“الذهب.. قصة إمبراطور المعادن الثمينة

قصة ملحمية لم تروَ بعد لتاريخ الذهب الممتد عبر 6 آلاف عام، فهو أصل مالي لا مثيل له، صمد في وجه العواصف والانهيارات والأزمات العالمية التي ضربت اقتصادات الدول الكبرى، فنجا منها بسلام وخرج أقوى مما كان.

وبمساعدة أبرز المطلعين على الصناعة، نكتشف في فيلم “الذهب.. هوس عمره 6000 عام” الذي عرضته بجزأين “الجزيرة الوثائقية”؛ كيف أصبح الذهب مرجعا لتمويل النظام العالمي الحديث.

يصحبنا “غرانت ويليامز”، في رحلة مشوقة يناقش فيها مع أبرز الخبراء ومدراء الشركات في مجال الذهب ليشرح، كيف ولماذا أصبح الذهب مالا؟ وماذا يتطلبه إيجاد وتصنيع غرام من الذهب؟ كما سنختبر مكانته في النظام المالي الحديث وسنطلع على تاريخ “معيار الذهب”، وكيف يشترى الذهب ويباع حول العالم، وما هي التدابير الاستثنائية التي يتخذها الناس لإبقائه آمنا وحمايته؟ وأسباب تحول هذا المعدن الأصفر العجيب لمصدر شغف للبشرية منذ آلاف السنين.

“تاريخ العالم هو قصة الذهب”

تعمقت مكانة الذهب كمال داخل نسيج المجتمع منذ اكتشافه لأول مرة قبل آلاف السنوات. يقول الملياردير الكندي “إريك سبروت” إن “تاريخ العالم هو قصة الذهب”، لأنه متفرد ونادر، وقد بقي قويا رغم مرور آلاف السنين على اكتشافه، فكان قيما طوال تاريخ البشرية، واستخدمته الحضارات المتعاقبة، وكان وسيلة للمقايضة وأداة للزينة.

وقد حدث أول استخدام للمعادن الثمينة كنقود في القرن السابع قبل الميلاد، ومكنت خصائص الذهب الفريدة من إنشاء أول مصارف أوروبا في القرن الثالث عشر، بحيث تمكن الأشخاص من تخزين ذهبهم في مصرف واحد والاقتراض مقابله.

كما أن دور الذهب كمال والقبول العالمي لقيمته، مكنا البشرية من إنشاء اقتصاد حيوي تجاوز الحدود والثقافات، وسمح باستقرار واكتشاف عوالم جديدة، ومكن التجارة من الانتشار في كافة أنحاء العالم، واليوم ليست على الأرض دولة إلا لديها عملة مدعومة بالذهب، فلماذا يحتفظ الذهب بأهميته في النظام المالي الحديث رغم أنه لم يعد يُعتبر مالا؟

يقول “دانييل أوليفر” مؤسس شركة “مرميكان كابيتال”: إن الذهب أصبح مالا منذ 4 آلاف عام، وأكثر الأمور غرابة في هذا الشأن أن أحدا لم يعرف سبب هذا إلا قبل 100 عام تقريبا، وخاصية هذا التحول جاءت من السوق، إذ لم يجتمع الرؤساء ويقولوا: “فلنستخدم الذهب”، بل إن الناس هم من فرضوا الذهب كأصل مالي.

وفي هذا السياق يقول “ريك رول” الرئيس التنفيذي لشركة “سبروت يو أس القابضة”: لا يزال الذهب مالا، وهو أحد أشكال المال المتعددة، إنه وسيلة للمقايضة وقيمة مختزنة على عكس الأشكال الأخرى للمال، بما فيها العملات الورقية والرقمية والمشفرة، ويتداول سوق الذهب يوميا بمليارات الدولارات، لذا فإن وصفه بشيء آخر غير المال هو خطأ نوعا ما، في الماضي كانت هناك مجتمعات تتعامل بالذهب فقط للبيع والشراء والمقايضة، والذهب ليس كالمال، فالمال وعد بالسداد والمعدن الأصفر هو السداد.

“وحده الذهب هو الصامد”.. ثروة تستمد قيمتها من ذاتها

يعرف المعدن الأصفر بصموده أمام رياح العواصف الاقتصادية على مدى التاريخ، وذلك ما يؤكده “إيغون فون غريرز” مؤسس شركة “ماترهورن غولد” قائلا: الذهب هو المال الوحيد الذي صمد عبر التاريخ، فالحكومات دمرت عبر التاريخ قيمة العملات الورقية والمعدنية وحتى الفضية منها، وحده الذهب هو الصامد.

