نبيل فاروق.. قلم الاستخبارات المصرية الذي كتب طفولة الأجيال

يونس مسكين

“المخابرات لا قلب لها، فهي تتعامل دائما من منظور واحد هو حماية الدولة والأمن القومي، وأنت بالنسبة إليها عدو محتمل حتى وإن كنت حليفا، وبالتالي عليها أن تجمع عنك كل المعلومات وتعرف أين تكمن نقطة ضعفك، حتى يوجهوا الضربة وقتما يريدون”.[1]

الحديث هنا عن أمهر عربي حدّث شعوب المنطقة العربية عن عالم المخابرات وجعلهم يقرؤون له بإعجاب وانبهار، إنه الكاتب المصري نبيل فاروق الذي ودّع الحياة يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2020.

إنه مبدع شخصية أدهم صبري وناسج خيوط سلسلة “رجل المستحيل” وصاحب القلم الذي بصم ذاكرة جيل كامل، ممن عاشوا فترة مراهقتهم وشبابهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، توفي بسبب أزمة قلبية مفاجئة، بعدما راكم من الإلمام والاطلاع والمعرفة ما أهّله ليشرح للجمهور لماذا يقال دائما إن المخابرات هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ، وكيف أنه وبمجرد أن تحولت الشعوب التي كانت تعيش في الكهوف إلى قبائل وبدأت هذه القبائل تتصارع، أصبح من الضروري تسلح كل قبيلة بسلاح المعلومات عن القبيلة الأخرى، ومن هنا ولدت الاستخبارات التي ستصبح مجال إبداعه الأدبي والروائي.

 

“أشعة الموت”.. خطوة الطبيب الأولى في عالم الأدب

وُلد نبيل فاروق رمضان في 9 فبراير/شباط 1956 بمدينة طنطا المصرية، وبدأت علاقته بالكتابة في وقت مبكر، حيث كانت أولى محاولاته في مرحلة دراسته الابتدائية والثانوية، ورغم التحاقه بكلية الطب فإن إصراره على الكتابة تواصل، حيث أعقب تخرجه من كلية الطب سنة 1980 بتتويج أدبي يتمثل في جائزة يمنحها “قصر ثقافة طنطا”، وذلك عن روايته “النبوءة” التي سيحولها بعد عقود طويلة إلى أول حلقة في سلسلة “كوكتيل 2000”.

كان نبيل فاروق يعتبر دخوله مجال الطب مجرد أمر فرض عليه فرضا من طرف عائلته، بسبب مجموع نقاطه في الثانوية العامة، أما ميوله الأصلي فكان الفنون الجميلة، لما كان يحوزه من مهارة في الرسم، وقد دخل كلية الطب نزولا عند رغبة العائلة، وتخرّج منها محصلا تكليفا رسميا بمزاولة المهنة، لكن بمجرد أن لاحت له فرصة احتراف الكتابة قدّم استقالته، وبالرغم من ذلك فإنه لم يتخل عن بدلة الطبيب، فقد ظلت شخصيته العلمية ترافقه في جل كتاباته، وتزوده بالمعلومات والتفاصيل التي شكلت مصدر إبهار للقراء.

كان منعرج حياة نبيل فاروق ونقطة انطلاقته الأدبية عام 1984، حين نشرت مجلة “عالم الكتب” إعلانا تطلب فيه إمدادها بأعمال أدبية في جنس الخيال العلمي، فتقدّم إليها بقصة “أشعة الموت” التي اختيرت للنشر لتصبح أول حلقة في سلسلة “ملف المستقبل”، وهي المرحلة نفسها التي صادف فيها فاروق الشخصية الواقعية المنتمية إلى جهاز المخابرات المصرية، وهي التي استلهم منها شخصية أدهم صبري، وبعد انطلاقته الأدبية الفعلية مباشرة اعتزل ممارسة الطب واقترن بزوجته ميرفت راغب، حيث رزقا بثلاثة أبناء.

توقف قلب نبيل فاروق عن النبض بشكل مفاجئ يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، حارما إياه من رؤية أشهر أعماله، وهو سلسلة “رجل المستحيل” يتحوّل إلى فيلم سينمائي، وكان قد أعلن سنة 2018 موافقته على المشروع وبيعه لحقوق التأليف للمؤلف الذي سيتولى تحويلها إلى سيناريو فيلم سينمائي، لكنه توفي قبل أن يرى هذا الحلم يتحقق.

