قمة كوالالمبور الخماسية.. هل تشرق شمس الوحدة الإسلامية أخيرا؟

خاص-الوثائقية

“معظم الناس سمعوا عن حركة الوحدة الإسلامية، خاصة خلال الحرب (العالمية الأولى)، وقد وصف بعضنا ذلك بالشبح السياسي والتهديد العالمي، لكنها آراء متطرفة، لأنها في الحقيقة مجرد احتجاج عملي من جانب المسلمين ضد استغلال مواردهم الروحية والمادية من طرف الغرباء”.[1]

يعود هذا الحديث إلى قرن كامل قبل هذا اليوم، أي سنة 1919 حين كان العالَم ينفُض عنه غبار حرب كونية هي الأولى من نوعها في تاريخ البشرية. والمتحدّث ليس سوى المستكشف البريطاني جورج وايمان بوري، العائد حينها من تجربة بحث وتجسس لصالح بلاده داخل مصر والعالم العربي.

اليوم وبعد مرور قرن كامل على كتابة هذه السطور، تحتضن العاصمة الماليزية كوالالمبور، قمة بين قادة خمس دول إسلامية في سياق شديد الحساسية.

فهل استفاق العالم الإسلامي من غفوته الطويلة أخيرا؟ هل أدركت قرابة 60 دولة إسلامية مقدار القوة السياسية والاقتصادية والحضارية التي يحقّقها اجتماعها عوض التشرذم الحالي؟ هل يترك مسلمو الشرق والغرب أخيرا خلافاتهم المذهبية والعقدية جانبا ليضعوا التنمية والتجارة ومواجهة الخصوم المشترَكين في صدارة أولوياتهم؟

 

كلمة السر.. مهاتير

كلمة السرّ الأولى التي ينبغي معرفتها عند محاولة الإحاطة بسياق وخلفيات وأهداف هذه القمة هي “مهاتير محمد”؛ القائد السياسي الماليزي الذي عاد أخيرا إلى قمرة القيادة الحكومية في بلاده، إلى جانب وجود دول وقيادات كل من تركيا وإندونيسيا وباكستان وقطر، تتقاسم مع مهاتير حمل همّ النهوض الإسلامي الذي استعصى تحقيقه منذ كانت الدولة العثمانية توصف بالرجل المريض.

يتعلّق الأمر في قمة كوالالمبور بلقاء يضمّ كلا من إندونيسيا؛ أكثر البلاد الإسلامية سكانا بواقع أكثر من مئتي مليون نسمة، وباكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا، وتركيا صاحبة أعلى معدلات للنمو الاقتصادي، والأولى أوروبيا والسابعة عالميا في الإنتاج الزراعي، كما يصنف جيشها ضمن أقوى عشرة جيوش في العالم، إلى جانب قطر ممثلة العالم العربي وصاحبة أكبر حقل للغاز الطبيعي، وأعلى دخل للفرد على مستوى العالم، كما تحتل المركز الأول عربيا والثاني عالميا في جودة التعليم وبرامجه، بالإضافة إلى امتلاكها آلة إعلامية ضخمة.[2]

وُلدت فكرة هذه القمة في رحم منتدى كوالالمبور الذي انطلق عام 2014، والذي سعى منذ البداية إلى بناء شبكة علاقات جديدة بين قادة العالم الإسلامي، إلى جانب المؤثرين الأساسيين في المجتمعات الإسلامية من مفكرين وباحثين وخبراء.. وفي أجندة هذه القمة مواضيع التنمية والسيادة، والنزاهة والحُكم الجيد، والثقافة والهوية، والعدالة والحرية، والسلام والأمن والدفاع، والتجارة والاستثمار، بالإضافة إلى الإنترنت والحكومة التقنية.[3]

بذرة منتدى كوالالمبور ارتوت بفضل عوامل أخرى تكاثفت فوق سمائها، منها التطلّع التركي المصمِّم على الخروج من الهامش الذي فرضته التوازنات الدولية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية، على دول العالم الإسلامي.

