سينما الأدب الروسي.. روايات عمالقة الشرق الخالدة تصنع أعظم أفلام هوليود

كان العالم محظوظا طيلة عقود بوجود أدباء روس مثل “دوستويفسكي” و”ليو تولستوي” و”أنطون تشيخوف” و”بوريس باسترناك”، لنفهم الإلهام في خيال صانعي الأفلام، ليس في روسيا فحسب، بل في كل مدارس السينما العالمية وحتى العربية منها، برواياتهم الخالدة التي لم تكن سوى رحلة استكشاف عميق للروح البشرية، هناك حيث يتصادم الخير والشر.

“دوستويفسكي”.. الروائي الروسي الذي سحر صانعي الأفلام

أطل الروائي الروسي “فيودور دوستويفسكي” من شاشة السينما مبكرا جدا، كان ذلك في العام 1910، حين قدّم المخرج الروسي “بيوتر تشاردينين” فيلمه القصير الصامت بعنوان “الأبله” (Idiot) المقتبس عن رواية “دوستويفسكي” التي تحمل العنوان نفسه. ومنذ ذلك العام سحر الروائي الروسي صانعي الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا ومصر، حتى وصل عدد الأفلام المقتبسة عن رواياته أكثر من خمسين فيلما روائيا.

ورغم تأخر هوليود في الأكل من كعكة “دوستويفسكي”، فإنها تداركت ذلك فيما بعد بشراهة أكبر. تقول الكاتبة “أوكسانا بولداكوا” في كتابها “الشعبية الروسية في أوروبا وهوليود: تحول القوالب النمطية الروسية خلال عشرينات القرن الماضي” إنه خلال العقدين الأولين من القرن الماضي، لم تقتبس هوليود عن الروائي الروسي “فيودور دوستويفسكي” سوى روايته “الجريمة والعقاب”، وذلك في فيلم أول أخرجه “لورنس ماك جيل” في العام 1917، وهو يحمل عنوان الرواية ذاتها (Crime and Punishment)، أما الفيلم الثاني فاقتبسه من الرواية ذاتها المخرج “جوزيف فون ستيرنبرغ” في العام 1935.

الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي

في الواقع لم يكن “دوستوفسكي” الروسي الوحيد الذي فتن الفن السابع، فقد كان “ليو تولستوي” الساحر الأكبر الذي اقتبس منه مخرجو هوليود. تقول الكاتبة الأوكرانية “أوكسانا بولداكوا” في كتابها: بين العام 1917 و1932 اقتبست أعمال “تولستوي” و”دوستويفسكي” في شاشات السينما مرات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وتضيف: في ألمانيا كانت هناك اقتباسات أكثر لأعمال “دوستويفسكي”، في حين أن أفلام “تولستوي” تصدرت القائمة في هوليود.

“ليو تولستوي”.. عاشق السينما وملهم أفلامها الأولى

في العام 1909، ظهر أول فيلم مقتبس عن أحد أعمال الروائي الروسي “ليو تولستوي”، وهو فيلم “البعث” (Resurrection) للمخرج الأمريكي “ديفيد وارك غريفيث”، وقد استلهمه من رواية لهذا الكاتب الروسي تحمل العنوان ذاته.

كان “تولستوي” على قيد الحياة حينها، وهو الذي وصفه الكاتب الأمريكي “جاي لايدا” في كتابه “كينو: تاريخ الفيلم الروسي والسوفياتي” بقوله: “تولستوي” لم يحب مشاهدة الأفلام فحسب، بل كان يتمتع ببصيرة بشأن الطريقة التي ستتطور بها كصناعة. لقد أومأ إلى أن رجال الأعمال سيكونون كالضفدع الذي سيلتهم الحشرة، أي الفنان، بطريقة مذهلة.

تقول الكاتبة الأوكرانية “أوكسانا بولداكوا” إنه في هوليود أعيد اقتباس رواية ليو تولستوي “البعث”، خمس مرات بين العام 1909 و1931، ويروي فيلم “البعث” قصة النبيل الخَيِّر “ديمتري” الذي انضم إلى الجيش القيصري، ليستيقظ فيه جانبه المظلم الشرير، ويتحول إلى مجرم ينتهك شرف “كاترين”، تلك الفتاة التي كان يراها قبل ذلك أختا له، ثم يقودها إلى قاعة المحكمة ويدمر حياتها إلى الأبد.

