“بنات عبد الرحمن”.. ثورة أربع شقيقات يبحثن عن والدهن المفقود

أمل ممدوح

“لا يؤذي الإنسان أكثر من كبت المشاعر السلبية طويلا”. هذه جملة قالها “فرويد” عن آثار الكبت الطويل الذي قد يسلمنا لتشوه قد لا نتوقع مداه ولا نعرف بعده حقيقتنا، حول هذا المضمون يدور الفيلم الأردني “بنات عبد الرحمن” من تأليف وإخراج زيد أبو حمدان.

شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ43 وفاز بجائز الجمهور في المهرجان، وهو يبدأ كانسياب من حالة تبدو هادئة في عالم تقليدي تطل من مفردات صورته أشياء قديمة، فكل شيء يبدو آمنا ساكنا، لكنه يتدرج بك حين يتوارى تحت سطح هذا العالم الساكن وما أنبته أيضا، يبدأ رأسا من منبت الأحداث؛ بيت بنات عبد الرحمن فهن صاحبات القصة، وإن كان الأب صاحب البيت.

يجمع العنوان ذو الشقين بين نصفين متضادي الجنس أولهما على كثرته ينسب لثانيهما، في إيحاء بالسلطة الأبوية بتخصيصها واتساعها، وبضآلة رغم كثرة أمام قوة مفردة، ليست الفكرة في النسب نفسه، لكن ما توحيه تركيبة الجملة واختيارها عنوانا، مع البدء بالأضعف فالأقوى كمعظم بنية الفيلم كما سنرى.

حجرات المنزل الخالية.. تعريف متدرج

ضمن حالة عامة موحية بالهامش والتواري، يبدأ كل شيء هنا من الأضعف للأقوى، ومن الأضيق للأشمل، فتبدأ مشاهد الفيلم بلقطات لمحيط هذا البيت الذي يقع في منحدر أخفض من مستوى سطح الحي، وفي قرية جبلية لا في مركز المدينة، حتى تتدرج اللقطات لداخل البيت.

 

تستعرض حجرات المنزل الخالية بإطارات ثابتة متتالية تشعرك بسكون المكان بطريقة “الفوتومونتاج”، وهو نوع من السرد البصري بإطارات متتابعة تختصر التعبير عن مدة زمنية أو حالة معينة، لتبدأ أولى المشاهد الحية بالتركيز على راديو من طراز عتيق، كما معظم الأثاث التقليدي.

نبدأ في التعرف على شخصيات هذه الأسرة موضوع الفيلم التي تتكون من الأب عبد الرحمن وبناته الأربع اللواتي توفيت والدتهن منذ سنين، نتعرف عليهن بدءا من زينب فهي الأكبر الأضعف وإن كانت الأنقى (الممثلة فرح بسيسو)، وهي فتاة متوسطة العمر لم تتزوج من أجل رعاية والدها، فتعيش معه وحدها، وأما بقية الأخوات فقد تزوجن بعيدا، ليتدرج التعريف من الأضعف فالأقوى، من الأخضع للأكثر ثورية.

زينب.. أحلام صانعة الفساتين لبنات الحي

يبدأ الفيلم بمشاهد متتالية لكل شخصية من الأخوات الأربع، نتعرف خلالها على عالمهن وسمات طبيعة كل منهن، وكما ذكرنا فقد بدأت اللقطات الأولى بعالم زينب الأخت الكبرى الأكثر طيبة وسذاجة، تبدو رقيقة رومانسية، نراها في قميص نوم رقيق تتأمل نفسها به في المرآة، ليكون ذكرى بعد قليل، حيث نجدها تضع قصاصة مربعة من قماشه في درج فوق قطع متساوية الحجم من أقمشة أخرى، نفهم أنها أمضت معها مثله وقتا في خيالها قبل أن تواريها في هذا الدرج، فهي تخيّط قمصان النوم والفساتين لبنات الحي، وتحتفظ بقصاصات منها شهدت أحلامها حين قاستها.

