مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.. سُفَراء في منزلنا

مراد بابعا

لا شك أن شراء سلعة ما أو اختيار مطعم أو نادٍ رياضي، أصبح في يومنا هذا يمر بالأساس في مرحلة أولى بالاطلاع على تجارب الآخرين التي تقاسموها مع أصدقائهم أو متابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا التوجه الجديد الذي أصبح يؤطر القرارات الاستهلاكية للعديد من الأشخاص، دفع بكثيرين إلى احتراف مجال التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلين هذا الانتشار الكبير الذي أصبحت توفره هذه المواقع وتهافت الشركات على هذه الآلية التسويقية الجديدة.

هؤلاء الذين أصبحوا يعرفون بمؤثري مواقع التواصل الاجتماعي (Social Media Influencer)، يستطيعون الوصول إلى جمهورهم بواسطة مواقع التواصل وعلى رأسها “فيسبوك” و”إنستغرام” و”يوتيوب”.

فقد أصبحنا نشاهد يوميا محتوى إخباريا وإعلانيا مكثفا على هذه المنصات، يكون خلفه أشخاص تمكنوا من الحصول على جمهور افتراضي يتابع منشوراتهم بشكل دائم، فأصبحوا مؤثرين افتراضيا في هذا الجمهور.

هؤلاء المؤثرون تحولوا أيضا إلى سفراء لماركات عالمية ولشركات وأحزاب سياسية لتمرير خطاباتهم ومنتوجاتهم إلى الجمهور.

فكيف يؤثر إذن هؤلاء الأشخاص على متابعيهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهل أصبح ذلك مهنة يحترفها البعض، ولماذا أصبحت كبرى الماركات العالمية تفضل تمرير خطاباتها الإعلانية عبر “مؤثري” مواقع التواصل بدلا من القنوات التقليدية؟

 

العالم الافتراضي.. تأثير من وراء الشاشة

لا يمكن لأحد أن يتجاهل التغيير الكبير الذي أحدثته مواقع التواصل في حياتنا اليومية، فقد أصبحنا مرتبطين بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وبات الشباب خصوصا مرتبطين حد الإدمان بما يُنشر على هذه المواقع، سواء لمعرفة تفاصيل حياة أصدقائهم وزملائهم، أو متابعة النجوم والمشاهير أو من أجل تصفح قنوات البيع الإلكتروني وصفحات خبراء التجميل والرياضة إلخ..

هذا العالم الافتراضي أصبح تدريجيا يتحكم في خيارات عيشنا اليومي، وأصبحت تُبنى وفقه خططنا المستقبلية، سواء تعلق الأمر بتغيير أثاث المنزل أو شراء سيارة أو حتى وجهة الإجازة المقبلة. وتقدِّر الإحصائيات حاليا عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بـ3.2 مليارات مستخدم بشكل يومي أي ما يعادل 42% من سكان العالم، بمعدل نمو غير مسبوق، إذ تتم إضافة ما يقارب مليون مستخدم نشط جديد كل يوم.

نجوم الفن والرياضة.. التجارة من وراء حجاب

ويُفضل أغلب المستعملين الأجهزة المحمولة لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يزيد من عدد الزيارات التي تتكرر لعشر مرات في اليوم على الأقل؛ مما يعطي الفرصة لآلاف الصفحات والإعلانات للتسلل إلى المستعملين الذي يبقون في نظر الشركات والمؤسسات الربحية مجرد مستهلكين محتملين.

وغالبا ما يعتمد هذا المحتوى على طريقة استهداف ذكية، مقترحا منتجات أو خدمات كانت في السابق موضوع بحث على شبكة الإنترنت. وخلف كل هذا، نجد شبكات تسويقية تستغل جميع التقنيات الترويجية المتاحة.

وفي السنوات الأخيرة وخصوصا بعد النمو الكبير لقطاع التجارة الإلكترونية، بدأ الاعتماد بشكل كبير على الأشخاص كثيري الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجوم الفن والرياضة الذين يحظون بمتابعة كبيرة، ليتحولوا تدريجيا إلى أشخاص مؤثرين افتراضيا في مجالات مختلفة، من التجميل إلى الطبخ وحتى السياسة.

 

الترويج الإلكتروني.. الناصح المأجور

استفاد نشاط “مؤثري” مواقع التواصل من التطور الكبير الذي شهدته من جهة مواقع التواصل الاجتماعي، والقفزة المهمة التي شهدها قطاع التجارة الإلكترونية من جهة أخرى.

فالتجارة عبر الإنترنت لا تشبه أبدا التسوق العادي، فالمنتج الذي تقوم بطلبه وأنت خلف الشاشة تراه فقط بشكل افتراضي، وقد لا يشبه تماما ما ستتوصل إليه في نهاية المطاف، وهذه الإشكالية دفعت كثيرين إلى البحث في تجارب أشخاص آخرين قاموا بشراء المنتج نفسه للتأكد من مطابقته للوصف الذي وضعته الشركة المنتِجة قبل اتخاذ قرار الشراء.