طموح تقاطع مع إرادة مماثلة لدى دول مثل قطر الراغبة في التخلص من قيود محيطها الجغرافي، وكبرى الدول الإسلامية في آسيا -أي إندونيسيا وماليزيا وباكستان- والتي يقيّد كلا منها نظامٌ إقليمي يبدو كما لو صمّم خصيصا للحؤول دون نهوضها.

 

منظمات إقليمية.. سقوط ورقة التوت

في مقابل هذا الطموح المشترك، صادفت الدول الخمس المجتمعة في العاصمة الماليزية كوالالمبور سقوط آخر أوراق التوت عن أنظمة إقليمية أخرى ظلّ الأمل معلقا عليها لتحقيق نهضة جديدة للعالم الإسلامي، منها جامعة الدول العربية ومجلس دول التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي..

أظهرت هذه المنظمات في السنوات الأخيرة عجزها البيّن عن تشكيل ذراع يحمي الدول الإسلامية، سواء منها الدول العربية التي تعصف بها الفوضى والتدخلات الأجنبية، أو غير الإسلامية التي يعاني كل منها صنوف الحصار والاستهداف بشكل منعزل.

وجاءت القمتان العربية والإسلامية اللتان احتضنتهما المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة شهر مايو/أيار 2019، دون أن تسفرا عن أي بارقة أمل، لتفتحا الباب أمام المحاولة بشكل مختلف.

“نشعر في كثير من الأحيان بأننا نقف وحدنا حين نعترض على الاضطهاد الممارَس ضد فلسطين والقدس”، هكذا يعبر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في كلمة ألقاها أمام اجتماع وزراء الشؤون الاجتماعية لمنظمة التعاون الإسلامي في مدينة إسطنبول التركية يوم  9 ديسمبر/كانون الأول 2019، في شبه استنتاج يسبق الإقدام على خطوة جديدة.[4]

 

حاضر كئيب.. حنين مشروع إلى الماضي

ظلّ المسلمون يلعبون أدوارا حيوية في الاقتصاد والعلاقات الدوليين حتى القرن الـ18، خاصة عبر الدولة العثمانية التي كانت تضاهي القوى الدولية الكبرى، بمن فيها القوى الأوروبية.

لكن ومنذ بدايات الطفرة الصناعية التي شهدتها أوروبا، بات العالم الإسلامي المستهدَف الأول بالاستعمار والاستغلال، سواء منه الواقع تحت سيادة الدولة العثمانية، أو ما كان خارج نطاق ترابها مثل الدولة الصفوية والمغرب والدولة المغولية في الهند والأوزبك في آسيا الوسطى..[5]

والحديث عن العالم الإسلامي يعني الإشارة إلى تجمّع بشري يضم أكثر من خُمس ساكنة العالم، ونحو ربع مساحته، وكما يعني منطقة تمتد فوق ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، وثروات طبيعية تضم قرابة نصف الإنتاج العالمي من النفط ونحو 20% من المساحات الزراعية.. وهي العوامل التي تفسّر دواعي محاولات تأسيس نهضة جديدة على أساس إسلامي، وفي الوقت نفسه إمعان القوى الدولية في استهداف هذا المجال وإثقاله بالحروب والنزاعات والديون..[6]

ففي أراضي العالم الإسلامي تجري أهم الأنهار وأطولها مثل النيل -وهو أطول أنهار العالم- والنيجر والسند وزمبيري ودجلة والفرات وآمو والسنغال.. ويطل العالم الإسلامي على أهم البحار والمحيطات والمضايق البحرية، كما تحتضن أراضيه مدخلَي المحيط الهندي (مضيق ملقا في الشرق بين ملايو وسومطرة، ومضيق باب المندب في اليمن)، ومدخلي البحر المتوسط (قناة السويس في مصر، ومضيق جبل طارق في المغرب).[7]

