“أشخاص بالغون في الغرفة”.. ما لا تعرفه عن مأساة الاقتصاد اليوناني

“المال لا يستطيع أن يشتري لي الحب”.. هكذا يستعير وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس بمقطع من إحدى أغنيات فرقة الروك البريطانية الشهيرة “بيتلز”، ليرد بها على رفض أعضاء الاتحاد الأوروبي منح بلاده قرضا جديدا عام 2015 في أعقاب أزمة اليونان المالية المتفجرة منذ عام 2009 والتي وُصفت بأنها أسوأ أزمة شهدها بلد صناعي منذ الكساد الكبير عام 1929. وكان عدد من الخبراء توقعوا أن تتسبب الأزمة في القضاء على اليورو وتفكك الاتحاد الأوروبي. وقد جاء تصريح وزير المالية اليوناني أعلاه ضمن أحدث أفلام المخرج الفرنسي اليوناني الأصل كوستا غافراس المعنون “أشخاص بالغون في الغرفة”.

آمال يونانية معلقة

يؤسس المخرج للصراع وأطرافه بشكل واضح وبسرعة كبيرة منذ البداية، وذلك قبل الدخول إلى جحيم المساومات الذي سيستغرق شهورا من المفاوضات المتكررة مع خصم يرفض التسوية ويقود النقاش إلى آفاق مسدودة.

يبدأ الفيلم من لحظات التوتر والترقب السابقة على إعلان اسم الحزب الفائز في الانتخابات اليونانية يناير/كانون الثاني 2015. فبينما نرى فرحة الشعب اليوناني بأكمله يتابع النتائج ويحتفل بسعادة عندما يُعلن فوز حزب سيريزا -تحالف اليسار الراديكالي- بزعامة ألكسيس تسيبراس الذي وعد الناخبين بإخراج اليونان من أزمتها الاقتصادية الطاحنة ورفض بعض تدابير التقشف التي فرضها عليهم الاتحاد الأوروبي، نرى جماعات من الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر يتابعون نتائج الانتخابات على شاشات التلفاز في ضيق ونفاد صبر، ومنهم وزير المالية الألمانية الذي يُعلق غاضبا “سوف نطردهم لو جاؤوا هنا، سنطردهم من الاتحاد الأوروبي”.

يصور الفيلم أبطال الصراع، وجميعهم شخصيات درامية مقتبسة عن الشخصيات الحقيقية الواقعية تماما، وهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، جميعهم في جبهة واحدة ضد الحكومة اليونانية وشعبها الذي يمثله رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس وصديقه المقرب يانيس فاروفاكيس وزير المالية الذي يُعد الشخصية الرئيسية الأولى بالفيلم، وهو يقوم بسرد أغلب الأحداث إذ يقوم بدور الراوي، كما أن الفيلم مقتبس عن المذكرات التي دونها فاروفاكيس في أعقاب استقالته من منصبه، ولقي مؤلفه هذا صدى عالميا واسعا.

يضغط الاتحاد الاوروربي على اليونان للقبول بخطة الانقاذ
يضغط الاتحاد الاوروربي على اليونان للقبول بخطة الإنقاذ

في الأحداث الأولى من بداية الفيلم، يُخبرنا وزير المالية أنه قدم استقالته بعد ستة أشهر فقط من الانتخابات، فقد كان طوال الأشهر الستة يحمل تلك الاستقالة في جيبه استعدادا لتقديمها لو تم فرض شيء عليه ضد أخلاقه ومبادئه أو شعر بأنه يُسَاوَم على مقترحات ضد مصالح الشعب اليوناني.

مماحكات الترويكا.. خبايا الأزمة

يعود الفيلم فلاش باك (استرجاع الماضي) ليحكي لنا ماذا حدث خلال هذه الأشهر الستة، إذ حاول يانيس تفعيل خطتهم الرئيسية لإنقاذ بلدهم، فقد كان يتعين عليه أولا إقناع الاتحاد الأوروبي بتعديل شروط سداد ديون اليونان التي كادت أن تقفز إلى 300 مليار يورو، ثم يقوم الاتحاد الأوروبي بمد يد العون لإعادة بناء اقتصاد اليونان، وذلك عبر شطب بعض الديون، وفرض شروط أقل قسوة لإعادة التوازن إلى حساباتها.