ومع كثرة هذه الطلبات ظهر أشخاص احترفوا هذا المجال، وأصبحوا “مجربين” للمنتجات المعروضة في مواقع التسوق، وأصبحوا يحظون بمتابعة كبيرة تحولوا معها بسرعة إلى “مؤثرين” تتهافت عليهم الشركات للترويج لمنتجاتها.

الترفيه والتجميل والموضة.. أحصنة الرهان الرابحة

وفقا لتقرير “التسويق من خلال المؤثرين على الصعيد العالمي” (Influencer Marketing report) الذي صدر هذه السنة، فإن 61% من المشاركين في الاستطلاع أكدوا تفاعلهم مع أحد “المؤثرين” مرة واحدة على الأقل في اليوم. وينشط أغلب المؤثرين بحسب التقرير دائما في مجال الترفيه متبوعا بمجال التجميل والمشاهير ثم الموضة. كما سجل التقرير اختلافا بين الجنسين، إذ تفضل الإناث متابعة المؤثرين في مجال التجميل بنسبة 56%، بينما يفضل 54% من الذكور متابعة المؤثرين في مجال الألعاب والترفيه.

وكشف موقع “إنفلوانسر ماركتنغ هوب” (Influencer Marketing Hub) من جهته عن اهتمام كبير يوليه المعلنون لهذه الظاهرة الجديدة، إذ يعتبِر 55% منهم أن التسويق عبر المؤثرين فعال جدا، كما عبر %81 من هؤلاء المعلنين عن نيتهم زيادة قيمة الميزانية المخصصة للتسويق من خلال المؤثرين السنة القادمة.

وفي سنة 2016 أثَّر موقع فيسبوك على 62% من مستخدميه في اتخاذ قرار الشراء، بعدما كانت هذه النسبة في حدود 52% عام 2015.

فيما يتصدر حاليا موقع إنستغرام مواقع التواصل الاجتماعي من حيث عدد متابعي المؤثرين وصناع المحتوى بنسبة 65%، متبوعا بموقعي يوتيوب وفيسبوك بحسب تقرير “التسويق من خلال المؤثرين على الصعيد العالمي” لعام 2019.

 

إنستغرام.. معقِل المؤثرين

أصبح موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام منصة تسويقية قوية تفوقت على المواقع الأخرى، فبحسب مؤسسة “هوت سوت” (Hootsuite) المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي، حظيت العلامات التجارية على إنستغرام بمعدل تفاعل أعلى بـ58 مرة من فيسبوك، وبـ120 مرة من تويتر.

ودائما ما ينشر موقع “هوبر إتش كيو” (Hopper HQ) قائمة بأكثر المشاهير تحقيقا للأرباح الضخمة عبر نشر صورهم على إنستغرام، وبعض هؤلاء المشاهير “المؤثرين” وصل إلى مبلغ مليون دولار عن كل مشاركة، وهو الرقم الذي حققته نجمة تلفزيون الواقع الأمريكية “كايلي جينر”، تليها المغنية الأميركية “سلينا غوميز” التي يتابعها أزيد من 160 مليون شخص، بأجر 800 ألف دولار عن كل منشور.

وفي عالم الرياضة يحصل مثلا لاعب كرة القدم البرتغالي “كريستيانو رونالدو” على 750 ألف دولار للإعلان الواحد، علما بأن حسابه على إنستغرام يتابعه حاليا 190 مليونا وفقا لتقرير نشره موقع “هوبر إتش كيو”.

وعربيا تتصدر خبيرة التجميل العراقية الأصل هدى قطان، قائمة الأشخاص الأكثر تأثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بأرباح تصل إلى 33 ألف يورو للمنشور الواحد، وبعدد متابعين يقارب الـ40 مليون متابع.

وتُسيل أرقام المتابعين النشطين على هذا الموقع المتخصص في نشر الصور والفيديوهات لُعاب الماركات العالمية وشركات المنتجات المختلفة، إذ تستعين بهذه الأسماء المعروفة التي تملك قواعد جماهيرية واسعة، ليكونوا واجهة دعائية لهم، من أجل الترويج لمنتجاتهم وخدماتهم.

الحاجة إلى المؤثرين ظاهرة مرتبطة بالبشر منذ القديم
الحاجة إلى المؤثرين ظاهرة مرتبطة بالبشر منذ القديم

 

إرث الملوك والشعراء.. مهنة التأثير

الحاجة إلى المؤثرين ظاهرة مرتبطة بالبشر منذ القديم، فحتى قبل ظهور الإنترنت ووسائل الإعلام المتطورة، كان الناس يتأثرون بالشعراء والأدباء والملوك والأمراء، فيحاولون تقليدهم في الملبس والمأكل وأسلوب العيش، ويقتادون بتجاربهم في مجالات مختلفة.