سلسلة “رجل المستحيل” أول السلاسل التي شهرت نبيل فاروق

 

“جسّد بأعماله الروائية عددا من بطولات أبناء الوطن”

يعتبر نبيل فاروق واحدا من أكثر الكتاب العرب تأثيرا ورسوخا في وجدان شباب عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وقد خلّف مئات الروايات والقصص المسلية والمشوقة التي استأثرت باهتمام جيل من القراء، لما قدّمه لهم نبيل فاروق من حكايات ملهمة.

ورغم تأثر شعبيته بمواقفه من ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، فإن وفاته في بداية ديسمبر/كانون الأول 2020، حقّقت إجماعا نادرا، حيث نعته أصوات رسمية تتقدّمها المخابرات العامة ووزارة الثقافة المصريين، وكوكبة من المثقفين والنقاد والقراء.

خلّف نبيل فاروق أقوالا خلّدتها المراجع والمنتديات الفكرية والحوارية، منها قوله “لولا فتح العرب للأندلس ووجودهم فيها لما انتقلت الحضارة إلى أوروبا قبل نصف قرن آخر”، وتأكيده أن “الاسلام دين قوي ودين حق، يكفيه وجوده وتكفيه تعاليمه وحكمه ليقوى، وليقف في وجه كل حضارات الدنيا شامخا عظيما، ولا داعي لأن نفتعل ما نتصور أنه سيقويه فللدين رب يحميه”.[2]

وإلى جانب وزارة الثقافة المصرية وكوكبة من الكتاب والنقاد والروائيين، قامت المخابرات العامة المصرية بنعي نبيل فاروق إثر وفاته، حيث عمّمت بيانا قالت فيه إن الراحل “أثرى وجسّد بأعماله الروائية عددا من بطولات أبناء الوطن”.[3]

تجسس الجامعة.. بداية العلاقة مع المخابرات المصرية

لم يكن نبيل فاروق في حقيقة الأمر بعيدا تماما عن عالم المخابرات، فقد روى بنفسه أول احتكاك له بهذا العالم حين كان طالبا في كلية الطب، وطلب منه جهاز المخابرات المشاركة في عملية جاسوسية ضد إنجليزيين يثيران شبهات الأمن المصري، بينما يقومان بإعطاء دروس مجانية في اللغة الانجليزية، وذلك من خلال جمع المعلومات عنهما.

حينها ولدت شخصية أدهم صبري في ذهن نبيل فاروق ونمت تدريجيا، وحارب من أجل خروجها إلى الوجود، رغم ممانعة الناشرين في قبولها باعتبارها نوعا غير محبذ من الأعمال في مصر، لكن في المقابل لم يكن أي من الأعمال التي تتعلق بالمخابرات لتنشر قبل موافقة رسمية عليها، في علاقة “تنسيق” استمرت أكثر من ثلاثين عاما.[4]

هذه العلاقة الوثيقة التي جمعته بالمخابرات، لم تمنعه من انتقاد النظام في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، بل إنه نشر كتبا لاذعة في هذا النقد، منها “يا عيني يا مصر” و”عزبة أبوهم”، وكانا موجهين مباشرة إلى حسني مبارك، لكنه لم يتعرض لأي رد فعل من جانب السلطات.

ولم ينكر نبيل فاروق يوما أن شخصية أدهم صبري مستوحاة من شخصية مصرية حقيقية تنتمي إلى جهاز المخابرات، مفضلا ترك مهمة الكشف عن ذلك لغيره بعد وفاته، موضحا أنها لا تمثل شخصا واحدا فقط وإن كانت مبنية على شخص حقيقي قال إنه توفي عام 2015، بل تمثل عددا من الشخصيات التي قال إنها تنتمي إلى المخابرات المصرية، إذ يقول عن ذلك: أخذتُ أمهر شيء في كل شخص.[5]

تميزت سلسلة روايات “رجل المستحيل” بصغر حجمها واعتبرت من روايات الجيب سهلة الحمل

 

“رجل المستحيل”.. شخصية خارقة من أرشيف المخابرات

يعود ارتباط اسم نبيل فاروق بالمخابرات وعالم الجاسوسية أساسا إلى سلسلة “رجل المستحيل” التي تعتبر واحدة من أنجح إبداعات نبيل فاروق وأكثرها انتشارا على الإطلاق، فقد صادف الراحل في بداية عقد الثمانينيات حاجة ماسة في سوق القراءة إلى كتابات خاصة بما يعرف بـ”رواية الجيب”، أي تلك القصص المثيرة والمسلية التي يمكن للقارئ اليافع التهامها دون ملل.