لكن كيان الدائنين “ترويكا” الذي يُمثل المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، اتخذ موقفا متعسفا وهدد بطرد اليونان من منطقة اليورو إذا لم تلتزم بتنفيذ شروطها. في المقابل كان تسيبراس رئيس الوزراء اليوناني هو الآخر قد هدد قبلهم بالخروج من منطقة اليورو، لأن شروط الدائنين كانت مثابة انتحار لليونان، لكنه أجرى استفتاء شعبيا قرر الشعب فيه البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. وهنا كان لا بد من دفع الثمن الباهظ.

كان أعضاء الاتحاد الأوروبي في تلك الغرفة المغلقة أثناء نقاشاتهم البيزنطية وجدلهم السفسطائي واحتدامهم الطفولي كأنهم لا علاقة لهم بالأشخاص الناضجين، ولا يبدو أنهم قادة كبار يُديرون كيانا بحجم الاتحاد الأوروبي، ومن هنا جاء عنوان الفيلم والمذكرات “أشخاص بالغون في الغرفة”، فعندما تأملتْ رئيسة صندوق النقد الدولي صراعهم علقت قائلة “نحن بحاجة إلى أشخاص بالغين في هذه الغرفة”.

يُصور الفيلم مهمة يانيس فاروفاكيس على مدى عدة أشهر من المفاوضات الحادة اليائسة، والتي تكاد تُشبه مأساة سيزيف. كان أعضاء الاتحاد دوما يُصرون إزاء أي اقتراح أنهم لن يوافقوا عليه بشكل نهائي ولن يتخذوا أي قرار حاسم إزاءه، إلا بعد أن يعود وزير المالية وفريقه للنقاش والتفاوض مع “ترويكا”، لكن محاولة إقناع قادة الترويكا كان محكوما عليها بالفشل، فهؤلاء كل ما يشغلهم مصالحهم ومصالح بلدانهم على حساب الآخرين، بينما كان فاروفاكيس يرى أن مزيدا من خفض الأجور اليونانية، وخفض الدعم العام عن التعليم والصحة، وخصخصة الخدمات العامة الأساسية، وخفض المعاشات؛ لن يجعل الاقتصاد اليوناني ديناميكيا، بل إن حزمة التقشف لن تُؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وإن ما تم فعله لم ولن يحل شيئا بالنسبة لليونان أو شعبها، لكنه سيقودهم إلى الانهيار التام.

المخرج كوستا غافراس أثناء تصوير فيلم ”بالغون في الغرفة“
المخرج كوستا غافراس أثناء تصوير فيلم ”بالغون في الغرفة“

صحيح أن أزمة اليونان بدأت من فساد المسؤولين في الحكومة والبنوك اليونانية السابقة على حكومة ألكسيس تسيبراس، مما دفع أفراد الشعب إلى الجوع والبطالة والعوز، لكن لاحقا عندما قدم الاتحاد الأوروبي قروضا لليونان بفوائد مُبالغ بها، وعندما فُرض على الشعب اليوناني حزمة من التقشفات القاسية، كان ذلك أساسا من أجل إنقاذ البنوك الفرنسية والألمانية التي كانت على شفا الإفلاس والانهيار، وهذا ما يُقال بالفيلم صراحة على لسان وزير المالية اليوناني، والمأخوذ عن توثيق بالمذكرات التي كتبها يانيس فاروفاكيس التي عبرت عن تجربته المؤلمة مع الاتحاد الأوروبي أثناء تولي منصبه وزيرا للمالية، وناقدا لسياسات حكومة تسيبراس إذ يقول: هذا لم يكن إنقاذا، اليونان لم يتم إنقاذها أبدا مثلما حدث مع البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا. إن ما قيل عن إنقاذ اليونان ثم إيرلندا والبرتغال وإسبانيا كان عبارة عن حزم إنقاذ لبنوك فرنسية وألمانية في المقام الأولٍ.

