الثورة السورية.. قصة النظام الذي أحرق الأرض والإنسان في الشام الأخضر

أمين حبلّا

في المخيال الدمشقي المضمّخ بالدم واللهيب، المتكلس اليوم كركام الثلج على رئة طفل ترميه ضفاف الخوف إلى شواطئ الألم والتشرد، في ذلك المخيال المثقوب بالرصاص والبراميل المحترقة، قيل إن دمشق المثقلة بالسلاسل والدموع أوحت إلى شاعرها نزار قباني قصة ميلادها، فصدح الرجل المسافر في شرايين القصيدة والحب والألم:

هل دمشق كما يقولون كانت.. حين في الليل فكر الياسمين؟

وبين جموح الفن الميّاس الذي يوقع بقلم نزار، ونضارة العلم المتأرّج، كان الفرق ضئيلا جدا بين دمشق كما يراها نزار قباني، ودمشق التي يقر الشيخ علي الطنطاوي عن العجز عن وصفها “.. وهل توصف دمشق؟ هل تصور الجنة لمن لم يرها؟ من يصفها وهي دنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟ من يكتب عنها -وهي من جنات الخلد الباقية- بقلم من أقلام الأرض فانٍ؟”.

 

لكن قلم الأرض الفاني أدمى محاجره بكتابة تاريخ الفناء المسافر في شغاف دمشق وسوريا منذ أكثر من 11 سنة، والذي حوّل بلاد الثلج والتفاح إلى نهر رقراق، وركام من أشلاء مئات آلاف القتلى، ورحلة الدمع والتشرد والجراح والأنين.

والمدائن التي كانت تصافح الشمس باسمة كل مطلع يوم حلبي مفعم بالحياة والأمل، وتغفو في أحضان التاريخ والحقول؛ حولتها القنابل والبراميل الحارقة إلى “هيروشيما” شامية، وغدا الموت يسير بين ربوعها، وعلى أشلاء أبنائها، كأن لم تغنَ بالأمس.

كانت تلك نتيجة المواجهة الدامية للثورة السورية التي سرعان ما أصبحت حربا أهلية مؤلمة، منذ أن انطلقت في 18 مارس/آذار 2011، عبر جمعة الكرامة التي ديست أكثر من مرة.

“إنسان ماني حيوان”.. ثورة من رحم الطغيان

كانت صرخة “أنا إنسان ماني حيوان” التي أطلقها شاب سوري مغرورق الجفن بدموع القهر والإرهاب السياسي الذي مارسه نظام آل الأسد، من أبرز أصوات البداية الصارخة في وجه نظام موغل في الدكتاتورية، موغل في تصفية خصومه.

وقد كشفت الثورة الوجه الأكثر دموية وبشاعة لنظام الرئيس بشار الأسد، ذلك الشاب القادم إلى السلطة عبر تعديل دستوري طارئ، مكنه من وراثة أبيه حافظ الأسد.

وفي تفاصيل البداية، كانت صفحة على الفيسبوك تحمل اسم الثورة السورية أول صوت مناد بالتظاهر رفضا للنظام، ودعوة إلى سقوطه. تعددت المحاولات القليلة العدد، قبل أن تنطلق في 17 فبراير/شباط بعد أن أغلق المتظاهرون سوق الحريقة بالعاصمة دمشق إثر إذلال الأمن لابن أحد التجار، وهنالك ارتفع الصوت لأول مرة “الشعب السوري ما بينذل”. كانت الصرخة مفاجئة للنظام الذي تعود إذلال مواطنيه في كل مناحي حياتهم المفعمة بالخوف والترقب.

 

تردد الصدى مرة أخرى “الله.. سوريا.. حرية وبس”، ولأن الحرية كانت المفقود الأول في سوريا، عَبَر هذا الشعار الغاضب المدائن والقرى في سوريا الأسدية.

ولم يطل انتظار أهل دمشق حتى شد أزرهم ثوار درعا، بعد أن أهانهم مدير الأمن الوطني في سوريا باعتقال 15 طفلا كتبوا شعارات داعية لرحيل النظام، فقد جاء وجهاء درعا مستشفعين إلى الرجل الذي يدير أمن الأسد، فأغلظ لهم القول قبل أن يفرج عن أبنائهم وقد حول أجسادهم إلى خرائط متموجة بسبب التعذيب، كان من أبسطها انتزاع الأظافر الغضة من أصابع صبيان في عمر الأزهار واخضلال الثمار.