زينب الأخت الكبرى الأكثر طيبة وسذاجة تُخيّط للنساء الي في غرفتها

 

زينب هي المانحة رغم الحرمان، وهي أكثرهن تشربا بثقافة المكان وتسليما بهيمنته الثقافية والذكورية والأكثر انصياعا لها، فهي شديدة الرقة والخوف من الخروج عن أي خط ثقافي، ذات صوت هادئ حذر، تخشى المشاكل والصدامات، وتسعى للمهادنة دوما لمنعها، أجيد رسم شخصيتها وتفاصيلها النفسية بشكل وفق كثيرا، كما أجيد ذلك بشكل كبير في باقي الشخصيات.

آمال.. تناقضات الأخت المُزمتة دينيا

نتعرف بعد زينب على آمال المحافظة والمتزمتة دينيا (الممثلة صبا مبارك)، فهي منتقبة تلبس الملابس السوداء الواسعة، وحتى في بيتها لا تترك ارتداء الإسدال، وتخشى ظهور جزء من شعرها حتى من احتمال بعيد، كما أنها خاضعة لزوج غليظ أكثر تزمتا ترك أثر معاملته لها بعلامة واضحة على جفنها.

نستطيع أن نفهم دون مباشرة كيف أن تدين هذا الزوج ظاهري سطحي من خلال هذه العلامة الدالة على قسوة وعصبية، ومن خلال عمل زوجته بأشياء بسيطة من ورائه، يعلم بها ابنها كسرّ بينهما، مما يدل على تقصير هذا الزوج الذي لا يعبأ بما يقصر فيه، لكنه لا يتنازل عن الالتزام التام بما يريد، ما يظهره مشهد ضغطه المستمر على بوق السيارة لاستعجال خروج أبنائه لتوصيلهم للمدرسة، ومن بينهم طفلة نراها ترتدي الحجاب، غير عابئ بمدى جهد أمهم لإعدادهم للخروج سريعا.

نلحظ كبتها وعصبيتها وشراستها أيضا، فهي حادّة جدا وتقيس التصرفات على مسطرة الالتزام، بينما نلمح بشكل غير مباشر تناقض بعض تعاملاتها مع تدينها الظاهري، فهي تهاجم التدخين لكنها تفعله في الخفاء، وتنقص في كمية الملفوف الذي تبيعه لتطعم أبنائها بهذا الفرق.

أخطاء تبدو إنسانية نراها كثيرا، لكنها تشير لازدواجية وافتعال لموقف قيمي ظاهري غير أصيل.

سماح وختام.. تمرد الأختين المتحررة والجريئة

يستمر تدرج التعريف بالشخصيات من الأضعف للأقوى حتى نصل إلى الأخت الثالثة سماح (الممثلة حنان حلو)، ليكون أول مشاهدها في محل كوافير تُصفف شعرها، ثم في سيارتها، في مشهد توضح نهايته سلاطة لسانها وعصبيتها.

الممثلة صبا مبارك التي قامت بدور “آمال”، وهي الأخت المُبالغة في التدين الظاهري داخل المنزل

 

تبدو سماح كنموذج للمرأة المتحررة الجريئة شديدة الاعتناء بمظهرها الأنثوي بمبالغة مرهقة تنمّ عن خوف ونقص، وهو بالفعل ما تكشف عنه تفاصيل حياتها وعلاقتها بزوجها، فهي زوجة لرجل ثري يخونها، فتدأب على الشك فيه ومراقبته، وبالتالي هذا يفسر مبالغتها في الاعتناء بنفسها وإظهار أنوثتها.

هي أكثر تمردا ولا تعبأ بالمجتمع كثيرا، لكننا نكتشف من طبيعة علاقتها بزوجها وصبرها عليه أنها ما زالت أسيرة قوالب اجتماعية وازدواجية ظنت نفسها خرجت عن أطرها.