هذا التصريح الواضح الكاشف لخبايا الأزمة الاقتصادية الأوروبية الطاحنة هو الذي جعل البعض في الفيلم يُغير موقفه من قادة الحكومة اليونانية، حيث بادلوهم الاحترام وفتحوا أمامهم باب النقاش بعد أن كانوا يُديرون لهم ظهورهم ويطالبونهم بالرحيل.

وثائق سرية

يسرد الفيلم كل هذه التفاصيل خلال مدة ساعتين وأربع دقائق، لكننا لا نشعر بالزمن خلال تلك الساعات، ولا نكاد نلتقط أنفاسنا من حدة النقاش الكاشف؛ المهادِن والمراوغ المستند إلى الحيلة من أجل كسب الوقت في بعض الأحيان. ويبدو التحايل جليا من كلا الطرفين، فهناك شخصيات ضمن الاتحاد الأوروبي تبدو غير مستقيمة كما يُصورها الفيلم، يظهر ذلك بوضوح من بعض المشاهد، ومنهم المسؤول الفرنسي ذو الوجهين الذي امتدح يانيس ووعده بتحقيق شيء واحد، لكنه قال شيئا عكسيا أثناء المؤتمر الصحفي.

وعلى الرغم من أننا نعلم مسبقا من التاريخ الإنساني لشخصية كوستا غافراس ومن الفيلموغرافيا الخاصة به انحيازه اليساري وتعاطفه العميق مع الأزمات الإنسانية الجماعية وقدرته على تقديم أعمال سينمائية تعبّر عن معطياتها، مع ذلك لا يُمكن القول إن الفيلم يتجنى على تلك الشخصيات المنتمية للاتحاد الأوروبي ومؤسساته أو أنه يظلمها، فالوثائق التي استند إليها الفيلم والتي يرجع الفضل في تجميعها إلى يانيس فاروفاكيس تؤكد تلك الصورة، ومنها ما ذكره إريك توسان من ائتلاف “من أجل إلغاء الديون غير الشرعية”، فقد قدم وثيقة سرية قُدمت لصندوق النقد الدولي بشأن خطة الإنقاذ اليونانية تُثبت أن “قرار صندوق النقد الدولي الصادر في التاسع من مايو/أيار 2010  والذي يسمح بإقراض اليونان 30 مليار يورو، يهدف في المقام الأول إلى إخراج البنوك الفرنسية والألمانية من مشاكلها المالية”، مُضيفا أن “أموال صندوق النقد الدولي كانت تُستخدم لسداد البنوك الفرنسية والألمانية والهولندية”.

يعتقد فاروفاكيس أن خطة الانقاذ ستقود اليونان إلى الانهيار التام.
فاروفاكيس يعتقد أن خطة الانقاذ ستقود اليونان إلى الانهيار التام

يبدو يانيس فاروفاكيس عنيدا ماكرا بدرجة كبيرة كأنه يقاتل لإنجاز مهمته الانتحارية التي وعد بها شعبه. ورغم كل ما سبق من صعوبات كان يندفع من اجتماع إلى آخر ومن مسؤول إلى مسؤول، كأنه في متاهة للدفاع عن قضيته وتوضيحها، في محاولة لإقناع شخصيات بارزة في الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الأحداث والمناقشات المحتدمة تدور في أماكن محدودة جدا وفي غرف اجتماعات مغلقة أغلب الوقت أو غرف فندقية، فإن كوستا غافراس يُصور هذه البيروقراطية بصريا بشكل أخاذ في دلالته رغم بسطاته، وبفريق عمل بارع من الممثلين.

رغم كل المحاولات المضنية التي بذلها وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس الماهر القادر على اقتناص فرصة لفتح باب الحوار، والذي يلجأ إلى السخرية أحيانا قائلا “أعلم أنك تعبت من هذه الدراما اليونانية، وكذلك نحن الإغريق”. ورغم نجاحه في استمالة شخصية متغطرسة متعالية مثل وزير المالية الألماني الذي اعترف له في لحظة ما أنه “لو كان في نفس وضعيته لما وافق على شروط الاتحاد الأوروبي أو الترويكا لأنها مجحفة وظالمة، لكن أيضاً لا يوجد مخرج آخر أمام اليونان”.

