إعادة اخراج الفينيقي.. أوعودة فتى بيرصة

فتح المتحف الوطني بقرطاج أبوابه للعموم يوم 15 أكتوبر لمشاهدة «شاب بيرصا» في إطار معرض علمي وفني، هو معرض يروي بالصورة والصوت قصة إعادة بعث فني وعلمي من خلال فن تشكيل الأجسام. الجدث انطلق ببادرة من المكتب التونسي للمنظمة الدولية للمتاحف من خلال عملية إعادة تشكيل رجل عاش في قرطاج في القرن السادس قبل الميلاد تشكيلا كاملا. يتواصل المعرض إلى غاية 31 مارس القادم.

وكان قد عاد فتى بيرصة يوم 24 سبتمبر إلى أرضه بعد سفر طويل مع إعادة إخراجه من جديد في مختبرات الباحثة الفرنسية “إليزابيت دينيس” المختصة عالمياً في إعادة تشكيل الأجسام reconstitution،  وكان فتى بيرصة قد أرسل إلى باريس بعد أن تم العثور عليه هيكلا عظميا  سنة 1994 بالصدفة في بئر عميقة “بهضبة بيرصة” بمنطقة قرطاج الأثرية في إطار عمليات حفرية قام بها فريق علمي تونسي فرنسي، حيث تم اكتشاف غرفة جنائزية تحت الأرض تحوي قبرين، الأول كان فارغاً والثاني لهيكل عظمي كان في صحة جيدة وتبين من خلال الأثاث الجنائزي الذي كان داخله أنه ينتمي لأسرة نبيلة. وقد اكتشف قبره الأستاذ جون بول موريل.
ويرجّح المختصون أن فتى بيرصة العشريني يعود تاريخه للقرن السادس قبل الميلاد.


إعادة تشكيل الشخصية التاريخية المفترضة

وفن تشكيل الأجسام الذي أعاد للفينيقي وجهه يلتقي فيه العلم والفن فيعتمد على التقنيات العلمية المستعملة في الطب الشرعي وهو يعد تحديا حقيقيا ويمثل ثمرة التعاون الوثيق جدا بين الفنانين ورجال العلم ويعتمد مقاربة ومعايير ومناهج علمية صارمة ويقتضي ساعات عمل طويلة ويقع على مرحلتين في المرحلة الأولى يتم وضع بطاقة حقيقية للكائن المعني بالأمر بالانطلاق من دراسة الجمجمة والفك الأسفل وباعتماد نفس المبادئ التي تستند إليها البحوث الميدانية في مجال الجريمة. وبعد هذه الدراسات الأولية يبدأ العمل في المرحلة الثانية بوضع الكتل العضلية على مجمل الجمجمة، ولا يبقى بعد ذلك إلا وضع الغلاف الجسدي على جملة الكتل العضلية.
 
واستخدمت “دينيس تقنية صيانة الجلد La dermoplastie ” التقنية ذاتها المتعلقة بالجلد وخلاياه  التي أعادت بها بناء توت عنخ أمون وغيره من الكائنات البشرية على غرار “إنسان” النيودرتال و”لوسي” وسيدة فلور قصير القامة..

وكشفت طريقة “الكاربون14″، وهي (طريقة تعتمد ما يسمى “القياس بالأشعة” باستعمال تقنيات النشاط الإشعاعي للكاربون 14 الموجودة في المادة العضوية)، والتي تمت تحت إشراف فريق علمي تونسي؛ أن الهيكل العظمي لـ”فتى بيرصة” ينتمي للعصر البوني الأول، أي تقريباً منذ   2600 سنة، ويتراوح عمره وقت وفاته بين 19 و24 سنة، ويتميز بقوة البنية وطول قامته 170 سنتيمترا، وجمجمة تميل إلى الطول وجبهة عريضة وفتحة أنفه دقيقة وذقن تربيعي.


القبر المكتشف

في قاعة خاصة مجهزة بوسائل عرض يمكن للزوار مشاهدة أشرطة حول تفاصيل حكاية فتى بيرصة من بداية الاكتشاف في بئر سحيقة إلى مخابر الترميم والتشكيل إلى عودته إلى تونس منذ أسابيع في صندوق خشبي تحت الحراسة المشددة.
تذكّر حكايته برواية الهادي ثابت “عودة حنّبعل” والتي كانت تروي عملية استنساخ لحنبعل القائد وعودته في القرن العشرين ليواجه مشاكل العالم اليوم من غزو العراق والغطرسة الأمريكية. ويذكّرنا برواية “التمثال” لمحمود طرشونة الذي اكتشف في نفس المكان كما ورد في الرواية لينعتق من مادته الجامدة ويتحول بين يدي الباحثة إلى عاشق من لحم ودم. 
أشياء وهواجس كثيرة ستخامر الجمهور وهو أمام جده الأول في زيه الفينيقي وبسمرته المتوسطية.
يذكر أن السيدة ليلى العجيمي السبعي مديرة البحوث ورئيسة المجلس العالمي للمتاحف فرع تونس هي التي أشرفت على عملية إعادة التشكيل من الجانب التونسي . واشتركت مؤسسا علمية تونسية وفرنسية في غنجاز هذا المشروع.


الصورة النهائية لابن بيرصة

وكشفت بعض المصادر أن كلفة إعادة تشكيل الشاب انطلاقا من هيكله العظمي وصلت إلى 31 ألف يورو. وقد أبدت عدة بلدان رغبتها في استقبال الكائن الفينيقي ويبدو أن أول سفرة له بعد باريس ستكون نحو لبنان ثم تبدأ رحلة تجواله عبر بلدان العالم احتفاء ببعثه الجديد.