في العام 1915، أعاد المنتج الأمريكي الكبير “ويليام فوكس” اقتباس رواية “البعث” في فيلم بعنوان “قيامة امرأة” (A Woman’s Resurrection)، ثم أعاد اقتباسها المخرج الأمريكي “روبين ماموليان” في العام 1934 في فيلمه “نعيش مرة أخرى” (We Live Again).

“أنا كارينينا”.. حبكة الأحاسيس المعقدة تفتن عدسات السينما

كان “ليو تولستوي” ملهما حقيقيا لصانعي الأفلام في هوليود في بداياتها، حتى وقعوا تحت سحر أعظم رواياته “أنا كارينينا” التي اقتبس عنها المخرج “غوردون إدواردز” فيلما يحمل العنوان ذاته (Anna Karenina) في العام 1915، والمخرج “إدموند غولدينغ” الذي أخرج فيلمه في العام 1927، وأدت فيه الممثلة “غريتا غاربو” دور “أنا كارينينا”، وبدا أن نجمة هوليود “غريتا غاربو” لم تقاوم سحر شخصية “أنا”، وكانت بطلة فيلم ثان بنفس الدور والشخصية لفيلم أخرجه المخرج “كلارنس براون”، يحمل أيضا عنوان الرواية “أنا كارينينا”، وذلك في العام 1935.

وقد ألف الباحث “ميلان هاين” دراسة بعنوان “تعدد التأليف في أنا كارينينا (1935): اقتباس الأدب الكلاسيكي لتولستوي في عصر أستوديوهات هوليود”، ويقول فيها: من ضمن الاقتباسات المتعددة في الأفلام لرواية “أنا كارينينا”، تظل نسخة العام 1935 التي أنتجها “دافيد أو سيلزنيك” لأستوديوهات “ميترو غولدوين ماير” واحدة من أشهر الاقتباسات وأكثرها عمقا، وهو بلا شك يرجع لجودة الإنتاج، ولأداء وحضور النجمة الأسطورية “غريتا غاربو”. في المقابل تعرض الفيلم لانتقادات بسبب تشويه وتبسيط الأدب الكلاسيكي لـ”تولستوي”.

في نسخة فيلم “أنا كارينينا” للمخرج “كلارنس براون”، ظهرت فخامة هوليود من خلال الديكور ومشاهد حفلات الأوبرا التي يرتادها الأرستقراطيون، لكن لم يكن ذلك أهم ما في الفيلم، فخلف مشاهد الفخامة تلك، كانت هناك قصة البطلين الضابط “فرونسكي” و”أنا كارينينا”، وقد غطى أداء “غاربو” الكامل في الفيلم على حبكة المخرج “كلارنس براون” المبسّطة، وهي حبكة لم تكد تعرض تفاصيل الدراما في الرواية التي اقتبس منها الفيلم، لكن الممثلة العبقرية “غريتا غاربو” أظهرت الأحاسيس المضطربة تماما، كما أظهرتها “أنا كارينينا” بطلة رواية “تولستوي”.

كان للروائي الروسي “ليو تولستوي” فضل كبير على هوليود التي نهلت من أعماله بنهم، فقد اقتبست هوليود فيلمين عن مسرحيته “الجثة الحية” (The Living Corpse)، وأخرج المخرج الأمريكي “فريد نيبلو” فيلمه “الخلاص” (Redemption) المقتبس عن مسرحية “الجثة الحية” أيضا.

معلقة فيلم “أنا كارينينا” بطولة “غريتا غاربو”

يروي الفيلم قصة رجل يدعى “فيديا بروتاسوف” (الممثل “جون غيلبيرت”)، وقد تزوج من خطيبة صديقه، ثم دخل في دوامة عنف وتركها، ليعيش مع صديقته الغجرية ويُزوِّر وفاته، فتعود زوجته إلى خطيبها السابق وتتزوج منه، قبل اكتشاف حقيقة تزوير وفاة زوجها، ثم تتعقد الأحداث، وتنتهي بانتحار للبطل أمام المحكمة، وكانت آخر كلماته التي نطقها هي “السعادة” التي لم ينلها أبدا.

“الدكتور جيفاغو”.. من أسوار السوفيات إلى رحابة السينما

حين ركز الاتحاد السوفياتي دعائمه في منتصف القرن الماضي، ضرب أسواره على كل ما يمكن أن يقوّض تلك الدعائم، وأحكم بقبضته على السينما والفنون والأدب. وفي العام 1957 نشر الروائي السوفياتي “بوريس باسترناك” روايته “الدكتور جيفاغو”، وهي رواية تعود أحداثها لتاريخ الثورة البلشفية والحرب الأهلية الروسية التي زامنت الحرب العالمية الأولى.

