“نسور الغابة”.. كرة القدم البرازيلية القادمة من قبائل الأمازون

خاص-الوثائقية

في قلب غابات الأمازون المطيرة، شكلت قبيلة هندية تسمى “نسور الغابة” أول فريق كرة قدم محترف للبرازيليين الأصليين وقد جرى تسجيلهم قانونيا من قبل الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، وفازوا ببطولة الدرجة الثانية، وتأهلوا إلى دوري الدرجة الأولى في منطقة الأمازون، ويأملون في البقاء في البطولة والمشاركة في كأس البرازيل.

وقد رافق فيلم “نسور الغابة” -الذي عرضته الجزيرة الوثائقية- الفريق يوما بيوم، وأسبوعا بأسبوع، ليروي قصة هذا التحدي الضخم الذي يواجه الفريق الفتي والصاعد.

 

ففي وسط أدغال الأمازون ولدت أسطورة القبيلة الأولى التي قدمت فريقا من لاعبي كرة القدم المحترفين، وهو فريق “غافيوس كيكيتايجي” أو “نسور الغابة”، فهؤلاء جزء من مجتمع السكان الأصليين للبرازيل البالغ عددهم نحو 700 ألف نسمة، ويؤدون طقوسهم عشية كل مباراة مهمة.

حمل الأثقال وتجريح اللاعبين.. تمارين النسور

يقول “زيكا” رئيس القبيلة -الذي خرج بفكرة إنشاء فريق كرة قدم لها- إنهم فخورون بتقاليدهم ومتمسكون بعاداتهم، ويستخدمون نبته “الأوروكو” و”الجيني بابو” لطلاء أجسامهم. ويقول زيكا إن الريش الذي يضعه هو “النسر الملكي، فهو يرمز للعزيمة، يتبع النسر إستراتيجية مثيرة للاهتمام، حين يوشك أن ينقض على فريسته، فهو رشيق للغاية، ولا يفلت الهدف حينما ينقض من السماء للإمساك بفريسته، نحن نتمثل هذا الرسم في حياتنا حتى لا تموت ثقافتنا”، فالنسر هو رمز القبيلة.

بعد الانتهاء من طلاء أجسامهم بألوان الحرب، يؤدون نشيدا لأرواح الغابة، قبل أن يبدؤوا طقوس تمرين ضاربة في القدم، فيحملون جذوع الأشجار التي يصل وزنها إلى نحو 40 كيلوغراما في سباق تتابع، ويزيد التمرين من القوة المطلوبة لأداء أقصى التحديات الجسدية، ويقومون بكل هذا حفاة، فهو تمرين قاس، والغاية منه زيادة قوة أي لاعب يرغب في أن يصبح رياضيا محترفا على مستوى عال، فالقوة والتحمل هما أكثر ما يميز رجال القبيلة.

بعد الانتهاء من طلاء أجسامهم بألوان الحرب، يؤدي السكان الأصليون للأمازون نشيدا لأرواح الغابة

 

وبعد شيء من الراحة والتقاط الأنفاس، يخوض الشباب تمرينا آخر، يهدف لتحسين الرشاقة، ويشمل هذا التمرين إطلاق السهام على المشتركين فيه، مع تغطية رؤوسها لتجنب الإصابات، وبعد انتهاء التمرين يقومون بتجريح اللاعبين الشباب بلحاء الشجر، فهذا التجريح “يزيل الدم الفاسد عند العودة من سباق جذوع الأشجار، ويساعد المتسابقين في تجنب حصول التشنجات”، بحسب “زيكا”.

تأهل الفريق.. معجزة القبيلة الأمازونية الحديثة

تعيش قبيلة “نسور الغابة” في واحدة من محميات السكان الأصليين البالغ عددها 690 محمية في البرازيل، وبعكس أغلبية السكان الأصليين، أصبحت هذه القبيلة تمتلك منازل دائمة وسيارات ولم يعودوا بعيدين جدا عن العالم الحديث، حيث يعيش 300 شخص في هذا التجمع الذي يضم مدرسة وملعبا لكرة القدم.

