وحوش الماء.. معركة حماية الأطفال وكنوز البحر الثمينة

خاص الوثائقية

جزيرة من الجبال الشاهقة والغابات التي لا يمكن اختراقها، وموطن لمجموعة مذهلة من الحيوانات والنباتات. لكن النباتات والحيوانات المتنوعة في ثالث أكبر جزيرة في العالم مهددة باحتلال الإنسان وتغير المناخ.

وفي هذه الحلقة التي تعرضها الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “براري بورنيو”، نرافق فريقا دوليا من الحراس على الخطوط الأمامية لحماية التنوع البيولوجي، الذين يسعون جاهدين لإدارة علاقة الإنسان بالبرية.

 

بورنيو هي ثالث أكبر جزيرة في العالم، وأكبر جزيرة في آسيا، وتقع في أرخبيل الملايو في مجموعة جزر سوندا الكبرى. وهي مقسمة سياسيا مقسمة بين إندونيسيا، وماليزيا وبروناي. وتعد هذه البراري كنز الطبيعة المطلق، فهنا تكتشف مخلوقات كل شهر، ولكن هذه الطبيعة الساحرة والخلابة ليست جنة هادئة.

فمن أعلى قممها إلى أسفل أمواجها، تشن معارك يومية، ويخاطر الرجال والنساء هنا بحياتهم، ويحاربون من أجل هذا العالم الفريد، لصياغة مستقبل أفضل. إنها موطن أساطير لا حصر لها، تروي إحداها حكاية اشتباك مأساوي بين التماسيح والبشر، ومنذ ذلك الحين أصبحت الممرات المائية للجزيرة متعبة.

“قلقون جدا من أجل أطفال القرية”.. وحوش متربصة في النهر

يُعد نهر راليو في سارواك بشمال غرب بورنيو، موطن بعض قبائل “إيبان”، كما أنه ملعب ذو شعبية كبيرة، إلا أن الأطفال هنا ليسوا وحدهم، فهناك وحوش تتربص بمن يقترب منها. وتقول “كيتا” -وهي إحدى سكان قرية سارواك-: إننا قلقون جدا من أجل أطفال القرية، في المقام الأول، ولا نريد حدوث أي سوء.

وقد تكاثرت أنواع كثيرة من التماسيح في هذه المياه العكرة، وهاجمت عشرات الأشخاص العام الماضي، ولهذا السبب طلب “كريستوفر كري” صياد التماسيح الخاصة في بورنيو، وهو محارب متمرس يبلغ من العمر 37 عاما، وهو عضو رئيسي في فريق “سوفت وايلد لايف”، من أجل نقل التمساح من مياه النهر إلى موطنه الأصلي.

في غابات بورنيو، يعتبر أي تمساح يزيد طوله عن 3 أمتار خطرا عل حياة الناس

 

يقول “كريستوفر”: إن أي تمساح يزيد طوله عن 3 أمتار يشكل خطرا، وعندما تصبح التماسيح كبيرة جدا، فإنها تميل أكثر للدفاع عن منطقتها، وقد تهاجم أي شيء يدخل إليها.

ويريد “كريس” إلقاء القبض على هذه الوحوش قبل أن تتذوق اللحم البشري، فحديثا فقد رجلان حياتهما بسبب تمساح شوهد بالقرب من المكان التي سينصب “كريس” فيه القفص. وبعد نصب المصيدة يحتاج للانتظار أسبوعين أو ثلاثة -على الأقل- للإمساك به.

وإلى حين تحقيق ذلك، يبقى هذا النهر عبارة عن قنبلة موقوتة، والاقتراب منه خطر كبير.

“ننتظر أشهرا ولا نحظى بشيء”.. مصيدة التماسيح

عاد فريق عمل “سوفت وايلد لايف” في ساراواك إلى نهر راليو، بعد مضي أسبوعين على نصبهما مصيدة للتمساح، ليروا أن هدفهم تحقق، إنه تمساح المياه المالحة وطوله 3 أمتار.

