نتفليكس.. لماذا تُغرق منصتها بسينما مصرية “تافهة”؟

محمد موسى

ذكوريات مقيتة طافحة تصل إلى حدود تشجيع وتمجيد الاغتصاب الجنسي ضد النساء، تشويه وقولبة النساء المصريات وتصنيفهن بين المرأة الغاوية والضعيفة المغلوبة على أمرها، سخرية وتنمر من المختلف بكل أنواعه وبخاصة النساء حيث يُستهزأ بأشكالهن وأوزانهن.. كليشيهات لا تُحصر عن الحياة المصرية الشعبية (الحارة المصرية تحديداً)، لغة سينمائية نمطية وكسولة للغاية، غير مهتمة على الإطلاق بإثارة أسئلة أو نقاشات، مع تمسك بمقاربات سطحية للقضايا التي تمرّ عليها أو تعالجها، سواء في الأعمال الكوميدية أو الدرامية. هذه بعض سمات الأفلام المصرية التي انضمت إلى خدمة نتفليكس في هولندا أخيراً.

فجأة، أضافت الشركة الأمريكية العابرة للقارات أكثر من عشرين فيلماً مصرياً إلى خدمتها، وهي التي يُعرف عنها تحفظها عندما يتعلق الأمر بالأعمال التي تشتري حقوق عرضها على الخدمة، إذ تستأثر الأعمال الأمريكية او الناطقة بالإنجليزية بحصة الأسد من المادة الموجودة على الخدمة في نسخها الدولية، مع توفير أعمال تخص دول معينة تصل للجمهور الذي يعيش في تلك الدول، حيث إن المعروض من مسلسلات وأفلام فرنسية في خدمة الشركة الخاصة بفرنسا لا يتوافر على خدمة الشركة في بريطانيا.

السبكي وروتانا.. سينما رديئة

يعود تاريخ جميع الأفلام المصرية المضافة حديثاً على خدمة نتفليكس للسنوات العشر الأخيرة، وتتنوع الأفلام بين الكوميديا والدراما، ويقف وراء إنتاج معظمها منتجون من عائلة السبكي المصرية الشهيرة المثيرة للجدل، في الوقت الذي قامت فيه أستوديوهات روتانا السعودية بتوزيع الأفلام.

تسبق الإشارة الخضراء الخاصة بأستوديوهات روتانا عرض جميع الأفلام المصرية على نتفليكس، وتكاد هذه الإشارة تتحول –بسبب المستوى المتدني لمعظم هذه الأفلام- إلى لازمة لسينما سيئة كسولة.

تعكس الأفلام المصرية التي انتقتها نتفليكس التبدل الذي طرأ على السينما المصرية في العقد الأخير، لجهة ظهور جيل جديد يُهيمن اليوم على هوليود الشرق، فهناك غياب لافت لمعظم الأسماء السينمائية المصرية المعروفة، سواء على صعيد التمثيل أو التأليف أو الإخراج، حيث كان حضور ممثلين من عصر سابق هامشيا للغاية في هذه الأفلام.

هذا التطور الذي يحدث بطيئاً في سينمات دول أخرى، يعكس بسرعته في السينما المصرية الحديثة قطيعة هذه الأخيرة مع أجيال عمرية كبيرة، وتركيزه على فئة الشباب، وهي الفئة التي تُشكّل جمهور الصالات السينمائية الأكبر في مصر.

سينما النجوم الشعبيين

يتميز بعض الأفلام المصرية بأنها واسطة فقط لظهور نجوم مصريين من العقد الأخير، وأنها فُصِّلت على مقاساتهم، فهناك أفلام للنجوم: أحمد مكي (فيلم “سمير أبو النيل” من إخراج عمرو عرفة ومن إنتاج 2013)، أحمد حلمي (فيلمي: “لف ودوران” و”بلبل حيران”)، ورامز جلال (تعرض له ثلاثة أفلام طويلة).

ترتكز هذه الأفلام –كحال أفلام النجوم الشعبيين في كل مكان– على علاقات سابقة بين الجمهور وهؤلاء النجوم، وأحياناً تكون هذه الأفلام استكمالاً لأعمال سابقة. لذلك يغدو مشاهدتها لحالها ودون أي تاريخ سابق مع أبطالها من النجوم تجربة ناقصة أو غير مكتملة، بسبب الارتباط الكسول لهذه الأعمال بتاريخ أبطالها السينمائي وشخصياتهم التي لعبوها في أعمال سابقة، والتي قُدِم بعضها على شاشات التلفاز، مثلما هو الحال مع الممثل رامز جلال الذي يتنقل بين السينما والتلفاز.

عوالم عائلة السبكي السينمائية

وعدا استثناءات قليلة، تقف عائلة السبكي وراء إنتاج معظم الأفلام المصرية الموجودة اليوم على نتفليكس. ويبدو أن هذه العائلة التي انتقلت من التجارة إلى السينما تريد أن تضيف بصمتها الخاصة إلى السينما التي تنتجها، والتي هي مزيج من الإسفاف الشديد والعاطفية، حيث تُلَف الحكمة الأخلاقية بشبقٍ جنسي مقرف.

