“ملفات مصر الغامضة”.. أهرام الرفاهية الأبدية في الدار الآخرة

علي صبري

مصر القديمة هي إحدى أطول الحضارات عمرا في التاريخ، وقد ازدهرت هذه الحضارة لأكثر من ثلاثة آلاف عام فكانت أول دولة تشكل قوة عظمى في العالم. ولفهم كيفية نشأة هذه الحضارة، فقد عرضت الجزيرة الوثائقية فيلمامن أربع أجزاء بعنوان “ملفات مصر الغامضة”، حيث عجائب المصريين القدماء وحياتهم ومدافنهم، وما خلّفته من معالم وآثار، حيث يوظف العلماء التقنيات الحديثة في محاولة فهم بعض ألغاز تلك الحضارة وآثارها.

 

الجزء الأول: بناء قوة عظمى

يتناول الجزء الأول ملفات القوة العظمى، ممثلة في لغز بناء الأهرام والعمال الذين بنوها وكيف كانوا يعيشون، وأول إضراب لهم عن العمل، ومن هي كليوبترا وكيف كان شكلها، لأننا لم نعثر لها على مومياء، وما سر انهيار مدينة تل العمارنة التي سعى أخناتون لتكون المدينة الفاضلة، وأخيرا من أين جاء الفراعنة إلى مصر؟

بناء الأهرام.. هدية من أسوان على ظهر النيل

يناقش الفيلم الفرضيات التي قدمها علماء الآثار حول مقالع الحجارة الضخمة التي بنيت بها الأهرام، وطريقة نقلها من مصدر الحجارة في أسوان على بعد 800 كيلومتر إلى منطقة صحراوية هي الجيزة، وكيف رفعت لارتفاعات شاهقة (تعادل خمسين طابقا من بناء اليوم) لبناء الأهرام التي استغرق بناؤها سبعين عاما، ويقدر أعداد العاملين في بنائها بحوالي 30 ألف شخص.

يعادل ارتفاع الأهرامات خمسين طابقا من بناء اليوم

 

ويناقش الفيلم فرضية أن مسار النيل لم يكن هو ما نراه اليوم، بل كان محاذيا للأهرامات، وهو ما مكن من نقل الحجارة عبر النيل من أسوان إلى الجيزة. وتعتمد الفرضية على أوراق “بردى” عثر عليها بالقرب من البحر الأحمر، يعتقد أنها مذكرات لعامل شارك في بناء الأهرام.

كليوباترا الفاتنة.. لغز أشهر ملكة في تاريخ الفراعنة

مثلت الملكة كليوباترا واحدا من الملفات الغامضة في مصر القديمة، لأنها لم يعثر على مومياء لها، فهل كانت شهرتها إذن بسبب جمالها الفاتن أم شخصيتها القوية؟ من أجل حل ذلك اللغز سعى العلماء إلى توظيف التكنولوجيا في إعادة بناء شكل تقريبي للملكة كليوباترا الحقيقي، بناء على عملة معدنية عبارة عن دينار فضي يعود إلى عام 32 قبل الميلاد، وتظهر عليه صورة كليوباترا، لكن ملامح وجهها أقرب إلى رجل منها إلى امرأة فاتنة.

لم يعثر على مومياء للملكة كليوبترا حتى اليوم، فهل يمكن أن تكون قصتها مجرد خرافة؟

 

بينما يعتمد مسار آخر للتحقق من شكل كليوباترا على جمجمة يعتقد أنها تعود لشقيقتها آرسينوي التي عرف أنها مدفونة في أفيسس بتركيا، وبمحاولة إعادة بناء الوجه وفقا لمقاسات وأبعاد الجمجمة، ويعتقد العلماء أنها لم تكن بذلك الجمال الأخاذ الذي يتداوله الناس، وإن كان البعض يشكك في نسبة الهيكل العظمي المكتشف لآرسينوي، لأنه يعود لفتاة في الـ 15 من عمرها، وهي توفيت عن 25 عاما.

تل العمارنة.. انهيار مدينة أخناتون الفاضلة

مثلت مدينة تل العمارنة واحدا من الملفات الغامضة، لأن الفرعون أخناتون بنى المدينة بعيدا عن الجيزة، لتكون بمثابة مدينة فاضلة بعد أن آمن أخناتون بالإله الواحد واعتمد الشمس رمزا لهذا الإله، وبمساعدة زوجته نفرتيتي قضى على الآلهة المتعددة التي كانت تعبد في النظام الديني السابق، لتكون تل العمارنة المدينة التي يعبد فيها الإله الواحد.

مجموعة كبيرة من الجماجم المكتشفة في تل العمارنة عام 2006 تعود لطبقة العاملين والفقراء في المدينة

 

وقد ازدهرت مدينة تل العمارنة لأكثر من عقد، وباتت مدينة فاضلة متألقة، لكن السجلات تظهر انهيار المدينة بطريقة غامضة بعد عقدين من تأسيسها. لذا يحاول علماء المصريات معرفة الكارثة التي حصلت في المدينة، فقد عرفت بالرفاهية العالية ومظاهر الترف، في مقابل حضور كثيف للجنود وحراس الملك، مما قد يؤشر إلى خطر كان يتهدد أخناتون وعرشه.

وتشير مجموعة من العظام والجماجم التي كشف عنها في تل العمارنة عام 2006، وتعود لطبقة العاملين والفقراء في المدينة، عن أنهم كانوا يقومون بأعمال شاقة يوميا دون توفر غذاء كافي، بينما كان أخناتون سخيا في تقديم القرابين من اللحوم والفواكه في الهواء الطلق بالمذابح لتمتص الشمس خيراتها، لذلك يعتقد العلماء أن شعب أخناتون تخلى عن المدينة الفاضلة بعد موته بسبب معاناتهم في ظل حكمه.