أما “سيمون ميخايلوفيتش” مؤسس شركة “توكيفيل بليون ريزيرف”، فيرجع أسباب أهمية الذهب إلى “أنه مستودع للقيمة، وحاليا لدينا نقص في مستودعات قيمة موثوقة، فالذهب ثابت ومستقل وليس التزاما من أحد أو عبئا على أحد ولا يخذل أحدا ولا ينتظر تقييما من أحد، وهو يستمد قيمته من ذاته، وهو تحت تصرفك حتى بات أفضل من العقار”.

“المعادن الثمينة” هي: الذهب والفضة والروديوم والبلاتينيوم والبلاديوم

والأمر الذي يميز الذهب أنك لا تستطيع مضاعفته بزيادة الأصفار أو تشغيل آلة الطباعة، وهذا ما يجعله أفضل من المال، بحسب “ديفيد فيرغسون”، وهو شريك في شركة “نيموي القابضة”.

ويتساءل “جيمس ريكاردز” مؤلف كتاب “الحالة الجديدة للذهب” قائلا: إن لم يكن الذهب مالا فلماذا لدى أمريكا 8 آلاف طن منه، وصندوق النقد الدولي 3 آلاف طن، ولماذا ضاعفت روسيا احتياطاتها من الذهب في السنوات العشر الأخيرة، ولماذا تشتري الصين الكثير من الذهب غير الضروري ولا تصدره؟

وإذا أخذنا المال كمثال لمستودع القيمة، يظهر لنا أن الصلاحيات الممنوحة لحكام المصارف المركزية في العالم تمكنهم من إصدار قرار أمر بطباعة تريليونات من العملات الورقية عند رغبتهم بذلك.

الذهب.. سيد المعادن الثمينة الخمسة

نظرة سريعة على المواد في العالم تظهر لنا أنها ليست كلها مستدامة، فالغازات لا نستطيع استخدامها، وهناك عناصر تذوب في الماء، وأخرى تتفاعل مع الهواء أو تتآكل أو تشتعل في النيران، وفي جميع الحالات لا يمكن وضع هذه العناصر في جيبك، إضافة إلى استبعاد أي شيء يحمل إشعاعا، لأنه خطير على الصحة ويؤدي إلى تهديد حياتك، ومن بين كل العناصر الموجودة فوق سطح البسيطة، تبقى لنا 5 عناصر هي التي يطلق عليها “المعادن الثمينة”، وهي: الذهب والفضة والروديوم والبلاتينيوم والبلاديوم.

أما البلاديوم والروديوم فقد اكتشفا في القرن الثامن عشر، ولهذا استبعدا في وقت مبكر، والمشكلة في البلاتينيوم أن درجة انصهاره تصل إلى 3 آلاف درجة مئوية، وهي الدرجة التي كانت عصية على أفران البشرية المبكرة، وحدهما الذهب والفضة هما المعدنان اللذان اعتمدتهما البشرية منذ آلاف السنين كمستودعين للقيمة ووسيلتين للمقايضة.

جبال الألب.. مدفن أكبر خزنة ذهب سرية في العالم

يرى معظم الخبراء والاقتصاديين الذين يعملون في هذا المجال أن الذهب يجب أن يُخزن بعيدا عن الجهة التي تعمل عندها أو الجهات الضامنة، حتى يكون بمأمن في حال إفلاس الشركة، والأهم هو تخزينه بطريقة تمكنك من الوصول إليه متى أردت، كما أنه يجب حفظه في مخزن آمن بعيدا عن السلطة السياسية، لأن بعض الأشخاص يعتبرونه كتأمين -من بين أمور أخرى- ضد عمليات السلب التي تقوم بها حكوماتهم.

في سويسرا خزنات سرية للذهب مدفونة تحت جبال الألب محمية من كل أنواع التهديدات

وتعد سويسرا موطنا لتخزين الذهب الذي يعد إحدى ثروات الأمم، كما توجد فيها خزنات سرية، إحداها مدفونة تحت جبال الألب السويسرية، ويوجد فيها ما يعادل مليارات الدولارات من الذهب المملوك لأشخاص، ولم يسبق أن صور من قبل، إلا أن “غرانت ويليامز” وفريقه حصلوا على إذن لزيارة أحد أكثر مواقع العالم سرية، ليُري المشاهدين المدى الذي يصل إليه البشر لحفظ هذا المعدن الثمين.