فإلى جانب الأجساد النسائية الممتلئة التي تحرص هذه الأفلام على عرضها دائماً، هناك تشديد على العلاقة التي يجب تُصان بين البطل وأُمه أو شقيقته. ومجتمع المهمشين الذين يحضر في هذه الأفلام كأنما هو مجتمع داعر لا يتورع عن الإتيان بأكثر الموبقات دناءة، وهو نفسه الذي يجب علينا كمشاهدين تفهّمه والتصفيق له عندما تصل حكايا الأفلام إلى خواتيمها.

أفلام عائلة السبكي لا تخلو أيضاً من أغنية تصوّر في حفلات أعراس شعبية، أو أحياناً ينطلق الممثلون والممثلات ودون أي تمهيد بالغناء والرقص. وتوفر مشاهد الرقص فرصة لهذه السينما للدفع بالجسد النسائي (الرقاصات الشرقيات غالباً) إلى وسط الشاشة، كما تكون هذه المشاهد نافذة يطل عبرها مطربون ومطربات شعبيون عبر الأفلام ليغنوا أغنية واحدة ويختفوا بعدها. وليس مهماً إذا كان حضورهم يُمكن أن يعرقل التواصل مع الحكاية السينمائية، فهؤلاء النجوم يشكلون جزءاً من العدة السينمائية التقليدية التي تميز سينما عائلة السبكي.

يستأثر ممثلون وممثلات معينون بأفلام عائلة السبكي، فالمشاهد الغربي الذي لا يعرف شيئاً عن السينما المصرية، سيعتقد أن بيومي فؤاد وأحمد فتحي وسامي مغاوري هم أهم نجوم السينما المصرية اليوم (يحضرون في أغلب الأفلام التي أنتجتها عائلة السبكي في العقد الأخير). فالتمسك بأسماء معينة يؤكد أن العائلة غير مهتمة كثيراً بالعمل مع مشهد سينمائي متنوع في مصر، أو اكتشاف وجوه جديدة، وإنما هي تسير وفق حسابات ومعادلات بدائية للغاية.

الأفلام المصرية والأفلام الغربية

وضع الأفلام المصرية إلى جانب أفلام من دول عديدة يضعها في مُقارنات لا بد منها مع تلك الأعمال، وهذه المقارنات تكون أحياناً مع السينما الهوليودية المهيمنة على العالم وعلى خدمة نتفليكس نفسها، كما أن الأعمال المصرية ستدخل في تنافس مع الأعمال الأوروبية المتوافرة، أو أعمال من العالم من التي وصلت إلى الخدمة الأمريكية بعد أن حققت نجاحات كبيرة في الأسواق المحلية التي عرضت فيها.

يُعرف عن السينما المصرية التجارية انغلاقها على نفسها بسبب لغتها السينمائية وإشاراتها، فهذه السينما لم تكسر -إلا نادرا- حدود البلد الذي صنعت فيه. وحتى الدول العربية التي كانت ولعقود طويلة أسواقاً مهمة للسينما المصرية، لم تعد مهتمة كثيراً بهذه السينما عدا استثناءات قليلة.

هذا الانغلاق هو ما يُميز معظم الأفلام المصرية التي تعرض الآن على نتفليكس، ليس بالضرورة لأن مواضيع هذه الأفلام محلية، لكن بسبب الحوارات والإشارات والكوميديا المستخدمة التي يطبعها أسلوب واحد. فالكوميديا مثلا تتميز بأنها تعتمد على التلاعب المبسط باللغة، وغالبا على الإهانات والألفاظ الجارحة التي توجهها الشخصيات لبعضها، بخاصة ضد النساء، والتي يصعب ترجمتها إلى لغات أخرى، أو تبدو غريبة وغير مفهومة لجمهور من ثقافات أخرى.

تنميط القبح والجمال.. المصريات واللبنانيات

ترتكز الكوميديا المصرية التجارية الحديثة على عدد من القوالب الجاهزة، والتي ربما تبدو غريبة كثيراً على المشاهد غير العربي. فالمرأة في هذه الأفلام هي غالباً موضوع السخرية الفجة، إذ مازالت السينما المصرية بعيدة عن تأثير الحركات النسائية العالمية. فالشخصية التي يلعبها محمد سعد في فيلم “تتح” (2013) تضرب الجارة الشابة بلكمات بالوجه لأنها حاولت أن تغويه، في حين يشجع فيلم “رغدة متوحشة” (2018) للبطل رامز جلال فعلياً على التحرش الجنسي، ويهزأ فيلم “مهمة في فيلم قديم” (2012) من سحنات المصريات ويصفهن بالقبح.