وأخيرا نتعرف على الأخت الصغرى ختام (الممثلة مريم باشا) التي تركت قريتها بفضيحة علاقتها بحبيب لها، وقاطعها والدها من وقتها وقاطعته، وتعيش مستقلة في دبي، يأتي دور تقديمها آخرهن وهي النموذج الأكثر تطرفا للنقيض، تقدمها أولى مشاهدها وهي ترتدي المايوه على أحد حمامات السباحة، مع استغناء كامل عن المكياج وملامح التزين، هي ذات مظهر رياضي وشعر مُجعّد متمرد، مثلها لا يبالي برأي، نراها ثورية الآراء لحدها المثالي، تبدو الأكثر تحررا من سطوة بيئتها، لكن ألمها لم ينج منها وذكرياتها.

اختفاء الأب.. أزمة تجمع الأخوات بعد طول غياب

نجد بين شخصيات الأخوات أن زينب وآمال تمثلان نموذجا محافظا، فآمال فيه أكثر تطرفا وحدة، وزينب الأكثر توافقا واستسلاما، أما سماح وختام فتمثلان نموذجين ثوريين، فختام أكثرهما تطرفا ومثالية، ورغم هذا الاختلاف فإننا بمضي الوقت نكتشف التأثيرات المشتركة لنشأتهن وبيئتهن في أعماقهن، حتى أن الفارّات منها قد تشربنها بشكل أو بآخر، نرى علاقات الأخوات متباعدة تشوبها الخلافات القديمة وعدم اتفاق النماذج.

لكن حبكة الفيلم تنطلق من وقوع كارثة اختفاء الأب في صبيحة أحد الأيام إثر ليلة فتح فيها باب غرفة زينب، ففوجئ بها تقيس فستان زفاف إحدى زبائنها، فنشعر بحسرة شديدة في قلبه على ابنته، أجيد التعبير عنها أدائيا وغصة دمعة ابتلعها بصعوبة، ليأتي هذا الحدث سببا ملزما لالتقائهن جميعا من جديد، وتفجير ما ردم في أعماقهن تحت سطح يبدو ساكنا، وتتصاعد الخلافات في البداية لتبين تضاداتهن وما يحتبس في نفوسهن، لكن شيئا فشيئا تهدئ المحنة المشتركة خشونة الاختلافات وحدتها وتقربهن تدريجيا.

تحرص زينب ممثلة الأسرة في القرية على تخبئة الأمر عن أهل القرية خوفا من اللوم والفضيحة، ونلاحظ لقطات أغلبها للرجال بنظراتهم الصارمة لزينب، إذ تركز الكاميرا فيها على قوة نظراتهم بشكل موفق، خاصة حين نجد إحدى هذه النظرات لجزار يلتفت لها، بينما يقطع اللحم بقوة، كما يعطي بعض الباعة الذين تتعامل معهم لأنفسهم حق التدخل في علاقتها بوالدها، وتوجيه اهتمامها به بأريحية، فما يصدر منها تجاهه حبا يجعلونه أمرا ووصاية، مع تطفل النساء في الشرفات عليها، فهي تبدو كملكية عامة للجميع، تبدو زينب دوما خائفة كقشة تزعزعها أدنى هبة للريح، كل همها إخماد أسباب النظرات والكلمات، وعادة ما نرى الرجال يحتلون الساحة والنساء الشرفات، ليبدو هذا البيت الذي تمثله زينب دوما في وضع محاصر.

صراعات البيئة الداخلية والخارجية.. إرث الماضي الثقيل

تواجه الأخوات الوضع الجديد معا مضطرات، ليخضن صراعا مزدوجا، أحدهما خارجي مع بيئتهن القديمة، والآخر داخلي بينهن ومع أنفسهن، وقد عدن لمجتمعهن بنفسيات مختلفة، حاملات إرثا من الألم والأسرار التي نشعر بها، ويمكننا فهمها من نظرات أو كلمات تجاه شخصيات في القرية، حيث نستشعر أنها آذت بعضهن قديما دون تصريح مباشر.

يتأجج الصراع بينهن بشكل يبدو طبيعيا، لا يمنع استشعار عواطفهن كأخوات يوجد عمق بينهن وإن أنكرن، ومع الوقت تذوب الفوارق الحادة بينهن بمزيد من القبول والتغاضي، وهذا الانتقال المقنع السلس من أفضل مميزات السيناريو، فنشعر بحالة القارب الواحد الذي يجمعهن بحكم المحنة عبّر عنه بصريا جيدا في عدة مشاهد.

