الموسيقى التصويرية.. بطل الزمن الجميل وكومبارس الحاضر في الدراما العربية

بلال المازني

لم يضاه أي وصف لوقع الموسيقى التصويرية في تغذية المشاهد المصورة ما كتبه الشاعر الدنماركي الشهير “هانس كريستيان أندرسن” الذي قال: حيثما تفشل الكلمات، تتكلم الموسيقى.

ولد “هانس” في بداية القرن التاسع عشر، وقد لا يعني ما كتبه الحديث حرفيا عن علاقة الموسيقى بالمشاهد المصورة سواء كانت أفلاما أو مسلسلات أو حتى ألعاب فيديو، لكن توصيفه البسيط والمختزل لأدوار متشابكة تتبادلها الموسيقى مع الكلام ومن ورائه النص أو المشهد المصور؛ كان دقيقا.

الموسيقى التصويرية.. طريق الخلود في ذهن المشاهد

استطاع المايسترو الإيطالي “إنيو موريكوني” أن يؤلف موسيقى أفلام عظيمة في تاريخ السينما العالمية مثل رائعة “سينما براديسو” (Cinema Paradiso)، و”ذات مرة في أمريكا” (Once upon a time in America)، وهو يقول: في معظم الأحيان يختبر الأشخاص الموسيقى كتجربة غير شعورية، بعبارة أخرى تستطيع الموسيقى إظهار ما هو مرئي، وتستطيع أن تعمل ضد الحوار في الفيلم، بل إنها تستطيع أن تروي قصة مخفية للمشاهد.

يبدو هذا الدور التي تؤديه الموسيقى في الأفلام أو المسلسلات معقدا، وقد لا يفطن المشاهد العادي لوقع ذلك الدور إلا حين تأخذه سكرة تلك الموسيقى فتلازمه، حتى يصبح العمل المصوّر سواء كان فيلما أو مسلسلا مخلّدا في الأذهان بموسيقاه التي تتحول ببساطة إلى شخصية من شخصيات العمل الدرامي.

 

يروي الكاتب إبراهيم أصلان في كتابه “شيء من هذا القبيل” أنه اكتشف سرا في مقطوعة موسيقية محببة لديه، وهي التي ألفها ‘سترافنسكي” لعمل “طائر من نار” (Firebird)، فقد كانت تلك الموسيقى مستلهمة من أسطورة في أحد الأرياف تقول إنه يوجد طائر ذو جناحين مضيئين، وإذا مر فوق سماء قرية كان ذلك إشارة على أنه يوجد في تلك القرية عاشقان، لذلك وجب على سكانها البحث عنهما وتزويجهما.

ويقول إبراهيم أصلان: عندما عاودت الاستماع إلى موسيقى “عصفور النار” بعدما عرفت الحكاية واستقبلتها بأذنين مختلفتين، انتبهت إلى أنه لا يوجد موسيقي كبير إلا وقد اعتمد على مثل هذا الموروث الإنساني المشترك في تقديم معظم أعماله، كما أن قسطا كبيرا من الأعمال المكتوبة اعتمد الشيء نفسه. والسؤال الذي يلح على واحد مثلي على الأقل كيف أننا نسمع ونقرأ أعمالا تعتمد ميراثا يضاعف من قيمتها ويعمق من قيمتها، بينما لا نعرف عنه شيئا.

“رأفت الهجان”.. حين يكون اللحن ظِلا لبطل المسلسل

عاش جمهور عريض من أجيال مختلفة في المنطقة العربية عظمة الموسيقى حين جلس أغلبهم متسمرين أمام شاشات التلفزيون ذات ليلة من ليالي العام 1988، وذلك ليشاهدوا أول مرة مسلسل “رأفت الهجان”، ومنذ تلك اللحظة سكن هذا المسلسل ذاكرة ملايين المشاهدين العرب من جيلين أو أكثر، هل كانت القصة، أم هو الحماس لنجاح حققته دولة عربية على إسرائيل، أم موسيقاه التي تشبه كرامة من كرامات الصالحين من صاحبها الكفيف عمار الشريعي؟

قد تكون هذه الأسباب مجتمعة هي التي ساهمت في نجاح لا نظير له لمسلسل “رأفت الهجان” بأجزائه الثلاثة، لكن ما خزنته ذاكرة الأجيال كان تتر المسلسل وموسيقاه التصويرية التي تلبّست أحداث المسلسل. ومنذ ذلك الوقت تتالت الأعمال الدرامية العربية التي خلدتها قصصها وموسيقاها أيضا.