يقول “كريس” إن العملية أبعد ما تكون من نهايتها، فعلى فريقه الآن سحب التمساح من المياه، وأي خطأ صغير قد يتسبب بكارثة، لأن هروب التمساح من القفص هو الأكثر خطورة، ولهذا يحتاج العمل إلى الدقة والتنسيق، ويُصعب التيار القوي للمياه المهمة أكثر، ناهيك عن ضفة النهر المنحدرة، ومع كل خطوة، هناك احتمال أن يفتح باب المصيدة ويهرب التمساح، غير أن الفريق تخطى الصعوبات ونجحت العملية.

صيد التمساح في قفص بقصد نقله إلى المياه البعيدة تأمينا على حياة الناس

 

انتقلوا الآن إلى مرحلة أخرى من المهمة، فعليهم نقل التمساح بسرعة لأنه لن يعيش طويلا تحت أشعة الشمس، والقرويون المحليون سعيدون برؤية التمساح حيا، وتعتقد قبائل “الإيباد” أن التماسيح تمتلك قوى روحية كبيرة، وبما أن هذا التمساح لم يقتل أحدا، فلا يريدون أن يلحق به أي ضرر.

ويسرع طاقم المحمية المحلية، إلى نقله للحياة البرية، ويحرص على أن يصل سليما إلى مأواه بسرعة. يقول “كريس”: سار كل شيء بسلاسة تبعا لخطتنا، أحيانا ننصب المصيدة وننتظر أشهرا ولا نحظى بشيء، هذه المرة كنا محظوظين للغاية.

نجح كريس وفريقه مرة أخرى في الحفاظ على سلامة كل من الإنسان والطبيعة، لحماية إرث بورنيو الطبيعي.

“أمر مريب يحصل على متن القارب”.. حراسة الشعاب المرجانية

من البراري إلى المحيط، يزور فريق العمل ساحل صباح، وهو جزء من المثلث المرجاني الذي يتباهى باحتوائه على كائنات محيطية أكثر من أي مكان آخر على وجه الأرض، غير أن هذا الامتداد الأزرق يخفي سرا غامضا.

تدير عالمة الأحياء البحرية “آرتشيار” فريق حراسة حماية الشعاب المرجانية، ومهمتها حماية هذه المياه، ويساعدها “بول هودسون” الخبير في هندسة المحيطات، وينشر فريقه سلاحا سريا، وهي عبارة عن أجهزة لكشف المتفجرات. تقول “آرتشيار”: الصيد بالديناميت خطير جدا، ففي 2015 سجلنا ما معدله 28 صيدا بالديناميت يوميا.

يعد الصيد بالديناميت أمرا خطير جدا على مختلف أشكال الحياة البحرية بما فيها الشعب المرجانية

 

يقول “هودسون”: بإمكان أجهزة الكشف التي لدينا، تحديد معايير الانفجار والمسافة والاتجاه، وهذا مهم لمعرفة ما يحدث هنا، ومن ثم يمكن لـ”آرتشيار” تنظيم دوريات في المناطق المستهدفة.

المغادرة في مهمة دون حراس مسلحين قد تكلفهم حياتهم، وقد صادفت الدورية قاربا، على متنه صيادون بأجهزة ضغط الهواء، من غير الواضح ما إذا كانوا صيادين عاديين أم صيادي تفجير. تقول “آرتشيار”: عند محاولتنا توقيف القارب عدة مرات، رفض الامتثال، وحاولوا من على متنه إلقاء قنبلة يدوية علينا.

ويقول “بول”: ليس هناك شباك على القارب وسيكون غريبا وجود قارب بهذا الحجم ولا يحمل شباكا، كيف يصطادون إذا؟ هذا يشير إلى أمر مريب يحصل على متن القارب.

قرر الفريق الصعود على متن القارب، وقاموا بفحص صيدهم، لكنهم وجدوا أسماكا حية، تبين لاحقا أنه يجمع سمك الهامور لبيعه، ولا يستخدم التفجير. وبعد رحيلهم، أصبح الساحل صافيا أخيرا لغوص الفريق، وقد يكون أي انفجار تحت الماء مميتا للغواصين.