فهذه هي أكبر خزنة سرية في العالم، وهنا يخزن الذهب للعائلات الثرية وللمؤسسات والمصارف وحتى المصارف المركزية، في هذه الخزنة توجد عدة نقاط أمنية للتفتيش والتأكد من هوية الأشخاص، علينا السير عدة كيلومترات للوصول إليها، وهي الخزنة الوحيدة في العالم المقاومة للقنابل النووية والهزات الأرضية والهجوم بالغاز.

يعتبر الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياط العالمي منذ 40 عاما، ولكن هذا لم يكن هو الحال، فقد تغيرت عملات الاحتياط عبر التاريخ، ودخل الذهب في منعطف تاريخي عندما فك الرئيس الأمريكي السابق “ريتشارد نيكسون” ارتباط الدولار بالمعدن الأصفر عام 1971.

“صدمة نيكسون”.. نقطة نهاية بجرة قلم الرئيس الأمريكي

يعود “جيمس ريكاردز” مؤلف كتاب “الحالة الجديدة للذهب” إلى تاريخ تأسيس أول مصرف مركزي في الولايات المتحدة، ويشرح كيف أثر ذلك سلبا على البشرية، إذ يقول: لم يكن لدينا مصرف مركزي منذ 1836 وحتى 1913، وكانت تلك أعظم فترات الازدهار والاختراعات في تاريخ العالم، وحصلت فيها زيادة في الإنتاجية والنجاح الصناعي الكبير، لقد نمت أمريكا بشكل كبير وتحققت كل هذه النجاحات دون مصرف مركزي، وفي البداية كان الأمر طوعيا، فكل دولة تختار ما إن كانت ستنشئ مصرفا مركزيا وتبدأ بطباعة العملات الورقية، ولكن كان الحديث بداية أن قيمة هذه العملات قابلة للاسترداد بالذهب عن فائدة ثابتة.

بجرة قلم من الرئيس الأمريكي نبكسون ألغي نظام التقييم بالذهب سنة 1971، وتحول العالم إلى نظام النقود

وهكذا بجرة قلم من رئيس أمريكي ألغي نظام التقييم بالذهب، وتحول العالم إلى نظام النقود، واستبدل المعدن الأصفر بالعملة الخضراء التي باتت تحكم العالم الآن، لقد غير قرار “نيكسون” وجه العالم، وأثر على تفكيرنا بالمال اليوم.

وعن هذا الموضوع يقول “لوك غرومن” رئيس شركة “فوريست فور ذي تريز” المحدودة: إن العالم تغير بشكل جذري بعد قرار إغلاق “نيكسون” لنافذة الذهب، فحتى بعد الحرب العالمية الثانية كان الدولار مرتبطا بالذهب، وكان سعره 35 دولارا للأوقية، وكانت بقية عملات العالم مرتبطة بالدولار، وكان الدولار وقتها فعالا وقويا كالذهب.

واللافت أن الناس والأسواق تقبلوا التعامل بورقة واستغنوا عن الذهب، ولو رفض الناس وقتها التعامل بالدولار لكانت انهارت قيمته وعاد الرئيس “نيكسون” عن قراره وقرر إعادة فتح نافذة الذهب، ولكن عدم رفضه من قبل الناس ساعد في ترسيخه وإلغاء ما يسمى نظام “التقييم بالذهب” والتحول إلى نظام “سلة العملات”، ورغم ذلك فإن ما أراده “نيكسون” ومن خلفه فريقه المالي لم يتحقق، فالدولار الأمريكي يتخبط يوميا في أسواق المال، وأوقية الذهب التي كان سعرها 35 دولارا عام 1971 باتت تقدر بآلاف الدولارات.

لقد أكد الذهب عبر التاريخ قيمته وأهميته، لكن هناك قصة أخرى يجب أن تُروى عن الذهب وهو سعي البشرية للتنقيب عنه في أماكن في غاية الصعوبة، ثم تحويله لسبائك ومجوهرات وعملات.