في 18 مارس/آذار كانت جمعة الكرامة، التي انتشر صداحها السلمي في دمشق ودرعا وحمص وبانياس، وكالعادة العربية والسورية الأصيلة، كان رصاص الأمن بمرصادٍ للمتظاهرين، وخصوصا في درعا التي سقط منها أربعة شهداء، كانوا الأسماء الأولى في لائحة امتدت على عداد سريع عجزت الأمم المتحدة عن متابعته منذ العام 2014، وأوصلته هيئات سورية متعددة إلى قرابة نصف مليون قتيل.

بعد أسبوع آخر بدأت دوامة أخرى من صراع الحناجر والرصاص، في جمعة العزة، التي تمدد فيها الصراخ ضد بشار في مدن كثيرة مثل جبلة وحماة واللاذقية وريف دمشق والمرجة والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني، واستمر المسار جمعة بعد أخرى، والدم المسكوب يكسو الحقول والطرقات، والقتلى موجة بعد أخرى، حتى ملأ الدخان مدن سوريا وزكم أنوف الدنيا، وبدأ العالم يفتح عينه على المجازر بعد أن تدفق اللهب عبر كل الشاشات والمواقع والصفحات.

وتحتفظ الذاكرة السورية لما بعد الثورة بتاريخ مؤلم من المجازر والمذابح البشعة، والأبشع في هذه الذاكرة المثقوبة بالدم أن أعداد الضحايا وحجم الدمار لم يعد خبرا جديدا، بل أصبح من مألوف ما يلوكه الإعلام كل صباح.

يقظة عربية على مجاري الدماء

استيقظ الضمير العربي نسبيا بعد أن تدفق الدم، وطال الانهيار معظم أجزاء المنظومة الأمنية والسياسية في سوريا، فكانت أول ردة فعل عربية هي سحب السعودية والكويت والبحرين سفراءها من سوريا يوم 9 أغسطس/آب 2011، ولاحقا أصدرت الجامعة العربية هي الأخرى بيانا بشأن أحداث سوريا، أدانت فيه العنف ضد المتظاهرين.

وسرعان ما بدأ التشقق في جدار الصمت الدولي، فأعلنت فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوربي وكندا والولايات المتحدة في وقت واحد دعوة صريحة للرئيس بشار للتنحي عن السلطة، وإطلاق مسار ديمقراطي يحقن دماء السوريين المتدفقة في الأنحاء، وطبعا أولى النظام السوري المجتمع العربي والدولي الصماء من أذنيه، وواصل دك المدن والقرى على ساكنتها.

لواء الضباط الأحرار.. أول ثقب في جدار النظام

في أشهُر الثورة الأولى بدأ التصدع يهز قوة النظام، وبدأت بعض الانشقاقات السياسية والعسكرية، وتواصلت هذه الأخيرة ليتم الإعلان عن “لواء الضباط الأحرار” كأول جهة عسكرية ثورية مناوئة للنظام السوري، وسرعان ما أُنشئ الجيش السوري الحر بعد ذلك لتبدأ حرب مستعرة مع النظام السوري راح ضحيتها المئات من الطرفين، وفتحت الباب واسعا أمام هجرة المقاتلين إلى سوريا من لبنان وإيران، ومن بلدان أخرى واسعة من العالم. كان كل طرف يستقبل مقاتلين جددا، ومع كل عنصر جديد ينضاف بُعد آخر يزيد الأزمة السورية تعقيدا، قبل أن تتحول إلى صراع أطراف دولية بأصابع سورية، ولاحقا بقتال مباشر بين الغرباء، ولكن فوق ركام المدائن وأشلاء السوريين.

بدأت قصة الجيش الحر مع قائده رياض موسى الأسعد، لكن هذا الجيش فقد هويته وتماسكه منذ العام 2012، وتحول إلى كم هائل من الكتائب والألوية والجماعات المسلحة التي تقاتل بعضها فيما بعد، وتلك قصة أخرى من قصص الألم في سوريا، فقد أخذت الثورة تناقضات المجتمع، وتوزعت الألوية سياسيا ودينيا وعشائريا، بل وتناقضت داخل العوائل، ليموج اللهب والدم بين شرايين سوريا التي كان ينساب الماء بين جداولها، ويفوح عطر الياسمين من ثنايا أحاديث أهلها.