لكن ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص مكَّن أشخاصا غير معروفين وغير مبدعين بالضرورة في مجال معين من أن يصبحوا مؤثرين أو على الأقل صناع محتوى معيّن، يتابعه أشخاص قد يقدر عددهم بالآلاف أو الملايين.

وانتعش نشاط هؤلاء “المؤثرين” بازدهار التجارة الإلكترونية ونمو السوق الاستهلاكية بشكل كبير من جهة، وحب الاستطلاع ومتابعة الحياة اليومية للآخرين من جهة أخرى.

 نشاط "المؤثرين" انتعش بازدهار التجارة الإلكترونية ونمو السوق الاستهلاكية
نشاط “المؤثرين” انتعش بازدهار التجارة الإلكترونية ونمو السوق الاستهلاكية

 

المرشدون الافتراضيون.. حاجة في نفس يعقوب

أصبح الشراء عبر الإنترنت في يومنا هذا رهينا بالاطلاع على تجارب الآخرين وآرائهم خصوصا في مجال التجميل والموضة والأزياء، وأيضا في مجال الهواتف والتكنولوجيات الحديثة، مما دفع بآلاف الأشخاص لاحتراف هذا المجال، مقدمين أنفسهم للجمهور كمساعدين أو مرشدين في اتخاذ القرار.

لكن هذا الخطاب لا يكون في الغالب بريئا، وليس غرضه تقديم النصائح فقط وتوسيع قاعدة المتابعين وزيادة عدد الإعجابات، بل يكون حاملا لخطاب إعلاني لإقناعك بشراء منتج دون غيره، بناء على اتفاق مسبق بين “المؤثر” والمؤسسة التي ترغب ببيع منتوجها.

ورغم أن البعض قد يعتبر الأجور التي يحصل عليها بعض “المؤثرين” مقابل عملهم الترويجي مبالغا فيها، فإن الأموال التي تخصصها لهم الشركات ولوسائل التواصل الاجتماعي يبقى أقل بكثير مما تخصصه للإعلانات في وسائل الإعلام التقليدية.

 موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام أصبح منصة تسويقية قوية تفوقت على المواقع الأخرى
موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام أصبح منصة تسويقية قوية تفوقت على المواقع الأخرى

 

كيف نمسك العصا من الوسط؟

يبدو إذن أن التسويق عبر المؤثرين أصبح إحدى أكثر الطرق فعالية، وتستخدمها الشركات من أجل استهداف جمهور نشط، بهدف زيادة الوعي بمنتوجاتها، لكن السحر ينقلب أحيانا على الساحر، ويصعب ضبط “المؤثرين” الذي قد يتحولون إلى مسيئين للعلامة التجارية في حال حصول أي خلاف، خصوصا أن مواقع التواصل الاجتماعي غير مقيدة، ويستحيل ضبط الأمور فيها عندما تخرج عن السيطرة.

كما أن بعض نشطاء مواقع التواصل يعمدون إلى شراء المتابعين لإظهار قوة تأثيرهم، ورفع أجورهم في بورصة المؤثرين، وهذا يتسبب أحيانا لبعض المعلنين في خسائر مالية دون أي نتائج تذكر.

وحاولت بعض الدول مؤخرا إصدار قوانين تنظيمية لهذا النشاط، مثلما فعلت ألمانيا مثلا سنة 2017 حينما فرضت عقوبات على نشاط الإعلان الخفي في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره انتهاكا لقانون المنافسة الشريفة.

كما أصدرت بعض الدول العربية كالإمارات والسعودية قانونا يفرض على المؤثرين الحصول على تراخيص سنوية، لممارسة نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

 الهوس بالمؤثرين يؤدي إلى متابعتهم بشكل يومي، وخلق إدمان على المحتوى الذي ينشره "المؤثر"
الهوس بالمؤثرين يؤدي إلى متابعتهم بشكل يومي، وخلق إدمان على المحتوى الذي ينشره “المؤثر”

 

الهوس.. نتائج لا تحمد عقباها

في الجانب النفسي يؤدي الهوس بالمؤثرين إلى متابعتهم بشكل يومي، وخلق إدمان على المحتوى الذي ينشره “المؤثر” الذي يُفرض عليه تقديم الجديد في كل مرة من أجل الحفاظ على متابعيه وزيادة عددهم، وربح مزيد من الأموال التي تؤديها له المنصات الاجتماعية.

وهذا الإفراط في التواصل وغياب المحتوى الهادف أو الترويجي، يدفع “المؤثر” إلى مشاركة تفاصيل حياته اليومية مع متابعيه، في فقدان تام للخصوصية والجانب الحميمي الذي قد لا تتقبله بعض المجتمعات، خصوصا المجتمعات المحافظة.

كما يؤدي الحديث عن الأرباح التي يحققها بعض “المؤثرين” إلى ظهور متطفلين على المجال، يريدون تحقيق الربح السريع دون بذل أي مجهود؛ وهو ما يؤدي بهم غالبا إلى الفشل، وظهور محتوى رديء وأحيانا معتمد على الإثارة يلوث صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.