فكر قبل أن تنفق.. لماذا الادخار صعب؟

تدخل الجزيرة الوثائقية عالَم الأموال عبر سلسلة وثائقية من ست حلقات بعنوان “فكّر قبل أن تنفق”، وتتناول السلسلة بعض الأفكار ووجهات النظر إزاء تعامل البشر مع المال سواء أكانوا أطفالا أم بالغين، والطرق المثلى في الإنفاق والاستهلاك، وإذا ما كان بإمكاننا التعامل مع المعاني السامية على أنها سلع تشترى بالمال كالحب والسعادة وغيرهما، كما تشرح السلسلة لنا ما الذي يحكم سلوكنا مع المال، وبعض الحيل البسيطة التي يمكن أن نستخدمها جميعا لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الأموال التي نحصل عليها بعد شقاء. وفي الحلقة الرابعة من السلسلة بعنوان “لماذا الادخار صعب؟” نحاول الإجابة على التساؤلات التي تتعلق بعدم قدرتنا على الادخار، وبعض الأفكار التي تنمي هذه العادة الجيدة في حياتنا.

حسن العدم

يوفر النيوزلنديون ما يعادل 2% من دخلهم الشهري، بينما يُعتبر الصينيون هم الأكثر توفيرا في العالم، إذ يدخرون ما نسبته 30% من معدل دخلهم.

وفي الحلقة الرابعة من السلسلة التي عرضتها قناة الجزيرة الوثائقية، يحاول نايجل لاتا الإجابة على التساؤلات التي تتعلق بعدم قدرتنا على الادخار، وبعض الأفكار التي تنمي هذه العادة الجيدة في حياتنا.

 

هل الادخار صعب؟

عندما سألنا كثيرا من الناس: لماذا لا تدخرون بعض المال مما تكسبون؟ كان جوابهم علينا بسؤال آخر: ولماذا ندخر؟

إذن فالقضية هي أنهم لا يجدون سببا للادخار، أو أنهم يجهلون ذلك، حتى إن بعضهم يعلق على الادخار كأنه دفع قيمة فاتورة بنفس المبلغ.

قام نايجل بتجربة طريفة على مجموعتين من الأطفال، وهو يحاول أن يثبت لنا كم ينظر الناس للادخار على أنه ممل وصعب، فأعطى لكل طفل في المجموعة الأولى مصاصة من الحلوى اللذيذة، وطلب منهم أن يتذوقوها ويأكلوها، وسألهم عن مقدار السعادة التي عايشوها، وكانت الإجابة واحدة تقريبا: 100%.

وكرر التجربة نفسها على المجموعة الأخرى، ولكن هذه المرة بتعديل بسيط، إذ إنه أعطى كل طفل مصاصتين، ثم أخذ منه إحداهما ليدخرها له لاحقا، وترك له الأخرى ليستمتع بأكلها، وعندما سألهم عن مدى سعادتهم كانت النتيجة تتراوح بما معدله 50%، مع أنهم جميعا استمتعوا بالمصاصة اللذيذة نفسها. المشكلة أننا نريد الاستمتاع بالأشياء في التو واللحظة، ولا نريد أن ندخر هذه المتعة لوقت لاحق.

"المصاصة" تجربة قام بها نايجل على مجموعتين من الأطفال
“المصاصة” تجربة قام بها نايجل على مجموعتين من الأطفال

 

عَقْد يوليسوس

تقول الأسطورة إن يوليسوس الإغريقي ربط نفسه بسارية مخافة أن يغرق في البحر عند سماعه الغناء الجميل، فقد أجبر نفسه على فعل شيء يكرهه من أجل أن يستمتع بشيء يحبه، وهذا ما أصبح يسمى لاحقا بعَقْد يوليسوس.

يريد نايجل في هذه التجربة أن يطبق عقد يوليسوس على مجموعة من الشباب، ليجبرهم على عادة جيدة تفيدهم في المستقبل، وهي التوجه لنادي لياقة بشكل متكرر، وذلك ليدخروا نتائج هذه العادة الجيدة في أجسادهم عندما يهرمون.

اتفق ناجل مع الشباب على أن يعطيه كل واحد منهم 100 دولار، وأن يتردد على نادي اللياقة لمدة شهر كامل بمعدل خمس مرات أسبوعيا، وفي كل مرة يتخلف فيها عن الحضور يقوم نايجل بخصم خمسة دولارات من مدخراته وينفقها في مجالٍ لا يحبه ذلك الشاب المشترِك، مثل أن ينفقها على فرقة مكافحة القطط إذا كان يحب القطط، أو يتبرع بها لكنيسة إذا كان ملحدا، أو يعطيها لحزب يميني متطرف إذا كانت توجهاته يسارية، وهكذا.

كانت النتيجة مذهلة؛ لقد حضر جميع المشتركين كل حصص اللياقة تقريبا، ولم يخسر أحد منهم أي مال، لقد نجح اتفاق يوليسوس بشكل كبير.

