“أوستروف جزيرة مفقودة”.. ماضٍ وردي وواقع أسود في قرية روسية منسية

عدنان حسين أحمد

هل يمكن لدولة عظمى أن تهمل قرية من قراها وتضع سكّانها مهما صغُر عددهم في دائرة النسيان؟

هذا ما حصل بالضبط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991 وتفكّكه، فقد أهملت الحكومة الروسية سُكّان جزيرة أوستروف الواقعة في بحر قزوين، والبالغ عددهم 50 فردا لم يعرفوا غير صيد الأسماك مهنة لهم، لكنهم رفضوا جميعا مغادرة هذه الجزيرة، لأنها ببساطة شديدة “فردوسهم الأرضي” الذي عاش فيه الآباء والأجداد، ودافعوا عنه في الحرب العالمية الثانية، وضحّوا بالغالي والنفيس من أجله، ولا أدلّ على ذلك من نصب الشهداء في الجزيرة النائية الذي يعيدون طلاءه كل عام، ويحتفلون بيوم النصر العظيم على النازية ومشعلي الحروب.

ينضوي الفيلم تحت عنوان “أوستروف جزيرة مفقودة”، وهو للمخرجة السويسرية ذات الأصل الروسي “سفيتلانا رودينا” والمخرج السويسري “لوران ستوب”، وهو من الأفلام الوثائقية التي تتميّز ببراعة التصوير وعُمق المعالجة الفنية التي ترصد التناقضات الكبيرة بين الحلم الوردي المُتَخيَّل والواقع المزري الذي يعيشه أبناء هذه “الجزيرة المفقودة” الذين تضاءل عددهم من ثلاثة آلاف مواطن روسي إلى 50 فردا روسيا.

 

لا يطمح سكان الجزيرة إلى أكثر من مزاولة صيد السمك لتأمين الطعام لأهلهم وذويهم الذين لا يتطلعون لأبعد من حدود هذه الجزيرة الرملية القاحلة إلاّ من بعض الأشجار التي يستعملونها كمراصد وأبراج لمراقبة دوريات خفر السواحل التي تمنع الصيد الجائر منذ العام 1991 وحتى الآن، وتحاسب الجناة إن خالفوا هذه القوانين المتعسفة، وتفتح لهم سجلات جنائية لها عواقب وخيمة على الأبناء إذا ما فكروا بالعمل خارج حدود أوستروف.

أوستروف.. شجرة عارية من الأوراق والثمر والظلال

يمكن القول إن هذا الفيلم الوثائقي هو سيرة ذاتية حول “إيفان” وأسرته وأقربائه الذين يمتلكون ذكريات حميمة، ولا يريدون مغادرة هذا المكان الخالي من كل شيء تقريبا، فلا وجود لطريق أو مستشفى أو دائرة حكومية، كما تفتقر الجزيرة إلى خدمات الماء والكهرباء والغاز وما إلى ذلك.

إنها أشبه بشجرة عارية من الأوراق تماما، فلا ظل ولا ثمر، حتى أنّ قطعها والإبقاء عليها سواء.

تعايَش المُخرجان مع سكّان الجزيرة لمدة شهر، وذهبا إليهم كزوج وزوجة؛ الأمر الذي مهّد لهما الطريق للتماهي معهم، والانسجام مع الشخصيات الرئيسية التي يتمحور عليها الفيلم، بحيث أصبحوا يتعاملون مع الكاميرا وكأنها شيء غير موجود.

ومن يتطلع بوجه “إيفان” وزوجته “آنا” وشقيقها “فاليرا” قد يتخيّل أنهم ممثلون محترفون، لكنهم -كما أسلفنا- اتخذوا من صيد الأسماك مهنة لهم، ولم يعرفوا شيئا عن التمثيل وتجسيد الأدوار الفنية.