 

يظهر ذلك خصوصا في مشهد الإبلاغ عن اختفاء والدهن في القسم، فنراهن جالسات بجوار بعضهن، بينما تعلق فوق رؤوسهن صور أجيال متعاقبة من السلطة المورثة بتكوين له دلالته وإيحاؤه بالهيمنة الذكورية وسطوتها المتوارثة اجتماعيا، إضافة لمشاهدهن في سيارة واحدة هي سيارة سماح، بكل اختلافاتهن واضطرارهن للتغاضي، من أجل إكمال البحث عن الأب المفقود كرحلة تتوازى مع ترميم صدوعهن التي أتين بها.

كسر الجدران.. ضغط يولد الثورة في بيئة ذكورية قاتلة

يزداد وضوح التلميحات بعلاقات خفية قديمة ومشاعر ثأر قديم من بعضهن تجاه بعض رجال الحي، بشكل يوحي برواسب هذه البيئة وما تحت السطح الأخلاقي فيها، إذ يحتل الرجال الساحة غالبا، وكذلك نراهم عادة في أعلى السلم المؤدي لبيتهن، لنشعر بسطوة وحصار البيئة الذكورية حولهن حتى لو مارستها النساء، ونلمس الأمراض العميقة لهذه البيئة لدى الجميع من كبت ونفاق وازدواجية وأخلاق زائفة، حتى أن أباهن يسمي نفسه “أبو علي”، بينما هو ليس أبا لأحد سواهن، ونلمح نظرة اشتهاء من رجل كبير السن لفتاة في سن ابنته، بينما النساء يخضن في السيرات الخاصة ويتتبعنها.

أما الأخوات فتظهر أسرارهن وصراعات حياتهن أمام بعضهن، فيتعاطفن معا وتوحدهن لمؤازرة بعضهن، خاصة وأن منبع أزماتهن واحد، فتتراجع تدريجيا أحكامهن الحادة تجاه بعضهن، فنكتشف أن آمال المنتقبة التي تنتقد تدخين سماح للسجائر تدخن سرا، حتى تصلان للتدخين معا عند النافذة.

آمال المنتقبة التي تنتقد تدخين سماح للسجائر تدخن سرا، حتى تصلان للتدخين معا عند النافذة

 

تتعرض زينب لعدة مواقف ضاغطة تُعرّي ضعفها حتى تستفزه، خاصة بعد سخرية تتعرض لها من أخواتها بخصوص المذياع القديم الذي تحرص أن تلطف إحدى جلساتهن على السطح بأغانيه الهادئة، ليشهد السطح بداية ثورتها برمزية مكانه المفتوح الأقرب للسماء وللحرية، فتنفرد زينب في نهاية المشهد بالإطار واقفة في منتصفه، في وضع قوة تُسمع فيه كلمتها وتحطم بنفسها الراديو القديم، وأما آمال فنجد لها مشهدا معبرا كذلك عن تمردها وخروجها من نمطها، فنفاجأ بمشهد قيادتها السيارة بأخواتها وابنتها، لتحمي هذه الابنة من زواج يقرره الأب.

هنا تخرج قوتها، ونكتشف أنها تعرف القيادة، كما اكتشفنا من قبل عملها السري لكسب النقود، وأيضا تدخينها للسجائر، فقوتها المتوارية تبدأ في الإعلان عن نفسها، وتواجه سماح حقيقة زوجها التي تطعنها في أنوثتها، فتتخلى أخيرا عن قناعها الأنثوي الزائف والمرهق الذي كانت تتشبث به لتشعر بأمان تشبث زوجها بها، فتمسح زينتها في المرآة بعنف، ثائرة على ضعفها، وكتحرر يعيدها لطبيعتها البسيطة.

ثم تبدأ حدة ختام في التراجع والاعتدال، فنستمع لتنفيسها ونرى ابتسامتها الغائبة، وإن كانت شخصية ختام الأقل تفاصيل عميقة وثراء.

