“فتاتان من عالمين”.. صداقة عابرة للثقافات والأعراق والأديان

خاص-الوثائقية

يتطرق هذا الفيلم لقضية حساسة في المجتمع البريطاني، وهي الافتقار إلى التجانس بين المجتمع الأبيض والمجتمعات القادمة من آسيا، وعدم الاندماج بالرغم من مرور عشرات السنين على وجودهم في المملكة المتحدة وانتسابهم إليها.

في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية، تحاول فتاتان مراهقتان سد الفجوة الدينية والعرقية في مدينة “ديوزبري” غرب “يوركشاير” التي توصف بأنها واحدة من أكثر المدن البريطانية عنصرية، وهي من أشد المدن البريطانية فصلا بين الأحياء التي يقطنها البيض والأحياء التي يقطنها ذوو الأصول الآسيوية، لكن مع وجود قلة من الناس يتجاوزون هذا الانقسام، ومن بينهم فتاتان قررتا اللقاء رغم الفوارق والاختلافات بين عالميهما  .

 

“شيفون” وفرحانة.. أغصان من ثقافة الشرق والغرب

نتعرف على الفتاة الأولى، إنها “شيفون” الفتاة البيضاء البالغة من العمر 16 ربيعا، وتقطن في “تشكينلي” في الشرق من “ديوزبري”، وهي منطقة كل سكان من البيض، حيث تسكن مع والدتها وشقيقيها.

أهم هوايات “شيفون” وضع المكياج والتبرج الذي كثيرا ما تعترض عليه والدتها بأنه مبالغ به، وتحب مسلسل “الطريق الوحيد” لما يعرضه من الأناقة والملابس ذات الماركات العالمية المعروفة، وهي تعيش في جو منفتح وتحب ارتياد الحفلات نهاية كل أسبوع للرقص واحتساء الكحول.

تقول “بريدجيتي” والدة “شيفون” إنه في صغرها لم يكن في “ديوزبري” إلا عدد قليل من الآسيويين، لكن اليوم أصبحت الأكلة الأكثر شيوعا هي الكاري بعد أن كانت السمك والبطاطس، والاسم الأكثر شهرة محمد، وقد حل مكان اسم “فيل” و”غريغ”.

أصبحت النساء يرتدين البرقع، لكن السؤال الملح لو انتقلت إحدى تلك العوائل إلى حيهم فماذا سيحل بها؟ يجيب أفراد عائلة “شيفون” سيتعرض أفرادها للمضايقة، وسيرحلون بعد ثلاثة أشهر كحد أقصى.

على بعد ميلين من بيت “شيفون” تقع منطقة “باتلي كار” التي تعد إحدى أكبر التجمعات المسلمة في بريطانيا، هناك تعيش فتاتنا الأخرى فرحانة ابنة الـ17 ربيعا، وهي تسكن مع أمها وأخواتها الثلاث ووالدها عمران سائق سيارة الأجرة الذي حفظ القرآن طفلا صغيرا.

تقول فرحانة: بالمقارنة بفتاة بيضاء أنا لا أخرج كثيرا من البيت ولا أرتاد الحفلات، ولا أشرب الخمر لأنه محرم في الإسلام، ولا أذهب إلى “ديوزبري” إلا للتسوق.

لقاء بين فتاتين من عالمين، شيفون بريطانية بيضاء، وفرحانة بريطانية من أصول آسيوية فهل تثمر التجربة؟

 

“أصلي خمس مرات في المسجد”.. أحاديث اللقاء الأول

تحاول الفتاتان إنشاء علاقة صداقة بينهما بتشجيع من الأهل. تقول والدة “شيفون” إنهم قد لا تعجبهم ملابس ابنتها القصيرة، لذا فسوف يلتقيان في منطقة محايدة دون والديهما.

