نهايات غامضة.. من قتل وديع حداد قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية؟

بعد استقرار العائلة في بيروت انتسب حداد لكلية الطب في الجامعة الأمريكية

انخرط في العمل الثوري أثناء دراسته للطب، فتخرج طبيبا وقائدا عسكريا في الوقت ذاته، وكان يقول عن حلفائه إنهم كالتجار وسوف يبيعونني لمن يدفع ثمنا أكثر.

ولد في فلسطين ونشط في لبنان وخطف الطائرات في الأجواء العالمية ومات في ألمانيا ودفن في العراق.

كانت حياته مليئة بالنضال الصاخب، وربطته علاقات قوية مع حركات التحرر التي حملت السلاح لتحقيق أهدافها.

وبعدما تحولت حركة القوميين العرب إلى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، طُرحت إستراتيجية جديدة للمقاومة المسلحة وأسندت المهمة لأحد الدكاترة الذين يتميزون بالجد والاندفاع لخوض المعارك.

وفي سبيل دفاعه عن قضيته سجن وزراء أوبك في مقر اجتماعهم بفيينا، وخطفهم في طائرة خاصة.

ميلاد ثائر

في عام 1927 ولد وديع حداد بمدينة صفد بالجليل على بعد 134 كيلومترا شمال القدس المحتلة. ينتمي لأسرة ثقافية تتخذ من التعليم مهنة وسبيلا للعيش الكريم.

تميز في طفولته بالذكاء والتفوق في المراحل التعليمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة حيفا.

كانت عائلته ضمن المهجّرين إلى لبنان بعد نكبة عام 1948 التي ذاق الفلسطينيون فيها مآسي الإبادة والتشريد.

وبعد استقرار العائلة في بيروت انتسب حداد لكلية الطب في الجامعة الأمريكية، وفي أروقتها شكل مع مجموعة من رفاقه حركة القوميين العرب.

هذه الأحداث ترويها الجزيرة في فيلم بعنوان “نهايات غامضة.. وديع حداد”. يحاول الفيلم كشف الأسرار التي صاحبت وفاة المناضل الفلسطيني قائد الجناح العسكري في الجبهة الشعبية وديع حداد.

يعود الوثائقي إلى نكسة يونيو/حزيران 1967 حيث تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبحت قيادات حركة القوميين العرب ضمن تشكيلة الحركة الجديدة.

كانت أفكار المقاومة والدفاع المسلح من أبرز مبادئ الجبهة الشعبية، فأسست لجنة أُطلق عليها اسم “المجال الخارجي” وأسندت رئاستها لوديع حداد. ورفعت اللجنة شعارا يحمل رؤيتها ويفسر طريقها في النضال وهو: “وراء العدو في كل مكان”.

لم يكن وديع حداد يستهدف إسرائيل فحسب وإنما مصالح إسرائيل في كل مكان.

وفي حديثها بوثائقي الجزيرة تقول العضو السابق في المكتب السياسي للجبهة الشعبية ليلى خالد: إن وديع أخذ الجانب العسكري في مواجهة العدو، وكان يتبنى استهداف مصالح إسرائيل في العالم.

لم يكن وديع حداد يستهدف إسرائيل فحسب وإنما مصالح إسرائيل في كل مكان

النضال جوا

كان جهاز المجال الخارجي يريد لفت الانتباه نحو الفلسطينيين ومخاطبة الرأي العام فتبنى خطة للهجوم من كل مكان.

وفي سنة 1968 قام أعضاء من التنظيم بخطف طائرة تابعة لخطوط العال الإسرائيلية القادمة من لندن وتحويل وجهتها نحو الجزائر، وتوالت عمليات اختطاف الطائرات بعد ذلك.

وفي 22 فبراير/شباط 1972 خطفت عناصر تابعة لوديع حداد طائرة ألمانية في رحلة قادمة من نيودلهي ووجهتها نحو عدن، فدفعت عنها ألمانيا فدية بلغت خمسة ملايين دولار.

كثر الخصوم والأعداء للجناح الخارجي وأصبح قائده على قائمة المطلوبين للشرطة الدولية (الإنتربول)، فعقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني وجمّدت عضويته، ليتم فصله نهائيا في عام 1973.

وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 1975 قامت مجموعة من المجال الخارجي بقيادة الفنزويلي كارلوس باحتجاز وزراء أوبك (منظّمة عالمية تضم 11 دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادا كبيرا لتحقيق مدخولها) أثناء اجتماعهم في فيينا وخطفهم في طائرة خاصة، وفُرض على كل دولة أن تدفع فدية للفلسطينيين مقابل الإفراج عن وزيرها., كان حداد وراء هذه العملية لاعتقاده أن دول النفط شريك في مناصرة المحتل اليهودي.

لم يرق هذا العمل للجبهة الشعبية وأزّم علاقاتها مع دول عربية عديدة، فأصبح وديع حداد مصدر حرج لزملائه في الجانب السياسي.