أخرج فاروق من قبعة الساحر شخصية رجل المخابرات المصري أدهم صبري الذي جمع لوحده من الصفات ما يجعله الرجل الخارق، حيث مكّنه نبيل فاروق من فنون القتال واستخدام الأسلحة بجل أنواعها وقدرات لا محدودة في التجسس والتنكر واختراق صفوف العدو، مع ثقافة واسعة وتمكّن باهر بعدة لغات، وفوق مواصفاته البوليسية تلك رفع نبيل فاروق جاذبية أدهم صبري بتوابل رومانسية من خلال علاقته بزميلته منى توفيق.[6]

يواجه “أدهم صبري” -كما رسمه نبيل فاروق ونحت ملامحه العامة- انتقادات غزيرة من النقاد والمتابعين، باعتباره يجسّد الوجه البراق للسلطة، وأداة دعائية فتاكة لتثبيت نفوذها في قلوب وعقول الأجيال الشابة.

ثورة يناير.. فاروق نبيل في مواجهة العاصفة

يعاب على مبدع شخصية “أدهم صبري”، استفادته من احتضان المخابرات المصرية له، من خلال فتحها أبواب أرشيفها الخاص أمامه، لمساعدته على استلهام القصص والوقائع.

عاد كثيرون إلى استحضار هذه المؤاخذات، عندما سارع نبيل فاروق إلى انتقاد شباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، واصفا إياهم بالدكتاتوريين، وبكونهم إما سذجا أو إرهابيين، واشتعلت ضده جذوة الغضب من جانب شباب الثورة و”ألتراس” الفرق الرياضية والتيار الإسلامي، إلا أن هذه الانتقادات نفسها تتحول إلى إطراء في نظر البعض، باعتبار نبيل فاروق سمح بظهور شخصية رجل المخابرات الخارق.

ويسجل النقاد مرور كتابات فاروق عبر ثلاث مراحل، الأولى مثلت تأييدا واسعا للنظام الحاكم، وعلى رأسه الرئيس الراحل حسني مبارك، والثانية كانت في تحوله إلى معارضة النظام خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، ثم المرحلة الثالثة ممثلة في تأييد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، والهجوم على الكيانات الشبابية مثل “روابط الألتراس”، واتهامهم بالانتماء لجماعة “الإخوان”.[7]

سلسلة “فارس الأندلس” واحدة من السلاسل التي أثرى بها نبيل فاروق المكتبة العربية

 

“الاختفاء الغامض”.. صراع الأعداء في عاصمة الأنوار

تعتبر الرواية البوليسية جنسا أدبيا هامشيا في الثقافة العربية، وتندرج ضمن ما يعرف بالأدب الموازي، حسب أستاذ السرديات التونسي محمد القاضي، ويعتبر الدكتور بلقاسم مارس -الأستاذ بجامعة قابس التونسية- أن نبيل فاروق من أشهر كتاب الرّواية البوليسيّة في الوطن العربي، وذلك بفضل سلسلة “رجل المستحيل” التي تضاهي برأيه رواية “رأفت الهجان” لصالح مرسي، التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني شهير.[8]

وفي دراسة نقدية له حول الأدب البوليسي العربي، قال بلقاسم مارس إن نبيل فاروق حاول تمثّل أدب الجاسوسية مستعيرا بُنية الرواية البوليسية الغربية الخالصة، وذلك من خلال روايته “الاختفاء الغامض”.

تعرض هذه الرواية صراعا بين أجهزة المخابرات المصرية وأجهزة المخابرات الإسرائيليّة على أرض ثالثة هي العاصمة الفرنسية باريس، مما منح الاحداث جاذبية وإثارة كبيرين، ويحسب لنبيل فاروق في كتابته لهذا النص أنه أبان كسارد عن تمكّن كبير بأسرار وتفاصيل المواجهة التي تدور بين أجهزة المخابرات، مع ربط السرد البوليسي بالتاريخ الاجتماعي والسياسي، والتوظيف المتنوع لعناصر الحياة في المدينة وما يتخللها من جرائم.[9]

قاموس الرواية.. زخرف لغوي يفيض على المعاصرين

يتميز أسلوب نبيل فاروق في الكتابة بإصراره على جعل البطل مثاليا في كل شيء، فهو لا بد أن يكون وسيما وقويا ومثقفا وذكيا وذو أخلاق عالية. ويعمل في سرده للأحداث على المزج بين حديث الشخصيات وبين الوصف للمكان وشكل الشخصيات وملامح الوجه والطقس والانفعالات.