 

حين بدأ بث الجزء الأول من مسلسل “رأفت الهجان” الذي أخرجه يحيى العلمي (1988)؛ اكتشف الجمهور العربي قصة البطل المصري رفعت علي سليمان الجمال الذي اشتهر باسم “رأفت الهجان”، وهي قصة من ملفات المخابرات المصرية التي رفعت عنها السرية، وفي الواقع لم يفتح الستار عن قصة العميل السري المصري فحسب، بل عن شخص عبقري آخر، وهو عمار الشريعي مؤلف تتر المسلسل وموسيقاه التصويرية.

كانت موسيقى عمار الشريعي إحدى أبطال المسلسل وأسسه التي قادته نحو النجاح، فجاءت خليطا عجيبا وأسطوريا من الموسيقى العربية والغربية للحن ذاته، حتى أصبح ذلك اللحن هو ظل العميل رأفت الهجان بطل المسلسل، بل هو أحد أبطاله.

اللحن الدال.. محسنات بلاغية في المشهد السينمائي

يقول الباحث المصري أحمد عبد الشافي عبده أستاذ النظريات والتأليف الموسيقي في بحثه “اللحن الدال في موسيقى رأفت الهجان لعمار الشريعي”: اعتمد الشريعي ما يصطلح عليه في علوم الموسيقى باللحن الدال، وهو أحد أبرز أساليب التأليف في موسيقى الأعمال الدرامية، ويعني هذا المصطلح اللحن الرئيس أو البارز في الموسيقى التصويرية، ويخدم هذا اللحن بشدة المشاهد المصورة والقصة وتطور الأحداث، تسريعها أو إبطاءها، فاللحن الدال هو عبارة عن فكرة موسيقية متكررة ومعاودة الظهور على المدى الزمني للعمل الدرامي في فترات متنوعة، دالة فيها على شخصية درامية بعينها أو رمز لها أو حتى موقف معين.

وقد طبق عمار الشريعي اللحن الدال على الموسيقى التصويرية للدلالة على التحول الدرامي لمواقف أو أفعال أبطال المسلسل، فغرض اللحن الدال عموما هو الإحالة إلى شخصية معينة في العمل الدرامي وتفسير انفعالاتها، لذلك يقترن اللحن الأساس في موسيقى مسلسل رأفت الهجان بحالات بطل المسلسل، ولا يمكن للمشاهد استحضار ملامح محمود عبد العزيز الذي يجسد دور العميل رأفت الهجان الحزينة أو الفرحة أو الممتعضة من الغربة أو الخائفة، دون أن ترافق تلك الصورة اللحن الرئيس لتتر البداية الذي يختلف ارتكازه الأساسي على الآلات الموسيقية من آلة إلى أخرى وفق حالة البطل.

 

يقول الباحث أحمد عبد الشافي عبده إن عمار الشريعي استطاع أن يعبر عن المواقف الدرامية والانفعالات المختلفة الخاصة بالبطل، وكان اللحن ثابتا، لكن اختلفت عناصر مقترنة به مثل العنصر الزمني الذي يحدد القلق في تسارعه والفرح أو الاسترخاء أو الحزن في حال التباطؤ، أما استعمال الآلات العازفة لهذا اللحن فتختلف باختلاف السياق، باستعمال العود في حال كان السياق عربيا، أو استعمال الساكسفون حين تكون الأجواء غربية.

عمار الشريعي.. ملك الآلات الإيقاعية الذي لا منافس له

لا يمكن فصل الإبداع الذي صبه عمار الشريعي عند تأليفه موسيقى “رأفت الهجان” عن حسه الدرامي العالي، لذلك يعتبر مؤلفا موسيقيا لا ملحنا فحسب، فهو لا يكتفي بالتلحين فقط، بل يصل إنتاجه إلى العمل الموسيقي الكامل، أما حسه الدرامي فقد اكتسبه من تخصصه في دراسة الآداب، لذلك كان فهمه عميقا للدراما، وثمرة حسه الدرامي وعبقريته الموسيقية أينعت في مؤلفاته الموسيقية في أعمال درامية كثيرة، لذلك وصل الشريعي إلى قمة لا يضاهيه فيها أحد، في مؤلفاته الموسيقية لمسلسلات خالدة مثل “رأفت الهجان” و”أرابيسك” للمخرج أسامة أنور عكاشة، و”دموع صاحبة الجلالة” ليحيى العلمي و”زيزينيا” للمخرج جمال عبد الحميد.