في 22 فبراير/شباط 1972 خطفت عناصر تابعة لوديع حداد طائرة ألمانية في رحلة قادمة من نيودلهي ووجهتها نحو عدن

خارج الجبهة

في 1974 قرر المكتب السياسي تجميد عضوية وديع حداد و13 عنصرا من العاملين معه في التنظيم العسكري، وفي 1975 فُصل نهائيا من الجبهة، لكن المناضل لم يستسلم، فبدأ يشكل قوة إقليمية من جديد.

وبعدما تبرأت منه قيادة الجبهة الشعبية ربطته علاقات وثيقة مع حكومات عربية كانت تتقاطع معه في المصالح، لكنه كان يقول إنها ستبيعه لمن سيدفع أكثر من الزبائن.

وخلال هذه الفترة تعرض القائد الغامض لمحاولات اغتيال عديدة من الموساد الإسرائيلي لكنه كان ينجو كل مرة بفضل حسه الأمني ومهارته.

وكانت سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى تبحث عن امتداد وتوسع في المنطقة، وكان المناضل ذو التجربة الواسعة من أكثر الأشخاص المناسبين لإبرام تحالفات وخلق توازنات، ففُتحت له معسكرات في الأردن والعراق واليمن.

تميز حداد بالعمق في التفكير والرؤية، وكان ينظر للعلاقات التي تربطه بالأطراف الخارجية بأنها علاقات آنية تتحكم فيها مصالح وأجندات خارجية.

وبعد عزله من الجبهة الشعبية، انتقل وديع من لبنان إلى العراق وأصبح يدير شبكته من بغداد بالتعاون مع استخبارات بعض الدول العربية.

صحيفة ديلي ميل البريطانية: الموساد هو من قتل وديع عبر تسميمه بفنجان قهوة

النهاية الغامضة

لم يكن القائد العسكري من أهل الظهور الإعلامي، فقد كان يتحرك ضمن دائرة أمنية ضيقة يصعب اختراقها، وكان موته قضية يلفها الكثير من الغموض والملابسات التي ما زالت تتضارب حولها الأنباء.

ففي مايو/أيار 2006 نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية خبرا يقول إن الموساد كان مسؤولا عن اغتيال حداد عبر تسميمه بشوكولاتة بلجيكية أرسلها له عن طريق أحد عملائه.

وقد نشرت صحيفة ديلي ميل البريطانية سنة 2018 مقتطفات من كتاب التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية “اقتُل أولا” تقول: إن الموساد هو من قتل وديع عبر تسميمه بفنجان قهوة.

تعددت الروايات الإسرائيلية المتعلقة باغتيال حداد، لكنها لم تقدم معطيات دقيقة يمكن الاعتماد على صحتها.

وتقول الرواية الأكثر شهرة أنه في سنة 1977 كان وديع حداد في اجتماع مع بعض القيادات في بغداد، وبعد تناوله للقهوة تقيأ وأصيب بآلام في بطنه، وبدأت صحته تتدهور حينا وتتحسن حينا.

وفي يناير/كانون الثاني 1978 نُقل للجزائر، ولكن حالته زادت تدهورا فنقل بعد ذلك إلى ألمانيا للعلاج في مستشفى شارتيه ببرلين.

وفي الثامن والعشرين من مارس/آذار 1978 فارق الحياة بسبب المرض الذي لم يُعلن عنه حتى اليوم.

وقد اتصلت الجزيرة بإدارة المستشفى من أجل الاطلاع على التقرير الطبي، لكن قسم الأرشيف قال إن اسم وديع حداد لا يوجد في قوائم الإدارة مما يعني أنه دخله باسم مستعار.

قسم الأرشيف في مستشفى شارتيه ببرلين قال إن اسم وديع حداد لا يوجد في قوائم الإدارة مما يعني أنه دخله باسم مستعار

شهادات الرفاق

وقد تحدث في الفيلم عدد من القيادات السياسية في الجبهة الشعبية أكدوا غموض الظروف التي مات فيها قائد الجناح العسكري.

ويقول رفيقه بسام أبو الشريف إنه تم تسميمه عن طريق فنجان قهوة، لكن روايته تعارضت مع شهادات بعض الحاضرين في مجلسه الذي فاجأه فيه المرض.

وفي تصريح خصّ به الجزيرة، يقول أحد الذين كانوا يعملون في الدائرة الأمنية الضيقة لوديع حداد إنه بعد ثلاثة أيام من جنازة حداد، اتصل به سعدون شاكر مدير الاستخبارات العراقية وسلمه تقريرا مكتوبا باليد لا يحمل توقيعا خلاصته أن حداد تناول فنجان قهوة في منزل أكرم الحوراني في بغداد وتقيأ بعده وربما يكون مسموما.

لكن مقربين وقيادات سابقة في الجبهة يستبعدون فرضية الاغتيال ويقولون إن ما نشره الموساد مجرد أكاذيب ودعاية.

وبين المعلومات والتحليلات، تبقى حقيقة غياب قائد العمليات الخارجية تفتقر للحقائق وتعتمد على التأويلات.