“شيفون” متوترة وقلقة وخائفة من عدم تقبلها بسبب وضعها للمساحيق، وستبدو كالغبية لو كانت فرحانة لا تضع المكياج، وبرأيها أن الانطباع الأول مهم في الحكم على الناس، في المقابل كانت فرحانة متوترة أيضا ومترددة في الذهاب لأنها لا تدري عن ماذا ستتحدث.

أخيرا التقت الفتاتان في مقهى، وأخبرا بعضهما أن والدتيهما أيضا قلقتان بعض الشيء، في هذا اللقاء أخبرت فرحانة “شيفون” أنها مسلمة من باكستان، وبدورها “شيفون” أخبرتها أنها كاثوليكية لكنها ليست متدينة، فهي لا تذهب إلى الكنيسة وهكذا أغلب أصحابها، هم يدركون شيئا لا يعرفونه لكنها تؤمن بالله، بينما قالت فرحانة أنا أصلي خمس مرات في المسجد.

وفي حديثهما عن الأكل استغربت “شيفون” أنهم لا يستخدمون الشوكة والسكين وأنهم يأكلون باليد اليمنى، بينما هي لم تأكل بيدها قط، حتى في الذهاب إلى الحمام دهشت “شيفون” عندما علمت أن المسلمين يستخدمون الماء واليد اليسرى في الاستنجاء، وعندما ذهبت إلى البيت أخبرت والدتها بذلك، لقد كان الانطباع الأول بينهما جيدا.

في زيارتها لببيت فرحانة، جربت شيفون كيف يبدو الحجاب عليها وأرسلت صورة بذلك لوالدتها

 

زيارة إلى منزل فرحانة.. فتاة بيضاء في حي آسيوي

كان ذهاب “شيفون” لبيت فرحانة اختبارا ثانيا للعلاقة بينهما، وقد كانت “شيفون” خائفة كيف سيرمقها أهل الحي عندما تدخل وما الذي سيقولونه عنها؟ تقول والدتها غالبا ما يبدأ المراهقون بالسخرية، بينما رأت “شيفون” أن هناك أشخاصا عنصريين من كلا الطرفين.

في “ديوزبري” زاد التمييز العنصري في الآونة الأخيرة، ويُطلب من المسلمين الاندماج بشكل أكبر، لكن كثيرا ما يقال لهم إنهم ليسوا بريطانيين.

تذهب “شيفون” لبيت فرحانة ويحين اللقاء الثاني بينهما بينما تستعد فرحانة لاستقبالها، تدخل “شيفون” البيت ويُرحب بها، وتُخبرها والدة فرحانة نجاة أنها قدمت إلى بريطانيا في سن الثامنة عشر عندما تزوجت، وقد أحسن الجميع استقبالها وخاصة أهل زوجها.

تنظر “شيفون” لبعض الكؤوس والتكريمات، فتخبرها فرحانة أنها لأختها حين جرى تكريمها في المسجد، فتستهجن هذا التكريم، ثم تذهب فرحانة لتريها ملابسها وتسألها عن الحجاب، فتخبرها أنها مقتنعة به وتحبه وتعتبره مميزا وعبادة لله، وتطلب منها “شيفون” أن تريها شعرها وعندما ترى جماله تستغرب أكثر، وتقول لها لو كنت مكانك لرغبت في إظهار شعري.

أثمرت الصداقة بين فرحانة وشيفون في زيارات عائلية متبادلة ومعرفة للثقافتين أكثر

 

احتجاج أهل الحي على التصوير.. إرضاء الناس غاية لا تدرك

تعود “شيفون” للبيت وتخبر والدتها أنها جربت الحجاب، لكنها لن تستطيع ارتداءه، وأن فرحانة أخبرتها بأن حجابها هو خيارها الشخصي .

اعترض أهل الحي لوجود كاميرات التصوير في بيت عمران والد فرحانة، وكانت أمها قلقة بشأن ابنتها ولا تحب أن يتحدث أحد عنها بسوء، لذا توقف التصوير.