قاع البحار.. بريق الثروة في عهد الإغريق

منذ 10 آلاف عام والإنسان يبحث عن الذهب ويخزنه ويستخدمه، فقد ارتبط الإنسان في هذه الفترة الطويلة بمعدن يعد من أندر العناصر في الطبيعة، ووزنه يزيد عن الماء بـ19 ضعفا، ويعادل ضعفي ثقل الرصاص، لكنه يشكل 3 أجزاء فقط من أصل مليار جزء من القشرة الأرضية، ولهذا يشكل العثور على هذا المعدن تحديا كبيرا بالنسبة للبشرية التي أجبرت على الوصول لأماكن صعبة ومعقدة للتنقيب عن هذا المعدن العجيب.

التنقيب عن الذهب واستخراجه حلم يراود كل الشعوب

كما تطورت أساليب التنقيب عن الذهب الذي وجد أولا في قاع البحار في عهد الإغريق، واستخدمت أيادي العمال والأدوات البدائية للبحث عن رواسب يوجد فيها المعدن الأصفر، وتطورت طرق البحث عنه إلى يومنا هذا، وباتت تحتاج لدراسات ومعدات متطورة وكلفة كبيرة، لأنك قد تدفع الكثير من الأموال للحصول على منجم للذهب، ثم تتفاجأ لاحقا أنه غير موجود أو ليس بالكمية المطلوبة.

ويدخل في عملية التنقيب عن الذهب جيولوجيون ومهندسون وعمال مناجم ومجموعة كاملة من المحامين لضمان حقك القانوني وضمان حصولك على الأرض والانتفاع منها.

يتساءل كثيرون عن أسباب وصول سعر أوقية من معدن أصفر لآلاف الدولارات، ولكن عند النظر إلى تكلفة الاستكشاف والعمال والجهد المبذول لاستخراجه من الأرض، ناهيك عن الضرائب وغيرها من المصاريف، يكون من اليسير فهم أسباب ارتفاع أسعار الذهب.

“هذا العمل محفوف بأخطار كثيرة، وقد تدفع حياتك ثمنا له”

صحيح أن الذهب معدن ثمين يغري كل من يستطيع الوصول، ولكن البحث عن هذا المعدن وجني الثروات والعمل في المناجم الخطيرة التي يقع معظمها تحت الأرض دونه عواقب صحية جسيمة.

يروي “روس بيتي” رئيس مجلس إدارة شركتي “بان أميريكان” و”ألتيرا باور” مشاكله الصحية والحوادث الخطيرة التي تعرض لها بسبب العمل أو زيارة المناجم قائلا: أصبت بالملاريا الدماغية وداء المقوصات وطفيليات متنوعة كادت أن تنهي حياتي، وتعرضت لحادث مروحية، وكدت أقتل في ليبيريا بأحداث شغب هناك. كثيرون هم الجيولوجيون الذين ماتوا بحوادث سيارات بسبب وعورة الطرق التي توصل للمناجم، كما تعرض كثير من زملائي لإطلاق نار وقتل أحدهم، هذا العمل محفوف بأخطار كثيرة، وقد تدفع حياتك ثمنا له.

يتم التنقيب عن خام الذهب في مناجم تحت الأرض معرضة لجميع أنواع الكوارث

فالذهب فريد بين العناصر ولا يفنى كالفضة، وحتى الكميات القليلة المستخدمة في أمور كالإلكترونيات تجعل قيمته مستردة اقتصاديا، وهذا يعني أن كل غرام من الذهب سبق تعدينه يبقى على سطح الأرض، فمصدر 20% من منتجات الذهب في العالم هو مصفاة تكرير واحدة في سويسرا، وهناك تظهر العملية المذهلة لتحويل الذهب المستخرج من الأرض إلى سبائك كبيرة تامة الصنع.

تمر عملية التصفية بمراحل عدة ويجب أن تكون سريعة ودقيقة، نظرا لقيمة المعدن الذي يجري التعامل معه. ويصف أحد رؤساء الشركات التي تعمل في مجال تعدين الذهب بأنه “فيه سحر لا يمكن وصفه وملمسه رائع، ولونه ساطع، فهو جوهر الاهتمام المطلق لآلاف السنين الماضية والقادمة، فهو يغير حياة الناس لأنه أكثر من معدن لامع”.

كل ما ورد يفسر لماذا يعود الإنسان إلى الذهب كملاذ آمن رغم توفر البدائل الاقتصادية والمالية على مدار آلاف السنوات.

