“أحداث بلا دلالة”.. إعادة النبش في تحديات السينما المغربية بعد نصف قرن

أيوب واوجا

في عام 1974 قرر أربعة مخرجين مغاربة النزول بكاميرتهم لشوارع الدار البيضاء بالمغرب، للتحاور مع مختلف شرائح المجتمع حول سؤال: ما نوع السينما التي يحتاجها المغرب؟

وكالفيلم الفرنسي” وقائع صيفية” (Chronique d’un été) للمخرج “إدغار موران” الذي يتحاور فيه مع فرنسيين بمختلف أطيافهم حول مفهوم السعادة؛ اختار المخرج مصطفى الدرقاوي طرح سؤال احتياجات السينما المغربية حينما كانت تقتفي أولى خطواتها نحو الاحتراف.

هذه ببساطة قصة الفيلم المغربي “أحداث بلا دلالة” الصادر سنة 1974 والممنوع من العرض بسبب قرار الرقابة المغربية منع توزيعه.

 

انقلابات المغرب.. غيمة التضييق التي حجبت الفيلم عن العالم

علينا وضع الفيلم في سياقه التاريخي، لنفهم أسباب المنع أكثر، فبعد الانتهاء من تصوير الفيلم كان المغرب يغلي بسبب محاولتي انقلاب فاشلتين ضيقت إثرهما السلطات هامش التعبير بالبلد، وتقرر منع الفيلم من العرض لأنه مبهم.

عُرض الفيلم خلسة مرتين حسب صاحبه مصطفى الدرقاوي: كانت الأولى أثناء مهرجان تطوان المغربية بين مجموعة من الأصدقاء، والثانية عام 1976 داخل قاعة المكتب الشريف للفوسفات بمدينة خريبكة على هامش مهرجان السينما الإفريقية.

يحكي الفيلم قصة سينمائيين يستقصون آراء الناس وغالبيتهم من الطبقة الكادحة حول موضوع يبدو بعيدا عنهم، وهو أي سينما يريدونها؟ وما الذي تحتاجه سينما المغرب؟

وفي غمرة بحثهم عن الأجوبة، تتصاعد الأحداث الدرامية للفيلم بعد وقوع جريمة قتل فينتقل السؤال من استقصاء حول السينما إلى بحث عن القاتل، ويتحول السؤال من سؤال السينما لسؤال الواقع، انتقال يُجسد مغامرة مصطفى الدرقاوي في خلق تيار جديد داخل السينما المغربية ينبني على الغرابة والتجريب.

غرابة شكلت ظروف إنتاج الفيلم أيضا، فالفيلم قد اختفى بعد منعه، ليظهر بعد أكثر من أربعة عقود في خزانة الأرشيف بإقليم كاتالونيا، ثم يرمم من قبل مؤسسة “فيلموتيكا دي كاتالونيا” بإشراف من الباحثة “ليا موران”، ويُعرض مرة أخرى في فبراير/شباط 2019 بمهرجان برلين السينمائي.

مشاهد من فيلم “أحداث بلا دلالة” الذي عرض سنة 1974

 

ما الذي تحتاجه السينما المغربية في سنة 2020؟

فيلم “أحداث بلا دلالة” سابق لأوانه، لأنه طرح أسئلة لا تزال تشغل بال المهتمين بالسينما المغربية، ومن أجل ربط الماضي بالحاضر وتقييم نصف قرن من سينما البلد، أعدنا طرح سؤال “ما الذي تحتاجه السينما المغربية في سنة 2020؟” وكان هذا جوابهم:

المخرج المغربي علاء الدين الجم

 

علاء الدين الجم.. تحدي عودة الجمهور إلى السينما

بالنسبة للمخرج المغربي علاء الدين الجم -صاحب فيلم “سيد المجهول” الذي سيمثل المغرب في النسخة القادمة من مسابقة الأوسكار- فالسينما المغربية في حاجة لجمهور، ولنصل لهذا الجمهور فنحن في حاجة للبحث عنه في المدارس، وعبر تكوينه ثقافيا منذ الطفولة، فحسب تصريحه للجزيرة الوثائقية، فقد نشأ الجمهور الحالي بالبلاد مع التلفزيون والهاتف، ويصعب إقناعه بالعودة لصالات العرض دون تكوين سينمائي.