بقايا دعاية المدينة الفاضلة والفاسدة.. فضاءات الفيلم

يتضمن هذا الفيلم 12 شخصية رئيسية لا تفلت من عدسة المصور والمخرج “لوران ستوب”، لكن التركيز سينصب على عائلة “إيفان” وزوجته “آنا” وابنه “أنتون” وابنته “ألينا”، قبل أن يمتد إلى “فاليرا” وزوجته، والعم “توليا” وبقية الشخصيات التي تؤثث الفيلم وتمنحه روح الجماعة وعبقها في هذه الجزيرة التي وصفها موقع (Cineuropa) بأنها قصة تجمع “بين اليوتوبيا والديستوبيا، وتتحدث عن روسيا المعاصرة الممزقة بين الحنين إلى الماضي والواقع القاسي”.[1]

“آنا” هي المرأة التي أحبت إيفان ورضيت بالعيش في هذه الجزيرة المنسية

 

أما لمصوّر والمخرج “لوران ستوب” فيقول عن جو المكان: من الواضح أن جو المكان المشابه لجو فيلم “مطارد” (Stalker) للمخرج “أندريه تاركوفسكي” يلعب دورا مهما، لكنه قبل كل شيء يعزز فكرة العزلة و”السجن العقلي” الذي تحول إلى ماضٍ يعيش فيه أبطالنا.[2]

تأتي أهمية هذين الاقتباسين اللذين يقسّمان البنية السردية والبصرية للفيلم إلى فضاءين يوتوبي وديستوبي، الأول يقودنا إلى المدينة الفاضلة، والثاني يفضي بنا إلى المدينة الفاسدة أو الشريرة.

هذه الثنائية موجودة سواء في حقبة الاتحاد السوفياتي السابق، أو الحقبة التي تسلّم فيها “فلاديمير بوتين” السلطة، وأخذ يروّج لفكرة الإصلاح الجذري ضمن نظام دعاية مبرمج لم يحقق شيئا للشعب الروسي، وإذا ما تحققت بعض الإصلاحات فهي لا تتجاوز التغييرات الطفيفة التي طرأت على جزيرة أوستروف أو غيرها من الأماكن النائية في هذا البلد المترامي الأطراف.

قلق الصيد بعيدا عن عيون خفر السواحل.. جنة أصبحت جحيما

تصور قصة الفيلم أوستروف كجنة أرضية مرسومة في مخيّلَتيّ “إيفان” و”آنا”، لأنهما ينتميان إلى الحقبة المؤدلجة التي ترى في الاتحاد السوفياتي نِدّا قويا وقُطبا موازيا للولايات المتحدة الأمريكية، وهما في حقيقة الأمر واهمان ويريان الأمور من منظار ضبابي مشوّش، فجزيرة أوستروف التي كانت قاعدة جوّية في الحرب الباردة لم تعد على تلك الحال، والمصائد أُغلقت، واستخراج الكافيار توقف، والصيد بات ممنوعا، ومنْ ينتهك القوانين النافذة يتعرض للمساءلة القانونية حتى لو اصطاد سمكة حفش واحدة تسد رمق العائلة.

إيفان هو الرجل الوحيد الذي يؤمن بأن الرئيس بوتين هو الذي لملم أطراف روسيا التي كانت مشتتة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي

 

يخرج “إيفان” للصيد كل يوم باستثناء الأيام التي تنزل فيها الدوريات العسكرية إلى القرية، أو يقترب خفر السواحل من شواطئ الجزيرة، ويستطيع المُشاهد أن يرى الحذر والترّقب المرسوم على وجه هذا الصياد العتيد الذي ضبطوه متلبسا بصيد سمكة صغيرة وحاسبوه عليها، فاليوم الذي لا يصيد فيه لا تأكل العائلة شيئا.

تعود “ألينا” إلى الجزيرة لأنها كانت تدرس خارجها، فيستقبلها الأب وكأنها عائدة من أسْر المدينة، حيث جلبت معها طقما من الأطباق والسكاكين كهدية لعيد ميلاد والدتها الخامس والأربعين. تعترف الأم “آنا” بأنها تحب “إيفان”، وتبذل قصارى جهدها لإسعاده، فهي تريد لأبنائها حياة أفضل خارج الجزيرة، لكن العين بصيرة واليد قصيرة.