لكن في مقابل ذلك، لا تخلو منطقة من مناطق العالم الإسلامي من نزاع ساخن أو آخر كامن، وباستقراء الأرقام نجد أن من بين 27 دولة إسلامية في آسيا توجد نزاعات بين 21 منها، ومن بين 26 دولة إسلامية في أفريقيا هناك 16 دولة منهكة في نزاعات بينية منذ عدة عقود، وهناك 22 دولة عربية في منظومة دول العالم الإسلامي يتنازع 18 منها، بل وحتى في أمريكا الجنوبية دولتان إسلاميتان دار بينهما نزاع إقليمي.[8]

 

فكرة عمرها أكثر من قرن

حين نتحدث عن الوحدة الإسلامية، فإن الأمر يتعلق بانبعاث فكرة قديمة تعود إلى القرن الـ19، حين كان المسلمون يستشعرون خطر الزحف الأجنبي عليهم مع ضعف دولة الخلافة الأخيرة، أي الإمبراطورية العثمانية.

ويعيد المؤرخون تاريخ ميلاد فكرة الوحدة الإسلامية إلى ستينيات القرن الـ19 تحديدا، حيث ظهر ما يعرف في الكتابات الغربية بالـ”بانايسلاميزم” (panaislamisme)، والتي تجسدت في تيار فكري يدعو إلى تجاوز الخلافات البينية وتوحيد قوى العالم الإسلامي لصد الهجمة الاستعمارية.[9]

انبنت هذه الفكرة على وحدة المصير الذي تواجهه مكونات العالم الإسلامي العربية والتركية و”الهندية”، ووجود أساس قوي يسمح لها بالوحدة من خلال المرجعية الروحية والفكرية الواحدة.

وزادت الحملة العسكرية التي قادها نابوليون بونابارت ضد مصر متم القرن الـ18 في تأجيج هذه الفكرة، وبات التقارب العربي التركي على وجه الخصوص يفرض نفسه كخيار وحيد لمواجهة الأطماع القادمة من أوروبا. وبرز مفكرون نظّروا لهذا الحلم، من بينهم جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي.. وشهد القرن الـ19 لحظات من محاولات الدولة العثمانية النهوض بالعالم الإسلامي من جديد، خاصة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

ففي مقابل الورقة المسيحية التي لعبها الأوروبيون، عمد السلطان عبد الحميد إلى تغيير الخلفية الفكرية للدولة بجعلها أكثر “إسلامية”، على اعتبار أن المسلمين كانوا يشكلون أغلبية رعايا الإمبراطورية، كما أن الدين الإسلامي يعتبر القاسم المشترك بين أكثر المناطق حساسية واستهدافا من جانب الخصوم، وهي المنطقة العربية.[10]

وتُرجمت السياسة “الإسلامية” للسلطان عبد الحميد سياسيا بعودة قوية لمفهوم الخلافة على حساب السلطنة، وتميّز عبد الحميد في ذلك بتقديمه صورة مختلفة عن السلاطين العثمانيين، مظهرا قدرا كبيرا من التقوى والزهد والحرص على التعاليم الدينية. ورفع عبد الحميد شعار “الجماعة الإسلامية”، وراح يستأنف “الفتوحات” بطرق سلمية عبر ربط صلات جديدة مع مسلمي كل من الصين والهند وأقصى جنوب أفريقيا، داعيا إلى توحيد صفوف المسلمين عبر العالم.

كان هذا السلطان العثماني يحاول استباق وصول المخططات الأوروبية إلى قلب العالم الإسلامي وعمل على تحديث أدوات قوة الدولة، فمد آلاف الكيلومترات من خطوط البرق والهاتف، وبنى غواصة وحاول تحديث سلاح الجيش العثماني  وأطلق مشروع خط سكك الحجاز مختصرا بذلك رحلة الحج الشهيرة إلى الحجاز من 40 يوما إلى 4 أيام فقط.[11]

