نزار قباني.. معركة القصيدة ضد الغزاة والطغاة

سناء نصر الله

نزار قباني أحد أبرز الشعراء المعاصرين، أورثه حب الفن جده أبو خليل القباني الذي كان أحد رواد المسرح، فهو من أدخل المسرح إلى الأدب العربي.

ولد نزار في شهر مارس/آذار عام 1923 لأسرة دمشقية عريقة، وعرف بشعره الرومانسي، فكان يلقب بشاعر الحب والمرأة، لكن نكسة 1967 أثرت فيه كثيرا، فشهد شعره تحولا صارخا.

عمل نزار في السلك الدبلوماسي في دول عدة إلى أن وقع الانقلاب في سوريا عام 1963، فاستلم مجموعة من الضباط البعثيين ومن بينهم حافظ الأسد زمام الحكم في البلاد.

 

كان نزار دبلوماسيا ناجحا عرف بدماثته الدمشقية الأصيلة، وهذا ما يليق كثيرا بالسلك الدبلوماسي، لكنه قدم استقالته خوفا من أن يُستغل شِعره، ويحجر عليه كشاعر ويمنع من حرية التعبير، فاختار الكلمة الحرة على المنصب رافضا هذا التقييد.

“مخترع المشنقة الأولى”

كتب نزار قباني قصائده بقلمه الثائر وهمه الدمشقي، فقد أبصر قبل غيره تحول وجه دمشق الأموي العريق إلى التشيع، كما أبصر طمس النظام الجديد (نظام عائلة الأسد) لمعالم أمجاد الماضي بأبطاله وشواهده التاريخية.

وقد حمل شعره وجع الأمة العربية عموما وفلسطين على وجه التحديد، لم يختر نزار السياسة لكنها هي التي اختارته، فجاء شعره ثائرا متمردا قويا ضد النظام العربي وأعوانه.

يقول في قصيدته “السيرة الذاتية لسياف عربي”:

أيها الناس:
أنا الأول والأعدل
والأجمل من بين جميع الحاكمين
وأنا بدر الدجى

وبياض الياسمين
وأنا مخترع المشنقة الأولى، وخير المرسلين.

نكسة ١٩٦٧.. رحلة من عالم المرأة الوردي إلى جحيم السياسة

في يونيو/حزيران من عام 1967 هاجمت إسرائيل أربع دول عربية وبدأت تحتل أراضي تلك الدول، لقد شكلت تلك الحرب منعطفا في حياته الشعرية ووجد نفسه ملزما بكتابة الشعر السياسي.

يقول الدكتور محمد الزعبي الذي كان وزير الإعلام في تلك الحقبة: جاءوني بقصيدة نزار “هوامش على دفتر النكسة”، كانت القصيدة مدوية وصارخة تنتقد النظام والجيش والبعث والهزيمة، فأعجبتني وطلبت نشرها في جريدة البعث في الصفحة الأولى وكانت قصيدة هجاء للنظام بشكل لاذع، وكان نشرها تحديا وأعجوبة، وقد صدم الناس عند نشر القصيدة، وكان وقعها مدويا على النظام.

نزار قباني ينعي الأمة العربية بعد هزيمة حرب 1967

 

أنعي لكم يا أصدقائي اللغةَ القديمة
والكتبَ القديمة
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ كالأحذيةِ القديمة..
ومفرداتِ العهرِ والهجاءِ والشتيمة
أنعي لكم.. أنعى لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمة
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ والأستارُ والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء.

وقد تحول شعر نزار من شعر المرأة الى شعر السياسة، لأنه لم يعد قادرا على كتابة القصائد الرومانسية بسبب الواقع المؤلم، وقد ذكر ذلك في إحدى قصائده حين قال “مالحة في فمنا القصائد”، فلم تعد للحياة حلاوة في نظره.