يقول والد فرحانة إن إرضاء الناس غاية لا تدرك ومهما يكن لن تستطيع إرضاء الجميع، والأفضل اللقاء ومناقشة المواضيع، وبعد ذلك قرر والداها إكمال تصوير الحلقة رغم المخاوف التي تساورهما.

وترى “بريدجيت” والدة “شيفون” أن والدي فرحانة تعرضا لضغط كبير، وسيقول الناس كانت مع فتاة كذا وكذا، وهذا الموقف يذكرها بالمجتمعات الكاثوليكية، لذا سيكون الأمر أصعب عليهم.

طلب والدا فرحانة مقابلة عائلة “شيفون” قبل إرسال ابنتهما، لكنهما أيضا متخوفان من الحي الذي تسكنه “شيفون”.

اهتمامات مختلفة للوالدين ووجهات نظر مختلفة للحياة، لكن المشترك أن الأولاد متفقون

 

لقاء الآباء.. اهتمامات مشتركة ومودة متبادلة

تمضي “شيفون” وإخوتها نهاية الأسبوع مع والدهم “تشارلي” في نفس الحي بعد انفصال والديهم، يذهب الأب و”شيفون” لبيت عمران، فيستقبلونهم بشكل لائق ويقدمون لهم الطعام ويدور بينهما حوار حول التربية والأولاد.

يسأل “تشارلي” عمران إن كانت بناته مدللات، فيخبره أنه كان طفلا مدللا فربى بناته بنفس الطريقة، ويضيف أن فرحانة تفضل الذهاب معه بالسيارة على زيارة صديقاتها، أما “تشارلي” فلا يحب أن تذهب “شيفون” للحفلات لأنه يعرف ما يحصل فيها، تقاطعه “شيفون” بأنها ليست غبية، فيرد عليها قائلا بأن العمر لا يهم ما دامت النتيجة واحدة، فتقول له إنك لست مثاليا، فيجيبها بأنه رجل أعزب وعلاقاته بصديقاته عادية لا تتعدى الحدود. هنا يقاطع عمران قائلا: نحن نثق بكم ولكن لا نثق بالآخرين.

يقول “تشارلي” إنه بسبب طبيعة عمله لم ير أطفاله بما يكفي، وهو نادم بعض الشيء، ويفكر أن يمضي وقتا أكبر معهم.

كان انطباع عمران بعد اللقاء عن “تشارلي” أنه رجل رائع، وإذا وضع الدين والاعتقادات جانبا فإنهما يفكران بنفس الطريقة فيما يتعلق بتربية الأبناء، أما “تشارلي” فكان انطباعه أنهم متحضرون للغاية وسعداء ويملكون وحدة الأسرة التي يفتقدها هو بسبب موقع عمله البعيد، إذ كان يعود في نهاية الأسبوع، ولم يكن يعوض عن ابتعاده، وهذا ما يشعره بالندم .

شيفون وفرحانة تذهبان للتسوق وحيدتين بعد أن اخذت فرحانة الإذن من والدها

 

لقاء الأمهات.. تنازلات على طريق علاقة دائمة

أخبرت “شيفون” والدتها بأن فرحانة فتاة لطيفة لكنها لا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي. تقول “بريدجيت”: لا يدرك أولادي كم هم محظوظون، لأننا نسمح لهم بالاختلاط، لا أقصد أن فرحانة تمنع من ذلك لكن سيلومونها إذا خرجت مع ابنتي مثلا، أنا لا أستطيع فهم عقلية المجتمع الآسيوي.

تذهب فرحانة لزيارة “شيفون” في بيتها، فترحب بها الوالدة “بريدجيت” وتحضر لها طبق “الكيشي” لأنها تدرك أن فرحانة لا تأكل إلا اللحم الحلال، لذا واجهت صعوبة في تحضير طبق خالٍ من اللحوم، في المقابل أحضرت فرحانة معها هدية.