 

كان ذلك التشظي جزءا أساسيا من انهيار سوريا، حيث أوصل بعض المراقبين الوضع اللاهب في الشام -الألوية والكتائب والجماعات المسلحة- إلى أكثر من 1500 فصيل، وما ظنك بهذا العدد الهائل من المسلحين والسلاح، والتناقضات والصراعات؟!

واصطفت قوى دولية متعددة على ضفاف الصراع والحرب الأهلية في سوريا، فلدى النظام حلفاء إقليميون ودوليون أقوياء شدوا أزره بالسلاح والرجال والمال قبل أن ينتزعوا منه زمام المبادرة ويبدؤوا بأنفسهم القتال وبسط السيطرة على الأراضي، ولدى المعارضة بفصائلها غير المتناهية داعمون متعددون أخذ بعضهم مواقعه على الأرض وبسط نفوذه على الأجواء.

روسيا.. الحاكم الفعلي لسوريا

ومن أبرز داعمي النظام السوري وأقواهم شكيمة، تظهر روسيا التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع سوريا منذ منتصف القرن الماضي، وقد أخذ العون الروسي لبشار أوجها متعددة، بدأت بالدعم اللوجستي، والدعم المالي المباشر، زيادة على فريق من الخبراء والمستشارين الأكثر تفننا في الوحشية والعنف، سددوا رمي النظام إلى نحور خصومه، من مسلحين ومدنيين، وأبرياء لا يعرفون من قتلهم ولماذا.

 

ظلت روسيا الصوت الحاضر بعنف مزلزل في سوريا إلى اليوم، قبل أن تفصح عن وجهها الأكثر بطشا منذ العام 2014، بإمداد النظام السوري بالعتاد الهائل، والطيارات المسيرة، والرادارات، وغيرها من وسائل القتل الروسية المتطورة. لكن الأمر أصبح أكثر حدة وإيلاما، بعد أن أجاز البرلمان الروسي لجيشه التدخل المباشر في سوريا تحت ذريعة التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، سندا لهذا التدخل واعتبرته نضالا مقدسا ضد الإرهاب.

كانت داعش وفصائل جيش الفتح، وجبهة النصرة، وحركة أحرار الشام، الهدف المعلن، وفي الطريق إليه هدمت الطائرات الروسية مدنا بأكملها، وشردت مئات الآلاف الذين عبروا إلى دول بينها تركيا، قبل أن تتراماهم ضفاف التشرد في تراجيدية لا يمكن أن يصورها قلم ولا قريحة.

إيران.. الداعم الإقليمي الأهم للأسد

يشترك النظام السوري مع قادة إيران في المشرب الشيعي، ويختلف الطرفان في التفاصيل، فعائلة بشار عائلة نصيرية، كانت نحلتها الدينية مغضوبا عليها من بقية الشيعة، قبل أن توحد السياسة والمطامح والمصالح بين الفكرتين، وقد ظلت إيران تشكل مع النظام السوري “حلف ممانعة” قبل أن تشكل معه حلف اللهب والنار بعد اندلاع الثورة لمواجهة ما يصفه الطرفان بالإرهاب.

بعد اندلاع الثورة ظلت إيران تؤكد أنها تتابع وتراقب الأوضاع في سوريا عن كثب، وحرص عدد من قادتها على التعبير أكثر من مرة عن ثقتهم في قدرة نظام الأسد على حسم الموقف لصالحه عسكريا.

 

بيد أنه مع تصاعد وتيرة الحراك الشعبي والعسكري ضد الأسد، بادرت إيران إلى التدخل عسكريا وأمنيا لصالح قوات النظام، ونفذت ذلك بشكل تدريجي بقوات من الحرس الثوري ومن فيلق القدس، بالإضافة إلى مقاتلين من دول أخرى بينها العراق وأفغانستان، وفي وقت حاسم تدخلت وحدات من حزب الله اللبناني، وهو ما منح الأسد مزيدا من الأمان والإسناد في مواجهة “الأعداء”.