وعندما سألهم عن مدى التزامهم بنادي اللياقة فيما لو لم يكن هناك اتفاق، كانت إجاباتهم جميعا أنهم ربما سيتغيبون عن معظم الحصص.

الفكرة إذن أن تخلق حافزا وتحديا لأي شخص تريد منه أن ينجز عملا ما لا يحبه، فالناس يميلون إلى الدعة والراحة، ولكن إذا تم استفزازهم فإنهم يتحفزون للأسوأ.

 النيوزلنديون يوفرون ما يعادل 2% من دخلهم الشهري
النيوزلنديون يوفرون ما يعادل 2% من دخلهم الشهري

 

الحسابات المنطقية في الإنفاق

لو افترضنا أن جدتك أرسلت لك في عيد ميلادك مغلفا به بطاقة تهنئة وورقة من فئة عشرين دولارا، فماذا تصنع بها؟ هل تسدد بها فاتورة الهاتف، أم تشتري بها صابونا للحمام؟ الأرجح أنك ستشتري بها حلوى لذيذة وتأكلها في الحال، هذا هو الحساب المنطقي الأسهل والأحب للنفس.

تعالوا بنا نجري تجربة على عينة عشوائية من الأشخاص الذين استفادوا للتو من عروض تجارية قام بها أحد مراكز التسوق الكبيرة، وكان السؤال الذي طرحناه عليهم: ماذا اشتريت، وكم وفرت نتيجةً لهذه العروض؟

تنوعت إجابات الناس بشأن المادة التي اشتروها، فكلٌ منهم أقنع نفسه بأنه اشترى سلعة تَلزمه، ويشعر بالفرح والسعادة لأنه وفّر فيها مبلغا جيدا من المال.

ثم سألناهم: لو طلبنا منك أن تودع المال الذي وفرته اليوم في صندوق الادخار الخاص بك في البيت، فهل ستوافق؟ وكانت إجاباتهم جميعا: لا.

وعند مناقشتهم في فلسفتهم عن المال الذي وفروه، كانت الحقيقة الصادمة هي أن عقولنا هي التي تقنعنا بهذه الخدعة اللطيفة، أو أننا نزين لأنفسنا فكرة التوفير في عروض مراكز التسوق، مع أننا في الحقيقة ننفق ولا نوفر، بل إننا في كثير من الأحيان ننفق على سلعة لا نحتاجها. هذه هي الخدع التي يروجها خبراء التسويق وتنطلي علينا بسهولة.

العقل البشري يميل إلى الكسل وعدم بذل الجهد
العقل البشري يميل إلى الكسل وعدم بذل الجهد

 

الرضا الفوري

العقل البشري يميل إلى الكسل وعدم بذل الجهد، ويرضى بالمكاسب الفورية القليلة، مع أن بإمكانه الحصول على ما هو أحسن لو أنه أتعب نفسه قليلا، أو تريَّث إلى وقت ما.

ولكن إذا استثَرته بشيء من النزاع والتحدي فقد يتغير سلوكه إلى قبول التحدي وبذل الجهد، بل والانتظار مدةً حتى يحصل على كسبٍ أكثر من الذي ينتظره الآن بشكل فوري.

الآن سيقوم نايجل وفريقه المحترف “نودج” بتجربتهم المفضلة في نهاية كل حلقة، وهي وخزة تحفيزية لأحد الأشخاص المتطوعين، وهذه المرة كانت “سارة”، وهي أم لثلاثة أطفال تحلم أن تقضي برفقتهم إجازة في الولايات المتحدة، ولكنها لا تستطيع ادخار المال اللازم لذلك.

قام الفريق بمرافقتها في جولاتها التسوّقية، ومن دون أن تعرفهم كانوا في كل سلعة يساومونها بين أن تشتري السلعة أو أن تدخر ثمنها لرحلتها القادمة.

وفي كل مرة كانوا يعطونها “ميزان التوفير”، وهو مؤشر يوضح لها كم أصبحت غلتها التوفيرية، ومع مرور الوقت أصبحت سارة أكثر تفاؤلا بتحقيق حلمها وحلم أطفالها.

القضية هي أن تضع هدفا إستراتيجيا لحياتك، وفي الوقت نفسه محببا لنفسك، وتقنع نفسك بإمكانية تحقيق هذا الهدف، وترسم خطة زمنية محكمة لتنفيذه، ثم تضع الميزانية المالية اللازمة لهذا الهدف، وتقوم بادخار ما يلزم من المال حسب الخطة الزمنية التي وضعتها، قد يكون الأمر صعبا في البدايات، ولكن مع اقتراب الحلم ستجد كم هو لذيذ، وكم أنه كان من السهل أن تتغلب على نفسك وعلى نزعاتك الاستهلاكية.