وفي الوقت الذي شكّل العرب حجر الزاوية في السياسة الإسلامية للسلطان عبد الحميد، يقول العالم البريطاني “جورج وايمان بوري” في كتابه “الوحدة الإسلامية”: إن التنافر العربي العثماني كان وراء إفشال محاولة توحيد المسلمين التي جرت على يد آخر خلافة إسلامية، وبدعم من ألمانيا التي كانت تحاول قطع الطريق على منافسيها الأوروبيين الزاحفين على ثروات العالم الإسلامي.[12]

محاولات.. لكن يائسة

بعد سقوط الخلافة العثمانية بشكل رسمي في نهاية 1923، انتشرت موجة غضب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وتسارعت وتيرة المبادرات الرامية إلى إعادة جمع شتات المسلمين، واحتضن جامع الأزهر عام 1926 المؤتمر الإسلامي الأول بشأن موضوع الخلافة.

وبعد الانتصارات التي حققها آل سعود في نجد والحجاز، رفع الملك سعود شعار توحيد المسلمين، ودعا إلى مؤتمر عام في مكة صيف العام 1926، والذي شهد طرح فكرة تشكيل لجنة إسلامية موحدة للإشراف على الأماكن المقدسة، والتي كان يمكن أن تصبح نواة لمشروع وحدة إسلامية، لكنها سرعان ما توارت إلى الخلف مع بسط آل سعود لسيطرتهم الكاملة على مكة والمدينة.[13]

أما ثالث أكبر المؤتمرات التي شهدها النصف الأول من القرن الـ20 لبحث الوحدة الإسلامية، فشهدته مدينة القدس عام 1931، وذلك بمبادرة من مفتي المدينة أمين الحسيني. ورغم طرح مشروع معاهدة لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي العام، فإن الأوضاع الخاصة لفلسطين والانقسام الكبير بين الدول الإسلامية، حال دون تفعيله. وبعد صعود المدّ القومي العربي في المنطقة، باتت فكرة تأسيس وحدة إسلامية في أسفل ترتيب الأولويات.

 

انبعاث جديد.. منتصف القرن الـ20

عادت فكرة تأسيس منظمة تضم الدول الإسلامية لتبرز منتصف خمسينيات القرن الـ20، أي فور شروع الدول الإسلامية في الحصول على استقلالها بعد الفترة الاستعمارية.

وكانت الأفكار الأولية التي جرى طرحها في ذلك الوقت تنصبّ على الجوانب الدينية والفكرية، لكن التجربة الأولى لتأسيس مؤتمر إسلامي عام لم تلق النجاح المأمول، لتبادر المملكة العربية السعودية عام 1962 لتأسيس “رابطة العالم الإسلامي”.[14]

اتخذت هذه الرابطة بدورها بعدا ثقافيا، لكن أحد مؤتمراتها الذي انعقد في العاصمة الصومالية مقاديشو في السنة نفسها، شهد إطلاق دعوة لعقد مؤتمر للدول الإسلامية، مع تكليف العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بمهمة التحضير لهذا المؤتمر.

وتطلّب الأمر انتظار العام 1965، حيث انطلق الملك فيصل في جولات نحو العواصم الإسلامية لإقناعها بهذه الفكرة، وشملت جولاته إيران والأردن والمغرب وباكستان وتونس ومالي.. فانقسمت ردود الفعل الرسمية بين ثلاث حالات:

الأولى هي الدول الإسلامية التي أيدت الدعوة إلى عقد القمة من دون تحفظات، وهي كل من الصومال وإيران.

والحالة الثانية هي لدول أيدت فكرة التضامن الإسلامي بشكل عام من دون أن تلتزم بفكرة عقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية، وهي الأردن والسودان وباكستان والمغرب وغينيا والنيجر.