لذلك لا يكاد يوجد من ينافس الشريعي في الحس الدرامي أو توظيف الآلات الإيقاعية، ولا حتى عمر خيرت وياسر عبد الرحمن مؤلف موسيقى “فارس بلا جواد”، فالموسيقى التصويرية لمسلسل “آرابيسك”، وتتر نهاية المسلسل مثلا لا حد للإبداع فيهما، فبضع دقائق منها كافية لربطها مع قصة حسن أرابيسك، خيباته وانتفاضته من الضياع، بل هي اختزال صوتي للمفاجآت التي لعبت ببطل المسلسل.

 

لا يمكن فهم من صنع مجد المسلسلات الأربعة المذكورة، هل هي قصتها أم موسيقاها أم هما معا، لكن يمكن الجزم بأن موسيقى عمار الشريعي كانت بمثابة ختم الخلود لتلك الأعمال الدرامية، فهو يغوص في قصة العمل الدرامي ويعمل ضمن متناقضين هما الحدود المرسومة له، أو التي رسمها له حسه الدرامي بأن تنبع موسيقاه من شخوص المسلسل ومن بيئتها وسياقها التاريخي وقصتها، ليصل إلى سياقات الزمن الواقع الذي يعيشه الجمهور، والتحليق بعيدا إلى حد الجمع بين الموسيقى العربية والغربية في مؤلفاته، حتى إنه لا يمكن الإمساك بالحد الفاصل بينهما، وذلك المزج خدم مثلا مضمون مسلسل “رأفت الهجان” الذي تدور أحداثه بين منطقة عربية ومناطق غربية.

لم يكن عمار الشريعي النجم الوحيد المزروع في سماء رحبة، فطيلة عقد كامل من الزمن أو أكثر -أي فترة التسعينيات وبداية الألفين- لمع بريق مبهر لمؤلفين موسيقيين من مصر وتونس والأردن ولبنان ساهموا في تخليد أعمال درامية كثيرة.

منذر الديماسي.. نغم تونسي بديع يخترق بيوت العرب

يلتفت جمهور الدراما العربية بحنين كبير إلى سنوات تفوق العقدين من الزمن، قدم فيها مخرجو المسلسلات العربية أفضل ما لديهم، ورافقهم في مسيرتهم مؤلفو الموسيقى التصويرية لتلك المسلسلات.

في العام 1992 عرض التلفزيون الرسمي التونسي مسلسل “الدوار” للمخرج التونسي عبد القادر الجربي، ولم تكن قصة المسلسل استثنائية، ولكن موسيقاه كانت عبقرية، وهي التي دفعت بهذا العمل الدرامي دفعا لتبثه قنوات عربية أخرى، وهو ليس تجنيا على مخرج المسلسل أو كاتبه أو ممثليه، فالمسلسل يعج بممثلين كبار، مثل عبد القادر مقداد وأحمد السنوسي وعيسى حراث.

لكن الحقيقة لا يمكن إنكارها، فقد كان منذر الديماسي مؤلف الموسيقى التصويرية لذلك العمل الدرامي عبقريا بحق، فألّف موسيقى ملحمية تتماهى إلى حد عجيب مع مكان الأحداث وزمانها، فالناي رفيق الرعاة في الجبال والصحراء، وهو الآلة المهيمنة على الموسيقى التي ألفها الديماسي، إضافة إلى الطبل.

 

أما الإيقاع فينقلب بأعجوبة من لحن بدوي مرتكز على آلات الناي والطبل، وموسيقى خلفية للكمنجة التي تقفز ببراعة من الأمام إلى الخلف، لينقلب الإيقاع إلى أوركسترالي، ثم يعود إلى الإيقاع البدوي، مما جعل موسيقى مسلسل الدوار أفضل موسيقى تصويرية في الدراما التونسية.

عند دخول القرن الحادي والعشرين بدا الإنتاج الموسيقي للدراما شحيحا، على عكس سنوات التسعينيات، لكن في العام 2002 عرض التلفزيون التونسي مسلسل “قمرة سيدي محروس”.

كان هذا المسلسل الذي يروي أحداثا في حقبة الاستعمار متقن الإخراج والحوار، أما الموسيقى التصويرية فكانت متميزة، فقد أبدع مؤلفها التونسي الطاهر القيزاني في تناغمها مع سياق المسلسل وأحداثه، فلا يمكن للمشاهد أن لا يعتصر قلبه ألما على خبر موت “سيدي المنصف باي” حاكم تونس العادل آنذاك، إذ أذيع في الشارع على وقع معزوفة “قمر” الحزينة.

