مونديال 2002.. أسوأ مشاركات العرب في تاريخ بطولات كأس العالم

خاص-الوثائقية 

لأول مرة منذ انطلاقه، يتنفس كأس العالم هواء غير هواء قارات أوروبا والأميركيتين، كما أنها المرة الأولى التي يقام المونديال في دولتين، إذ فازت كل من اليابان وكوريا الجنوبية بتنظيم الدورة الأولى في القرن الجديد لتفتح صفحة جديدة في تاريخ المونديال.

وستقدم كل دولة 10 ملاعب للمباريات، وهو أكبر عدد من الملاعب التي تستضيف نسخة واحدة من البطولة. والميزة الكبيرة لتنظيم البلدين الآسيويين للدورة هو زيادة فرص المنتخبات العربية من قارة آسيا لتشارك في البطولة نظرا لمشاركة كوريا الجنوبية واليابان -دائمتي الحضور في الدورات القليلة السابقة- دون خوض التصفيات كمنظِّمتين للبطولة.

 

فتاريخ العرب مع بطولة كأس العالم بدأ منذ أخذت تلك الفكرة طريقها إلى حيز التنفيذ وشاركت 8 منتخبات عربية في بطولات المونديال المتتالية، وهذا ما تتناوله سلسلة “العرب في كأس العالم” الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، وفي هذه الحلقة من السلسلة نتناول مشاركة منتخبي السعودية وتونس في مونديال اليابان وكوريا الجنوبية 2002.

السعودية.. إنجاز غير مسبوق وفرص صعبة للتأهل

تدخل 6 منتخبات عربية إلى المرحلة الأخيرة من التصفيات الآسيوية التي تضم 10 منتخبات. قُسمت المنتخبات إلى مجموعتين؛ 3 منتخبات عربية في كل مجموعة، ويمكن لاثنين منها الوصول إلى النهائيات إذ احتل أحدها صدارة مجموعته مع فرصة خوض الملحق إذا ما جاء في مركز الوصيف، وكانت تمثل فرصة كبيرة لأن تكسر المنتخبات العربية الآسيوية الرقم السلبي لتأهل منتخب واحد فقط إلى الدورات السابقة.

وتحافظ السعودية على صحوتها الآسيوية وتتأهل للمرة الثالثة إلى كأس العالم لتكون أول فريق عربي يحقق هذا الإنجاز في تاريخ البطولة، بينما تخرج باقي الفرق العربية في تصفيات سهلة كانت في المتناول خالية الوفاض، ليحافظ عرب آسيا على أن يكون لديهم ممثل واحد فقط في المونديال.

المنتخب السعودي.. ثالث مرة في المونديال، لكنها الأسوأ في التاريخ

 

فالظهور الثالث المتتالي للسعودية يعني خبرة كبيرة في التعامل مع هذه التظاهرات الرياضية الكبرى، وهذه الخبرة قد تؤهل “الأخضر” السعودي لمشاركة مميزة في أجواء آسيوية معتادة ومجربة بالنسبة للمنتخب الذي لعب أكثر من مرة في كوريا الجنوبية واليابان.

وبعد غيبة غير معتادة، يعود الألمان لمواجهة المنتخبات العربية في المونديال، إذ أوقعت القرعة السعودية في مجموعة تضم -إلى جانب ألمانيا- كلا من الكاميرون (أحد المنتخبات الذي يمثل أفريقيا في المونديال الآسيوي) وجمهورية إيرلندا (الفريق الذي يتميز لاعبوه بالقوة البدنية واللعب بالنظام الإنجليزي الصعب) الذي طالما أتعب المنتخبات العربية.

وسيكون صعبا التنافس على البطاقة الثانية في المجموعة والتي سيرافق صاحبها منتخب ألمانيا إلى الدور الثاني.

المباراة الأولى.. “فضيحة” كروية مدوية ويوم أسود

مباراة السعودية الأولى كانت ضد ألمانيا والهزيمة فيها متوقعة، خاصة وأن ألمانيا التي تدخل دائما إلى كل بطولة مرشحة للفوز؛ كانت تملك في ذلك الوقت فريقا مدججا بالنجوم الكبيرة.

وكانت المباراة متوازنة في ربع ساعتها الأولى قبل أن تكشر ألمانيا عن أنيابها وتهزم السعودية بنتيجة كاسحة وبثمانية أهداف نظيفة بواقع 4 أهداف في كل شوط، ولم ينجح الأخضر السعودي في وقف “ماكينات” الأهداف الألمانية أو تهديد مرمى الحارس أوليفر كان ولو بكرة واحدة.