ويلعب الجميع من مختلف الفئات العمرية (الأطفال والنساء والشباب) كرة القدم في القرية، ولكن الجميع يشجع فريق “كيكيتايجي” الذي أصبح من الفرق البارزة في الأمازون، وتأهل لدوري الدرجة الأولى في ولاية “بارا”.

ويعد هذا التأهل بمثابة المعجزة لفريق شاب لم يسمع به أحد قبل عدة أشهر، ولكن هذا التألق كان ثمرة عمل وجهد كبير، وينافس الآن على مركز في كأس البرازيل الذي يمثل حلما لجميع أندية المحترفين، ولكي يحقق الحلم عليه أن يحتل أحد المركزين الأولين في الدوري.

مشجعو فريق “كيكيتايجي” الذي أصبح من الفرق البارزة في الأمازون

 

ويشعر “زيكا” الذي وصل إلى عامه الـ 47، بالفخر لهذا الصعود الهائل الذي حققه الفريق، ويتغنى بإنجازاته والجوائز الذي سطرت تاريخ النادي الذي بدأ مغامرته قبل 6 أعوام فقط. ويقول: نحن السكان الأصليين لم ندخل يوما عالم البيض، السكان الأصليون لم يحظوا يوما بفرق في البطولات الاحترافية أو شبه الاحترافية، لذا خرجت بفكرة إنشاء فريق من السكان الأصليين لحجز مكان لهم وإظهار مواهبهم، وبدأت بلاعبين من السكان الأصليين حصرا، ثم استقطبت عددا من اللاعبين البيض، لتحسين أداء النادي ورفع مستواه، وهكذا تشكل مشروعنا، وأبلى الفريق بلاء حسنا، وخطا الفريق خطوة تاريخية، فنحن نلعب في دوري الدرجة الأولى مع المحترفين، ويكمن هدفنا الآن في البقاء بهذا الدوري.

“لا أحد في المنطقة يريد تزويدنا بملعب جيد”.. معاناة المدرب الأبيض

أصبح الحلم حقيقة اليوم، وفي مواجهة التحديات الجديدة كان على الرئيس “زيكا” أن يستعين بالبيض، ليس فقط من اللاعبين بل المدرب أيضا، ويدعى “فيكتور هايمي” وهو مهندس نجاحات الفريق، ففي غضون أشهر معدودة، نجح في إيصال الفريق إلى مكانة لم يكن أحد يتخيلها، واللعب في الدوري الأول.

ويقول “هايمي” قبل مباراة مهمة حاسمة للفريق: إنه تحد كبير، ولن يكون سهلا، وسيعتمد الأمر على جودة أدائنا، ورغم الصعوبات المالية والفروقات الثقافية، فمن أجل التأهل لكأس البرازيل، عليك الوصول إلى مركز الوصيف على الأقل في الدوري، هناك فرصة قائمة لضمان وصولنا إلى الكأس، وعلينا الإيمان بهذه الفرصة والعمل على عدم تفويتها.

“زيكا” رئيس القبيلة وصاحب فكرة إنشاء فريق كرة قدم لها

 

ويتحدث عن ما يواجه لاعبوه من صعوبات في ملعب التدريب قائلا: هذا الملعب الذي نتدرب فيه يوميا محدود للغاية، لا أحد في المنطقة يريد تزويدنا بملعب جيد، فالأرضية ليست مشبعة بالمياه، وهي صلبة جدا، وغير مستوية ومليئة بالحفر، وهذا قد يعرض اللاعبين للإصابات، ولكن ليس لدينا بديل، فنحن مجبرون على التدريب في هذا الملعب.

“عندما أخرج إلى أرضية الملعب أشعر بالفخر لأنني أمثل شعبي”

“أرو” هو أحد اللاعبين الخمسة في الفريق الذين ينتمون إلى السكان الأصليين، وهو قائد الفريق ومهاجمه البارز وأحد سكان القرية الأصليين. يقول: حلمي وحلم الكثير من اللاعبين هو اللعب في كأس البرازيل، يمكننا فعلها، الفريق عازم على هذا، فكل شيء ممكن، ويعتمد الأمر على نتيجة مباراة الغد، عانيت كثيرا من الأحكام المسبقة، كان اللاعبون يقولون لي: عد إلى موطنك والعب بسهامك، اذهب وتجول في أرجاء الغابة، هذا المكان ليس لك.