حزب الله وبشار.. مصير واحد

ويصنف حزب الله ضمن أبرز وأهم الداعمين الدائمين للنظام السوري، وتربط بين الطرفين مشتركات عدة، ويحظى كل منهما بدعم هائل من النظام الإيراني، وفي وقت مبكر أصبح حزب الله جزءا لا يتجزأ من الآلة الحربية البشارية، فحمل أنصار بشار صور وأعلام حزب الله عرفانا له بالجميل، وأحرقها أنصار الثورة معتبرين أن أصابع نصر الله حركت في أجسادهم لهب الموت أكثر من مرة.

ولا يعرف على وجه التحديد حجم القوة العسكرية التي دفع بها حزب الله إلى الأراضي السورية، ولكن المؤكد أن دخوله عمليا وعلنيا في الحرب في العام 2013 إبان معركة القصير بريف حمص في يونيو/حزيران 2013، مثّل انعطافة كبيرة في مسار الحرب لصالح النظام.

ولاحقا ساهم مقاتلو حزب الله في الكثير من المعارك المفصلية في سوريا إلى جانب قوات النظام خلال سنوات الثورة السورية، كما في معارك أحياء مدينة حمص وداريا والزبداني في ريف دمشق وغيرها، حيث تتهم المعارضة حزب الله بالمسؤولية عن آلاف الأرواح الزاهقة والمدن المحطمة، بينما يؤكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن انخراط حزبه في الحرب السورية كان لدرء خطر يمكن أن يأتي إليه في الضاحية الجنوبية وفي عموم لبنان ممن يسميهم بالتكفيريين.

أنصار المعارضة.. شركاء متشاكسون يوحدهم بشار

تتوزع خارطة الدعم الدولي للمعارضة السورية بين أقطاب دولية وطوائف متعددة، بل وتتداخل وتتعارض لدرجة التناقض، وتلقت المعارضة السورية دعما خليجيا خصوصا في السنوات الأولى للثورة، كما استفادت من دعم وإسناد سياسي غربي.

وقد بدأ الدعم الأمريكي للمعارضة السورية متدرجا ومتباعد الخطوات، وانتقل من التنديد ومطالبة بشار بالتنحي عن السلطة، إلى فرض عقوبات محدودة على الحكومة السورية، قبل أن تتوسع إلى إعلان الأسد رئيسا فاقدا للشرعية.

ومع منتصف العام 2012، بدأ الدعم العسكري والإسناد الاستخباراتي، وذلك ضمن خطة تهدف إلى إسقاط بشار، مع ضمان الحماية والمصالح الذاتية لإسرائيل، ومقاومة ما تصفه بالتطرف الإسلامي.

 

كانت الخطة تعتمد بناء جيش قوي تحت تدريب القوات الأميركية ليحل محل جيش بشار، ودعم القوى العلمانية في وجه القوى الإسلامية التي أخذت مكانا واسعا من خارطة الثورة، ووصل حجم التمويلات الأمريكية إلى مئات الملايين من الدولارات موجهة لبعض مناهضي النظام.

وتوجه معظم التمويل الأميركي لتدريب عناصر من المعارضة السورية بهدف قتال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

كانت الولايات المتحدة تقاتل على أكثر من جبهة، ومع أكثر من فصيل، وضد أكثر من جماعة، كما كانت جزءا أساسيا من التفتيت المتواصل لفصائل للثورة، فكانت داعما أساسيا للأكراد من أجل توسيع رقعتهم على حساب الدولة السورية الممزقة، وكانت في مواجهة مفتوحة مع كثير من التنظيمات، كما تعارضت خطتها الأمنية والسياسية مع تركيا الجار اللدود لسوريا الأسد.

ومع 2017 بدأت الولايات المتحدة حملة عسكرية مباشرة، استهدفت قاعدة الشعيرات التابعة للأسد، وذلك ردا على استخدام الجيش البشاري للسلاح الكيميائي في تدميره لخان شيخون.

وتوزعت القوات الأميركية في مناطق عديدة من سوريا من معبر الوليد إلى منبج، قبل أن يتخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قراره بسحب قواته من سوريا، وفاء لمبدئه في التخلي عمن لا يدفع المال مقابل الحماية الأميركية.