قرية العمال.. بقايا الطعام تكشف أسرار بناة الهرم

لعبت أفلام هوليود دورا في تخيل طريقة بناء الأهرام، وهي بالطبع واحدة من فرضيات تعالج طريقة نقل الحجارة ورفعها لبناء الهرم، وتشير فرضيات إلى أن أكثر من 100 ألف عامل شاركوا في بناء الهرم الكبير، وساهم اكتشاف قرية للعمال على بعد 400 متر من الهرم عام 2002 في تعزيز هذه الفرضية.

يعتقد بأن أكثر من 100 ألف عامل شاركوا في بناء الهرم الكبير

 

وقد وضحت القطع الأثرية في القرية كيف كان يعيش عمال بناء الأهرام ونظامهم الغذائي وأسلوب حياتهم، وكان لافتا اكتشاف عظام حيوانات وأسماك وطيور، مما يشير إلى توفير الطعام الجيد للعمال للقيام بمهامهم، كما يشير إلى أن من بنى الأهرام لم يكونوا من العبيد كما يشاع، وإنما من العمال المهرة الذين كانت الدولة تدفع لهم بسخاء.

أسرار الحمض النووي.. نبش في أصول المصريين القدماء

سطرت حكايات كثيرة عن الفراعنة والمصريين القدماء وأصولهم، وتحاول التقنيات الحديثة وفحص (دي إن أي) الإجابة على هذا السؤال، فبعض النظريات تعتقد أن بناة حضارة المصريين لم يأتوا من وادي النيل بل من أقدم حضارة على وجه الأرض، أرض ما بين النهرين أو العراق، وكانوا بمثابة المحفز لاكتشاف المصريين قدراتهم، وذلك قبل نشأة حضارة مصر بحوالي 5000 عام، لكن لم تتوفر أدلة أثرية تكفي لتأكيد هذه الفرضية.

فحص الحمض النووي لثلاثة من المومياوات أثبت بأنها جاءت من بلاد الشام وتركيا

 

وهناك فرضية أخرى بنيت على آثار ونقوش هيروغليفية في مناطق النوبة جنوب مصر تتحدث عن غزو النوبيين لمصر، ثم حكم النوبيين مصر كفراعنة، لكن لم يكن من السهل تأكيد هذه الفرضية دون أدلة ملموسة، لذلك قام العلماء عام 2017 بفحص الحمض النووي لأكثر من 150 مومياء عثر عليها في القرن التاسع عشر في قرية أبو صير الملق شمال مصر.

إلا أن نقل المومياوات إلى أوروبا في ذلك الوقت دون حفظها بطرق علمية جعل العلماء يشكون أن المومياوات تلوثت بالأحماض النووية لمن لمس هذه المومياوات، لكن العلماء تمكنوا من إنجاز علمي بفحص الحمض النووي الخالص لثلاثة من المومياوات، وقد خلص الفحص إلى أن المومياوات جاءت من المناطق الأكثر ازدهارا في ذلك الحين وهي بلاد الشام وتركيا، ويبقى التحفظ على هذا الاستنتاج أن المومياوات جاءت من موقع واحد، ويصعب تعميم النتيجة على الحضارة المصرية بعمومها، لكن يمكن الاستنتاج بشكل أدق عند فحص الحمض النووي لمومياوات من كافة أنحاء مصر.

عهد رمسيس الثالث.. أول إضراب عمالي في التاريخ

اكتشف علماء الآثار قرابة 100 ألف وثيقة من السجلات في مدينة طيبة، وتشير الوثائق أن العمال نفذوا أول إضراب في التاريخ للمطالبة بحقوقهم المالية، ففي عام 1270 قبل الميلاد خضعت مصر للفرعون رمسيس الثالث، وتعرضت البلاد لعدة محاولات غزو من ليبيا وشرق البحر المتوسط، ونجح في صد الغزاة، لكن بدأت المشاكل الداخلية تكثر في نهاية حياة رمسيس.

العمال ينفذون أول إضراب في التاريخ للمطالبة بحقوقهم المالية في عام 1270 قبل الميلاد

 

وتكشف الوثائق المكتشفة عن سجلات العمال ومداولات المحاكم عن قضايا عمال جرى توظيفهم لبناء أضرحة في المقبرة الملكية، وتكشف عن توتر بين العمال الحرفيين ورؤسائهم بسبب عدم تقاضي العمال رواتبهم، وهو ما أدى إلى أول إضراب مسجل في التاريخ، وتكشف الوثائق أن هذا الإضراب نجح في حصول العمال على حقوقهم، وهو ما يشير إلى أن رمسيس الثالث لم يكن فرعونا ديكتاتوريا كما يتداول.

 

فيلم “ملفات مصر الغامضة”.. الجزء الثاني

 

الجزء الثاني.. الموت والحياة الآخرة

يناقش الجزء الثاني من السلسلة أسرار الموت والحياة الآخرة في معتقدات المصريين القدماء، مثل سر البناء المتقن للهرم الأكبر وقيمته الدينية لدى المصريين، وعمليات التحنيط التي لم تكن تقتصر على الفراعنة بل كانت تطال عامة الناس وحتى الأطفال والحيوانات، وكيف كانت تجري عملية حفظ المومياوات من اللصوص؟

“حديد من السماء”.. خنجر في قبر توت عنخ آمون

فقد بنى الفراعنة أكبر وأكثر المقابر إتقانا في تاريخ البشرية، لأن الموت كان جزءا مهما في ثقافة المصريين القدماء، فاستعدت النخبة بترف للحياة الآخرة، لأن الموت في ثقافتهم كان أبديا، لذلك وجد في قبر توت عنخ آمون خنجر مصنوع من الحديد الذي لم يكن قد عرف في العصر البرونزي حينها، وهو ما أثار استغراب علماء الآثار، إلا أن بعضهم يربط بين لغز الخنجر والسماء، حيث وجدت نصوص هيروغليفية تشير إلى ذلك في عبارة تقول “حديد من السماء”.