تمثل هذه الرواية جزءا من السيرة الذاتية لكاتبها، فقد جسدتها حياة الشخصية الرئيسية في الرواية “يوري أندريفيتش جيفاغو”، إذ يعيش الطبيب “جيفاغو” بعد انتهاء الحرب في جو مرعب من الشك ليفكر في الثورة ومعاناة سجنائها، ليخلص إلى أن الإيمان بالحرية والعدالة أكبر من مبادئ الثورة التي لفظها وتحرر منها.

في البداية، سمحت دار النشر الرسمية في الاتحاد السوفياتي بنشر تلك الرواية، لكنها مُنعت بعد وقت قصير بسبب معاداتها لمبادئ الثورة البلشفية، لكن “باسترناك” أصرّ على إعادة نشرها في أوروبا وذاع صيتها، ثم التقطها المخرج البريطاني “ديفيد لين”، ليصور فيلمه الملحمي الذي يحمل العنوان ذاته (Doctor Zhivago) في العام 1965.

وقد كتبت صحيفة “واشنطن بوست” في العام 2014 مقالا بعنوان “خلال الحرب الباردة استخدمت وكالة المخابرات المركزية دكتور جيفاغو كأداة لتقويض الاتحاد السوفياتي”، وحسب الصحيفة كتب “جون موري” رئيس قسم روسيا السوفياتية في مذكرة سرية: رسالة “باسترناك” الإنسانية هي أن لكل شخص الحق في حياة خاصة، ويستحق الاحترام بوصفه إنسانا، بغض النظر عن مدى ولائه السياسي أو مساهمته في الدولة التي تشكل تحديا أساسيا للأخلاق السوفياتية المتمثلة في التضحية بالفرد لصالح النظام الشيوعي.

وقد جسّد الممثل المصري عمر الشريف دور الشخصية الرئيسية في الفيلم، وحاز على خمس جوائز أوسكار في العام 1966، وتوّج في العام ذاته بخمس جوائز “غولدن غلوب”، وأصبح أيقونة ضمن مراتب متقدمة في قائمة أفضل الأفلام في القرن التي وضعها المعهد الأمريكي للأفلام، ووصفته صحيفة الإكسبرس بأنه “أفضل اقتباس لرواية باسترناك المذهلة، وأنه حقق نجاحا فنيا لا يمكن إنكاره”، وهو رد على الانتقادات التي وجهتها بعض الصحف الأمريكية للفيلم.

“لوليتا”.. جدل حول أستاذ الأدب الذي عشق ربيبته

لم تكن رواية “الدكتور جيفاغو” الرواية الممنوعة الوحيدة التي التقطها مخرجو هوليود، فقد حوّل المخرج الأمريكي “ريتشارد بروكز” رواية “الإخوة كارامازوف” التي كتبها “دستويفسكي” إلى فيلم في العام 1958 يحمل نفس العنوان (The Brothers Karamazov)، وكانت الرواية قد مُنعت في الاتحاد السوفياتي، شأنها شأن رواية “لوليتا” لصاحبها “فلاديمير نابوكوف” التي نشرها في العام 1955، وقد اقتبس عنها المخرج “ستانلي كوبريك” فيلما يحمل العنوان نفسه (Lolita) في العام 1962.

يروي الفيلم قصة أستاذ الأدب الفرنسي الذي جمعته قصة حب بفتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها 14 عاما، وذلك بعد أن تزوج والدتها، وتحولت علاقته بالطفلة من رابط قوي إلى انجذاب وعاطفة بينهما.

أثار الفيلم جدلا أخلاقيا، وفي العام 1962 كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” في مقال بعنوان “اقتباس رواية لوليتا لنابوكوف”: لقد صنعوا فيلما من سيناريو تحمل فيه الشخصيات نفس أسماء الشخصيات في الكتاب، والحبكة تشبه الأصل، وبعض الحوادث متشابهة بشكل غامض، لكن “لوليتا” التي كتبها “فلاديمير نابوكوف” كرواية، و”لوليتا” التي كتبها “ستانلي كوبريك” لتكون فيلما، هما شيئان مختلفان بشكل واضح.

وتضيف الصحيفة أنه علاوة على ذلك، فإن بنية الفيلم ومناخه ليسا متماثلين مع تلك الموجودة في الكتاب، إذ يبدأ الفيلم بالحدث الميلودرامي الذي تنتهي به الرواية، ثم يعود إلى البداية ويروي قصتها في سياق فكاهي. و”هكذا يُحذَّر المُشاهد من خلال هذه المقدمة الغريبة من أن النهاية ستكون قاتمة، وتميل هذه الحيلة إلى تغطية السخرية المبكرة في الرواية، وتسحب الصدمة من قصة السيد نابوكوف الغريبة”.