وكانت هناك فئة ثالثة لدول إسلامية عارضت تماماً عقد مؤتمر قمة إسلامية، أهمها العراق والجزائر ومصر وسوريا.[15]

وبرّر المعارضون موقفهم بكون الدعوة لقمة إسلامية تنطوي على خلفية سياسية، وتهدف إلى تكوين ائتلاف دولي إسلامي ضد الدول التي تتبنى التيار القومي العربي، وضد مجموعة الدول التي تعتنق المذهب الاشتراكي. كما أن المعارضين اتهموا هذا المشروع بالسعي إلى تشكيل تحالف موال للغرب في الشرق الأوسط.

والحقيقة أن معارضة هذه الدول كانت نتيجة للخلاف السياسي الذي نشب بينها وبين الأردن والسعودية عقب انهيار مؤتمرات القمة العربية، وفشل محاولات تسوية القضية اليمنية، مما أدى إلى دخول المشروع في معترك الخلاف السياسي العربي.[16]

 

حريق أشعل أمل الوحدة

الانقسام العربي الذي كان وراء تجميد فكرة المؤتمر الإسلامي توارى إلى الخلف بعد نكسة 1967، حيث برز التضامن العربي من جديد، خاصة بين السعودية ومصر.

كما ساهمت “الصحوة الإسلامية” في تزايد حضور البعد الإسلامي في السياسات العربية، ليكون الحريق الذي أقدم متطرفون يهود على إضرامه في السجد الأقصى في أغسطس/آب 1969 الشرارة التي أشعلت التضامن الإسلامي، وسمحت بعقد مؤتمر الرباط في 22 سبتمبر/أيلول بالعاصمة المغربية.

حضرت أشغال المؤتمر 25 دولة إسلامية، وهي أفغانستان والجزائر وتشاد وغينيا وإندونيسيا وإيران والأردن والسعودية والكويت ولبنان وليبيا وماليزيا ومالي والمغرب وموريتانيا والنيجر وباكستان وتونس والسنغال والصومال واليمن الجنوبي والسودان وتركيا ومصر واليمن الشمالي.

وكان المؤتمر أقرب إلى أن يكون اجتماعاً لمناقشة موضوع حريق المسجد الأقصى من أن يكون مؤتمراً لإنشاء تنظيم دولي إسلامي، لكن النقاشات التي تخللت المؤتمر شهدت طرح فكرة تأسيس تنظيم إسلامي دولي، مع انقسام على وظيفته بين قَصره على قضية القدس، أو جعله تنظيما دائما.

وللتوفيق بين التيارين، نص الإعلان على تشاور حكومات الدول الأعضاء بغية التعاون الوثيق والمساعدة المتبادلة في الميادين الاقتصادية والعلمية والثقافية والروحية، وحياً من تعاليم الإسلام. ويلاحظ أن الإعلان لم ينص على التعاون السياسي، بل تحدث عن التعاون والمساعدة المتبادلة.[17]

ترك مؤتمر الرباط الباب مواربا أمام خطوة جديدة لتحقيق هدف تأسيس منظمة إسلامية، وهو ما تم في 1970 بمدينة جدة السعودية، حيث انعقد في مارس/آذار أول اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية، بحضور ممثلي 17 دولة، وهي أفغانستان والجزائر وغينيا وإندونيسيا وإيران والأردن والكويت ولبنان والنيجر وباكستان والسعودية والسنغال والصومال وتونس ومصر واليمن الشمالي وتركيا.

وبعد نقاش حاد، انتصر خيار إنشاء منظمة لها أمانة دائمة وميثاق خاص، وجرى الاتفاق على عقد اجتماع سنوي لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وتقرّر جعل مدينة جدة مقرا مؤقتا للأمانة العامة، على أن تنتقل إلى مدينة القدس بعد تحريرها، كما كلّف المؤتمر ماليزيا -رغم عدم مشاركتها- باختيار الأمين العام. ثم عاد وزراء الخارجية للاجتماع في العاصمة الباكستانية، مع التحاق كل من تشاد وليبيا وماليزيا ومالي وموريتانيا والمغرب.