الفحص المخبري لخنجر توت عنخ آمون يثبت بأنه ذو أصل نيزكي قادم من السماء

 

وبفحص الخنجر بالأشعة السينية، تبين للعلماء أن تركيبته المعدنية هي ذاتها التي يتكون منها الحديد النيزكي، أي أنهم حصلوا عليها من أحد النيازك، وهو ما أضفى على الحديد شيئا من القداسة في الثقافة الفرعونية، لذلك حرص توت عنخ آمون على دفن الخنجر معه لأنه سيربطه بالآلهة مباشرة.

تقديم القرابين.. بريد الفراعنة إلى الآلهة

كان تقديم القرابين للآلهة جزءا مهما من الحياة الدينية للفراعنة، وغالبا ما كانت القرابين رموزا منقوشة تشبه إلها محددا، فقد عثر على مقبرة مليئة بملايين مومياوات الحيوانات، لكن بفحص الصور المقطعية بدا باطنها مختلفا عن ظاهرها.

وكانت مومياوات الحيوانات قد اكتشفت في ستينيات القرن الماضي في مقبرة بمنطقة سقارة التي بها أقدم الأهرام في مصر، حيث وجدت شبكة من الأنفاق تحوي كميات كبيرة من الأواني الفخارية التي يحوي كل منها مومياء لحيوان مصري قديم، وقد قسمت غرف المقبرة حسب أنواع الطيور والحيوانات، وكان بعض الحيوانات مرتبطا بأحد الآلهة في المعتقد المصري القديم، لذا كانت تقدم كقرابين للآلهة لتوصل طلب مقدمها لآلهته.

ارتبط تقديم قرابين الحيوانات بنشاط تجاري لكهنة المعابد بتقديمها للمعبد بعد تحنيطها

 

وارتبط تقديم قرابين الحيوانات بنشاط تجاري لكهنة المعابد من خلال تجهيز الحيوانات المحنطة الجاهزة لتقديمها كقربان، أو صناعة الجرار الفخارية التي تقدم بداخلها هذه القرابين، إلا أن بعض هؤلاء الكهنة كانوا يغشون في تجهيز القرابين، بوضع ريش أو عظم بدلا من الطير أو الحيوان داخل الجرة الفخارية.

ملح وادي النطرون.. ورشة تحنيط تبوح بأسرارها

كانت طقوس التحنيط والدفن مقدسة لضمان دخول الآخرة بنجاح والعيش في خلود، وكان لاكتشاف ورشة التحنيط دور في كشف لغز قديم، فكان للمحنطين القدامى مهارات لا نستطيع إتقانها اليوم، بحيث يبقى الشعر والرموش وأظافر اليد سليمة بعد آلاف الأعوام من تحنيطها.

ولأن الكتابات المصرية المكتشفة لم تشرح طريقة التحنيط بهذه الدقة، كان على العلماء اليوم محاولة فهم تلك الآلية عن طريق التجربة، فكشفت التحليلات الحديثة عن مزيج معقد من الأعشاب والزيوت التي تدخل في عملية التحنيط.

يفترض العلماء بأن عملية التحنيط تتم باستخراج الأعضاء الداخلية للميت ثم وضعها في أواني خاصة تحرسها الآلهة

 

وتشير فرضيات العلماء حول عملية التحنيط، إلى استخراج الأعضاء الداخلية للميت، ثم وضعها في أواني خاصة تحرسها الآلهة، بحيث يوضع كل عضو حيوي في وعاء خاص. كما وجد العلماء في ورشة التحنيط بقايا ما يعرف بملح النطرون، الذي يستخرج من وادي النطرون على بعد 80 كيلومترا من سقارة، وهو يزيل الرطوبة من الجسم لتجنيبه التعفن.

ولتجريب هذه النظرية علميا، جرى تحنيط جثة سائق تكسي تبرع بجسده للعلم، فغمرت الجثة بمحلول ملح النطرون شديد التركيز، وبعد أربعين يوما اختفت الرطوبة تماما من الجثة التي أصبح تشبه الحقيبة الجلدية.

معجزة المقاييس الهندسية.. لغز بناء الهرم الأكبر

ما زالت طريقة بناء المقابر العظيمة الممثلة في الأهرام سرا يحير علماء اليوم، خاصة الهرم الأكبر في الجيزة، فكيف شيد البناؤون هذا الهرم بهذه الدقة والضخامة؟ لقد استخدم العلماء تقنية الليزر لقياس حجم وأبعاد الهرم الذي بني قبل ثلاثة آلاف عام بارتفاع 250 مترا.

قياسات أبعاد الأهرامات الهندسية واتجاهاتها الفلكية تنم عن دقة هائلة في العمل والإتقان

 

ينظر للهرم الأكبر على أنه سلم إلى السماء وبوابة إلى الحياة الآخرة، لذلك بني بدقة متناهية أذهلت العلماء الذين قاسوا أبعاد البناء، ووجدوا أن الفارق بين أبعاد واجهات الهرم لا تتعدى 7 سم، فكيف تمكنوا من ذلك قبل آلاف السنين؟

وقد تمكن البناؤون القدامى من بناء الهرم متجها من الشرق إلى الغرب بدقة، حيث يرمز الشرق إلى عالم الأحياء والغرب إلى الحياة الآخرة.