ويجمع نبيل فاروق في كتاباته بين وصف الأحداث والوقائع وبين التوقف عند المعارف والعلوم بكثير من التفصيل، وهو ينجح في كل ذلك في الحفاظ على تشويق القصة من البداية إلى النهاية، من خلال احتفاظه بقدر من الغموض والسرية.[10]

يقول بعض النقاد إن نبيل فاروق لقّح قاموس بعض ممن عاصره من الكتاب بعبارات وتراكيب ولدت من صلب يراعه، من قبيل “ازدراد الشطيرة” و”قبضة باردة تعتصر القلب” و”كال له اللكمات”… وهي عبارات وجدت طريقها نحو أساليب كتابة عدد من الروائيين الذين عاصروا فاروق، رغم أن نقادا آخرين كالوا لتلك العبارات والتراكيب قدرا غير يسير من السخرية والاستهزاء، باعتبارها زخرفا لغويا يخفي به الكاتب ضعف حبكته للعمل السردي.[11]

اهتم نبيل فاروق بروايات الخيال العلمي التي زادت من ثقافة الشباب حول المستقل

 

تسريب قِيم التفوق للناشئين.. احتفاء بالهوية الوطنية

كتب الكاتب والروائي المصري الشاب محمد سالم عبادة في رثاء نبيل فاروق قائلا إنه تعرّف على كتاباته نهاية عقد الثمانينيات، حين كان في القسم الثالث الابتدائي، وصادف -خلال زيارته ضمن رحلة مدرسية معرض القاهرة للكتاب- العدد الثالث من سلسلة “ملف المستقبل” الذي يحمل عنوان “مدينة الأعماق”.

وفسّر عبادة اختياره كتاب نبيل فاروق بالتحديد لأنه أشعره وقتها بأنه يكبر بقراءته، ويصبح أجدر بمجالسة البالغين ومحاورتهم لما يكتسبه من معارف جديدة، خاصة في مجال التكنولوجيا.[12]

فعن طريق كتابات نبيل فاروق اطلع محمد سالم عبادة على جوانب مثيرة من علم الجينات والطب المعاصر، وهي تستعمل من طرف المحققين الجنائيين لفك شفرة الجرائم.

ومن خلال روايات نبيل فاروق “رجل المستحيل” و”ملف المستقبل” و”فارس الأندلس”، لامس عبادة كيف يمكن للأدب أن يحتفي بالهوية الوطنية، ويعلي من قيمة الانتماء العربي الإسلامي، بطريقة فنية سلسة تتسلّل إلى ذهن القارئ بلطف ونعومة، فبين دفتي هذه الكتب عبرت لأول مرة فكرة التفوق الممكن على أعتى أجهزة المخابرات العالمية، بما فيها الـ”سي آي إي” الأسطورية.[13]

“ملف المستقبل” روايات الخيال العلمي التي تميز بها نبيل فاروق في عقد الثمانينيات من القرن الماضي

 

“ملف المستقبل”.. قطعة من أدب الخيال العلمي

فإلى جانب سلسلة “رجل المستحيل”، أبدع نبيل فاروق سلسلة “ملف المستقبل”، وإذا كانت الأولى مخصصة كليا لعمل المخابرات، فإن الثانية كانت قطعة من أدب الخيال العلمي، وقد أبهرت شباب ومراهقي الجيل الأخير من القرن العشرين.

كان في دور بطولة هذه السلسلة أيضا ضباط من المخابرات العالمية، يتقدّمهم الضابط نور الدين محمود، لكن الأحداث والوقائع كانت تهم طرقا علمية وتكنولوجية باهرة لإنقاذ البشرية ومعها كوكب الأرض من الأخطار والدمار. ففي كتيّبات “ملف المستقبل” عاش القراء اليافعون قصص السفر عبر الزمن وعبور الجدران وغزو الفضاء وصد الهجمات النووية والبيولوجية.