فقد كان الجيش الذي قاده وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد عام 1967 على النقيض لجيش يوسف العظمة، كان جيش الأسد مبنيّا على الخيانة والتفريط وعقد الصفقات، أما جيش العظمة فكان متطوعا شعبيا أراد أن يسجل معركة شرف.

“حرب حزيران انتهت، فكل حرب بعدها ونحن طيبون”

لم تزل ذكرى الهزيمة مخزنة في ذاكرة نزار، فكتب قصيدته “الممثلون” التي يقول عنها الدكتور فاتح الراوي: كانت قصيدة ناطقة معبرة، وجاءت صاخبة وصارخة، لأن الناس كانوا في سبات عميق ويحتاجون لمن يوقظهم.

دمشق عاصمة الأمويين عبر القرون أصبح يحكمها شرذمة من الخوارج والأقليات الذين لا ينتمون لهوية

 

حرب حزيران انتهت
فكل حرب بعدها ونحن طيبون
أخبارنا جيدة
وحالنا والحمد لله على أحسن ما يكون
جمر النراجيل على أحسن ما يكون
وطاولات الزهر ما زالت على أحسن ما يكون
والقهوة المرة بالهال على أحسن ما يكون
والقمر المزروع في سمائنا
مدور الوجه على أحسن ما يكون
وصوت فيروز من الفردوس يأتي نحن راجعون ..
تغلغل اليهود في ثيابنا
ونحن راجعون ..
صاروا على مترين من أبوابنا
ونحن راجعون ..
وكل ما نملك أن نقوله
إنا إلى الله لراجعون
حرب حزيران انتهت
وحالنا والحمد لله على أحسن ما يكون.

وهنا يعترض الناقد الدكتور حسن الشهال على شعر نزار، ويقول: العلمانيون هم من حكم في تلك الفترة، وكان شعر نزار سببا من أسباب الهزيمة الحقيقية، فلقد بنى شعره على المجون والتشكيك وسبّ الأمة بتاريخها وعقائدها، وقد تسرب ذلك إلى الشباب فضعف الإيمان بين المقاتلين وكانت الهزيمة.

“أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟”.. جراح دمشق بين الاستعمار والاستبداد

شهد عام 1971 حدثا غير عادي إذ تسلم حافظ الأسد السلطة في سوريا، وكان أول رئيس يحكم من الأقليات، ولم يستطع نزار بدمائه الدمشقية أن يقف متفرجا صامتا فكتب قصيدته “من مفكرة عاشق دمشقي” التي جاء في مطلعها:

فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا

فيا دمشـقُ لماذا نبـدأ العتبـا؟

نزار قباني ينظم قصيدتة “من مفكرة عاشق دمشقي” في وصف دكتاتورية الحاكم المستبد حافظ الأسد

 

بدأ قصيدته بالعتاب لأن دمشق في نظره هي عاصمة الأمويين، لكنها سقطت أمام السلطات الاستبدادية التي عملت على مدار خمسين سنة على تغيير المنظومة القيمية لشعب سوريا على عمومها، ويستطرد نزار في قصيدته قائلا.

يا شـامُ أيـنَ هما عـينا معاويةٍ
وأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبا

فلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـة

زَهوًا، ولا المتنبّي مالئٌ حَـلبا

وقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُ

فـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبا

يا رُبَّ حـيٍّ رخامُ القبرِ مسكنـهُ

ورُبَّ ميتٍ على أقدامـهِ انتصـبا

يا ابنَ الوليـدِ ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟

فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبا

دمشـقُ يا كنزَ أحلامي ومروحتي

أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟

لقد طغت الطائفية وبان عوارها في السنوات الأخيرة في سوريا مع اشتداد النفوذ الفارسي وسيطرته الكاملة، يقول الكاتب فاتح الراوي: لقد تضمنت القصيدة ذكر صلاح الدين الأيوبي وخالد بن الوليد وهما رسالتان قويتان أثرتا التاريخ في سوريا.

فعندما دخل القائد الفرنسي “غورو” إلى دمشق ذهب إلى المسجد الأموي وركل برجله قبر صلاح الدين، وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين.