رمال في رئات اليافعين.. مقابر البسطاء الجماعية

بينما كانت مقابر الفراعنة عظيمة البناء، كانت مقابر أخرى تكشف عن دفن صغار السن من البسطاء، حيث وجدت هياكل عظمية فيها العمود الفقري متعفن والعظام مفتتة، مثل مقابر اكتشفت عام 2015 في منطقة تل العمارنة، إذ وجدت قبور فيها أكثر من هيكل عظمي ليافعين، ويبقى السؤال كيف ماتوا في هذا السن؟ وما الذي قتلهم؟

مقابر لدفن صغار السن من البسطاء بهياكل عظمية فيها العمود الفقري متعفن والعظام مفتتة

 

كانت الأمراض والأوبئة في ذلك الوقت منتشرة على نطاق واسع، وكان بلوغ الثلاثين من العمر يعتبر تقدما في السن، وحاول العلماء في جامعة مانشستر عام 2012 تقديم تفسير للوفاة، فبعد تحليل 14 رئة لمصريين قدماء وجدوا فيها ذرات من الرمال، مما يشير إلى تعرضهم لعواصف رملية سببت لهم أمراضا تنفسية، لكن عدد الجثث في مقبرة تل العمارنة دفع العلماء للتشكيك في أن سبب الوفاة كانت الرمال.

ودفع فحص العظام العلماء للاعتقاد أن الشبان كانوا يعاملون معاملة قاسية ويجري استغلالهم في أعمال شاقة، إضافة إلى سوء التغذية وضعف النمو، مما تسبب في وفاتهم في سن مبكرة، كما وجدوا دلائل على انتشار مرض الملاريا على نطاق واسع، وهو ما تسبب في إبادة قرى بأكملها، ودفع لدفنهم في مقابر جماعية مثل مقبرة تل العمارنة.

حماية المقابر.. ذكاء اللص يهزم عبقرية المهندس

آمنت نخبة الفراعنة أن بلوغ الحياة الآخرة مرتبط ببقاء الجسد محنطا وممتلكاته دون مساس، لكن كيف حاول البناؤون منع اللصوص من سرقة تلك المقابر؟

يكشف علماء الآثار أن مهندسي الأهرام صنعوا ممرات ودهاليز معقدة وآليات أمان مصممة بدقة قبل الوصول إلى القبور، مثل الكثير من الأبواب الحجرية الصلبة الثقيلة المنزلقة التي يمكن إسقاطها، ولذا راجت أساطير عن كمائن تعترض كل من يحاول سرقة القبور وممتلكاتها، وهي أساطير لم تكن بعيدة تماما عن الحقيقة.

بعد أيام من دفن الفراعنة ومقتنياتهم كان لصوص المقابر يستولون عليها

ورغم ذلك فقد سرقت المقابر الأكثر قدسية وحماية، بعد أيام من دفن الفراعنة ومقتنياتهم، وتظهر الأدلة أن لصوص المقابر كانوا من كل الطبقات الاجتماعية، بمن فيهم كهنة آمون، كما كان بناة القبور أنفسهم هم الأقدر على الوصول إلى المقابر وسرقة كنوزها.

 

فيلم “ملفات مصر الغامضة”.. الجزء الثالث

 

الجزء الثالث.. الجريمة والعقاب

يناقش هذا الجزء من السلسلة إمكانية أن تكشف أدوات المسح الحديثة ما إن كان رمسيس الثالث مات مقتولا، أو أن يحل لغز التمثال الأكثر شهرة للملكة نفرتيتي. وهل يمكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي الحصول على أول حمض نووي من مومياء مصرية؟

لغز الرأس المقطوع.. محاولة حل القضية بعد 4 آلاف عام

يعتقد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في أمريكا أنهم قادرون على حل قضية عمرها 4000 عام، باستخراج حمض نووي من مومياء مصرية للمرة الأولى على الإطلاق. وذلك بفحص رأس محنط دون جسد اكتُشف عام 1915 في مقبرة دير البرشة (280 كيلومترا جنوب القاهرة)، لتحديد ما إذا كان الرأس يعود لذكر أو أنثى، إلا أنه بطباعة جمجمة بناء على تمثيل ثلاثي الأبعاد للرأس تبين فقدان عظام أساسية لتحديد جنس صاحب الرأس، وهو ما شكل انتكاسة للفريق العلمي.

بفحص الحمض النووي من سن أزيل من الجمجمة التي يعود تاريخها إلى 4000 سنة تأكد الفريق أن الرأس يعود إلى الحاكم جاخوتي ناخت

 

ومع ذلك فإن التوابيت التي وجدت في المقبرة نقش عليها أسماء أصحابها وهي للحاكم جاخوتي ناخت وزوجته، وكانا شخصين مهمين عام 2000 قبل الميلاد، ولا يعلم إن كان الرأس يعود للحاكم أم لزوجته.

ولكشف سر الرأس وصاحبه، تولى أكثر فريق خبرة في مكتب التحقيقات الفيدرالي تحليله ودراسته، وكان التحدي الأكبر هو أن يجد الفريق أي أثر للحمض النووي في الرأس، ليطبقوا تقنية (تسلسل الحمض النووي)، لكنها تبدو مهمة مستحيلة بعد 4000 عام، فقد يكون الحمض النووي تكسر بفعل الزمن والمناخ الصحراوي الحار، فضلا عن مشكلة أكبر وهي التلوث. لذلك يكمن التحدي في إيجاد منطقة في الرأس لم تمسها يد لأخذ الحمض النووي، وقد وجد الفريق ضالته باستخراج سن من الرأس بفتح فتحة في الرقبة، لكن تبقى احتمالات النجاح ضئيلة.

وبفحص الحمض النووي من السن، تأكد الفريق أن الرأس يعود إلى الحاكم جاخوتي ناخت وليس لزوجته، ويعد هذا إنجازا علميا يحقق لأول مرة باستخراج حمض نووي من مومياء مصرية، مما سيؤدي إلى اكتشافات أكثر في المستقبل في علم المصريات.