طارق الناصر.. عزف يحملك إلى ثنايا التاريخ

تتقاطع موسيقى مسلسل “الدوار” إلى حد ما مع موسيقى ملحمة “الجوارح/ الكواسر” التي ألفها الموسيقار الأردني طارق الناصر، ويمكن فهم ذلك الطيف من التقاطع الذي لا يعني التشابه، فمسلسل “الدوار” وملحمة “الجوارح” التي بدأ عرضها في العام 1995، ثم “الكواسر”؛ صوروا أحداثا في بيئة صحراوية أو خارج الحاضرة، ومن الطبيعي أن تكون الآلات الإيقاعية والناي حاضرة في الموسيقى التصويرية للمسلسلات الثلاثة.

رغم نجاح مسلسلي “الجوارح” و”الكواسر” الذين كانا ملحمة في ديكور خارج من المتعارف عليه، فإنهما لا يمكن أن يطمسا قطعة فنية أخرى ألفها طارق الناصر قبل المسلسلين المذكورين، وألبسها مسلسل “نهاية رجل شجاع” الذي أخرجه نجدت إسماعيل أنزور في العام 1994، وهو عمل درامي متميز لا يمكن استحضاره دون استحضار تتر البداية والنهاية، أما الموسيقى التصويرية للمسلسل فهي موسيقى بحرية بامتياز، إيقاعها يوحي بأمواج البحر، لكنها صنعت خصيصا لتكون جزءا من شخصية مفيد الوحش الذي مثل دوره بعبقرية أيمن زيدان المتقلب بين عالم الجريمة والخروج عن القانون، وصولا إلى نهايته الحزينة التي بدأت ببتر ساقه، ثم نهايته بسقوطه من أعلى جرف.

 

كانت الموسيقى في مقام عمل أدبي كبير وهو “الياطر” لحنا مينه. تلك هي عبقرية طارق الناصر الذي انقلب ببراعة من البحر في “نهاية رجل شجاع”، إلى الصحراء في مسلسلي “الجوارح” و”الكواسر”.

إلياس الرحباني.. لحن خالد ما زال في آذان الجماهير

في العام 1997 أبدع الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني في تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل “دمي دموعي وابتساماتي”، وهي موسيقى يستحضرها المشاهدون إلى الآن، شأنها شأن الموسيقى التصويرية للمسلسل السوري “الفصول الأربعة” للمخرج حاتم علي، وقد ألفها الموسيقار طاهر مامللي، واستلهم في جزء منها من مقطوعة “الفصول الأربعة” للموسيقار “أنطونيو فيفالدي”.

الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني أبدع في تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل “دمي دموعي وابتساماتي”

 

كان دخول الألفية الثانية لا يبشر بخير، فالعالم يسير بخطى حثيثة نحو اختصار الوقت والمسافات، والنفوس باتت أضيق، أما في مجال التأليف الموسيقي للدراما العربية فبدا وكأن الوحي انقطع عن المؤلفين.

شهرة الفنان وخمول اللحن.. رهان خاسر

في مقال نُشر في موقع الجمعية الأمريكية لعلم النفس بعنوان “كيف تؤثر موسيقى الأفلام على علاقة المشاهدين بشخصيات الأفلام”؛ يخلص مؤلفو تلك الدراسة إلى أن “موسيقى الأفلام تتمتع بتأثيرات جمالية قوية على إدراك وفهم محتوى الشاشة، لكنها تؤثر أيضا في إحساس المشاهدين بالارتباط بشخصيات الأفلام، وبالتالي خلق سوابق لتجربة التعاطف”، في حين تعتبره الكاتبة “أنابيل كوهين” في “نموذج ارتباط الموسيقى والوسائط المتعددة: الأصل والتطور” مصدرا ثانيا للعاطفة إلى جانب الفيلم نفسه، كما أنها تشكل فهم الجمهور للأحداث المصورة ولأفعال الشخصيات وعواطفها ونياتها.

إن كل الأدوار التي تؤديها الموسيقى التصويرية في أي عمل فني هي محدد لنجاحه وانتشاره، وهي مسألة يبدو أن منتجي المسلسلات العربية قد تخلوا عنها، أو ربما ساروا في اتجاه آخر وهو الاعتماد على شهرة بعض الفنانين، مثل ميادة الحناوي في مسلسل “زهرة النرجس”، ولينا شماميان في مسلسل “وشاء الهوى”، وفايا يونان في مسلسل “شبابيك”، وصابر الرباعي في مسلسل “صيد الريم”، لكن ذلك لم يكن كافيا لمنافسة المؤلفات الموسيقية في الأعمال الدرامية سنوات التسعينيات.