عمل نبيل فاروق أيضا على ترجمة عدد من الروائع الأدبية العالمية، مع العمل على تبسيطها وإرفاقها بالصور والرسومات، حرصا على تبليغها للجمهور الناشئ، وتوّج كتاباته المبدعة في الجمع بين عالم المخابرات وعالم الأطفال والشباب، بفوزه بجائزة “إبداع أكتوبر”، بفضل روايته “جاسوس سيناء.. أصغر جاسوس في العالم”، وهي تحكي قصة طفل بدوي يعمل لصالح المخابرات المصرية أثناء الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء.[14]

“لا أكره إسرائيل كدولة، بل أكرهها كأفعال”

ينوّع نبيل فاروق في كتاباته بين الرواية البوليسية والخيال العلمي والتطرق للشأن السياسي، فقد كان يعبّر عن عدم اقتناعه بالتخصص في الكتابة لكونها بالنسبة إليه مجرد “مود” (مزاج) يتقلّب فيه الكاتب، وبالتالي فعليه أن لا يحصر نفسه في خانة معينة.

وبالرغم من ذلك فإن شخصية أدهم صبري، بطل سلسلة “رجل المستحيل” كادت تسيطر عليه وتقترن باسمه، لدرجة أن شخصية أدهم دخلت في حرب خفية مع إسرائيل التي لا تخفي انزعاجها منه، لما يمثله من نموذج ملهم للعربي الذي يتفوّق على الأعداء.

قال نبيل فاروق في حوار سابق له مع صحيفة مصرية: “أنا شخصيا لا أكره إسرائيل كدولة، بل أكرهها كأفعال”، نافيا عن نفسه التسبب في كره اليهود، لكثرة استعراضه معارك أدهم وبقية أبطال رواياته ضد الموساد الإسرائيلي، بل إن الأمر بالنسبة إليه كان بسيطا، فإسرائيل هي أقرب نموذج لدولة تحتل أرضا ليست لها، ولو وجد نموذجا آخر لما تردد في الكتابة عنه.[15]

حين سئل عن الكتاب الذين تأثر بهم في تجربته الشخصية قال إنهم كثر، لكنه لم يتأخر في تعداد بعضهم، ويتقدمهم توفيق الحكيم بسبب “أفكاره غير التقليدية”، وإحسان عبد القدوس الذي يغوص في المشاعر الإنسانية، وعبد الحميد جودة بأسلوبه “الساحر”، إلى جانب كتاب أجانب آخرين مثل “جول فيرن” و”هربرت جورج ويلز”… أما عن هدفه من الكتابة فكان يلخّصه في منح قيمة للخيال العلمي، ونشر العلم بطريقة مبسطة، والمساهمة في إدراك قيمة الوطن، وتبليغ رسالة مفادها أن الأخلاقيات هي أهم ما في الحياة.

زوجة نبيل فاروق تتلقى العزاء برحيل زوجها

 

“وراء كل رجل عظيم امرأة”.. انتقادات الجنس الناعم

رغم أن أبطال روايات نبيل فاروق كانوا رجالا في معظم الحالات، فإن كتاباته احتفت بالمرأة واعتنت بها بشكل كبير، ويسجّل النقاد مثلا الحضور المميز للمرأة في سلسلة “رجل المستحيل”، وتحديدا في حياة بطلها “أدهم صبري”، حيث كانت صورة حبيبته منى توفيق تعتلي غلاف جميع أعداد السلسلة، إلى جانب صورة البطل، وهناك من قرأ في ذلك تجسيدا للقول المأثور “وراء كل رجل عظيم امرأة”.

كما يلاحظ المهتمون بأدب نبيل فاروق أنه حرص على منح بطلته مواصفات تجعلها أقرب ما تكون من المرأة المصرية، مع قدر غير يسير من الأنوثة والجمال، بالرغم من وظيفتها الأمنية كضابطة مخابرات.[16]

لكن هذا الرأي لا يحصل على الإجماع، إذ يرى البعض أن الشكل الذي ظهرت به المرأة في روايات نبيل فاروق ينطوي على كثير من الصور النمطية الجاهزة، حين يجعل فتاته خجولة مرهفة الإحساس تحافظ بشكل دائم على موقع خلفي وراء البطل، بل وكثيرا ما تتحوّل هذه المرأة إلى نقطة ضعف البطل، ومن خلالها يتمكن العدو من التسلل واختراق الطوق الأمني المحيط بأدهم صبري.