تُواجه خطة مكافحة التقشف بإصرار الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على مذكرة التفاهم الحالية من دون تعديلها، وهي اتفاقية ألزمت اليونان بمزيد من الإجراءات التقشفية، وبيع الأصول الوطنية، ومنها بيع الفضة اليونانية، إضافة إلى رفع مزيد من الضرائب، وهو ما استتبع زيادة عدد العاطلين وتقليل الضمانات الاجتماعية والمرتبات، وفرض برنامج خصخصة واسع النطاق يشمل إمدادات الكهرباء مرورا بالبنية التحتية كاملة والمطارات والمرافئ والخدمات العامة مثل المستشفيات والمدارس والنقل العام، حتى إن وزير المالية فاروفاكيس يُعلق في إحدى اللقطات على مقترحات ظالمة من عضو بالاتحاد الأوروبي قائلا “تريد أن تشتري مطارنا وتريد أن ندفع لك ثمنه أيضاً، أي أنك سوف تشتري مطارنا بأموالنا”.

اليونان.. نحو الدمار

لن نجد طوال الفيلم اهتماما بما وراء الشخصيات الحاضرة في المفاوضات، فلا وجود لعائلاتهم أو أسرهم، باستثناء زوجة وزير المالية اليوناني، وكان ذلك سببا في انتقاد عدد من الصحفيين للفيلم. لكن في تقديري أن السيناريو لم يكن بحاجة لذلك أبدا، لأنه لا يوجد أي ضرورة درامية لوجود هذه الجوانب أو تلك الشخصيات، وإن حدث ذلك فكان سيأخذ موضوع الفيلم إلى مناطق فرعية هامشية.

شخصية زوجة وزير المالية -التي قامت بدورها الممثلة الإيطالية فاليريا جولينو- كان لها ضرورة درامية، فمن خلال وجودها والحوارات المتبادلة مع زوجها نعرف بأمر الاستقالة وما قبلها وما بعدها من تطورات، كما أنها تلعب دورا مهما عندما يقرر زوجها استضافة أحد أعضاء الاتحاد لفتح باب آخر للنقاش معه لكسب تعاطفه والبحث عن مخرج أو منفذ لأزمة بلاده.

الطريف في الأمر أنه رغم أن تتر الفيلم يشير صراحة إلى أن فيلم “أشخاص بالغون في الغرفة” مقتبس عن مذكرات وزير المالية اليوناني، فإن تصريحات غافراس تشير إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد كانت لديه فكرة فيلم عن الأزمة اليونانية موجودة بالفعل منذ عام 2007 عندما أخبره سفير قبرص في باريس قبل فترة طويلة من بدء تلك الدراما الإنسانية أن اليونان تتجه نحو الدمار، فقد أوضح له بالضبط ما الذي سيحدث بعد عامين في الواقع.

أبطال فيلم "بالغون في الغرفة" مع المخرج كوستا غافراس
أبطال فيلم “بالغون في الغرفة” مع المخرج كوستا غافراس

بدأت الأزمة، وبدأ كوستا غافراس في جمع المعلومات لفهم ما كان يجري. في رأسه كانت توجد فكرة عن إنتاج فيلم عن هذا الموضوع دون أن يكون لديه اتجاه درامي محدد واضح، إلى أن أرسلت له زوجته ميشيل راي غافراس منتجة الفيلم مقالا كتبه يانيس فاروفاكيس، عندها قال غافراس “هذا هو الفيلم”. ثم التقى غافراس بفاروفاكيس عدة مرات وتحدثا سويا، وأتاح له فرصة الاستماع إلى التسجيلات التي قام بها عن نقاشات مجموعة اليورو بنفسه. أخبره بأنه سيكتب كتابا، فأكد له غافراس بأنه يريد أن يقرأه. كان فاروفاكيس يرسل لغافراس الفصل تلو الآخر، عندها قال له “أجل، سيكون هذا هو الفيلم”، واستمرت هذه المحادثة والمراسلات ثلاث سنوات، كتبت أثناءها غافراس السيناريو، وبدؤوا في اختيار أبطاله والبحث عن التمويل.