أعياد النصر.. نخوة الأمجاد الوطنية وتعاسة الواقع المزري

يحاول المخرجان تصوير الحياة اليومية على سجيتها بما فيها من أفراح وأتراح ومسرّات وأوجاع، فعلى الرغم من وضع “آنا” النفسي المتدهور وشعورها باليأس المتواصل، فإنّ ذلك لم يمنع العائلة المُحبَطة من تنظيم الاحتفالات المنزلية والعامة، فتارة نراهم يحتفلون بعيد ميلاد الأم، وتارة أخرى يحتفلون بعيد النصر على النازية.

ومع ذلك فإن خفر السواحل وأفراد الدوريات يمزقون شباكهم ويقتحمون عزلتهم ويحطّمون أبوابهم، ولا يتورعون عن مداهمتهم في غرف نومهم إذا اقتضت الضرورة، فعن أي جنة أرضية يتحدث “إيفان” وزوجته “آنا”؟

يبدو أن سنوات الحكم الشمولي للاتحاد السوفياتي السابق قد تركت أثرا كبيرا لا يُمحى في نفوس شريحة واسعة من الشعب، وعلى رأسهم “إيفان” الذي يضع ثقته المطلقة بالرئيس “فلاديمير بوتين”، ويؤمن بكل توجهاته السياسية التي ستقود سفينة البلاد إلى الضفة الآمنة.

فاليرا يطلي نصب الشهداء كل عام ويحتفل مع أبناء الجزيرة التي نسيتها الدولة

 

لا تقتصر الأدلجة على الجانب السياسي فحسب، بل تتعداها إلى كل مناحي الحياة، ولعل أخطرها الجانب التعليمي، فهم يغذّون التلاميذ بأفكار جاهزة، مثل غزو الجيش النازي للاتحاد السوفياتي السابق واحتلال أراضيه من دون إعلان حالة الحرب، ثم قيام الجيش الأحمر بالرد على العدوان والزحف آلاف الأميال لتحرير العالم حتى وصلوا إلى الرايخستاغ (مقر البرلمان الألماني في برلين)، بينما تمضي المعلمة الطاعنة في السن في إثارة الأسئلة التي تتعلق بالرد على الهجوم وعدد الضحايا، ومن هو المستفيد النهائي من هذه الحرب الكونية.

لم يطلب أحد من “فاليرا” أن ينظّف النُصب التذكاري كل عام ويرسم العلم الروسي بألوانه الثلاثة على الأعمدة الكونكريتية، لكنه يفعل ذلك، ويتمنى أن يكون مسؤولا إداريا لأوستروف لكي يقدّم لأبنائها بعض الخدمات الأساسية التي يستحقونها، لكن تمنياته تذهب أدراج الرياح.

أفلام الحرب ضد النازية البربرية.. ظلال دعاية الجيش الأحمر

نعود إلى عائلة “إيفان” التي يجتمع عندها الأهل والأقارب والأصدقاء، حيث يشغل لهم الأبُ المولدةَ، ويفتح التلفاز على القناة الروسية التي تنقل الأخبار والمناسبات الوطنية، وتركز كثيرا على أوكرانيا وجوازات السفر المبسطة التي يصدرونها هناك، وثمة أخبار عن مسيرات النازيين الجدد التي تتجه صوب نصب الهولوكوست.

يلتقط إيفان كلمة “النازية” ليردد الآراء النمطية عن قسوة النازيين وبربريتهم، وهو يرى أن الجنود السوفيات آنذاك لم يكونوا وحشيين مثل النازيين، بل هو يحب الأفلام التي يقاتل فيها الجنود السوفيات النازيين، وينتقد الشباب الروس لأنهم لا يحبون هذا النمط من الأفلام، ويحثّهم على تصديق القصص التي ترد في الأفلام الروسية، لأنها مستوحاة من الواقع المرير الذي عاشه الشعب السوفياتي في تلك الحقبة.

الابن أنطون يقتفي خطى والده ويذهب للصيد غير الشرعي من وجهة نظر الدولة

 

ثمة معارضة من جيل الأبناء، أما “أنطون” فهو لا يحب هذه الأفلام، بينما تطلب “ألينا” من والدها السكوت والتوقف عن هذا الإطراء المؤدلج للجيش السوفياتي السابق. كما يثني على “جَدِّه” لينين، ذلك الرجل الأصلع القصير -كما يلقبونه- الذي قام بأشياء عظيمة وساوَى بين الجميع، لكن التفرقة عادت، والتمييز بين الفقراء والأغنياء لا غُبار عليه، فبعض الناس يمتلك خدما وحشما، وبعض آخر لا يجد ما يسد به رمقه.