ويتحدث عن شعوره حين يدلف إلى الملعب ممثلا شعبه قائلا: عندما أخرج إلى أرضية الملعب أشعر بالفخر لأنني أمثل شعبي، تمنحني الرسومات والوشوم إحساسا بالقوة، وكأنها قوة آتية من مكان بعيد، مباراة الغد مهمة جدا بالنسبة لي، نحن نلعب بدوري الدرجة الأولى ونواجه فرقا من العيار الثقيل.

“الفريق الراغب في الفوز أكثر سيفعلها”.. مباراة حاسمة

في غضون ساعات سيواجه فريق “كيكيتياجي”، فريق “بايساندو” أسطورة دوري الأمازون، ولهذا رتبت إدارة الفريق اجتماعا لتحفيز اللاعبين، ويعتمد الدوري على تجميع النقاط، ولهذا يجب على الفريق أن لا يخسر في مباراته الأولى.

ويقول “زيكا” بعد أن ارتدى اللباس التقليدي ودهن جسده باللون الأحمر: نحن محظوظون لتمثيلنا شعبا يتعرض للتمييز، أمامنا 4 مباريات لنظهر فيها ما لدينا من إمكانيات، حين تطأ أرجلنا أرضية الملعب، فستكون المواجهة بين 11 لاعبا مقابل 11 مثلهم، هذا كل ما في الأمر، والفريق الراغب في الفوز أكثر سيفعلها، لو كنت اهتممت بكلام الناس الذين قالوا إنني لن أنجح بإنشاء هذا الفريق، لما قمت بهذه الخطوة قط، لينعم المرء بالهدوء والسكينة عليه اختبار الصعاب.

“أرو” كابتن فريق النسور وأحد اللاعبين الخمسة الذين ينتمون إلى السكان الأصليين

 

ويؤكد قائد الفريق كلام رئيسه بالقول: يجب أن تعلموا جميعا أننا لسنا هنا اليوم لحصد النقاط، بل لنمثل شعوب الأمازون الأصلية، هذا هو هدفنا، أعرف أن شعبي يساندني، وسأكون مصدر فخر لهم.

ويقول المدرب “هايمي”: هذا سيخدمكم لبقية حياتكم، وسيكون في وسعكم إخبار أولادكم وأحفادكم بأنكم كنتم جزءا من هذا الإنجاز.

“أنا راض عن أداء الفريق”.. مفاجأة اللحظة الأخيرة

حان وقت المغادرة وجهّزت حافلة مخصصة للمشجعين، حيث سيحضر المباراة قسم كبير جدا من سكان القرية، المحطة التالية هي مدينة مارابا على بعد 50 كيلومترا في ولاية بارا ثاني أكبر ولايات البرازيل، وخلال الرحلة الطويلة، يقول اللاعب “أرو”: شاركت في كل مباريات الفريق الذي أنا هدافه، فأنا مهاجم حر ومستعد للجري، واليوم في هذه المباراة أنا مستعد لمساعدة النسور وأقوم بما أعلمه جيدا، وسأقاتل حتى آخر قطرة عرق.

هذه مباراة حاسمة في سعيهم للتأهل إلى كأس البرازيل، انتهى شوطها الأول بالتعادل السلبي، وبدأ شوطها الثاني بقوة، وتقدم أصحاب الأرض بهدفين نظيفين قبل أن يكافح “النسور” ويسجلوا هدفين، الأول عبر “أرو”، والثاني من ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة من المباراة، ويخطف نقطة ثمينة من مباراة مثيرة.

“زيكا” رئيس الفريق يتحدث عن رضاه عن أداء فريق النسور

 

ورغم أنهم لم يحققوا الفوز المنشود، فإن رئيس الفريق يرى أنهم “يستطيعون التعويض في المباريات القادمة، أنا راض عن أداء الفريق”.