نفرتيتي التي سحرت “هتلر”.. لغز التمثال المتقن

يمثل التمثال النصفي للملكة نفرتيتي جوهرة التاج للآثار المصرية، فهو عمل فني رائع، لكن بعض العلماء يعتقدون أن هذا الوجه الجميل لأجمل ملكات مصر على الإطلاق، قد يكون مزيفا. يعود التمثال للأسرة 18 في مصر، ونظرا لجماله الفني فقد حرصت متاحف عدة على عرض نسخ منه حتى لو كان غير حقيقي، وهو ما أثار الشكوك حول صحة التمثال الأصلي، لذلك بدأ العلماء التحقيق في حقيقة التمثال الأصلي.

بدأ التحقيق بمسح التمثال بالتصوير المقطعي من خلال 64 قسما، وكشفوا للمرة الأولى عن الهيكل الداخلي للتمثال الذي يتكون في قلبه من الحجر الجيري المغطى بطبقة من الجص جرى تلوينها فيما بعد، وكان هذا الاكتشاف مثيرا للريبة، فلم يعهد علماء المصريات استخدام الجص في أعمال المصريين القدماء.

عمل خبراء متحف برلين عام 2009 على حل لغز تمثال نفرتيتي فوجدوا بأن أصباغه تتوافق مع ما درجت العائلة الـ18 المصرية على استخدامه

 

لذلك رجع العلماء إلى مذكرات “بول شارت” الذي اكتشف التمثال على مسافة خمسين مترا تحت الأرض، بحثا عن أي شيء خارجا عن المألوف، واقتفوا ظروف استخراج التمثال، حيث تزامنت مع زيارة أحد الأمراء الأوروبيين لموقع التنقيب، وربما أراد “شارت” إبهاره بهذا الاكتشاف المذهل.

هناك تفاصيل أخرى أثيرت للتشكيك في صحة التمثال، مثل كسور في الأذنين، بينما ملامح الوجه من الأمام سليمة مثل الأنف، في حين كسر مجسم الكوبرا على التاج، فربما أراد من زيف التمثال الحفاظ على أبرز ملامح جمال نفرتيتي في التمثال، وربما لذلك أثار التمثال إعجاب حاكم ألمانيا حينئذ “أدولف هتلر”، وضمه إلى مجموعته الشخصية، وبعد الحرب نقل التمثال إلى متحف برلين، وبات أكثر تحفه قيمة.

وقد عمل خبراء متحف برلين عام 2009 على حل لغز التمثال، وهل صنع من مواد قديمة أم أنه حديث الصنع، فأخضعوا التمثال لفحص (فلورية الأشعة السينية) بتوجيه أشعة الليزر إلى التمثال، ثم مراقبة العناصر الخارجة من الليزر لمعرفة ما إذا كانت هناك أصباغ حديثة على سبيل المثال، وكانت النتيجة صادمة، إذ تبين أن الأصباغ تتوافق مع ما درجت العائلة الـ18 المصرية على استخدامها في ذلك الوقت.

إلا أن هذه النتيجة لم تقنع جميع العلماء، فبقي بعضهم يصر على تحليل باقي المواد المصنوع منها التمثال مثل الحجر الجيري والجص، فهو ما يمكن أن يحسم الجدل حول هذا اللغز الجميل.

مصرع رمسيس الثالث.. المومياء الصارخة تكشف سر الجريمة

لطالما حير موت الفرعون رمسيس الثالث علماء المصريات، وباستخدام أحدث تقنيات التصوير يحاول العلماء كشف هذا اللغز المتعلق بآخر الملوك العظام في الأسرة العشرين في مصر القديمة، ويعتقد العلماء أن رمسيس الثالث الذي كان مهيمنا وقويا، لكنه عانى من مشاكل في القانون والنظام أدت إلى اضطرابات في وطنه، مما أثار التخمينات حول أنه ربما يكون قد تعرض لمحاولة اغتيال لتعيين خليفته المعين مكانه، بما يمكن تسميته بالانقلاب.

تحفظ جثة الفرعون الآن في المتحف المصري بالقاهرة، ولم يعثر العلماء عندما أجروا فحص المومياء عام 2012 على ما يفسر سبب وفاته، إلا أن الضمادات التي تغطي رقبته كانت محكمة بحيث أثارت الشكوك حول أنها قد تخفي شيئا ما، مما دفع العلماء إلى تركيز التصوير المقطعي على منطقة الرقبة دون إزالة الضمادات.

مكنت الصور المقطعية العلماء من تكوين صورة ثلاثية الأبعاد لجثة الفرعون، وكشف ذلك لهم عن تفاصيل أذهلتهم، إذ تبين وجود جرح عميق بعمق عدة سنتميترات جز رقبة الفرعون، وهو ما يؤكد أنه قتل في عملية اغتيال اكتشفت بعد ثلاثة آلاف عام من وقوعها، وهو ما استفز فضول العلماء للكشف عن هوية من تآمر على الفرعون وقتله.

جثة الفرعون رمسيس الثالث في المتحف المصري بالقاهرة

 

وبالعودة إلى المقبرة التي عثر فيها على مومياء الفرعون في مقبرة دير البحري، وجد العلماء مومياء غريبة عرفت لاحقا بالمومياء الصارخة، لأن فمها مفتوح وكأنها تصرخ، وتشير الأدلة المادية إلى أن صاحبها مات ماتت ميتة عنيفة.