“سأموت لكن لن أستسلم”.. خطابات “بوتين” الرنانة

تتجلى الأدلجة في أعلى مظاهرها بالخُطب الرنّانة سواء تلك التي ترد على ألسنة المسؤولين أو بعض الناس العاديين مثل “إيفان” و”فاليرا” أو العم “توليا”، فلا غرابة أن نسمع أنّ “الشعب الروسي لا يمكن أن يُهزم”، وأن “بوتين أعطانا أسلحة قوية، ولا شيء نخشاه بعد الآن”.

ينقل التلفاز مشاهد من “بوتين” وهو يمشي في “الوحدة الخالدة” حاملا صورة والده، ثم ينخرط في الحديث عن المأساة التي أصابت أفراد عائلتي أبويه الذين فقدوا أشقائهم، وقد شارك في هذه المسيرة 13 ألف جندي من خيرة الجنود الروس، بعضهم يرتدي النجمة الذهبية، أو وسام الشجاعة الذي توشحوا به آنذاك.

ثمة لقطة مقصودة يظهر فيها القائد العام وهو يخاطب رئيسه “بوتين” قائلا “أنا مُعجب بعمليتك في جزيرة القرم”. وفي خطابه الموجه إلى الشعب الروسي قال بوتين: أثني على بطولة الشعب السوفياتي، وهذا النصر اعترفت به الشعوب كلها، وقلعة بريست واجهت العدو أولا، وقاتلوا حتى الرجل الأخير، وتركوا رسالة على الجدران لا تزال ترنّ حتى هذا اليوم كنوع من العهد، لكن كأمر أيضا لنا. سأموت لكن لن أستسلم.

بوتين في خطابه الموجه إلى الشعب الروسي يقول “سأموت لكن لن أستسلم”

 

يحضر الموت في هذا الفيلم، حين يغادر العم “توليا” إلى مثواه الأخير بعد أن يتعذر نقله إلى طبيب المدينة، وتُجرى له مراسيم التشييع ودفن الجنازة، وكأنّ المُخرجَين يذكراننا بأن الموت لا مفرّ منه، وأنه سوف يطال الجميع في خاتمة المطاف.

“هل شعرتَ بالخجل ذات مرة؟”.. رد ذكي يزرع الثقة

يتابع “إيفان” زحف الجراد الذي يلتهم كل شيء، لكنه يفكر بالفساد الإداري، وينتقد ثلاثة وزراء وُضِعوا في السجن أحدهم سرق 400 مليون روبل حتى قبل أن يجلس في منصبه، وسيمكث في السجن لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، ثم يُخلى سبيله ويتمتع بالملايين التي سرقها.

ربما يكون اللقاء التلفازي مع الرئيس “بوتين” هو أحد المنعطفات الأساسية في الفيلم، حيث يتحدث عن برنامجه الإصلاحي مشيرا إلى ارتفاع مستويات المعيشة والدخل والصحة ونمو الإنتاج، وانخفاض التضخم الذي يعني أن دخول المواطنين تتعافى وفق الخطة التي رسمتها الحكومة.

ثمة اتصالات عديدة ومباشرة مع الرئيس “بوتين” يسألونه عن سبب النقص في خدمات الماء والكهرباء، مع أنّ البلد فيه الكثير من المياه، لكنه يتخلص من الحرج فيحوّل السؤال إلى حاكم المدينة.

لعل السؤال الأكثر إحراجا للرئيس هو الآتي هل شعرتَ بالخجل ذات مرة، ولماذا؟ يسرد للمشاهدين قصة فيها بعض الغرابة حين قال: أشعر بالخجل مثل أي إنسان، ففي عام 2000 سافرت في البلد الذي كانت فيه الخدمات سيئة، وكنت أخوض في الطين إلى السيارة، حيث اقتربت مني امرأة كبيرة في السن، تمتمت بشيء وسقطت على ركبتيها. سلمتني ورقة مكتوبة أعطيتها إلى مساعدي فضيعها. لم أنسَ هذه القصة إلى الآن، ومنذ ذلك الحين صرت أستلم أي شيء بنفسي، وأحاول أن أعالج الأمور بالطريقة التي أراها مناسبة.