تجتمع القرية في يوم التعادل للاحتفال بالتعادل مع متصدر البطولة، وتؤدى الرقصات والأغاني التقليدية على شرف “النسور” الذين أظهروا قدراتهم في الميدان، وبعد الهدف الذي سجله “أرو” في المباراة السابقة، أصبح بطلا ومثلا أعلى لأطفال القرية.

تمويل الفريق.. موارد شحيحة لتغذية فريق النسور

قبل اجتماع بين “زيكا” رئيس الفريق وبين راعي النادي صاحب شركة الحفارات الذي يقدم المساعدة المالية له، يقول “زيكا”: إن المساعدة المالية البسيطة مهمة جدا لمشروعه الذي لم يؤمن به أحد في البداية. وهذه هي الشركة الوحيدة التي تمتعت بالشجاعة لمساعدتنا بهذه الطريقة، يرى كثير من الناس بأننا لسنا بحاجة للمساعدات.

وصل “زيكا” وزوجته إلى شركة الحفارات المملوكة للممول الرئيسي للفريق “تارزيزيو” الذي تابع الصعود الصاروخي لفريق “النسور” منذ بداياتهم، وقبل عام من الآن قرر دعم الفريق وبعد رؤية إنجازاتهم.

يقول “تارزيزيو” راعي الفريق: حين أرى الفريق يدخل إلى الملعب، وتفاعل الجماهير معه وحالة الابتهاج في مجتمعنا، أشعر أنني أقوم بأمر جيد، أظن أن فريقنا قدم مباراة جيدة ضد “باساندور”، وأظهر اللاعبون شخصية قوية جدا، وقاتلوا حتى النهاية، وإذا لعبنا أمام فريق “ساو فرانسيسكو” بهذه الطريقة فسنفوز حتما.

“تارزيزيو” راعي الفريق يقدم الدعم المالي ورواتب اللاعبين

 

ويتابع: على الصعيد الرياضي أشعر بالفخر، فليس من السهل على ناد صغير ذي موارد مالية ضعيفة، أن يصل إلى دوري الدرجة الأولى، وينضم لصفوف النخبة في بارا وبعض الفرق موجودة هناك منذ 14 عاما، وهناك فرق أخرى عمرها أكثر من 100 عام ومقرها العاصمة، فحين أرى فريقنا في مقدمة تلك النوادي التي تحظى بدعم مالي كبير أشعر بالفخر من النتيجة، وأرى صورة مهاجمنا “أرو” وهو يحتفل بهدفه على الصفحة الأولى للصحف المحلية، وهذا ليس لأننا أغنياء، فنحن نحظى بتمويل ضئيل، إذ علينا تدبر أمر دفع الرواتب اللاعبين في نهاية الشهر.

وبعد شرح الفجوة المالية، قدم “تارزيزيو” المبلغ اللازم لدفع رواتب اللاعبين.

لاعبو الهنود الأصليين.. أفراد بين عشرات الآلاف في البرازيل

هناك أمر آخر يعد مصدر فخر عند “زيكا”، وهو فريق الشباب الذي يضم 20 لاعبا من السكان الأصليين، من كافة أنحاء الأمازون، إضافة إلى عدد من الشباب البيض، ويقوم “جاكوريه” نجل “زيكا” بتدريبهم يوميا لكي يصبحوا جاهزين للعب في الفريق الأول، ويوما ما نجوم البرازيل الجدد.

يقول “جاكوريه” متحدثا عنهم: كثير من اللاعبين الشباب جيدون، وهم يلعبون بطريقة رائعة، معظمهم من الهنود الأصليين، من قبائل مختلفة وهم ينضمون لمركز التدريب لدينا، فحلمهم الانضمام لفريق النسور أو الالتحاق بالفرق الكبيرة في ساو باولو وريو دي جانيرو.

تقول الأرقام إن قائمة اللاعبين المحترفين البالغ عددهم نحو 20 ألفا في البرازيل لا تضم أي لاعب ينحدر من السكان الأصليين، باستثناء أولئك الذي يلعبون مع فريق النسور، ولكن بفضل مركز التدريب، فمن المتوقع أن يزداد العدد.