عُرف “غورو” بهويته الحاقدة، وكذلك كان حافظ الأسد، فقد دمر مسجد خالد بن الوليد وقلعة الصمود في رمزية خالد، لقد جرى الانتقام من كل ما هو أموي في سوريا بداية من الاستعمار وانتهاء بحزب البعث.

“أنا الدمشقي”.. عبق التاريخ والحاضر والمستقبل

كثيرا ما ذكر نزار في قصائده حبه العميق وحنينه لدمشق بياسمينها وصفصافها، لبيت تربى في كنفه، لكل تفاصيل الحياة الدمشقية الوادعة والحميمة، وكان إحدى يديه تكتب شوقا لدمشق والأخرى تندب ما وصلت إليه الحال.

أنا الدمشقي.. قصيدة في حب دمشق والانتماء لترابها

يقول في إحدى قصائده:

أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي

لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح

ولو فتحـتم شراييني بمديتكـم

سمعتم في دمي أصوات من راحوا

زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا

وما لقلـبي –إذا أحببـت- جـرّاح

مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني

وللمـآذن –كالأشجار- أرواح

للياسمـين حقولٌ في منازلنا

وقطة البيت تغفو حيث ترتـاح

طاحونة البن جزءٌ من طفولتنـا

فكيف أنسى وعطر الهيل فواح؟

هنا جذوري، هنا قلبي، هنا لغـتي

فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟

ما للعروبـة تبدو مثل أرملةٍ؟

أليس في كتب التاريخ أفراح؟

وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟

وكل ثانيـةٍ يأتيـك سـفاح؟

“سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبي”.. إشارات التغول الشيعي

أحكم حافظ الأسد قبضته على مفاصل سوريا وازداد ظلما وغطرسة وعاث في الأرض فسادا واستبدادا، فكتب نزار قصيدته مرسوم بإقالة خالد بن الوليد قال فيها:

سرقوا منا الزمان العربي
سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبي
يا صلاح الدين باعوا النسخة الأولى من القرآن باعوا الحزن في عيني علي
يا صلاح الدين باعوك وباعونا جميعا في المزاد العلني ..
يا صلاح الدين
هل تسمع تعليق الإذاعات وهل تصغي الى هذا البغاء العلني
أكلوا الطعم وبالوا فوق وجه العنفوان العربي.

“غورو” الفرنسي والأسد “العربي”.. الأول ركل مقام صلاح الدين الأيوبي والثاني دمر مقام خالد بن الوليد

 

إن قلة من الشعب السوري ومن بينهم أهل دمشق هم من أدركوا الإشارات المبكرة التي حذرت من التغول الشيعي باسم الإسلام والتدين وحب آل بيت رسول الله، ليهدموا الإسلام والحضارة في سوريا.

“تركوا فلسطين ليغتالوا غزالة”.. تفجير السفارة العراقية

مع اشتداد الحرب العراقية الإيرانية تصاعد الخلاف بين نزار قباني وحافظ الأسد، وكانت بيروت وقتها أرض خصبة لتصفية الحسابات، لكن لم يعلم نزار وقتها أنه سيكون جزءا من تصفية الحسابات تلك، فقد اغتيلت زوجته بلقيس في تفجير استهدف السفارة العراقية مقر عملها.

كان نزار يحب زوجته بلقيس كثيرا، وقد ألهمته للعودة إلى الشعر بعد توقف دام ثلاث سنوات، فلقد كانت حاضرة في قصائده تأخذ دور الراوي، قال عنها نزار: بلقيس أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء للعروق.