شرّح العلماء المومياء الصارخة عام 2012، ووجدوا فيها ما أذهلهم، فالجثة لم تحنط بل تركت أعضاؤها الداخلية في جسدها، ثم لفّت بجلد ماعز نجس، ولم يكتب اسم صاحبها على التابوت، لعدم منحه دفنا لائقا، وتشير الدلائل إلى أن صاحب الجثة قد أعدم إما شنقا أو خنقا، ويربط العلماء حالة الجثة وما ورد في أوراق بردى تتحدث عن محاكمة جرت لمتهمين بمحاولة اغتيال رمسيس الثالث.

وتذكر السجلات أسماء المتورطين بالمؤامرة، ومنهم زوجة فرعون وابنها، إلى جانب عدد من المتعاونين ممن هم أقل شأنا، وفي حين عجل بإعدام الأفراد العاديين، لم يجر الأمر بحق أفراد العائلة الحاكمة بنفس الطريقة، ويعتقد العلماء أن بنتاوير ابن الفرعون قام بشنق نفسه بعد كشف المؤامرة، ولإثبات هذه النظرية علميا، سعى الخبراء إلى استخراج الحمض النووي من المومياء الصارخة ومقارنتها بالحمض النووي لجثة رمسيس الثالث، وتبين اشتراكهما في 50% من الصفات الوراثية، مما يرجح أنهما يعودان لأب وابنه.

قصر أفاريس الملكي.. مدفن أيادي العدو المقطوعة

كانت العقوبات على الجرائم في مصر القديمة قاسية تشمل الجلد والقطع، وقد وجد الباحثون أربع حفر فيها 16 يدا يمنى مقطوعة، وقد سعى العلماء لكشف حقيقة هذه الأيدي المقطوعة والمدفونة في قصر ملكي في المدينة القديمة في أفاريس على بعد 105 كم شمال القاهرة.

هذا الاكتشاف دفع علماء المصريات إلى دراسة النظام القضائي القديم في مصر، لتبين ما إذا كان قطع الأيدي جزءا من التشريعات العقابية للدولة، فقد كانت تشمل معاقبة الشهود الذين لم يبلغوا عن جرائم، كما كانت تشرع للتعذيب للحصول على معلومات من المتهمين.

وجد الباحثون أربع حفر في مقابر رمسيس الثاني ورمسيس الثالث فيها 16 يدا يمنى مقطوعة تعود لأعدائهما

 

وجد العلماء في مقابر رمسيس الثاني ورمسيس الثالث رسومات تبين تجميع كم كبير من الأيادي اليمنى المقطوعة التي تعود لأعدائهما، وكان هذا شائعا في سجلات الحروب التي توضح أن المنتصرين كانوا يقطعون الأيادي اليمنى لأعدائهم بعد مقتلهم، وكان ذلك دليلا يحرص الجنود على تقديمه للدولة لمكافأتهم على شجاعتهم، وتكمن قيمة اكتشاف أيادي أفاريس المقطوعة في أنها تقدم للعلماء نموذجا حيا لفكرة قطع أيدي الأعداء القتلى.

بانيت السارق.. أشهر مجرمي مصر القديمة

كشفت البرديات القديمة عن أشهر مجرمي ذلك الوقت بكل المعايير، إذ يملك هذا المجرم سجلا جنائيا حافلا، فقد وثقت ذلك بردية تدعى “بردية سولت” نسبة لتاجر آثار بريطاني اشتراها من مصر، وعند فحص البردية وجدوا أن عمرها يتجاوز 4 آلاف عام، وعثر عليها في قرية عمالية تدعى دير المدينة.

“بانيب” الذي عمل في عهد رمسيس السادس في الأسرة العشرين كان المتهم الرئيس في سلسلة من عمليات السطو على المقابر

 

تتحدث الوثائق التي عثر عليها عن عامل اسمه “بانيب” عمل في عهد رمسيس السادس في الأسرة العشرين- وأنه ارتكب جنحا لا حصر لها، فكان المتهم الرئيس في سلسلة من عمليات السطو على المقابر، وكانت سرقة المقابر تعد من أخطر الجرائم في مصر القديمة، خصوصا عندما تقع هذه الجريمة في إحدى أقدس المقابر مقبرة “وادي الملوك” التي كانت قريبة من منزل بانيت.

واستنتج الخبراء أن بانيت كان يعمل في بناء المقابر الملكية، وهو ما خول له الوصول إلى المناطق المحظورة، ومكنه من معرفة مواقع كافة المقابر وكنوزها، وتشير الوثائق إلى أن بانيت اتهم بسرقة مجسم لإوزة كانت رمزا لآمون من قبر الملكة حانوت ميراب، وكانت أكبر جريمة اتهم بها، فضلا عن سلسلة من الاتهامات بالجرائم الجنسية والزنا، وقد عوقب بانيت بعشرين جلدة.

 

فيلم “ملفات مصر الغامضة”.. الجزء الرابع

 

الجزء الرابع.. المعتقدات والخرافات

شكلت المعتقدات والخرافات أساس الحياة المصرية، وأثرت في كل مظاهر الحياة الفرعونية بدءا من المدافن وانتهاء بالتجارة الخارجية، وبعض الآثار الدالة على هذه المعتقدات لم يكشف عنها العلم الحديث سوى الآن.

مومياء لقرد البابون يعود تاريخه إلى عام 1200 ق.م عثر عليه في معبد للأسرة العشرين

وادي الجواسيس.. خيط لاكتشاف أرض البنط الغامضة

في عام 2004 عثرت بعثة آثار في موقع قرب وادي الجواسيس -وهو مرسى مصري صغير على البحر الأحمر- على أجزاء من سفن قديمة وحبال بردي ملفوفة وصواري سفينة، ولم تكن هذه السفن لنهر النيل، وإنما للإبحار في المحيط، كما عثروا على 43 صندوق شحن، وكان مكتوبا عليها للشحن إلى أرض البنط. لكن أين هي هذه الأرض التي كان يظن أنها أرض أسطورية؟ لا أحد يعرف.

