سبعينيات الفن العربي.. سينما النصر ومسرح الإسقاطات ونشوة الأوسكار

كان للسينما العربية والمسرح حضور متميز في عقد السبعينيات، فهنالك أفلام ومسرحيات شكّلت علامة فارقة في تاريخ الفنّ العربي، وقد كان للتحولات السياسية والاجتماعية العربية أثر كبير على حركة السينما والمسرح في السبعينيات، فقد انطبع كثير من العروض بالطابع السياسي المتقلب آنذاك.

وقد رصدت الجزيرة الوثائقية حركة السينما والمسرح العربي في عقد السبعينيات، وعرضت ذلك في حلقة من “سلسلة السبعينيات” التي أنتجتها وقدمتها على شاشتها، في أرشفة تأريخية مهمة لهذا العقد الصاخب والمتقلب في تاريخ الوطن العربي.

فيلم “زي”.. نقد سياسي يختطف الأوسكار العربية الوحيدة

فيلم “زد” (Z) هو فيلم من إنتاج جزائري فرنسي مشترك، وهو أول فيلم عربي ينال جائزة الأوسكار عام 1970، وذلك عن فئة الأفلام الأجنبية، وقد عُرض السيناريو على هواري بومدين فأجازه، بعد أن تأكد من أن الإسقاطات السياسية في الفيلم لا تتعارض مع رؤية الدولة.

ظهر عدد من الأفلام العربية الأخرى على غرار فيلم “زي”، كالفيلم المصري “زائر الفجر” الذي ظهر في 1971، وقد مُنع من العرض فورا لجرأته الشديدة، ومات مخرجه قبل أن يراه، ولما سُمح بعرضه بعد خمس سنوات كانت قد أزيلت معظم اللقطات التي يفهم منها انتقاد الدولة والنظام والرئيس أو محاولة الثورة عليه.

“زي” فيلم من إنتاج جزائري فرنسي مشترك وهو أول فيلم عربي ينال جائزة الأوسكار عام 1970

أما السينما المغاربية فلها طبيعة خاصة، فارتباطهم بأوروبا أكبر، لذلك أنتجت أفلاما غربية بهوية عربية، وركزت السينما الجزائرية على الاستقلال وحركة التحرير الوطني.

وكانت السينما المصرية في السبعينيات مؤطرة بعوامل محددة، فقد جاءت بعد هزيمة 67، وظهر الهاجس السياسي جليا في عدد من الأفلام المهمة، مثل فيلم “الأرض”، وكذلك “العصفور” و”الاختيار”، وهذه كلها أفلام سياسية بحتة تحدثت عن مجتمع الهزيمة، وعن الفساد والسرقات والتستر على الجرائم وقضايا المال والسياسة.

“رجال في الشمس”.. ريشة قومية ترسم السينما والمسرح السوري

كان البُعْد القومي في السينما السورية جليا، وله ارتباط بالقضية الفلسطينية، مثل فيلم “المخدوعون”، وهو فيلم مأخوذ عن رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، ويتحدث عن مجموعة من الفلسطينيين يُهرّبون في صهريج ماء باتجاه الكويت، وعلى الحدود بين العراق والكويت يتشاغل عنهم السائق وموظفو الحدود في ذلك الحر اللاهب، وينسونهم داخل الصهريج حتى يموتوا اختناقا.

في الفيلم إسقاطات مباشرة على الحالة الفلسطينية والعربية المهزومة، وقد أخرجه المصري توفيق صالح، ووهو مخرج معروف وجادّ، وقد أغضب الفيلم السلطات العربية، لجرأته وهجائيته للأنظمة العربية وتحميلها مسؤولية الهزيمة والمأساة الفلسطينية.

“المخدوعون” فيلم يتحدث عن مجموعة من الفلسطينيين يُهرّبون في صهريج ماء باتجاه الكويت فيموتون خنقا فيه

وجاءت مسرحيات دريد لحام مع الشاعر محمد الماغوط تنفيسا عن الهم الذي يعتمل في جوف المواطن العربي، وهي مسرحيات كوميدية سوداء، ذات إسقاطات سياسية واجتماعية لاذعة، مثل مسرحية “ضيعة تشرين” و”كاسك يا وطن”، وتعبر عن سقوط منظومة القيم في حياة المواطن العربي، وتصورها بمرارة لاذعة مبطنة بالكوميديا.

كما جاءت مسرحية “غُربة” على نفس النمط، فالعربي غريب في وطنه، تتحكم بمصيره وثرواته ثلة خارجة عن طبيعة مواطنيه، فيضطر للهجرة والابتعاد عن وطنه والرضا بذلّ الغُربة، هربا من وطأة الذلّ تحت أقدام المتنفذين من بني جلدته.

ما بعد النصر.. صناعة تتجاوز الخطوط الحمراء في مصر

كانت السينما المصرية بعد حرب أكتوبر/تشرين 1973، تحمل المزيد من الانفتاح والانطلاق، وذلك نتيجة ثقة السادات بنفسه، فهو بطل الحرب وبطل العبور، فظهرت أفلام مثل “الرصاصة لا تزال في جيبي”، وفيلم “العمر لحظة”، ورغم أنها من إنتاج القطاع الخاص، فقد غلبت عليها الروح الوطنية.

ثم جاءت بعدها أفلام الانقلاب على الحقبة الناصرية وأدبياتها، مثل فيلم “الكرنك” الذي يحكي عن التعذيب وانتزاع الاعترافات في فترة صلاح نصر المخابراتية المظلمة، وهو من أوائل الأفلام التي تحدثت عن التنظيمات السياسية بشكل صريح، وهو مأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، كتبت في 1971 ولم تنشر إلا بعد 1975، ويتحدث عن الثورة كيف تأكل أبناءها.