“سائق سيارة الأجرة”.. أيقونة معطرة بعبق “الجريمة والعقاب”

في العام 1976 أخرج “مارتن سكورسيزي” فيلمه العظيم “سائق سيارة الأجرة” (Taxi Driver) الذي جسّد فيه “روبيرت دي نيرو” دور البطولة، ولم يكن من العسير أبدا ملاحظة طيف الروائي الروسي “فيودور دوستويفسكي” في فيلم “سكورسيزي”.

يقول الكاتب “كريستوفر بارنيت” في دراسة بعنوان “دوستويفسكي في سينما سكورسيزي”: في سبتمبر 2011 قيل إن “مارتن سكورسيزي” كان يأمل في إجراء اقتباس كامل لرواية “المقامر” للكاتب “فيودور دوستويفسكي”. لم يكن هذا الاهتمام مفاجئا بالنظر إلى افتتان “سكورسيزي” الكبير بأعمال الكاتب الروسي، ومن الواضح أن “سكورسيزي” مدين لروايات “الجريمة والعقاب” و”بيت الموتى” لـ”دوستويفسكي”، وذلك قبل العام 1976 الذي أخرج خلاله فيلمه “سائق سيارة الأجرة”.

قدم “مارتن سكورسيزي” بطله “ترافيس” في فيلم “سائق سيارة الأجرة” باعتباره نموذجا حديثا لـ”روديون رومانوفيتش راسكولنكوف” شخصية رواية “الجريمة والعقاب”، حيث يروي الفيلم قصة رجل وحيد يعمل سائق سيارة أجرة في نيويورك، يكتشف الظلم الذي تغلّفه حياة الليل، فيضطره ذلك للقتل من أجل الخير حسب ما يراه.

“وودي آلن”.. يهودي يبارز مسيحية الأدب الروسي

لم ينجُ المخرج “وودي آلن” من سحر الأدب الروسي، ففي العام 1975 أخرج فيلمه “حب وموت” (Love and Death)، وهو محاكاة ساخرة لملحمة “تولستوي” الكلاسيكية “الحرب والسلام”، إذ يحاكي الحوار وسيناريو فيلم “آلن” أسلوب الروايات الروسية، وعلى وجه الخصوص أعمال “دوستويفسكي” و”تولستوي”، ويمكن للمشاهد أن يستحضر روايات “الجريمة والعقاب” و”المقامر” و”الأبله” و”الإخوة كارامازوف”.

المخرج والممثل وودي آلن في فيلمه جرائم وجنح (Crimes and misdemeanors)

وقد نشر الباحث “ليونارد ستورشيفوي” بحثا بعنوان “حالة وودي آلن مقابل دوستويفسكي: الفلسفة السينمائية اليهودية في الجريمة والعقاب”، وقال فيه: “وودي آلن” الحائز على عشرات الجوائز الدولية في الإخراج وكتابة السيناريو والتمثيل حوّل مرارا وتكرارا رواية “الجريمة والعقاب” لـ”فيودور دوستويفسكي” إلى مصدر للإلهام الوجودي.

وفي فيلميه “جرائم وجنح” (Crimes and Misdemeanors) في العام 1989، و”نقطة التلاقي” (Match Point) في العام 2005، تحدى “آلن” اليهودي “دوستويفسكي” المسيحي المعادي للسامية في مبارزة فكرية مثيرة حول قضايا الضمير والأخلاق التوراتية.

وعلى العكس من فيلم “حب وموت” تحوّل “وودي آلن” من المحاكاة الساخرة لـ”دوستويفسكي” إلى الدراما النفسية في فيلمه “جرائم وجنح” الذي رُشح لثلاث جوائز أوسكار، بما في ذلك جائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو.

يركز “وودي آلن” في فيلمه على الفلسفة الأخلاقية التي عبر عنها في “الجريمة والعقاب”، وهي أشهر روايات “دوستويفسكي” في الغرب، أو على الأقل أكثر الروايات التي اقتبست في الشاشة.