تبادلا أطراف الحديث، وسألتها “بريدجيت” عن زواج والديها إن كان تقليديا، فأخبرتها فرحانة أنه تقليدي وأن والدها قريب والدتها، حيث اتصلت به أمها فذهب إلى باكستان، وتزوجا منذ عشرين عاما.

ثم تسألها لو أن زوجك طلب منك ارتداء البرقع هل ستقبلين، فقالت فرحانة: إذا كان ذلك قبل الزواج، فإني سأخبر والدي أنه غير مناسب لي، أما إذا تزوجنا فسيصبح زوجي، وسأقبل بذلك.

تُري “شيفون” فرحانة مجموعة مستحضرات التجميل التي اشترتها، فتخبرها فرحانة أن عمتها في لندن اشترت مثلها، كذلك اشترت عمتها حذاء كريستيان لوبتان ذو النعل الأحمر وحقيبة من شانيل.

كان رأي “بريدجيت” أن فرحانة فتاة لطيفة وجميلة لكن إذا أرادتا الصداقة لا بد من بعض التنازلات، كأن تأكل على نفس المائدة مع وجود لحم الخنزير.

بعد عدة أشهر كونت الفتاتان علاقة صداقة، وحتى تكون العلاقة متطورة أكثر اقترحت “شيفون” أن تذهبا سويا للتسوق دون عائلتيهما، وافقت فرحانة على ذلك وسمح لها والداها بالذهاب، فأخذت معها أختها “أيلينا”، وكانت المرة الأولى التي تركب بها الحافلة. يقول عمران في نهاية المطاف ستخرج لوحدها .

ذهبتا إلى السوق واستمتعتا بوقتهما، وقد تأخرت فرحانة قليلا عن الموعد الذي حدده والداها، لكنها تعلمت من هذه التجربة الاعتماد على نفسها، وأن على والدها أن يهون على نفسه عناء الاهتمام بها.

اتفاق على استمرار الصداقة بين فرحانة وشيفون ضمن الضوابط العائلية التي تحددها كلتا العائلتين

 

صداقة طويلة المدى.. اندماج بين عالمين متباينين

بعد عدة أشهر قررت العائلتان اللقاء لمناقشة إمكانية أن تحافظ الفتاتان على هذه الصداقة بعد انتهاء التصوير، فسألت “بريدجيت” والد فرحانة هل ستسمحان لها بالذهاب مع “شيفون” وصديقاتها، فأجابها عمران هذا يعتمد على المكان، فنحن لن نسمح لها بالعودة متأخرة أو الجلوس في مكان لشرب الكحول.

تقول “بريدجيت”: تربيتنا مختلفة تماما، لكن هذا لا يهم فابنتي تحبها وترغب في صداقتها، وإذا تعرف شاب مسلم إلى ابنتها “شيفون” وتقدم للزواج منها فلن تعارض طالما تعهد بحسن معاملتها.

ويرى “تشارلي” أن سبب المشكلة هو عدم الاندماج بالشكل الكافي، بينما يرى عمران أن التعارف يزيد من التعلم والمعرفة وتبادل الخبرات.

تقول فرحانة: “يعيش الناس بالطريقة التي عرفوها، لكن لا بد من الخروج من القوقعة قليلا”، أما “شيفون” فلم تتوقع أن يكون بينها وبين فرحانة كل تلك القواسم المشتركة بعد أن تعرفت عليها عن قرب.

تريد “بريدجيت” لابنتها أن تخرج للعالم وتختلط بالناس، ويرى عمران أن هذا أمر حتمي عندما يخرج الأبناء للعمل.

تذهب “بريدجيت” لزيارة نجاة والدة فرحانة بعدما تخلت تدريجيا عن بعض التحفظات، وتخبرها “بريدجيت” أنها تريد منها وصفة الطعام، وتسألها لماذا تخفي وجهها بالبرقع عند الخروج، وتمازحها قائلة أعلم تريدين إخفاء جمالك. أما “تشارلي” وعمران فوجدا قاسما مشتركا في حب الملاكمة.