وفي الوقت الذي تهين فيه هذه الأفلام المرأة المصرية، تبدو في الوقت نفسه مفتونة بجمال المرأة الأجنبية وبخاصة اللبنانية، حيث تُشكّل الأخيرة مثالاً للجمال والإغواء الذي تفتقده المصريات.

ففيلم “عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة” (2017) الذي يقدم قصة عن ثلاث شخصيات تلتقي في الطائرة في الطريق إلى بيروت، هو في مجمله عرض لهوس سينمائي مصري غريب باللبنانيات اللواتي يقدَّمن دائماً بتنميط لا يقل سوءاً عن الذي تُقدم به المرأة المصرية. والإيطالية في فيلم “لف ودوران” (2016) هي رمز لجمال أوروبي هو دائماً حلم الأحلام للرجل الشرقي.

ولعل المحددات الرقابية التي تخضع لها السينما المصرية المحافظة، بسبب طبيعة البلد الذي تنتج فيه والجمهور الذي تتوجه إليه؛ ستكون هي الأخرى عقبة في التواصل مع هذه الأفلام، إذ تتجه الكثير من الأفلام المصرية إلى لغة الإشارات والرمزيات عندما تتناول تفاصيل حميمية، في الوقت الذي تعوّد المشاهد الغربي على لغة سينمائية تفصح عن الكثير.

ففي فيلم “وش سجون” (2014) عندما يطلب أحد المساجين من زميله أن يهرّب قطعة من المخدرات في منطقة حساسة من جسمه، يوشوش بهذه المنطقة في أذنه ولا يسمي الأشياء بمسمياتها.

أكشن مصري

وعلى صعيد أفلام الحركة المصرية التي وصل بعضها إلى خدمة نتفليكس، تبرز الفروق الكبيرة بين هذه الأفلام ومثيلاتها الغربية، على الرغم من المستوى الجيد لبعضها. ففيلم “الخلية” (2017) للمخرج طارق العريان والذي يتميز ببنائه السينمائي الجيد وجودة مشاهد الحركة والمطاردات فيه، إلا أن هناك حدودا تقنية لا يمكن للسينما المصرية أن تتجاوزها عندما تقدم أفلام الحركة، وذلك بسبب المستوى العام للمشتغلين في مثل هذا النوع من السينما في مصر.

والمفارقة أن واحد من أهم مشاهد المطاردات في فيلم “الخلية”، والذي يصور قفز سيارة رجل الشرطة من على جسر على شاحنة متحركة كانت تسير تحت ذلك الجسر، تشبه إلى حد كبير ما يقوم به محمد رمضان بطل فيلم “قلب الأسد” (2013) (يوجد أيضاً على خدمة نتفليكس)، والذي يقفز هو الآخر من فوق جسر على شاحنة متحركة. هذا التشابه ربما يعني أن هناك فريقاً تقنياً واحداً يقف وراء هذه الحركة، وأن الأخيرة هي من القلائل التي أتقنها هذا الفريق، بحيث أنه أعادها في أكثر من فيلم.

الأفلام المصرية ونتفليكس

من المعروف أن نتفليكس تشتري حقوق عرض الأفلام والمسلسلات لفترات محددة قبل أن ترفعها من خدمتها، وأنها أحيانا تطيل من فترة بقاء هذه الأعمال إذا حققت أرقام مشاهدة ترضي الشركة. لذلك سيكون من المثير كثيراً متابعة مستقبل مجموعة الأفلام المصرية الأخيرة التي أضيفت على نتفليكس، وإذا ما كان بعضها سيبقى في الخدمة لأشهر عديدة، أم أنها ستختفي سريعاً كما حدث مع أفلام مصرية وضعت قبل أشهر على الخدمة، لما لهذا من آثار لا جدال فيها على مستقبل الحضور السينمائي المصري التجاري على خدمات الشركة في دول خارج الشرق الأوسط.

ومن المعروف أيضاً أن نتفليكس تتكتم كثيراً على أرقام المشاهدة لخدمتها، ولا تعلن -إلا في حالات نادرة- عن أعداد المشاهدين لأعمالها. لذلك لن يكون ممكناً معرفة أعداد مشاهدي الفيلمين المصريين “الشيخ جاكسون” للمخرج عمرو سلامة و”اشتباك” للمخرج محمد دياب، واللذين أضيفا للخدمة قبل ثلاثة أشهر ثم تم رفعهما منه قبل شهر تقريباً.

كما لا يمكن الجزم بأسباب بقاء أفلام عربية أخرى على الخدمة ومنذ سنوات، مثل فيلم “بركة يقابل بركة” (2016) للمخرج السعودي محمود صباغ، وفيلم “كثير كبير” (2015) للمخرج اللبناني ميرجان بوشعيا، حيث يجب التنبيه هنا أن الشركة الأمريكية تعقد اتفاقات منفصلة مع الشركات المنتجة تحدد فيه الفترة التي تعرض فيها هذه الأعمال على خدمتها.