تدور أحداث الفيلم في منهاتن في ثمانينيات القرن الماضي، وهما قصتان منفصلتان، لكن تجمعهما قصة زواج منهار وخيارات أخلاقية لإدارة مشاكلهما العائلية. تدور القصة الأولى حول صانع أفلام يؤدي دوره “وودي آلن”، وهو يبحث عن كل الحلول لتمويل مشروع فيلمه الوثائقي، أما القصة الثانية فهي عن رجل يعيش زواجا منهارا، في المقابل يخضع لابتزاز حبيبته بإخبار زوجته عن علاقتهما السرية، وتنتهي بقرار قتل زوجته حتى يتخلص من هاجس ترك حبيبته، وفي آخر الفيلم يلتقي بطلا القصتين فيكون الأول هائما، أما الثاني فيكون سعيدا وقد تجاوز ذنب قتل زوجته.

يقول الباحث “ليونارد ستورشيفوي”: حظي فيلم “جرائم وجنح” بدعاية إيجابية وبجوائز مرموقة، غير أن إرث “دوستويفسكي” في الفيلم لم يُقدَّر، بل إنه لم يلاحظه أحد، وقد يكون ذلك في قرار “وودي آلن” إعادة النظر في مناظرته مع الروائي الروسي في فيلم “نقطة حاسمة”، وعودته إلى موضوع عدم العقوبة تبدو غير مبررة وزائدة عن الحاجة.

السينما المصرية.. اقتباسات مشرقة من الأدب الروسي

اقتنصت السينما المصرية فرصتها أيضا وهي في أوج عطائها لتقتبس من الأدب الروسي الذي كان بمثابة صيد ثمين لها، وركبت موجة الاستلهام من الروايات الروسية التي غمرت السينما في هوليود وفرنسا وألمانيا وحتى اليابان. وفي العام 1953 أخرج المصري حلمي رفلة فيلم “ظلموني الحبايب” المقتبس عن رواية “البعث” لصاحبها “ليو تولستوي”، ويروي الفيلم قصة أسرة تعيش في سكينة، قبل أن يخسر الأب ثروته وينفصل عن زوجته لتجد ابنته نفسها في مواجهة الشر.

الممثل المصري عمر الشريف في دور الدكتور جيفاغو

سار مخرجان مصريان آخران على خطى حلمي رفلة في الاقتباس عن رواية “تولستوي”، فأخرج حسن الإمام في العام 1970 فيلمه “دلال المصرية” الذي يتشابه في بعض أحداثه مع الرواية الأصلية، وكان ثالث الاقتباسات المصرية من رواية “البعث” هو فيلم “أشياء ضد القانون” الذي أخرجه أحمد ياسين في العام 1982، وهو لم ينقل أحداث الرواية بالتفاصيل، لكنه كان متشابها قليلا في مصير الفتاة التي اتهمت بممارسة الدعارة.

وفي العام 1957 أخرج المصري إبراهيم عمارة فيلمه الذي اقتبسه عن رواية “الجريمة والعقاب”، وهو يحمل عنوان الرواية ذاتها، وقد ألهمت مخرجين مصريين آخرين ليُعيدوا اقتباس بعض من أحداثها، مثل المخرج حسام الدين مصطفى في فيلم “سونيا والمجنون” الذي أخرجه في العام 1977، وفيلم “المعتوه” الذي أخرجه كمال عطية في العام 1982، وفيلم “فقراء لا يدخلون الجنة” للمخرج مدحت السباعي الذي عرض في العام 1984، وقد أخرج السباعي بعد عام من ذلك فيلمه “الجريح” المقتبس عن رواية “الأبله” للروائي الروسي ذاته.

نقلت السينما المصرية أيضا رواية “الإخوة كارامازوف” للكاتب “فيودور دوستويفسكي” من خلال فيلم “الإخوة الأعداء” الذي أخرجه حسام الدين مصطفى في العام 1974، فقد حقق الفيلم إيرادات عالية، ولقي نجاحا كبيرا لدى الجمهور العربي، وهو ما شجع مخرج الفيلم للدخول في مغامرة ثانية في الاقتباس من روايات “دوستويفسكي”، فأخرج فيلم “الشياطين” عام 1977، وهو مقتبس عن الرواية الأم التي تحمل العنوان نفسه، وقد مُنعت في الاتحاد السوفياتي بعد ذلك، وتعتبر نبوءةَ “دوستويفسكي” عن روسيا تحت حكم البلاشفة.

في السنوات الماضية لم تظهر أفلام تقتبس بصفة دقيقة من الأدب الروسي، لكن ظِل “دوستويفسكي” و”تولستوي” ما زال يحوم من بعيد على بعض الأفلام، ليس في روسيا وأمريكا فحسب، بل في اليابان ومصر وإيران وكل السينما في العالم.