عدد من أفراد فريق الشباب الذي يضم 20 لاعبا من السكان الأصليين من كافة أنحاء الأمازون

 

يُعنى النادي بتبني اللاعبين الشباب وإسكانهم في المنازل لمدة طويلة، على أمل أن تتغير حياتهم قريبا ويصبحوا نجوما. ويقول أحد اللاعبين الشباب: الأحكام المسبقة حول الهنود الأصليين تُصعب إيجاد الفرص، لكنهم في هذا الفريق يمنحون الفرص للجميع بغض النظر عن أصولهم، حتى لو كانوا من البيض.

اللاعبون الشباب هم ملزمون بالمشاركة في حياة القبيلة، ويجتمعون للمشاركة في نشاطات بعيدة كل البعد عن كرة القدم، ومن بين هذه النشاطات توجه رجال القبيلة إلى الغابة والبحث عن ثمار الكستناء، فعلى متن سيارات رباعية الدفع يركب نحو 20 شابا في مغامرة في الغابة، استعدادا لجمع بعض الموارد من أجل المحمية.

ويحاول “زيكا” وشعبه الحفاظ على تقاليد حماية الغابة في هذه الأرض البكر التي تعادل مساحتها مساحة بضعة آلاف من ملاعب كرة القدم، وقد قام بمنح امتيازات على أجزاء من هذه الأرض، مما سمح بتمرير خط سكك حديد، وبعض أسلاك الضغط العالي عبر المنطقة، فهذه الامتيازات تمد المجتمع المحلي بالأموال وتمول مركز التدريب الذي أصبح يستقطب الشباب من جميع أنحاء البلاد.

حفلة الصيد.. استراحة ما قبل المباراة القادمة

تحمل مغامرة الغابة معها تدريبات جديدة واستثنائية لهؤلاء الشباب، وهم يجمعون الكستناء التي من المكسرات التقليدية الموجودة في المنطقة، وهذه المغامرات تمنح الشباب فكرة عن حياة الغابة. وبعد جمع الكستناء تفتح بالساطور لإخراج النواة منها، وهذه مهمة شاقة أخرى.

بينما يجمع “زيكا” والشباب الكستناء، تنطلق مجموعة أخرى من الصيادين بحثا عن الفرائس، فهذا نشاط تقليدي يقوم به رجال القبيلة، خصوصا أولئك الذين لا يلعبون في نادي كرة القدم، وستكون طيور الحجل والخنازير والسلاحف والقرود على قائمة الاحتفال بمباراة النسور الأخيرة. وعلى أطراف القرية، تقوم النساء بقطف ثمار مزارعهن، حيث يحضرن الذرة لإعداد وجبة تقليدية.

تدريبات جديدة واستثنائية للشباب المتطوع، حيث يجمعون الكستناء في الغابة

 

ولكن اللاعبين لا يستطيعون إغفال أن هناك مباراة أخرى في غضون أيام عليهم التحضير لها، كما تعاقد الفريق مع لاعب محترف يدعى “أندرسون” للمشاركة خصيصا في بطولة الدوري، وقد غادر اللاعب أحياء مدينة ريو دي جانيرو الفقيرة، وسيمكث هنا أسابيع مع السكان الأصليين، ويختبر يومياتهم وطعامهم وعاداتهم وتقاليدهم.

“أحترم ثقافتهم التي تختلف كثيرا عن ثقافتي”.. أخلاق المحترفين

يتقاضى “أندرسون” 3 آلاف ريال برازيلي في الشهر، وهو ما يعادل 3 أضعاف الحد الأدنى للأجور في البلاد، ومقابل هذه المغامرة عليه العيش بعيدا عن عائلته ومنطقته.

يتشارك 3 لاعبين غرفة واحدة، ويمثل الوجود مع “النسور” بالنسبة لـ”أندرسون” أكثر من مجرد لعب كرة القدم، إذ يقول: إنها المرة الأولى التي أكون فيها رفقة قبيلة من السكان الأصليين، وهي المرة الأولى لي في الأمازون، أنا معتاد على الحياة في ريو دي جانيرو، حيث أخرج كثيرا، والعيش هنا ثقافة مختلفة وأسلوب حياة جديد، فأنا أراقب وأتعلم منهم، عشت معهم وأحترم ثقافتهم التي تختلف كثيرا عن ثقافتي، الحياة هنا لا تشبه الحياة في مدينتي.