تعود قصة أرض البنط إلى روايات أسطورية لبحار قذفته الأمواج إلى جزيرة في البحر الأحمر، ووجد فيها حيوانات غريبة، وجرى تثبيت بعض قصص الجزيرة في نقوش مصرية قديمة على الحجارة، مثل استيراد الذهب وخشب الأبانوس والبخور وغيرها من السلع القيمة التي كانت تستخدم في طقوس المعابد المصرية.

مومياء لقرد البابون يعود تاريخه إلى عام 1200 ق.م عثر عليه في معبد للأسرة العشرين

 

وتشير النقوش إلى رسومات لأشخاص سمر البشرة، يختلفون عن المصريين، وقد جلبوا حيوانات غريبة إلى مصر في عهد الملكة حتشبسوت، مثل قردة البابون التي كانت مقدسة عند المصريين القدماء، وحاولوا تتبع الموطن الأصلي لهذا النوع من القرود، لمعرفة موقع أرض البنط.

وقد عمل الخبراء سنة 2010 على دراسة مومياء لقرد البابون يعود تاريخه إلى عام 1200 ق.م عثر عليه في معبد للأسرة العشرين، ويحفظ الآن في المتحف البريطاني، واستخدم العلماء طريقة “نظائر الأوكسجين المستقر” في تحليل شعيرات من مومياء البابون، للتعرف على المنطقة التي عاش فيها قبل جلبه إلى مصر. ورجحت الدراسة أن قرد البابون يعود إلى ما يعرف اليوم بإريتريا.

يعتقد بأن عالم الآثار “إيرل كارنرفون” الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 قد مات بلعنة القبر

“سيعاجل الموت أي شخص يزعج مقبرة الملك”

يعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون أعظم الاكتشافات على الإطلاق في عالم المصريات، لكن هذا الاكتشاف طغت عليه خرافات كثيرة، مثل وفاة عالم الآثار “إيرل كارنرفون” الذي اكتشف المقبرة عام 1922، بالتهاب بعد أن لدغته بعوضة في وجهه، وأثناء حلاقته ذقنه جرح مكان اللدغة فالتهب الجرح، وتوفي بتسمم الدم، ففي المقبرة عبارة منقوشة تقول “سيعاجل الموت أي شخص يزعج مقبرة الملك”. وبقي الحديث عن اللعنة قائما لأكثر من سبعين عاما، فقد روجت الصحافة للقناعة بوجود اللعنة، وفي العقود التالية توفي ستة أشخاص كانت لهم علاقة باكتشاف مقبرة عنخ آمون.

يعتقد بأن عالم الآثار “إيرل كارنرفون” الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 قد مات بلعنة القبر

 

عام 2009 كانت مقبرة عنخ آمون عرضة للخطر بسبب زيارة السياح، فلم تبن هذه القبور لاستقبال ملايين الزوار الذين يمكنهم تخريب طلاء النقوش والرسومات، لذلك عمل فريق على بناء غرفة طبق الأصل من القبر برسوماته، ليتنفس فيها السياح كما يشاؤون، فأنقذ القبر من لعنة السياح.

وفي سياق محاولة تفسير أسباب الوفيات هذه، بحث العلماء في نظريات حول الغازات المنبعثة من جثمان توت عنخ آمون عند فتح اللفائف عنها، ونظريات أخرى عن فطر أسود عثر عليه على جدران القبر دون غيره، ويفسرون ذلك بالاستعجال ببناء القبر، وطلاء الجدران قبل أن يجف الجدار بشكل جيد، إلا أن فحص الفطر الأسود أثبت أنه غير سام، مما أثار الشكوك حول قصة اللعنة من أصلها، وأنها لم تكن سوى خيال صحفي.

اكتشاف بقايا مومياوات لـ180 ألف قطة محنطة في منطقة بني حسن خارج القاهرة

موميات بني حسن.. لغز تحنيط القطط الفرعونية الهجينة

بذل المصريون القدماء جهودا كبيرة في تحنيط موتاهم تجهيزا لهم للحياة الآخرة، لكن العلماء ذهلوا عندما اكتشفوا في ربيع عام 2018 مقبرة تحوي عشرات القطط المحنطة، وقد حاولوا فهم المغزى من تحنيطها، وباستخدام التقنيات الحديثة جرت دراسة الحمض النووي وجينات هذه القطط المحنطة، وكشفت التحليلات أن هذه القطط هجينة، وأنها وقع تهجينها في مزرعة خاصة للقطط.

كان يقع تحنيط القطط بتفريغ أحشائها وملء تجويفها بالزيوت والمراهم، ثم لفها بالضمادات، وكانوا يهتمون بتزيين المومياء بالزخارف مثل العيون والآذان والشوارب، مما يعكس أهمية تحنيط هذه القطط، لكن لماذا؟

اكتشاف بقايا مومياوات لـ180 ألف قطة محنطة في منطقة بني حسن خارج القاهرة

 

في سبيل السعي للإجابة على هذا السؤال، بذل الباحثون جهودا كبيرة في البحث عن أي دليل يفسر هذا الاهتمام، وقد ذهلوا عندما اكتشفوا في القرن التاسع عشر -عن طريق الصدفة- بقايا مومياوات لـ180 ألف قطة محنطة في منطقة بني حسن خارج القاهرة، وأرسلت المومياوات إلى بريطانيا لتباع هناك.