وبعدما تعذّر انعقاد اجتماع جديد كان مقررا في أفغانستان عام 1971 بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد، التأم وزراء الخارجية عام 1972 في جدة السعودية من جديد، حيث ارتفع عدد الدول الإسلامية إلى 30، بالتحاق كل من الإمارات والبحرين وعُمان وقطر وسوريا، والسودان وسيراليون. ويعتبر هذا الاجتماع لحظة التأسيس الفعلي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث صودق على ميثاقها، ليكتمل نصاب التصديق عليها في فبراير/شباط 1973، وأصبح الميثاق بمثابة معاهدة دولية ملزمة.

لكن، ومنذ ذلك الحين، لم تتجاوز هذه المنظمة حاجز الاجتماعات البروتوكولية وإعلان النوايا، وبقي نشاطها محصورا في المجالات الفكرية والثقافية وفي دعم مدينة القدس بتوفير بعض الخدمات الأساسية.

 

محاولة أربكان.. حلم لم يكتمل

محاولة أخرى لتأسس منظمة توحد الدول الإسلامية، وهي التي أقدم عليها رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان عام 1997. ضمّت هذه المنظمة التي حملت اسم “مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية” كلا من تركيا ومصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش.

وجاء اختيار الدول الثماني محتكما بالأساس إلى العنصر الديمغرافي، حيث تضم هذه الدول ما يقارب المليار نسمة، مع ترك الباب مفتوحا أمام بقية دول العالم الإسلامي من أجل الانضمام.

وكان الهدف الرئيسي لهذا التكتل الدولي الجديد هو محاولة تحسين موقع الدول الإسلامية في الخريطة الاقتصادية العالمية، وذلك عبر استلهام تجارب أخرى ناجحة في العالم، كمثل تلك التي قام بها الأوروبيون أو الأمريكيون في الوحدة والتكتل على أساس اقتصادي.

الخطوة جاءت في سياق كان فيه خطاب حزب الرفاه الإسلامي يقدّم للأتراك بديلا سياسيا وحضاريا جديدا، وذلك من خلال إمكانية قيادة تركيا لهذه الكتلة الإسلامية الضخمة، وجرّها نحو التقدم والتطور، وهو ما يحقق مصالح تركيا الاقتصادية، ويحيي أمجادها التاريخية.

وهي عوامل تفسّر كيف كانت أحلام الأربكانيين تذهب إلى حدود الحلم بمنظمة أمم متحدة للدول الإسلامية، تقوم على أسس الإسلام المتمثلة في العدل والمساواة والحق، بدلا من منظمة الأمم المتحدة التي يتحكم فيها الغربيون ويقيمونها على أسس القوة والظلم، مجسَّدا في حماية دولة إسرائيل.

حافظت هذه المنظمة على وجودها ونشاطها، لكنّها ظلّت منحصرة في بعض الخطوات الرمزية للتقارب والاندماج، آخرها قرار استعمال العملات الوطنية في المبادلات التجارية البينية. لكن التأثير الدولي والإستراتيجي لهذه المنظمة ظل محدودا، ولم يُقنع بقية الدول الإسلامية بالالتحاق بها.

 

ربيع إسلامي

عاد الشعور بأعراض العطب والحاجة إلى تصحيح مسار العمل الإسلامي المشترك ليبرز في الأسابيع الأولى للربيع العربي، حيث دعا المؤتمر التحضيري للملتقى العالمي لخريجي الأزهر الذي انعقد في يناير/كانون الثاني 2011، إلى تكوين وفد ديني على أعلى مستوى من الرموز الدينية في العالم الإسلامي للقيام بإصلاح العلاقات بين مختلف الدول العربية والإسلامية المتنازعة.

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب في افتتاح المؤتمر: إن الأمة في مفترق طرق حيث يتم تنفيذ مخططات تقسيمها وتفتيتها إلى دويلات وإشعال النعرات الطائفية، باستهداف القضاء على أي أمل في توحيد صفوف المسلمين حاليا ومستقبلا.[18]

وفي اللقاء نفسه، دعا الدكتور يوسف القرضاوي، الذي كان وقتها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى إصلاح البيت الإسلامي من الداخل عن طريق حل النزاعات الداخلية والتي تقع بسبب الاختلاف الديني أو العرقي أو الطائفي، ثم العمل على تسوية المشكلات الحدودية وإنهاء بؤر الصراع بين الدول العربية والإسلامية وبعضها أو بينها وبين غيرها..