ويضيف علاء الدين بأن غياب الجمهور يضعف السوق السينمائية الداخلية ويربط السينما بالدعم وتمويل الدولة عوض الاستقلالية في الإنتاج والإبداع. وغياب الجمهور يعني حتمية اختفاء قاعات العرض وإغلاقها واحدة تلو الأخرى، خصوصا بعد أزمة كورونا التي فرضت إغلاق القاعات.

ويضيف الجم بأن عدد القاعات السينمائية ضئيل جدا مقارنة بنسبة السكان، لذا لا يمكن الحديث عن مفهوم الصناعة السينمائية والإقلاع الثقافي بالبلد دون جمهور.

عبد الصمد الكباص أستاذ سيميائية الصورة

 

عبد الصمد الكباص: “على المخرج أن يمتلك رؤية فلسفية”

يتساءل أستاذ سيميائية الصورة عبد الصمد الكباص عن القطيعة بين الكتابة الأدبية والسيناريوهات، ويعطي في حواره مع الجزيرة الوثائقية نماذج لروائيين نجحوا في الكتابة السينمائية مثل الكاتب “بول أوستر” و”بوكوفسكي”.

فالسينما المغربية حسب الأستاذ الكباص في حاجة للكتابة السينمائية المستمدة من الروايات المغربية، لأن أعظم المتخيلات حسب رأيه هي التي تنجزها الرواية، فهي التي تكثف معاناة الشعب مع الحياة والزمن.

وحسب قوله، فالسينما المغربية ما زالت متخبطة وتنقصها جرعات زائدة من الجرأة والقدرة على بناء عوالم سردية مقنعة غير متكلفة.

أما عن تصوره لنوعية المخرجين الذين تحتاجهم السينما، فيرى بأن على المخرج أن يمتلك رؤية فلسفية، فلا يمكن لمخرج أن يخرج فيلما دون أن تحكمه رؤية فلسفية تجاه العمل الذي يصوره وتجاه السينما بحد ذاتها، فالمخرج إذا لم يكن لديه تقاطع فكري فلسفي جمالي فإنما هو مجرد تقني، ولذلك فإننا حين نشاهد بعض الأفلام في السينما المغربية مؤخرا، فإننا لا نقول بأن وراءها مخرجا بل تقنيا يقف وراء الكاميرا، على حد تعبيره.

المخرج المغربي هشام العسري

 

هشام العسري.. إطلاق العنان لطاقات الشباب لحمل المشعل

أما المخرج المغربي هشام العسري فيرى بأن القطاع السينمائي بالمغرب في حاجة لمراجعة فكرية.

وفي جوابه على سؤال ما الذي تحتاجه السينما المغربية الآن، يرى بأن علينا الاهتمام بالفكرة التي يجلبها المخرج عوض التفكير في عدد المشاهدات التي يحققها أو عدد متابعيه، فالعالم الآن يتجه نحو تمجيد الأفكار عوض الممتلكات.

فيجب علينا إذن -حسب هشام العسري- إطلاق العنان للشباب وعدم تقويض حريتهم لأن لهم طاقات إبداعية كبيرة، فعلينا ترك الشباب يحلمون حتى إن لم يحققوا حلمهم فعلى الأقل سيقطعون خطوات طويلة في مسار تحقيقها.

ويعطي العسري مثالا لتوضيح فكرته، عبر اقتداء الشباب بالعدّاء المغربي سعيد عويطة الذي حقق ميدالية أولمبية فصار العديد من الشباب يقلدونه ويمارسون الرياضة، لم يصبحوا كلهم أبطالا، لكنهم الآن يتمتعون بصحة جيدة على حد تعبيره.

كما يرى العسري بأن السينما المغربية في حاجة للتخلص من المتطفلين على الميدان، قائلا بأن هناك أكثر من مئتي مخرج حاصل على بطاقة الإخراج بالمغرب، لكن قليل منهم في الواقع من يمارس السينما بأصولها وكما ينبغي أن تكون.

الناقد السينمائي محمد اشويكا

 

محمد اشويكا.. حاجة السينما للتطلع إلى أفق جديد

يرى الناقد السينمائي محمد اشويكا بأن سؤال احتياجات السينما المغربية هو سؤال يمكن لكل جيل أن يجدده، فالسينما المغربية تحتاج اليوم البحث عن آفاق مستقبلية تحتضن مبدعيها وتوفر الأرضية الخصبة لنشوء ظواهر إبداعية جديدة وأرضية قادرة على تلقي الفيلم المغربي ونقده، فالفيلم ينجح إذا لاقى إقبالا واهتماما، لا يهم إن كان مدحا أو ذما المهم أن يهتم المتلقي بالإشكالات التي يطرحها العمل.