استسهال التأليف.. أسباب جدب الدراما العربية في عصر السرعة

كانت فترة تقارب العقدين من الزمن وتمثل سنوات جدب في الإنتاج الدرامي العربي، وقد صاحب ذلك الجدب جمود أيضا في التأليف الموسيقي لتلك الأعمال الدرامية، فلا يستحضر المشاهد العربي أي عمل درامي بحلة موسيقية مميزة في تلك الفترة.

 

أما الأسباب فهي ثلاثة، الأول أن العصر الجنوني الذي نعيشه بكل تحولاته التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية أثر أيضا في التأليف الموسيقي للدراما العربية، وهو ما فرض اعتمادا جماعيا على الموسيقى الإلكترونية التي لا يمكن أن تنافس الآلات الموسيقية التقليدية.

أما السبب الثاني فهو أنه لا يمكن الحديث حرفيا عن مؤلفين موسيقيين بقدر الحديث عن ملحنين ومؤدين لأغاني التترات، لكن السبب الأهم في الجدب الذي تعيشه الموسيقى التصويرية في الدراما العربية هو استسهال بيّن للتأليف الموسيقي للدراما، والجهل بدور الموسيقى كشخصية في العمل الدرامي.

“هانز زيمر”.. أسرار الموسيقى تفتح أبواب الأوسكار

يقول الموسيقار “هانز زيمر” الحاصل على أوسكار أفضل موسيقى أصلية ومؤلف موسيقى أفلام شهيرة مثل “المجالد” (Gladiator)، و”الأسد الملك” (The Lion King)، و”فارس الظلام” (The Dark Knight): من أهم عوامل تأليف موسيقى الفيلم فهم أبطال القصة، ودراسة ماضيهم وآمالهم وأحلامهم، وأي لحظات حاسمة جعلتهم على ما هم عليه.

ويضيف في مقابلة صحفية معه: ارتبط بشخصياتك وابحث عن أرضية مشتركة معهم، حتى تتمكن من بناء سمات الموسيقى من خيالك الخاص ومن حقيقتهم العاطفية.

الموسيقار “هانز زيمر” الحاصل على أوسكار أفضل موسيقى أصلية ومؤلف موسيقى أفلام شهيرة مثل “المجالد”

 

لكن يبدو أن هذه التوليفة السحرية التي قدمها “زيمر” لم تجد طريقها إلى مؤلفي الموسيقى التصويرية للمسلسلات العربية اليوم، على عكس من  سبقوهم في فترة الثمانينيات والتسعينيات، وهو ما جعل مؤلفا موسيقيا مثل رضوان نصري يرتكب “هفوة فنية” حين خرج في المسلسل السوري “صدر الباز” عن التراث السوري الكبير في الموسيقى العربية، كالموشح والقد الحلبي أو حتى الموال السبعاوي، والدخول إلى موسيقى معاصرة جدا أسقطت صورة المسلسل الذي كان في بيئة شامية بامتياز، لتصبح موسيقى المسلسل كأنها كليب من كليبات مطربي اليوم.

صناعة التترات السطحية.. موسيقى تصويرية على الهامش

ضاقت مجالات الموسيقى التصويرية في الدراما العربية، وأصبحت موضوعا شكليا لا يثير اهتمام منتجي المسلسلات العربية، مقابل تترات غالبا ما تكون سطحية ومسقطة على مضمون المسلسل وشخصياته، وهي تعتمد على مغنين كبار فقط لغرض ترويجي وتسويقي أكثر من كونه غرضا فنيا.

هنا يطرح مبحث معقد جدا حول التجديد في الموسيقى العربية، ويوجه اتهام لعمالقة الموسيقى الذين قفزوا إلى تزويج مالا يتزاوج حتى سقطت الموسيقى العربية اليوم في هذا الانحدار، واختفت قوالب موسيقية عظيمة مثل الدور والموشح والطقطوقة والبشرف والسماعي، وكذلك السيمفونيات المبهرة في الموسيقى الغربية، ليصبح في الأخير الجمهور الذي يستمع للموسيقى الحقيقية جمهورا شاذا وصاحب موضة قديمة.