ثمالة سماح.. مشهد الثورة النهائية داخل الحي

تتوازى مع التطور الدرامي قوة في التعبير البصري المدعم للدراما، فبعد مشهد زينب على السطح يأتي مشهد لسماح أثناء عودتها ليلا ثملة بسيارتها إثر صدمتها في زوجها، ليُصاغ المشهد بشكل ساخر، فبدلا من التواري بمجيئها ليلا على هذه الحالة، فإنها تضغط غير واعية على بوق سيارتها، وتصدر أضواء متقطعة منه.

 

يستيقظ أهل الحي وتُضاء شرفاتهم تباعا كالأعين المنفتحة على التوالي، لتكون المفاجأة أن تتصدر رد الفعل زينب خياّطة الحي العالمة بأسرار الحي، مقررة مواجهة الجيران بأمراضهم، لينتهي بتعبير بليغ بصريا، فيطفئ الجيران أنوار نوافذهم تباعا كما بدأت. كأنها حالة من الارتداد البصري العكسي يتضاد مع ما بدأ به المشهد من أضواء سيارة سماح وإضاءات نوافذهم المتتالية إثره، بما يعكسه ذلك من كسر لهذه السطوة بالمواجهة.

كما أجيد التوظيف البصري للمذياع القديم الذي يرمز لحالة جامدة محنطة في كل شيء لا تسير مع الحياة، ليستخدم نفسه في رمزية التحوّل أيضا، كما أجيد اختيار رمزية سطح البيت المُطل على المدينة الكبيرة الذي يشهد البوح والمواجهة بين الأخوات واستفاقة زينب، وكأنه رمز لمحاولات الخلاص من حصار خانق، ويكون أيضا مشهدا للنهاية كاتساع بعد ضيق.

صناعة الفيلم.. أداء صادق وقصة سلسة مشوقة

يأتي العثور على الأب بمثابة الجائزة الدرامية لرأب الصدوع ومواجهات الذات، وكنتيجة أخيرة لخوض هذه الرحلة، إلا أن مشهد العثور على الأب كان بحاجة لمزيد من إبداء الحالة الرثة للأب، خاصة من الناحية النفسية، كما أننا لم نره في البيت معهن في المشاهد الأخيرة.

لكن في رأيي أنها ملحوظة وحيدة يمكن أن تخطها الملاحظة لهذا الفيلم الجيد دون افتعال بكتابة وسيناريو متقن التفاصيل، وحالة تجمع بين الشقين الفني الصادق والجماهيري بسلاسة، مع تصوير معبر دراميا بهدوء، واختيار موفق جدا للأماكن، وأداء أستطيع وصفه بالصادق والتلقائي، وهو ما كان مفتاحا هاما لجودة تلقي الفيلم، بشخصيات جيدة الرسم وأداء قريب صادق لم يعد متوافرا كثيرا في أفلامنا.

تتخلى البطلات عن المكياج، ويخرجن عن القوالب الجاهزة، فقد أجادت الممثلة فرح بسيسو كثيرا دور المرأة الفتاة الرقيقة الخائفة، وخرجت صبا مبارك عن نمط الفتاة الجميلة الجذابة، وعكست جيدا تركيبة الشخصية الحادّة المُثيرة للشفقة معا، وتوقفتُ كثيرا أمام أداء حنان حلو التي قدمت دورا ممتعا، وأضافت عمقا للشخصية بصدق كبير.

ربما كان أداء مريم باشا بحاجة للمزيد من النضج والعمق، لكنها أدت دورها أيضا بشكل يناسب الشخصية الرياضية العملية المتمردة، وقد يرى البعض أن هناك مباشرة ما في أفكار الفيلم والدراما التي يقدمها، لكن أرى أن ذلك إن وُجد فقد كان مدروسا، وبالقدر الذي يصل فقط للجماهير، دون إخلال درامي أو مبالغة أو فجاجة، ولا يخلو من حالة فنية واضحة وسيناريو متماسك وحالة مشوقة مطلوبة في العمل الفني، هذا الجمع المحمود بين الحالتين الجماهيرية والفنية أراها لصالح هذا الفيلم وطريقة عرضه الصادقة والمختلفة.