العراقية بلقيس الراوي زوجة نزار قباني تُستهدف في انفجار هز السفارة العراقية ببيروت سنة 1981

 

وقد فجع نزار أشد فجيعة بموت بلقيس، وكتب في رثائها قصيدة من عيون شعره يقول فيها:

شكرا لكم.. شكرا لكم
فحبيبتي قتلت

وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيده
وقصيدتي اغتيلت .
وهل من أمـةٍ في الأرض إلا نحن تغتال القصيده؟
بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي ترافقها طواويس وتتبعها أيائل
بلقيس يا وجعي ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل

وقد وجه في قصيدته أصابع الاتهام للنظام السوري وجيشه، فذلك حيث يقول:

سأقول في التحقيق :
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول
وأقول إني أعرف السياف قاتل زوجتي
ووجوه كل المخبرين
لو أنهم حملوا إلينا من فلسطين الحزينة نجمة أو برتقالة
لو أنهم من ربع قرن حرروا زيتونة أو أرجعوا ليمونة
ومحوا عن التاريخ عاره
لكنهم تركوا فلسطين ليغتالوا غزالة.

“القمع أساس الملك”.. صرخة على هامش مجزرة حماة

بعد سنوات القهر وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات في سوريا، شهدت البلاد سنوات أخر دامية، وكان على رأسها مجزرة حماة، فقد تفاحشت دكتاتورية حافظ الأسد وأصبح يُذكر في وسائل الإعلام الرسمية بطريقة لافتة وغير مسبوقة من تمجيد وتعظيم لشخصه.

بعد مجزرتي حماة وحلب وولوغ الطاغية حافظ الأسد بدماء شعب سوريا كتب نزار قصيدته “عزف منفرد”

 

وقد جسد نزار هذا الواقع في قصيدته “عزف منفرد على إيقاع الطبلة”:

الدولة منذ بداية هذا القرن تعيد تقاسيم الطبلة
“الشورى بين الناس أساس الملك”
“الشعب –كما نص الدستور– أساس الملك”
لا أحد يرقص بالكلمات سوى الدولة
لا أحد يزني بالكلمات، سوى الدولة
“القمع أساس الملك”
“شنق الإنسان أساس الملك”
“حكم البوليس أساس الملك”
“تجديد البيعة للحكام أساس الملك”
“وضع الكلمات على الخازوق أساس الملك”

وتقول الصحفية سميرة المسالمة: لو أراد نزار أن يكتب قصيدة تحاكي واقعنا اليوم، فلن يخرج بأفضل من هذه القصيدة.

“لا نجم فوق شاشة التلفاز إلا عنترة”.. إعلان الحرب على حافظ الأسد

انتقد نزار قباني في قصيدته “يوميات شقة مفروشة” أيضا الحكم المستبد للنظام في سوريا وحرمان الشعب من أبسط حقوقه كالحرية والمساواة، مما أثار غضب النظام السوري، وأصبح نزار عدوه اللدود وقصائده تشكل مصدر إزعاج له، وقد أصدر قرار بمنعه من دخول سوريا، وجاء القرار من أعلى سلطة في الدولة أي من الرئيس حافظ الأسد.

قصيدة “يوميات شقة مفروشة” تنتقد حكم حافظ الأسد المستبد في سوريا

 

يقول في قصيدته:

هذي البلاد، شقة مفروشة يملكها شخص يسمى عنترة
كل الميادين هنا تحمل اسم عنترة
عنترة يقيم في ثيابنا في ربطة الخبز
وفي زجاجة الكولا.. وفي أحلامنا المحتضرة
في عربات الخس والبطيخ في الباصات
مدينة مهجورة مهجرّة

لم يبق فيها فأرة أو نملة، أو شجرة
لا نجم فوق شاشة التلفاز إلا عنترة
بقده الميّاس أو ضحكته المغبّرة.