ويتحدث عن إيجابيات هذه الحياة الهادئة البعيدة عن مشاكل المدينة قائلا: كنت أتحدث مع أحد اللاعبين، فقال لي إنه لا يحب العيش هنا لأنه ليس جيدا، فشرحت له: هنا لا توجد شرطة تضايقك ولا شجار طوال الوقت ولا جرائم.

كأس البرازيل.. محاولة أخيرة لالتقاط الحلم الكبير

الحياة في القرية محصورة في الغابة باستثناء أيام المباريات، إذ يستقل اللاعبون الحافلة ليلعبوا في مواجهتهم التالية بالدوري، وهي رحلة تستغرق يوما كاملا بالحافلة للوصول إلى سانتيريم أكبر المدن على ضفاف الأمازون، وبعد تعادلهم في المباراة ستكون هذه المباراة حاسمة للتأهل إلى كأس البرازيل، لذا فقد حان الوقت للصلاة أكثر من أي وقت مضى.

ستكون المباراة في ملعب كبير ضد فريق “ساو فرانسيسكو” الذي تأسس قبل 80 عاما. مرت المواجهة بلحظات دراماتيكية، إذ تقدم أصحاب الأرض مرتين وقلص “النسور” الفارق بتسجيلهم هدفا، قبل أن يحسم ساو فرانسيسكو النتيجة، ويفوز بنتيجة 3-1، ويفقد النسور أي أمل للتأهل إلى كأس البرازيل.

اللاعبون محطمون، والأجواء القاتمة تخيم على غرفة تبديل الملابس، ويقول “زيكا”: أنا حزين ولكن هذه الرياضة ربح وخسارة وتعادل، فبعد نهاية المباراة يعاني الخاسر، ولا يمكنك فعل الكثير حيال ذلك، سنحاول تغيير الوضع قليلا وسنواصل العمل.

أحباط كبير يسود اللاعبين بعد هزيمتهم في المباراة الفاصلة التي كادت تؤهلهم للبقاء في دوري الدرجة الممتازة

 

ورغم قدوم أهل القرية لمواساة لاعبي فريقهم بعد الخسارة فإن الأجواء فيها تعيسة، الأمر الذي دفع “أرو” وزوجته وابنته لقطع مسافة 20 كيلومترا للذهاب والتبضع من أقرب بلدة توجد فيها متاجر. وتقول زوجته: “إننا نعاني من التنميط هنا، فبعض الناس لا يعتبرون أننا مساوون لهم”، ولا يزال وجود “أرو” وعائلته وأشباههم في هذا المكان، يلاقي استنكار البعض الذين يعتبرون أن السكان الأصليين يجب أن يبقوا في الغابات.

مجلس البلدة.. حين يخلع شيخ القبيلة هويته التقليدية

يغير “زيكا” هويته، فهو لم يعد زعيم قبيلة أو رئيس فريق كرة القدم، بل بات مسؤولا محليا منتخبا، وعليه ارتداء البزة في الاجتماعات الرسمية.

وتقول زوجته: فخورة جدا لأننا أصبحنا جزءا من مجتمع البيض، من الصعب الحصول على عمل كهذا، اضطر للانتظار 13 عاما للحصول على هذه الوظيفة، فالبيض لا يثقون بالسكان المحليين، وكانوا يعتقدون أن “زيكا” يسعى لتحقيق مصالح السكان الأصليين فقط، أحب أن أراه بهذه الوسامة.

يحضر “زيكا” كل يوم خميس اجتماعا في مجلس البلدة، وبصفته مسؤولا محليا منتخبا حديثا، فقد أصبح بإمكانه المدافعة عن مجتمعه بشكل أفضل في العالم الخارجي. وهو يقول: على الإداريين والمحافظين والشركاء أن يفهموا أهمية التعاون بين البيض والسكان الأصليين، لدينا الغابة التي تمثل رئة المدينة، وكثير من الناس لا يدركون مدى أهمية الغابة، أود إظهار أن البلدية غنية، ليس بخيرات الغابة وحسب، بل بثقافتنا وتنوعنا أيضا، وهناك نادي كرة قدم يضم لاعبين محترفين من السكان الأصليين.