ألمانيا تتفوق على السعودية في مونديال 2002 بثمانية أهداف نظيفة

 

وباتت الخسارة بمثابة اليوم الأسود للكرة العربية التي تلقت أقصى هزيمة في تاريخ مشاركاتها في البطولة العالمية.

وبسبب هذه الخسارة، تحولت الآمال والأحلام العربية المعقودة على المشاركة الثالثة للسعودية إلى كابوس منذ المباراة الأولى، وأصبح الاستيقاظ سريعا من ذلك الكابوس هو المرجو قبل المباراتين المتبقيتين، ولكن العكس هو الذي حصل.

أسوأ مشاركة.. 12 هدفا وحصيلة صفرية

لم يستطع السعوديون تخطي جراحهم التي سببتها الهزيمة الثقيلة أمام ألمانيا، وخسروا مباراتهم الثانية أمام الكاميرون بهدف نظيف سجله النجم الكاميروني صامويل إيتو. وبالهزيمة الثانية فقد منتخب السعودية أي أمل بالتأهل إلى الدور الثاني، ولكن الارتياح من عدم تكرار سيناريو فضيحة ألمانيا ربما تكون قد غطت على مرارة الهزيمة.

ومرت مواجهة جمهورية إيرلندا ثقيلة على لاعبي وجهاز المنتخب الفني، لأنها كانت من نوع المباريات التي لا تقدم ولا تؤخر، فعندما تتلقى شباك أي منتخب 9 أهداف في مباراتين دون أن تسجل أي هدف فيهما، فهذا يعني أن الأمور انتهت وأصبحت خارج البطولة.

أهداف ألمانية تترى في مرمى السعودية

 

وكان السعوديون يحاولون في الدقائق التسعين هذه الإبقاء على أي ذكرى سعيدة من هذه المشاركة البائسة في المونديال.

ولكن الرياح جرت عكس ما تشتهي سفينة السعوديين وخسروا في المباراة بثلاثية نظيفة ليخرجوا من البطولة بتلقي مرماهم 12 هدفا وعدم حصدهم أي نقطة أو تسجيلهم أي هدف وهي أسوأ مشاركة لأي منتخب عربي منذ بداية كأس العالم وحتى الآن.

تونس الخضراء.. مسيرة تصفيات مظفرة

رافق السعودية إلى المونديال الآسيوي، منتخب تونس الذي قدم مسيرة جيدة في التصفيات وانتزع بطاقة التأهل عن قارة أفريقيا بجدارة واستحقاق.

وعن التأهل لمونديال 2002، يقول حسان القابسي لاعب منتخب تونس وقتها: إنه من أول التصفيات والمنتخب عاقد العزم على التأهل لمونديال 2002، وكان هناك دعم كبير من الاتحاد التونسي للعبة والدولة ووفروا للفريق كافة الظروف الملائمة ليكون مستعدا للتأهل، ولهذا فاز الفريق بكل المباريات على أرضه ولم يترك أي فرصة للمفاجآت.

نسور قرطاج في مشاركتهم في مونديال 2022

 

بدوره يشرح المؤرخ الرياضي عبد الباقي بن مسعود، أن “المباراة الحاسمة والمؤهلة كانت ضد الكونغو الديمقراطية، ولكن لا يكفي الفوز فيها، وكان علينا انتظار نتيجة مواجهة ساحل العاج مع جمهورية الكونغو، وفزنا نحن على الكونغو الديمقراطية، وتمكنت ساحل العاج من إقصاء جمهورية الكونغو، وتأهلنا إلى المونديال على أمل العبور إلى الدور الثاني”.

نسور قرطاج.. قرعة ترفع سقف التوقعات

وبعد المشاركة التونسية المتواضعة في مونديال فرنسا 1998 بنفس اللاعبين تقريبا، لم ترفع الجماهير التونسية من سقف الطموحات المأمولة من الفريق قبل إعلان نتيجة قرعة مونديال 2002.

غير أن وقوع منتخب “نسور قرطاج” بمجموعة تعد نظريا هي الأسهل لأي فريق عربي على مر مشاركات العرب في المونديال، رفع سقف الطموحات مجددا.

روسيا تتفوق على تونس بهدفين نظيفين في أول مبارة لتونس في مونديال 2002

 

وإلى جانب اليابان إحدى الدولتين المنظمتين للحدث العالمي، تضم مجموعة تونس كلا من منتخبي بلجيكا وروسيا اللذين يعدان من التصنيف الثاني في المنتخبات الأوروبية.

ويعطي مونديال 2002 فرصة لتونس لتعويض إخفاق تأهلٍ كان مستحقا إلى الدور الثاني في مونديال الأرجنتين عام 1978.