كما ذهب المفكر الإسلامي محمد سليم العوا إلى أن الإصلاح الحقيقي لأحوال الأمة يبدأ بالمصارحة قبل المصالحة، وأن يعلم الجميع أن المخاطر والمؤامرات الدولية لن تستثني منهم أحدا وإنما يتم تنفيذها على مراحل.

وفي العام نفسه، أي 2011، جرت محاولة جديدة لبعث منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث جرى تغيير اسمها لتصبح “منظمة التعاون الإسلامي”، في مؤتمر لمجلس وزراء الخارجية بالدول الأعضاء عقد في أستانة عاصمة كزاخستان في يونيو/حزيران 2011.

يومها قال الرئيس الكزاخستاني نور سلطان نزار باييف: إن العالم الإسلامي يستحوذ على ما نسبته 70% من الموارد الطبيعية في العالم، في مقابل نسبة 7% فقط من نصيبه في التجارة العالمية، داعيا وفقا لذلك إلى وضع تصورات اقتصادية جديدة، لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة، فضلا عن تعزيز نظام التمويل الإسلامي.[19]

إذا فإن قمة كولالمبور تكتسيها أهمية وبعد استثنائيان، فالقاسم المشترك بين الدول الخمس المشاركة فيها مركّب ويجمع بين اعتماد سياسات خارجية هي أقرب ما يكون من نهج “عدم الانحياز” تجاه القوى الدولية الكبرى، خاصة منها الولايات المتحدة والصين وروسيا.

كما أن الدول الإسلامية المجتمعة تضم قوة ديمغرافية تتجاوز نصف مليار نسمة، وهي دول تتسم باعتدالها الديني، رغم بؤر التطرف التي يضم بعضها. كما أن جلّ هذه الدول قام بخطوات جبارة في مسار التنمية مقارنة بباقي الدول الإسلامية، ولا تعدم القوة العسكرية والحضور الاقتصادي الوازن.[20]

فهل تشرق شمس الوحدة الإسلامية أخيرا من مرقدها؟

المصادر:

[1] http://www.gutenberg.org/files/26981/26981-h/26981-h.htm#Page_11
[2] http://mubasher.aljazeera.net/opinion/%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%9F
[3] https://arabicpost.me/opinions/2019/12/12/%D9%82%D9%85%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5/
[4] https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%B8%D9%89-%D8%A8%D8%AA%D8%B4%D8%AC%D9%8A%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-/1668191

[5]http://hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9.pdf

[6]http://hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9.pdf

[7] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/c73b7204-f2e5-4083-9476-9908b7e5bf64
[8] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/8105cfaf-99d3-41b2-bfa4-20770a61ed3e
[9] https://www.lesclesdumoyenorient.com/Le-panislamisme-1-fondements-et-ideologie-1860-1909.html
[10] /portrait/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%8F%D8%B1%D8%B6%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%B5%D9%81/

[11] https://archive.islamonline.net/?p=9082
[12] http://www.gutenberg.org/files/26981/26981-h/26981-h.htm
[13] https://www.lesclesdumoyenorient.com/Le-Panislamisme-2-L-epreuve-des-nationalismes-1909-1948.html
[14] https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/206922.html
[15] https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/206922.html
[16] https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/206922.html
[17] https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/206922.html
[18] http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/fb33c117-eac1-4120-9c75-e87e3b36a6f1

[19] https://web.archive.org/web/20181020231608/http://www.alriyadh.com:80/645933
[20] [20] https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/11/29/%D8%AA%D9%83%D8%AA%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD-%D9%88%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B0%D9%8A%D8%B1-1