بقايا عقد كليوباترا.. تاريخ المعدن الذي يجري في دمائنا

أولى خصائص الذهب هي الاستدامة، وهذا يعني كل أوقية جرى تعدينها لا تزال على سطح الأرض، وتعاد تنقيتها وصهرها واستخدامها، وأن أي خاتم في أقصى العالم قد تكون فيه بقايا من عقد كان يزين عنق كليوباترا في يوم من الأيام.

ويعد الذهب أندر العناصر، حيث يشكل 3 أجزاء من كل مليار جزء من القشرة الأرضية، وبكلام مبسط إذا كان لديك مليار حبة شوكولاتة فهناك فقط 3 حبات منها صنعت من الذهب، واللافت أننا قد استخرجنا أكثر من 90% من الذهب الموجود فوق سطح الأرض، وإذا حُول كل الذهب في العالم إلى سلك فإنه يلتف حول العالم أكثر من 11 مليون مرة، وعلى مر التاريخ استخرج الإنسان 188 ألف طن من الذهب أي كمية يمكنها أن تغطي حوضي سباحة أولمبيين.

يشكل الذهب 3 أجزاء فقط من أصل مليار جزء من كتلة القشرة الأرضية

ولكن الذهب ليس مجرد سبائك في أقبية أو خواتم للزينة، فللذهب استعمالات عديدة، فهذا المعدن الأصفر يستخدم على نطاق واسع في الإلكترونيات والأسلاك الكهربائية وطب الأسنان والتدريع الإشعاعي وتلوين الزجاج، وحتى أن جسم الإنسان يحتوي على 0.2 مليغرام من الذهب، ويوجد معظمه في دمائنا.

ويوجد أكبر مخزون من الذهب فوق الأرض بالخزائن المحصنة للمصارف المركزية، وفي المجموع تمتلك أكبر 10 بنوك مركزية في العالم 12% من حجم الذهب المستخرج على الإطلاق.

“ما يحصل هو أن الدولار يرتفع ويهبط بحسب الذهب”

بالنسبة لكثير من الناس، فإن الذهب مجرد سعر على شاشة وسلعة خاضعة لتقلبات السوق ارتفاعا أو انخفاضا، وهذا ما يحدد ما إذا كان استثمار الذهب ناجحا أم خاسرا، ولكن هل هذه هي الطريقة السليمة للتفكير بالذهب؟

يجيب “سيمون ميخايلوفيتش” مؤسس شركة “توكيفيل بليون ريزيرف” قائلا: الناس يركزون على أسعار الذهب والسلع الأخرى، وهذا نتاج الهيمنة المالية، إذ يعرف الناس أثمان الأشياء ويجهلون قيمتها، لقد بدأت هيمنة الأسواق المالية في فترة تسعير كل شيء، وهذا ما دفع الناس لتتبع أسعار الأشياء والقيمة التي تستحقها بمقدار عدد الدولارات التي يمتلكونها.

يتم صهر الذهب الخام المستخرج من المناجم قبل تحويله إلى ذهب سبائك خالص

بدوره يؤكد “دانييل أوليفر” مؤسس شركة “ميرميكان كابيتال” أن “الكثير من الأشخاص الذين يستثمرون في الذهب يستاؤون بسبب انخفاض الأسعار وارتفاعها، فهم يخافون من الشراء أو البيع في الفترة غير المناسبة، ليس هناك وقت خطأ لشراء أو بيع الذهب، فهو قيمة ثابتة، وما يحصل هو أن الدولار يرتفع ويهبط بحسب الذهب، وليس العكس”.

يركز أكثر الناس على سعر الذهب، ولكن يوجد فرق واضح جدا بين سعر الذهب وقيمته، إذ تشير قيمة الذهب إلى تكلفة وضع عملة معدنية أو سبيكة في يدك، وهذا يمثل تكلفة المعدن المادي نفسه، أما سعر الذهب فهو مجرد نقطة مرجعية، وهو الرقم الذي بموجبه يسعر أي عدد من منتجات “الذهب الورقي” يوميا في جميع أنحاء العالم.

فكرة “الذهب هو المال”.. حزام الأمان في دول الشرق

بعد نوبات متتالية من التضخم، ومع تخفيض الحكومات لقيمة العملات القانونية، تغيرت النظرة للذهب كثيرا في الشرق، فالناس هناك لا تثق في أنظمتها، وليس لديها القدرة على تغييرها ديمقراطيا كما يحدث في الغرب، ولذلك فإن فكرة “الذهب هو المال” لم تتلاشَ في الشرق كما حصل بالغرب، فلا أحد يثق بعملة ورقية من تلك الحكومات، وهذا الدرس تأخر الشرق لتعلمه حتى قبل فترة قصيرة، وهذا هو الفارق المهم في النظرة للذهب بين الشرق والغرب.