قدمت الأشعة السينية أدلة ترجح نظرية تقول إن القطط كانت تهجن لتذبح وتحنط، وقد عاشت هذه القطط حياة قصيرة جدا، وماتت بصورة وحشية عن طريق كسر أعناقها، ويعتقد العلماء أن قتل هذا العدد من القطط بهذه الطريقة له علاقة بممارسات دينية شارك فيها عدد كبير من الناس، ويشبهونه بإشعال الشموع في الكنائس في المناسبات الدينية.

الملفت في هذا الأمر هو مصير مومياوات القطط الـ180 ألفا التي أرسلت إلى بريطانيا في القرن الـ19، فقد أقيم مزادان في ليفربول لبيعها، لكنها لم تجذب المشترين لعدم معرفتهم بماهية هذه المومياوات، فبيعت بمبالغ زهيدة جدا، بلغت قرابة 3 جنيهات مقابل طن من مومياوات القطط المصرية القديمة، فكانت نهايتها صدمة كبيرة، فقد طحنوها لتصبح سمادا، وضاعت فرصة دراسة هذه المومياوات لفهم ذلك العصر وأسراره.

لون النيل الدموي.. قصص التوراة في ميزان العلم

تحدث سفر الخروج في العهد القديم عن سلسلة من الكوارث الطبيعية التي حلت بمصر القديمة، وقد حاول العلماء تفسير هذه الأوبئة والكوارث، مثل تحول نهر النيل إلى لون الدم، والضفادع والقمل والحشرات وغيرها، وتساءلوا ما إن كانت حدثت في مصر بالفعل، فدرسوا أكثر الأشجار المعمرة على وجه الأرض في مرتفعات كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وبدراسة حلقات جذوع هذه الأشجار -التي يعود عمرها إلى 3500 عام أي من عمر مصر القديمة- لفهم طبيعة تغيرات المناخ العالمي حينها، وجدوا تقاربا في حلقات جذوع الأشجار، مما فسروه على أنه تغير كبير في مناخ الكرة الأرضية تمثل في انخفاض كبير في درجات الحرارة.

تحدث سفر الخروج في العهد القديم عن سلسلة من كوارث طبيعية حلت بمصر القديمة وأنها سبب موت الحياة البيئية في النيل

 

وقد ربط العلماء بين ما ورد في العهد القديم وبين انفجار بركاني كبير وقع عام 1600 قبل الميلاد في جزيرة سانتوريني في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 640 كيلومترا من سواحل مصر، ووقعت أجزاء من الحجارة البركانية والرماد البركاني والكبريت في نهر النيل، مما قد يفسر تغير لون النيل إلى لون الدم، وهو ما قضى على الحياة البيئية في النهر، كما ورد في العهد القديم.

ويعتقدون أن انتهاء الحياة البيئية في النيل وموت كافة الأسماك والحيوانات في النهر، أدى إلى انتشار القمل والذباب وانتشار الأوبئة، مما يؤكد علميا القصص التي وردت في التوراة، إلا أنهم يردونها إلى أحداث طبيعية لا إلى معجزات إلهية وعقوبات للمصريين. كما يعتقد العلماء المعاصرون.

تميمة خنفساء الروث.. تحنيط الحشرة المنقذة يوم الحساب

من الظواهر التي لفتت علماء الآثار المصرية إيجاد كميات كبيرة من خنفساء الروث في المقابر القديمة، وقد اكتشفها الباحثون في عام 2018 في مقبرة خارج سقارة، ووجدوا خنفساء بحالة مثالية ملفوفة بالكتان منذ 4500 عام، فما أهمية هذه الحشرة القذرة التي تتغذى على الروث وتضع بيضها فيه، وما الذي دفع الفراعنة إلى تحنيطها؟

خنفساء الروث محنطة وملفوفة بالكتان منذ 4500 عام

 

يعتقد العلماء أن المصريين نظروا إلى الخنفساء وهي تدحرج كرة الروث، فرأوا أنها ترمز للشمس التي تتدحرج في السماء، مما جعل خنفساء الروث آلهة للشمس، وكان مجسم للخنفساء يوضع على جثة الموتى قبل لفها بالضمادات لتضمن لهم رحلة آمنة إلى الحياة الآخرة، ولذلك كانت هذه المجسمات توضع في قلادة من الحلي كتميمة، من أجل الغاية ذاتها، وحتى يمنع قلب الميت من الشهادة ضده في قاعة الحساب في الحياة الآخرة.

إيفيت الأم العظيمة.. رسم لحيوان يجمع أشرس المفترسات

لا شك أن كثيرا من المعتقدات المصرية القديمة لها جذور في الحياة الطبيعية، فيعتقد العلماء أن عبادة الحيوانات وتقديسها ساعد المصريين القدماء على ربط العالم من حولهم بآلهتهم، وكانت الطبيعة تقدم لهم آلهة تتجدد باستمرار. وفي إحدى المقابر في وادي الملوك وجد العلماء رسما لحيوان غريب، يتمثل في جسد فرس نهر ومخالب أسد ورأس تمساح، فما هذا الكائن؟ ولماذا جاء مزيجا من ثلاثة حيوانات شرسة؟

كائن عظيم يجمع أشرس المفترسات يطلق عليه اسم “إيفيت” يمثل دور الأم العظيمة التي تحمي الإنسان

 

ربط المصريون القدماء بين بعض الحيوانات القوية وآلهة يعتقدون بقوتها، فربطوا بين هذه الحيوانات وبين موسم الخصب والزراعة أو قوة الشمس، لذلك يفسر العلماء هذا الكائن الغريب بخشية الإنسان المصري من قوة هذه الحيوانات المفترسة، ويجمع بين الحيوانات الثلاثة عامل مشترك، هو شراستها في دفاعها عن صغارها، والأمومة القوية، ويتولى هذا الكائن الذي كان يطلق عليه اسم إيفيت دور الأم العظيمة لحماية الإنسان.