قصيدة “غرناطة” تصف ضرورة استفاقة العربي من غفوته والنظر إلى الماضي الذي حمل في ثناياه المجد والعراقة

 

“وأمية راياتها مرفوعة”.. واقع مهين لأحفاد فاتحي الأندلس

ترى سميرة مسالمة أن نزار كان لديه همّ ورفض، فكيف لمن فتح الفتوحات ووصل الأندلس أن يستكين إلى الظلم الذي مارسته الأنظمة العربية، وهذا ما جسده في قصيدة “غرناطة”:

هل أنت إسبانية؟ ساءلـتها
قالت: وفي غـرناطة ميلادي

غرناطة؟ وصحَت قرون سبعة

في تينـك العينين بعد رقاد

وأمـية راياتـها مرفوعـة
وجيـادها موصـولة بجيـاد

ما أغرب التاريخ كيف أعادني

لحفيـدة سـمراء من أحفادي

وجه دمشـقي رأيت خـلاله

أجفان بلقيس وجيـد سعـاد

ورأيت منـزلنا القديم وحجرة

كانـت بها أمي تمد وسـادي

واليـاسمينة رصعـت بنجومها

والبركـة الذهبيـة الإنشـاد

قالت: هنا الحمراء زهو جدودنا

فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي

أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً

ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي

يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت

أن الـذين عـنتـهم أجـدادي

عانقت فيها عندما ودعتها

رجلا يسمى طارق بن  زياد.

وهنا يحاول نزار استشعار استفاقة العربي من غفوته والنظر إلى الماضي الذي حمل في ثناياه المجد والعراقة، والعودة منه لحاضر جديد مشرق يعيد لذاك الماضي ألقه ويضمن استمراريته.

“قتلتم أمي وتريدون سرقة أبي؟”.. جنازة بطل شعبي في دمشق

ظل نزار في بلاد الاغتراب بقية حياته إلى أن وافته المنية في لندن عام 1998، ويبدو أن الرئيس استدرك أخطاءه في منع نزار من دخول سوريا، ووافق على دفنه بناء على وصيته في مسقط رأسه.

وقد ذهب وفد من السفارة للعزاء فقابلتهم ابنته الصغرى وقالت لهم: “قتلتم أمي وتريدون سرقة أبي؟”، وصلت تلك الأخبار إلى النظام السوري فأوقف كل الأغاني التي تغنت بقصائده، ومنع ذكر اسمه في كل وسائل الإعلام السورية المرئية منها والمسموعة والجرائد والمجلات.

جنازة نزار قباني تطوف شوارع دمشق، والنظام يخشى أن تصنع بين الناس ثورة

 

وعندما وصلت جنازة نزار إلى دمشق واحتضنها الشباب بحب وحملوه على الأكتاف كبطل يخرج من رواية شعبية، جاء رجال الأمن والمخابرات ليسيطروا على جنازته وبدأوا بالهتاف للرئيس.

يقول محمد منصور: خاف النظام أن تتحول الجنازة لبؤرة تمرد فوقف رجال الأمن على طول شارع النصر الذي مرت منه الجنازة قبل أخذها لباب الجابية، ومنع التصوير أو نشر شيء يخص نزار.

عشرون عاما منذ أن تولى حافظ الأسد الرئاسة في سوريا والحريات في سوريا والوطن العربي في انحدار

 

“لا قمح يطلعُ من تحت هذا الركام”.. أنين تحت وطأة الطائفية

رحل نزار، لكن شعره السياسي ما زال خالدا ومصدر إلهام للشعوب العربية في ثوراتهم ضد الظلم والقهر والاستبداد.

يقول نزار في قصيدة “الثقب”:

لقد مر عشرون عاما علينا

لقد مر عشرون عاما

ولا نجمَ يسطعُ

لا أرضَ تحبلُ

لا قمح يطلعُ من تحت هذا الركام

ولا غيمةٌ ماطره

فهل نسي الشارعُ العربيُّ الكلام؟

وصرنا شعوبا بلا ذاكره

لماذا الجماهير بين المحيط وبين الخليج تجوب الأزقة كالقطط الخائفة؟

وأين هو الشارع العربي الذي كان يمضغ لحم الطغاة ويخترع العاصفة؟

وكيف خرجنا من الحلم الوحدوي الكبير

لندخل ثقبا صغيرا

يسمونه الطائفة؟!