“زيكا” يتحدث بالنيابة عن قبيلته في مجلس البلدة الذي يعقد اجتماعه كل يوم خميس

 

ويضم الاجتماع المحلي نوابا منتخبين، وخلال الاجتماع يصر “زيكا” على مناصرة مجتمعه، ومناقشة المشاكل الراهنة بين السكان الأصليين والحكومة البرازيلية، ففي كلمة له أمام الاجتماع، يقول: إن حقوق السكان الأصليين انتهكت في كافة القطاعات، فإذا أردنا شيئا نحتج ونغلق الطرقات، وإذا طلبنا أموالا إضافية نغلق الطرقات ونوقف القطارات، احتججنا على أوضاع القطاع الصحي السيئة للهنود الأصليين، وبفضل الاحتجاجات ودعم الزملاء استطعنا الحصول على 5 سيارات إسعاف، لتلبية الاحتياجات الصحية، نحن فزنا بالمعركة بفضلكم.

ذيل الجدول.. خيبة أمل في المباراة الأخيرة

يخوض “زيكا” معركته السياسية على أرض ملعب كرة القدم أيضا، حيث يسعى للحصول على الاعتراف بمواهب السكان الأصليين، وقدرتهم على المساهمة في العالم الحديث، غير أنه صراع شاق.

بعد عدة مباريات فشل فيها “النسور” في إحراز الفوز، وصل الفريق إلى مفترق طريق مهم، فهذه آخر مباراة لهم في دوري الدرجة الأولى، فهم يتذيلون جدول الترتيب ومهددون بالهبوط لدوري الدرجة الثانية، لكن معنويات اللاعبين مرتفعة، ولا بد من الفوز بأي ثمن.

ولكن رياح “النسور” لم تجر كما تشتهي سفنهم، وانتهت المباراة بتعادل مخيف دفعهم نحو الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية.

إنها خيبة أمل حقيقية ونهاية الطريق بالنسبة لهم، وهو كابوس بالنسبة لـ”أرو” وزملائه حيث كان الانتصار قاب قوسين، انتهى الموسم وعاد “النسور” إلى مربعهم الأول، وانتهت مغامرة اللاعبين الأجانب، وحان الوقت لتوضيب أمتعتهم تحضيرا للعودة إلى مدنهم وبلداتهم.

“علينا القتال لنصبح أبطالا”.. إعادة تقييم الوضع

يجتمع “زيكا” ورفاقه القرويون لإعادة تقييم الوضع، ويقول: في البداية، بدت إمكانية تشكيل فريق من المحترفين أمرا مستحيلا، ولكننا حققنا ذلك، والآن علينا القتال لنصبح أبطالا، نملك الخبرة والفرصة الحقيقية للفوز ببطولة الدوري الأول، نأمل أن نلعب يوما ما في بطولة كأس البرازيل.

حقق فريق “النسور” اعتراف الآخرين به، حتى أن إحدى الفرق الكبرى تواصلت مع “أرو” الذي ينوي الرحيل بعد أن تلقى عرضا للعب في نادي ساو باولو، إذ يقول: لقد دعاني رئيس النادي للانضمام إلى الفريق، سأتحدث مع “زيكا” رئيس نادينا، لسؤاله ما إذا كان مستعدا للسماح لي بالرحيل، أم أنه يريد الاحتفاظ بي، أعلم أن أبواب النادي ستبقى مفتوحة لي دائما، وأنظر إلى التجربة التالية على أنها فرصة للتعلم، فجميع الأشياء التي سأتعلمها هناك، سأنقلها معي إلى هنا.

بعد الهزيمة ونزول الفريق إلى الدرجة الثانية، قرر بعض اللاعبين المتطوعين العودة إلى ديارهم

 

أن يصبحوا أبطالا مع المحافظة على التقاليد، هي موازنة صعبة بالنسبة للقبيلة التي تسعى جاهدة للاندماج في العالم الحديث، دون أن تفقد قيمها الاجتماعية التي خدمتها كثيرا ولفترة طويلة.