انتكاسة.. هزيمة على يد فريق سهل

ويكشف المؤرخ الرياضي بن مسعود مؤرخ، أن “المنتخب الوحيد الذي حسبنا له حسابا هو منتخب اليابان صاحب الأرض والجمهور، لأن منتخب روسيا لم يكن قويا والمنتخب البلجيكي كان متوسطا”.

ورغم هذا التفاؤل، هُزم منتخب تونس بهدفين دون رد في مباراته الأولى، وكانت نتيجة صادمة لأن منتخب روسيا لم يكن له شأن كروي في أوروبا، ولكنها كانت منطقية بسبب تفوق روسيا طيلة المباراة ولم يستطع منتخب تونس تقديم أي شيء يذكر.

ووصفت هذه الهزيمة بأنها “نكسة” لأن الجماهير التونسية كانت تعول على هذه المباراة لضمان التأهل إلى الدور الثاني.

هدف تونس الوحيد في شباك بلجيكا وهو الهدف العربي الوحيد في مونديال اليابان-كوريا 2022

 

وقبل المباراة الثانية ضد بلجيكا طُرح سؤال: هل يمكن أن يعوض منتخب تونس أم أنه سيلحق بالسعودية إلى خارج المونديال؟

قدم منتخب تونس أداء جيدا ضد بلجيكا وسيطر على أغلب فترات المباراة وعاد بالنتيجة بعد أن كان متأخرا بهدف نظيف، لكنه لم ينجح في تحقيق الفوز وانتهت المباراة بأول نقطة يحصدها العرب في هذه النسخة وأول هدف يسجلونه.

هذه النقطة أنعشت الآمال بأن الفوز في المباراة المقبلة على اليابان صاحبة الأرض والجمهور قد تؤهل منتخب تونس للدور الثاني.

ويرى المؤرخ الرياضي بن مسعود، أنه “وقتها ازداد الأسف واللوعة عوضا عن الفرحة أو الرضى بالتعادل، لأننا تأكدنا أن المنتخب أضاع بخسارته أمام روسيا فرصة العمر للتأهل إلى الدوري الثاني.

حظوظ الفوز.. أمل بالترشح بقي يلوح في الأفق

المباراة أمام المنتخب الياباني المستضيف صعبة بالفعل، ولكن اليابان ليست البرازيل أو ألمانيا، ويمكن هزيمتها حتى في عقر دارها.

وأضافت الأجواء الاحتفالية في المدرجات الممتلئة بالجماهير اليابانية أعباء ثقيلة على لاعبي منتخب تونس.

ويستذكر بن مسعود أنه “عندما جرت قرعة المونديال، ووقعت تونس في مجموعة اليابان، أرسل اليابانيون فرقا صحفية وفنيين إلى تونس وعاشوا فيها عاما كاملا يتابعون كل مباريات البطولة، وكانوا يعملون على تحديد نقاط قوة وضعف الكرة التونسية”.

ورغم كل هذه الأجواء فإن الأمل في الترشح بقي حاضرا، فالفوز على اليابان سيمنح تونس بطاقة التأهل.

خسارة جديدة.. حزن الجماهير العربية لخروج فرقها

واللافت أن الجماهير اليابانية في المدرجات فرضت ضغطا على منتخب بلادها، وكان واضحا أن العالم كله –عدا العرب- يريد تأهل اليابانيين إلى الدور الثاني للاستمرار في رؤية الجماهير اليابانية المميزة في المدرجات. وحصل ما يخشاه العرب، فقد فازت اليابان بهدفين دون رد وأقصت تونس من البطولة.

وكانت حصيلة العرب في مونديال 2002 نقطة وهدفا فقط، وشهدت أولى نسخ القرن الجديد أسوأ مشاركة عربية منذ أن بدأ العرب في المشاركة بهذه التظاهرة العالمية.

يقول بن مسعود: قدم منتخب اليابان مستوى جيدا جدا في المونديال، ولم “نفاجأ بالخسارة ولكن غادرنا بحسرة”.

اليابان تتأهل إلى الدور الثاني على حساب تونس

 

ويُقر حسان القابسي لاعب منتخب تونس في مونديال 2002 أن “اليابان كانت أقوى منا، إضافة إلى تفاصيل أخرى بينها أن الحضور الجماهيري كان حاسما في الفوز”.

وخرجت الصحف العربية في اليوم التالي لإقصاء تونس من المونديال الآسيوي بعناوين “تحقق التأهل التاريخي على حساب تونس”، و”المنتخب التونسي يغادر المونديال مرفوع الرأس”، و”الإخفاق العربي انتهى بخروج تونس بعد السعودية”، و”الأخضر ونسور قرطاج أحزنوا الجماهير العربية”.