذلك لم تتم إعادته إلى أمه التي تقول “لا أعلم أين هو الآن”.

وفي لقاء قديم على إحدى القنوات الأمريكية ظهرت العائلة الأمريكية التي ترغب في تبنيه رفقة شقيقة مايكل مطالبة السفارة الأمريكية بتسهيل سفر “سولمون” لهم.

حاول التحقيق الوصول إلى مدير وكالة تبني الأطفال “ديفد سلانسكي” في أمريكا، وبعد عدة محاولات للوصول إليه عبر الهاتف والإيميل وعدم استجابته، وصلت المحققة إلى منزله لتصوره خلسة.

الصحفية: صباح الخير ديفد سلانسكي، أريد أن أحدثك عن بعض العائلات في أوغندا الذين قالوا إن أطفالهم أخذوا منهم دون رغبتهم، هل يمكنك أن تخبرني عن كيسيري سولومون؟
سلانسكي: أمه قالت بوضوح قصة متعارضة، أعتقد أن عليك الحديث إلى الأسرة التي تريد تبنيه.
الصحفية: حاولت عدة مرات لكنهم لا يريدون التحدث معي.
سلانسكي: وأنا حسب علمي أن الأم وافقت.
الصحفية: كم مرة يجب أن تعترض الأم علي عملية التبني حتى يتم إيقافها.
سلانسكي: لا نستطيع إيقاف عملية تريد أسرة أمريكية الاستمرار بها.

جينيفر وفلورنس من ضحايا عمليات التبني
جينيفر وفلورنس من ضحايا عمليات التبني

 

أما جينيفر صديقة فلورنس فقد مضي خمس سنوات منذ ذهاب ابنتها إلى أمريكا، “لا أعلم ماذا حدث، الأشخاص الذين أخذوهم يجب عليهم إعادتهم مرة أخرى، يجب إعادتهم لنا لأنهم أُخذوا بطريقة خاطئة، لا أستطيع أن أكون سعيدة ما لم أر ابنتي أو تعود هي لي”.

اشتكت فلورنس وجينيفر إلى الشرطة، لكن لا أحد يستطع فعل شيء، فالأطفال الآن في أمريكا مع عائلات جديدة وقد ذهبوا بطرق تبدو وكأنها قانونية، لذلك من المحتمل ألا ترى فلورنس وجينفير أطفالهما مرة أخرى.

تقول أبو تبيثا “في بعض الأحيان لا أستطع الأكل أو النوم، أفكر كثيرا في ابني، يمكنك أن تأتي هنا وتلاحظي أنني أرتدي نفس الملابس، ليس بسبب أنني ليس لدي ملابس، بل لأن التفكير يشلني عن فعل أي شيء”.

وجدت أبو تبيثا ابنها سولمون في إحدي دور الرعاية في أوغندا في انتظار اكتمال أوراق تبنيه لكنه لا يعلم من تكون أمه، وبدا خائفا باكيا عندما رآها “أشعر بالحزن لأنه لا يعلم من أكون”.

وبعد بحث استمر ثلاث سنوات لا تستطيع أبو تبيثا أخذ سولمون معها، عليها أن تتركه في دار الرعاية حتى بقية حياته لأنه لم يعد ابنها بعد.

ينتهي الفيلم بباب دار الرعاية وهو يُغلق أمام أبو تبيثا تاركة ابنها خلفها بعد الانتهاء من زيارته لتقول “أنا أتحمل الألم لكنه صعب حقا، إذا لم تستطيعي سماع صوت ابنك، ألا ترين أن ذلك مولم؟”.