هذه الانتقادات يبدو أن الراحل نبيل فاروق حاول تجاوزها مع تقدمه في أعداد سلسلة “رجل المستحيل”، إذ أقدم على صنع شخصية جديدة هي جيهان فريد، التي ستصبح منافسة منى توفيق وغريمتها الأولى، لما تتفوّق به عليها من جمال وذكاء، إلى جانب شكلها المختلف عن المظهر العام للمرأة المصرية.[17]

برز تطوّر آخر في علاقة نبيل فاروق بالمرأة في سلسلة “ملف المستقبل”، حيث ظهرت سلوى زوجة ضابط المخابرات نور الدين محمود في هيئة مختلفة عن الصورة النمطية، فهي مهندسة اتصالات تتقاسم دور البطولة بشكل متساو مع زوجها، بينما لعبت ابنتهما نشوى دورا إضافيا في كسر التناول النمطي للمرأة، فهي مهندسة الكمبيوتر التي خاضت تجربة مثيرة مع كائنات فضائية أدت إلى حدوث طفرة عبقرية لديها.[18]

“المرأة مشكلة صنعها الرجل”.. عودة إلى جذور العقدة

تجربة نبيل فاروق مع قضية المرأة جمعها كتاب مستقل منحه الكاتب عنوان “المرأة مشكلة صنعها الرجل”، وقد نشر عام 2001، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المتفرقة التي كتبها نبيل فاروق حول المرأة، ويعالج من خلالها تعقيدات العلاقة بين المرأة والرجل، محاولا الإمساك بخيط يفسّر سبب ما تبدو عليه هذه العلاقة من صراع وتوتّر.

حاول فاروق في كتابه هذا اقتفاء جذور هذه العلاقة في التربية الأولى التي يتلقاها الذكور والإناث، مما يفضي إلى شخصيتين مختلفتين تقعان في مصاعب كثيرة تحول دون تعايشهما في كثير من الحالات.

يفسّر فاروق فكرة أن “المرأة مشكلة صنعها الرجل” في التربية التي يمنحها الأب لابنته، باعتبار أنوثتها لعنة وأمرا مخجلا ينبغي إخفاؤه، مما يولد حنقا لدى الفتاة تترجمه لاحقا إلى عداء مضمر تجاه الآخر، وخاصة الرجل، وتستمر مسؤولية الرجل هذه -برأي فاروق- في سلوكه كزوج، حيث يعامل زوجته بمنطق المتاع والشخص المطالب بتلبية رغباته وحقوقه، دون أن ينتبه إلى حقوقها ورغباتها.[19]

 

المصادر

[1] https://www.youtube.com/watch?v=8JhBhN1KP-k&feature=emb_logo
[2] https://www.goodreads.com/quotes/192054
[3] https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2020/12/11/1929069/المخابرات-العامة-تنعى-الكاتب-نبيل-فاروق-جس-د-بأعماله-العديد-من-البطولات-لأبناء-الوطن
[4] https://masralarabia.net/ميديا/1562098-في-حوار-سابق–نبيل-فاروق
[5] https://masralarabia.net/ميديا/1562098-في-حوار-سابق–نبيل-فاروق
[6] https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2020/12/12/نبيل-فاروق-الكتابة-للشباب-واليافعين
[7] https://www.alaraby.co.uk/culture/رحيل-نبيل-فاروق-الكتابة-قريباً-من-
[8] https://middle-east-online.com/كيف-نظر-بلقاسم-مارس-لأعمال-نبيل-فاروق
[9] https://middle-east-online.com/كيف-نظر-بلقاسم-مارس-لأعمال-نبيل-فاروق
[10] https://waleedgadry.com/2018/04/12/د-نبيل-فاروق-vs-د-أحمد-خالد-توفيق-الرائعا/
[11] https://arabi21.com/story/1321183/في-رثاء-نبيل-فاروق-نعم-تأثرت-به
[12] https://arabi21.com/story/1321183/في-رثاء-نبيل-فاروق-نعم-تأثرت-به
[13] https://arabi21.com/story/1321183/في-رثاء-نبيل-فاروق-نعم-تأثرت-به
[14] https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2020/12/12/نبيل-فاروق-الكتابة-للشباب-واليافعين
[15] https://masralarabia.net/ميديا/1562098-في-حوار-سابق–نبيل-فاروق
[16] https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55262055
[17] https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55262055
[18] https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55262055
[19] https://www.rqiim.com/rwanmohamed/المرأة-مشكلة-صنعها-الرجل