قنبلة في الماء.. بقايا صيد الديناميت القاتل

لا يحمي حراس الشعب المرجانية في بورنيو من صيد الديناميت غير المشروع فقط، بل إنهم يسجلون أيضا، حالة الشعاب المرجانية، وفي الوقت الحالي تزدهر الشعاب المرجانية هنا، لكن على بعد أمتار فقط، ثمة دليل للصيد بالتفجير.

وخلال عودة “أدريان” -وهو أحد أعضاء الفريق- إلى القارب، رأى شيئا في قاع البحر، إنها قنبلة لم تنفجر، فلا يمكن تركها، لذا جازف “أدريان” بحياته وأخذها معه، وصعد ببطء كي لا تنفجر القنبلة.

أجهزة الكشف عن المتفجرات تحدد مكان قنبلة لم تنفجر في قاع البحر، ليتم تفكيكها بعد ذلك

 

وبعد الوصول إلى القارب، حاول “بول” إبقاء القنبلة مبللة، وعمل بكل هدوء على نزع فتيل التفجير وإفراغ المواد المتفجرة في المياه، حفاظا على أمن أعضاء الفريق الموجودين في القارب، ولكن الأمر الإيجابي في العثور على القنبلة، هو التأكد من أن أجهزة الكشف عن المتفجرات تعمل بكفاءة عالية.

دبب الشمس.. ثاني أندر أنواع الدببة على الأرض

في غابات ساندكار، يجهز فريق من مركز “صن بير” للحماية، من أجل القيام بعملية رئيسية، ولهذا جمع “وونغ” الباحث في مجال الدببة، طاقمه الأكثر خبرة.

ففي معظم الأيام يتولى الفريق رعاية أكثر من 40 دب شمس مصابا، فهو ثاني أندر أنواع الدببة على الأرض، بعد دب “الباندا” العملاق. وتركيز الفريق اليوم على حيوان واحد هو “لاو”، وهي دبة تبلغ من العمر 9 سنوات.

دب الشمس.. ثاني أندر أنواع الدببة على الأرض، بعد دب “الباندا” العملاق

 

يقول “وونغ” إن “لاو” ظلت تتصرف مؤخرا بطريقة غريبة، وبما أنها نادرا ما تعود لبيت الدببة، ولذلك نظن أنها مستعدة للإطلاق في الطبيعة. ولكن قبل إعادة “لاو”، على “وونغ” وفريقه تزويدها بطوق تتبع بواسطة الأقمار الاصطناعية، مما يساعدهم في تتبع تحركاتها.

وضع الطوق.. خطة تتبع الأقمار الصناعية في البرية

ليس وضع الطوق على “لاو” بالأمر السهل، لأن الفريق عليه مواجهة فكيها القويين ومخالبها الحادة، وغريزتها في الهجوم، حين تشعر بأنها محاصرة.

ولوضع الطوق على الفريق استخدام الطلقة المهدئة وهي الطريقة الوحيدة لإلقاء القبض على “لاو”، ولهذا فإن على الفريق التحرك بسرعة، فبعد إصابتها بطلقتين مهدئتين نجد أنهما كانتا كافيتين لتخديرها ونقلها إلى داخل مركز “صن بير” لوضع طوق التتبع على رقبة “لاو”.

تركيب طوق تتبع بواسطة الأقمار الاصطناعية للمساعدة في مراقبة تحركات الدب

 

ويعاني الخبير “وونغ” من بعض المشاكل، لأن طوق التتبع ضيق جدا، وبما أن من المفترض أن تصحو “لاو” قريبا، فعلى الفريق الإسراع في إيجاد حل. وبعد عدة محاولات، نجح “وونغ” في توسعة الطوق وإنجاز المهمة قبل أن تستيقظ.

تقترب “لاو” خطوة من الحرية والعودة إلى الطبيعة، وإذا سارت الأمور وفق الخطة المرسومة، فستعود إلى غابات بورنيو البرية خلال شهر واحد.