ويعتقد اشويكا بأن على السينما المغربية تجاوز التراكمات السابقة، إذ يقول: لدينا قمم ومنجز مهم في السينما المغربية، فأن تنجز فيلما اليوم يعني أنك تسأل ما الذي تريد أن تقدمه كمنجز مقارنة بماضي السينما المغربية، ولو أن هذا الماضي ليس ببعيد.

لذلك يرى اشويكا بأننا في حاجة لأفق جديد يطرح أسئلة جديدة ويبحث عن جمهور يتجاوب معه، لأن المشكلة الحقيقية في السينما المغربية أنها تكاد تكون دون جمهور.

عثمان بوغت رئيس نادي سينيمائي بمراكش

 

عثمان بوغت.. آفات الحبكة تفسد المحصول السينمائي

يعتقد عثمان بوغت -رئيس أحد الأندية السينمائية بمراكش- بأن السينما المغربية في حاجة لقاعات سينمائية، فوجود عدد محترم من قاعات السينما قد يحفز الفاعلين السينمائيين على العمل والإنتاج.

ويرى أيضا أن أغلب المشاكل التي يعاني منها الفيلم المغربي، هي مشكلة السيناريو: فـ”في العديد من الأفلام المغربية نقف على حقيقة أن الفكرة جيدة إلى ممتازة، لكن تنفيذها ومعالجتها ينقص قيمتها، فيجعلك متحسرا على ضياع عنصر خفي كان سيزيد الفيلم رونقا وكمالا”. لذلك فإن السينما المغربية -حسب قوله- في حاجة لسيناريو مضبوط يواكب فكرة الفيلم ويخدمها بشكل مثالي.

كما يعتقد عثمان بأن بعض المخرجين المغاربة يحاولون التطرق في أفلامهم للعديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع بشكل يُفقد الفيلم حبكته، إذ “ليس ضروريا أن تتكلم لنا عن الفقر والبطالة والعنف في فيلم واحد، يمكن للمخرج أن يستغل موضوعا واحدا وينجح في إبرازه دون التخبط في محاولة فاشلة لتغطية كل مشاكل المجتمع”.

لذلك يرى أن علينا العمل على مشكل السيناريو، ثم الانتقال للعمل على إدارة الممثلين والقطع مع مفهوم الممثل الجاهز الذي يتقمص طيلة مساره دورا واحدا. ثم العمل على تكوين المخرجين المغاربة تكوينا فكريا وفلسفيا، بهذه التوليفة يعتقد عثمان بوغت بأننا سنغدو قادرين على إنتاج فيلم مغربي قادر على تمثيل البلد خارجيا.

الفنانة البصرية ليلى هيدة صاحبة أحد الفضاءات الثقافية بمدينة مراكش

 

ليلى هيدة.. دعوة إلى استقلال السينما

ليلى هيدة هي فنانة بصرية وصاحبة فضاء ثقافي بمدينة مراكش ينظم حاليا معرضا لأعمال المخرج المغربي مصطفى الدرقاوي، بعنوان “سينما ٣”، وهو اسم مجلة سينمائية مغربية شهيرة، ويلقي المعرض الضوء على أعمال مصطفى الدرقاوي وباقي المخرجين المغاربة الذين تلقوا تكوينهم في مدرسة وودج السينمائية ببولندا وخطواتهم الأولى في الإخراج.

طرحنا السؤال على ليلى حول ما تحتاجه السينما المغربية حاليا، فأجابت بكون الأجوبة المعروضة في فيلم “أحداث بلا دلالة” هي نفسها الأجوبة التي يمكن الإجابة بها حاليا، فليلى تقول إن الناس في الفيلم يرون أننا في حاجة لسينما مسؤولة وسينما نابعة من صلب المجتمع، وهي نفس السينما التي نحن في حاجة لها الآن.

ترى ليلى أيضا أننا في حاجة لسينما متنوعة وفي حاجة للعمل على مفهوم الإنتاج ومفهوم استهلاك السينما كمنتج، فالسينما حاليا صناعة ترتكز على الجمهور، لكن لا يجب الانسياق وراء ما يحتاجه الجمهور العريض، لذلك فنحن في حاجة لدعم السينما المستقلة التي لا تعتمد على شباك التذاكر لأن جمهورها قليل.