واللافت أن ممثلة كبيرة بقيمة وأهمية الإيطالية فاليريا جولينو وافقت على دور مساحته صغيرة جدا، وافقت بمجرد أن خاطبتها ميشيل غافراس، رغم أن الأخيرة أوضحت الأمر بأنه ليس دورا كبيرا، ليس هناك دور أصلا، بل عدة مشاهد فقط، وبأنه ليس لديهم ميزانية ولا أموال. لكن فاليريا وافقت على الفور، مؤكدة أنها أُعجبت بالفكرة، وأنها هي الأخرى كانت تُريد أن تفهم تلك الجوانب الخفية لتلك المأساة الإغريقية.

الفيلم.. محطة نجاح جديدة

عُرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ76 الذي عُقد بين 28 أغسطس/آب و7 سبتمبر/أيلول الجاري، وذلك بمناسبة تكريم مخرجه كوستا غافراس الذي يبلغ من العمر 86 عاما، فهو من مواليد عام 1933 لأب روسي وأم يونانية، وكان قد تُوج فيلمه “زد” (Z) بجائزة الأوسكار للعام 1969، ومن أهم أعماله “حالة حصار” (1972) و”المفقود” (1982) و”هانا كي” (1984). أما تكريمه في المهرجان الإيطالي العريق فجاء لإسهاماته المبدعة في تطوير السينما المعاصرة.

لا يقل الفيلم أهمية عن أعمال غافراس السابقة، فالفيلم رغم جدية موضوعه واحتدام النقاش به لا يخلو من حس السخرية وروح الدعابة، كما يتضمن مشهدا شديد الجرأة والقوة تعبيرا عن محاولة اتخاذ القرار، فعندما تفشل محاولات الإقناع، يجد تسيبراس نفسه عالقا في مشهد راقص بديع لأعضاء الاتحاد الأوروبي، حيث يبدو الأمر وكأنه رقصة مبارزة، وأداء تعبيري بليغ عن أطراف الصراع والوزن الذي تُشكله الأطراف، رقصة يميزها الشد والجذب، وهو مشهد أسلوبي يكشف تماما الاضطرابات الداخلية في شخصية رئيس الوزراء ألكس تسيبراس عندما كان يفكر في القرار الذي يجب أن يتخذه، وما إذا كان يجب عليه توقيع اتفاقية خطة الإنقاذ أم لا.

أوروبا.. صورة خارج الإطار 

يُظهر الفيلم الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة بشكل غير جيد، حيث تتبدى الغطرسة واضحة على عدد من أعضائه، وكذلك العناد وانعدام التعاطف مع مأزق الشعب اليوناني، في حين كان وزير المالية يانيس يعتبر الأمر أزمة ومأساة إنسانية.

والحقيقة أن الفيلم يشي بوجود مصالح خفية في ذلك الاتحاد يتواطأ الجميع لتحقيقها، وهذا ما يتأكد أيضا من تصريحات كوستا غافراس اللاحقة إذ يعبر عن عدم احترامه لرئيس الاتحاد الأوروبي السابق جان كلود يونكر قائلا: “قد أكون معجبا بيونكر، لكنني أُكنّ له القليل جدا من الاحترام، لأنه اتخذ من منصبه وسيلة لجعل بلاده -لوكسمبورغ- جنة مالية في قلب أوروبا، لكن هذا لا علاقة له بالدور المنوط برئيس الاتحاد الأوروبي. آمل أن يتغير شيء ما مع الرئيس الألماني الجديد للاتحاد. هناك تشوش سياسي في أوروبا، لقد حان الوقت لتوضيح الأمر، فشل اليسار الأوروبي في كل مكان تقريبا، فمشكلة أوروبا أنها أصبحت إمبراطورية ليبرالية جديدة. لقد تمت إدارة الأمور طوال الخمسة عشر عاما الماضية بشكل سيئ من قبل رجال لم يتمكنوا من الاستجابة للأزمة، واتبعوا سياسات مشوشة”.