مثل هذا الكلام يلقى صدى في نفس “إيفان” ومن هو على شاكلته، فهو يرى أنه ينبغي أن يذهب إليه مباشرة، وسوف تصل الحلول، فهو القائد الذي وحّد البلد ودفع الديون المترتبة على روسيا، وأعاد هيكلة الجيش، وبدأ يراعي مصالح الناس بنفسه.

جرّب الأبناء حياة المدينة، لكنهم لم يستطيعوا التماهي مع الحياة المدنية، فقرروا العودة إلى أوستروف، فلا غرابة في أن ينصح الأب ابنه بالالتحاق بالجيش، لأن الجيش هو الفرصة الوحيدة للشبان الروس لأن يأخذوا شيئا من الدولة.

“عزيزي فلاديمير بوتين”.. رسالة استغاثة من الجزيرة إلى الرئيس

لعل الانعطافة الأخيرة في هذا الفيلم هي الرسالة التي يمليها “إيفان” على ابنته “ألينا” ويوجهها إلى الرئيس “فلاديمير بوتين”، ويقول فيها:

عزيزي “فلاديمير بوتين”

اعتدنا في التسعينيات من القرن الماضي أن يكون في أوستروف مزرعة سمك وروضة أطفال، ومستشفى ولدتُ أنا شخصيا فيها، كما كانت هناك قاعدة جوية تُجرى فيها اختبارات الطيران. كانت الجزيرة تزدهر، لكن تبعثر كل شي فجأة، وصرنا نعيش في خراب تام بلا ماء ولا كهرباء، والأسوأ من ذلك كله ليس لدينا عمل. أنا صياد سمك مثل كل أسلافي، وليس لدينا خيار سوى أن نصطاد من البحر، ولا مكان آخر نذهب إليه. أنا أؤمن بكَ، ولهذا السبب أكتب إليك، رجاء ساعدنا.

قرية أوستروف التي تناقص عدد سكانها من ثلاثة آلاف مواطن روسي إلى 50 فردا لا غير

 

يظهر “بوتين” مُهنئا شعبه بالسنة الجديدة 2020 مُوجزًا إياه بالخطط الديناميكية والأحلام الكبيرة التي تدور في مخيلته، وهي أحلام روسيا برمتها. عندها يسأل أحد أفراد القرية “إيفان” عن مصير الرسالة التي بعثها إلى “بوتين”، فيرد ببساطة شديدة: لا أحد اتصل بي، لا أعرف، ربما لم تخرج الرسالة من الجزيرة نفسها. لكنه يصر على كتابة الرسالة الثانية، وإذا لم تصل فإنه مستعد لكتابة الرسالة الثالثة، لعلها تصل إلى أنظار الرئيس.

عقب تهنئة الرئيس يُوجز التقرير الخبري بأنّ تغييرات جوهرية تحدث على مدار الأمة الروسية، حيث ارتفعت الأجور الشهرية بنسبة 12.130 روبل (أي ما يعادل 200 دولار)، كما أن المواطنين تأثروا بخطاب الرئيس عن التغييرات الدستورية التي قدّمها الرئيس بنفسه إلى الحكومة لتضمن الحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين، وتكفل استقلال البلد وسيادته وكرامته في ظل نظام كوني متغيّر.

وبعد أن طوى الفيلم صفحته ظهرت على الشاشة المعلومات الآتية التي تقول: بعد أشهر من تصوير هذا الفيلم وانتهائه؛ فُتح في الجزيرة مخزن لبيع السمك، ومُنحت لأول مرة إجازات صيد لصيادي السمك، ووُعد سكّان الجزيرة بطاقم صحي وتجهيز للكهرباء.

وكأنّ الرسالة التي ضيّعت طريقها قد وصلت أخيرا إلى الرئيس الذي نسي أبناء هذه الجزيرة المفقودة على ضفاف بحر قزوين.

 

[1] – https://cineuropa.org/en/newsdetail/404513/
[2] – https://variety.com/2021/film/festivals/ostrov-visions-du-reel-taskovski-films-1234958779/