تركيا.. بين قاذفات اللهب ومخيمات الاحتضان

كانت تركيا الوجهة الأولى لملايين السوريين اللاجئين الذين وجدوا فيها الأمن والأمان، ورفدوا الاقتصاد التركي بحركية اقتصادية لا يمكن إنكارها، كما كانت أيضا الوجهة الأهم لملايين العاجزين عن العمل والإنتاج، وبين هؤلاء وأولئك أخذت تركيا مسارات متعددة، منها:

المسار الإنساني: من خلال احتضان ملايين السوريين، ومنحهم ظروفا خاصة سواء من حيث التعليم أو السماح بالعمل والإنتاج، أو من حيث إنشاء ودعم وإيواء مخيمات الشتات السوري التي عانت أمر وأقسى ظروف الحياة، بين الثلوج المتراكمة، والسيول الجارفة، والجوع الذي يترصد النساء والأطفال مع كل فجر وصباح.

ويقيم في تركي نحو 4 ملايين سوري لاجئ، كما أن تركيا وجدت في اللجوء السوري ورقة ضغط ترسلها عبر زوارق التشرد إلى الشواطئ الأوروبية، ضمن أوراق متعددة تستخدمها أنقرة بين الحين والآخر في صراعها مع الحليف الأوروبي.

 

المسار العسكري: لم يُخف خصوم أردوغان اتهامهم له بأنه الراعي الرسمي للثورة السورية، وأنه المسلِّح الأول للثوار والمقاتلين. ورغم أن تركيا أعلنت عن برنامج لاحتضان وتكوين الثوار المعتدلين، فقد كانت في مرمى اتهامات إيرانية سورية إسرائيلية بأنها داعم أساسي لمن تصفها هذه الأطراف بالجماعات الإرهابية.

وبين تلك الاتهامات، أخذت تركيا جانبها من الأرض السورية، حماية لحدودها وأمنها وفق ما يرى أنصار أردوغان، كما حاربت من خلالها أيضا الفلول الكردية المناوئة للدولة التركية المركزية.

وجدت تركيا أيضا نفسها في مواجهة أكثر من عدو وحليف، فهي في صراع مع الولايات المتحدة بشأن الأكراد، وفي حرب مع بشار بشأن الثورة، وفي صراع مع روسيا الداعم الأبرز لبشار.

وبين كل تلك المزالق، سعت تركيا إلى إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، دعما للتركمان وحماية لأمنها القومي، ولمواجهة التمرد الكردي حسب ما تقول.

وبين تركيا والولايات المتحدة الأميركية اللتين تعتبران أبرز داعمي المعارضة، توجد قوى دولية متعددة، مثل المملكة المتحدة وفرنسا اللتين كانتا جزءا أساسيا من التحالف الدولي للحرب على داعش.

اللجوء السوري.. هجرة أبناء الجنة المحترقة

يذكر تاريخ الأدب العربي القديم أن أعرابيا قيل له إن “من سكن الشام لانَ عظمُه واقترب من الموت، لما فيه من هواء عذب وجنة وضعها الله للناس في أرضه”. فقال لأسكنن الشام فإن صحراء أهلي لم تقِ والدي من الموت، ودوّن موقفه في قوله:

يقولون إن الشام يقتل أهله.. فهل لي إن لم آته بخلود

تعرّب آبائي فهلا صرَاهم.. من الموت أن لم يذهبوا وجدودي

 

وفعلا، تكشف الغيب بأن الشام يقتل أهله، وأن بنيه تساقوا كؤوس الموت قبل أن تتراماهم زوارق الشتات ومحنة التشرد في مختلف أنحاء الدنيا.

وتقدر الأمم المتحدة أعداد اللاجئين السوريين بأكثر من 5.5 ملايين إنسان من بينهم نحو 61% من الأطفال والنساء، وتحتضن تركيا نحو 60% من هؤلاء، فيما تتوزع البقية في لبنان والأردن والعراق وفي أوروبا وشمال أفريقيا، راسمين بذلك خريطة وجع مسافر، وذاكرة حرب أهلية أحرقت خضراء الشام، وحولت أنهارها العذبة وغيطانها إلى شلالات دافقة من الدم واللهيب.