يحتفظ الذهب على مر العصور على قيمته السوقية، وسيظل المعدن الذي تهوي إليه الأفئدة

ويشرح “لوك غرومن” رئيس شركة “فوريست فور ذي تريز” المحدودة؛ الفرق بين النظرة الشرقية والغربية للذهب قائلا: جوهر فارق النظرة للذهب بين الغرب والشرق ذو جذور تاريخية، ومضى وقت طويل جدا بالنسبة للغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا منذ أن واجهت عملتها أزمة كبيرة، وفتحت لهم أسواق المال وأغلقت (نافذة الذهب) عام 1971، على عكس الناس في الشرق الذين اكتسبوا خبرة كبيرة بسبب انخفاض قيمة العملة، ولهذا لجؤوا إلى الذهب لحمايتهم من تذبذب سعر العملات.

ونظرا لقيمة الذهب للبشرية، فإن تاريخه مليء بالقصص التي تظهر الأهمية القصوى التي تمنح لحمايته، وأحيانا المدى القاتل الذي قد يصل إليه الناس لحيازته والدفاع عنه.

عودة أمجاد الذهب.. حلم تأباه مصالح البنوك والحكومات

يحق لنا أن نتساءل اليوم بعد كل ما مر بنا من الأخطار واللعب بأسواق المال والعملات وتراجع قيمتها بشكل حاد، وما تسببه من تضخم وانعكاسات سلبية على اقتصاديات الدول ومدخرات الناس؛ عن ما إذا كانت هناك إمكانية لإعادة التقييم بالذهب -الذي ألغاه الرئيس الأمريكي “نيكسون” في 15 أغسطس/آب 1971-، وبالتالي إعادة فتح نافذة الذهب؟

يتحكم صندوق النقد الدولي بالدول من خلال الديون للسيطرة على الذهب في بنوكها المركزية

يجمع الخبراء أن هذه العودة شبه مستحيلة ومرفوضة من قبل الناس الذين يريدون العيش بأكثر من إمكانياتهم، والبنوك المركزية التي تريد جني الأموال من الخدمات التي تقدمها، فالذهب يجعل اقتراضك لأكثر من حاجتك أمرا مستحيلا، إضافة إلى الدول التي تريد شن الحروب ودفع تكاليفها، فتقوم بطباعة العملات الورقية.

وفي السنوات الأخيرة أشعل ظهور العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين جدلا حادا حول مستقبل الذهب في الاقتصاد النقدي، إذ يعتقد كثيرون أن العملات المشفرة تلغي الحاجة إلى الذهب، ولكن في المستقبل البعيد لن يكون هذا حقيقيا، لأن هذه العملات لم تخضع بعد إلى أقصى درجات المخاطر الاقتصادية، وحده الذهب هو الذي نجا من كل حالات الذعر والانهيارات التي ضربت اقتصادات العالم.

“على كل فرد أن يقتني شيئا من الذهب”.. نصيحة الخبراء

رغم أن شراء الذهب وتخزينه يبدو بديهيا للكثيرين، فإنه موضوع معقد ومربك ويعزز جدالا حاميا منذ فجر الحضارة، فالفيلم الممتد على جزأين لم يكن هدفه أن يغير الآراء، بل أن يشرح كيف أصبحت كتلة المعدن الأصفر هذه بعد سنوات من اكتشافها المال الوحيد المقبول عالميا.

هل يمكن للعملة الرقمية بتكوين يوما أن تقايض بالذهب

وفي الخلاصة، سواء قررت أنا أو آخرين بشكل فردي اعتبار الذهب مالا أو لا، فهذا ليس مهما، لأن الذهب صمد أمام اختبارات الزمن، موفرا بذلك مخزونا مستقرا من الثروة للبشرية لآلاف السنين، وبينما نتجه إلى عالم تسقط فيه العملات الورقية وتقع تحت حصار من الديون المتصاعدة، يبقى الذهب هو المال الوحيد المضمون للنجاة.

وفي الختام، فإن نصيحة خبراء ومدراء شركات هي أن “على كل فرد أن يقتني -على الأقل- شيئا من الذهب”.