فيلم “الكرنك” يحكي عن التعذيب وانتزاع الاعترافات في فترة صلاح نصر المخابراتية المظلمة زمن حكم عبد الناصر

وبعدها جاءت أفلام مثل “إحنا بتوع الأوتوبيس” و”المذنبون” و “ثرثرة على النيل”، لتشكل امتدادا لمرحلة “الكرنك”، وكان بعضها ذا قوالب كوميدية سوداء، تعبر عما آلت إليه أحوال المجتمع من التردي وسطوة الأجهزة الأمنية وتلفيق التهم كيفما اتفق.

وكان اختيار عادل إمام وعبد المنعم مدبولي في “إحنا بتوع الأوتوبيس”، كنجوم شباك محبوبين للجمهور، من شأنه إيصال الفكرة السياسية للفيلم إلى أوسع مساحة جماهيرية، فمجتمع الهزيمة يبحث عن الإبتسامة المفقودة فيجدها في تلك الكوميديا السوداء.

وفي السبعينيات عرضت مسرحية “مدرسة المشاغبين”، وفيها الكثير من الرسائل الاجتماعية والسياسية والتربوية في قالب كوميدي فاقع، ثم تلتها مسرحية “شاهد ما شفش حاجة” التي شهدت انفصال عادل إمام عن “فرقة الفنانين المتحدين”، وقد حققت المسرحية نجاحا مدويا، واستمر عرضها 12 سنة متواصلة. واستقلت بقية “فرقة الفنانين المتحدين” فعرضت مسرحية “العيال كبرت”.

لبنان والعراق والكويت والسودان.. ألق الثورة الفنية

شهد المسرح اللبناني في السبعينيات عددا من التصنيفات، أهمها المسرح الغنائي، وقد قاد دفته الرحابنة مع فيروز، وأبدعوا مسرحيات خالدة، مثل مسرحية “ميس الريم” ومسرحية “بترا”.

وكان هنالك المسرح التجريبي بزعامة أنطوان لطيف، ومسرح “الحكواتي” لروجيه عساف. ولا ننسى المسرح الوطني الذي قدّم شخصية “شوشو”، وصاحبها الفنان حسن علاء الدين.

ويمكن التمثيل للسينما المغربية بفيلم “وشمة”، وفيه الكثير من تقاليد القرية المغربية، فهو فيلم مغربي بكل تفاصيله. وهناك أيضا فيلم “أحداث بلا دلالة”، وهو فيلم مغربي غريب من نوعه، وقد بقي ممنوعا من العرض مدة 25 عاما، وكان مخرجوه الثلاثة ينزلون إلى الشارع ويستطلعون آراء الجماهير فيما يحبون أن يشاهدوه على شاشة السينما.

وفي المسرح العراقي يمكن الحديث عن مسرحية: “بغداد الأزل بين الجد والهزل”، وهي تتحدث عن بغداد القديمة بلهجة حديثة، أو تسقط أحداث اليوم على بغداد الأمس بأسلوب فكاهي هزلي، وتزاوج بين اللهجة المحكية واللغة الفصيحة.

مسرحية “بغداد الأزل بين الجد والهزل”، تسقط أحداث اليوم على بغداد الأمس بأسلوب فكاهي هزلي

وفي الحديث عن المسرح الكويتي في السبعينيات، يمكن التمثيل بمسرحية “1 2 3 4 بوم”، فقد ناقشت قضية العادات والتقاليد بين الحاضر والماضي، وبين المغتربين عن الوطن والعائدين إليه بعادات دخيلة، واستمر عرضها أكثر من 7 سنوات.

ويأخذنا فيلم “بس يا بحر” في رحلة عبر الزمن، إلى كويت ما قبل عصر النفط، ويتحدث الفيلم عن صراع الإنسان الكويتي مع البحر، وانتزاع لقمة العيش منه بشقّ الأنفس.

وهناك فيلم “عرس الزين” المأخوذ عن رواية الطيب صالح، وقد حاول مخرجه تقديمه للأوسكار عن الأفلام الروائية الأجنبية، ولكنه لم يحظ بترشيح الأكاديمية.

“الرسالة”.. فيلم هوليودي حاربه ملوك المشرق والمغرب

كان فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد أول فيلم عربي يقتحم أسوار هوليوود، وهو من أكبر المغامرات السينمائية، وقد قصد منه العقاد توصيل رسالة الإسلام ومفاهيمه السمحة إلى الغرب، وقد أجازه الأزهر في البداية، لكن السعودية مارست ضغوطا لثنيه عن الموافقة.

وكان ينبغي أن يصور الفيلم في المغرب، ولكن السعودية أيضا مارست ضغوطا على المغرب، فقد كان ملك المغرب بحاجة إلى دعم السعودية في قضية الصحراء الغربية، فرضخ للضغوط السعودية، ومنع تصوير الفيلم في المغرب.

فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد أول فيلم عربي يقتحم أسوار هوليوود

وقد اتصل العقاد بمحمد السنعوسي وزير الإعلام الكويتي آنذاك، فأرشده للتواصل مع القذافي، وبمجرد أن سمع بمعارضة السعودية لعرض الفيلم، فتح كل الإمكانيات الليبية من كوادر تصوير ومجاميع تمثيل وأموال إنتاج، حتى خرج الفيلم إلى النور بهذه القوة العالمية.

وعلى العموم، فإن السينما العربية في عقد السبعينيات قد عبّرت عن التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة العربية، وحاولت أن ترسم بأدق التفاصيل المشهد العربي بتداعياته وتناقضاته، وترسم على استحياء همومَ المواطن العربي وتطلعاته وأمنياته، وتعبر بصمت عن حجم معاناته ومدى أحلامه المكبوتة.