السينما الجزائرية عام 2019.. عشرة أفلام بتوقيع بوشارب وبن غيغي وداميان وآخرين

محمد علال

الداء الأمني الذي أصاب المناخ العام في الجزائر دفعت ثمنه غاليا السينما الجزائرية

تقول الحكاية إن “الرجل القرد” (طرزان) تسلق عام 1932 إحدى أشجار التين في حديقة الحامة بالجزائر العاصمة (أنشئت عام 1832)، ومنذ ذلك الوقت تحولت الجزائر إلى أستوديو سينمائي كبير بفضل الطبيعة يُشد إليه كبار المخرجين من العالم. هكذا خلّد المخرج الأمريكي وودبريدج سترونغ فان دايك (1889-1943) اسمه في تاريخ السينما العالمية بمشهد صوره في الجزائر خلال القرن التاسع عشر.

لا تزال شجرة التنين تلك شاهدة على العصر الذهبي للسينما في الجزائر، يزور “الحامة” يوميا مئات الجزائريين القادمين إلى العاصمة من المدن الداخلية لقضاء أوقات جميلة في الحديقة التي تحتفظ للزائر بمناخ معتدل على مدار السنة بفضل الأشجار والطبيعة الخلابة، مما دفع بالسلطات الرسمية هذه السنة لتتقدم بملف رسمي إلى منظمة اليونسكو لتصنيف الحديقة كتراث عالمي.

هكذا انطلق حلم السينما في الجزائر من حكايات الغابة، وقد سبقته عدسة الأخوين لوميير عندما صورا أول مشاهد في تاريخ السينما العالمية في الجزائر عام 1896. لقد ورثت الجزائر من المستعمر الفرنسي تاريخا سينمائيا كبيرا، بهذا الشكل حصل الشعب الجزائري على الاستقلال عام 1962 وفي رصيده عشرات الأفلام العالمية التي صُورت في الجزائر، وإن لم تكن أفلاما جزائرية مئة بالمئة لكنها كانت كافية لترفع من مستوى الأدرينالين في دم المخرجين الجزائريين فيحفزهم لدخول عالم الفن السابع.

كان من الطبيعي جدا أن تستمر الحكاية إلى ما بعد الاستقلال، لتقتنص عدسات الجزائريين الجوائز الكبرى العالمية بعد أقل من عشر سنوات فقط، تحققت أحلام كبيرة للسينما الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي كان منها حلم أول “أوسكار عربي” عام 1969، حيث حازها فيلم “زاد” الذي أنتجته الجزائر للمخرج الفرنسي كوستا غافراس، وحلم آخر بعنوان أول “سعفة ذهبية عربية” للفيلم الجزائري “واقع سنوات الجمر” للمخرج الأخضر حامينا عام 1975. أحلام تحققت وفي رصيد شوارع الجزائر مئات القاعات السينمائية التي كانت تعرض أحدث الأفلام العالمية.

في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988 عصفت بالجزائر رياح العشرية السوداء، وزرعت أيادي الغدر الخوف في كل مكان، حينها تم تخريب القاعات، بينما تم تدشين العديد من محلات بيع الملابس والمطاعم على أنقاض دور السينما، وهاجر العديد من المخرجين إلى اتجاهات أخرى أغلبهم قرر الاستنجاد بفرنسا، وذلك للبحث عن فرصتين؛ الأولى للعيش بعيدا عن شبح الدم، والثانية بحثا عن تمويل لأعمالهم السينمائية القادمة.

الداء الأمني الذي أصاب المناخ العام دفعت ثمنه غاليا السينما الجزائرية، فقد مرت عواصف رعدية حولت 300 قاعة إلى خراب، كانت إلى وقت قريب نافذة لنحو 40 مليون جزائري نحو الفن السابع، ولم يبق منها إلا العناوين التالية “الموقار” و”ابن زيدون” و”ابن خلدون” و”الكوزموس”، وهي آخر أسماء القاعات السينمائية التي تصارع البقاء في الجزائر.

شيئا فشيئا بدأ بصيص الأمل يصعد إلى الأفق، ووسط حالة التصحر التي تعيشها السينما الجزائرية عاد المخرجون إلى الجزائر يبحثون عما تجود به قريحة وزارة الثقافة الجزائرية لتمويل مشاريع السينمائيين، لكنها عودة حاصرتها رمال رداءة الإنتاج السينمائي.

لم يعد وهج السينما الجزائرية رغم الدعم الكبير الذي حققته سياسة الوزيرة السابقة للثقافة خيلدة تومي، واليوم تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن عام 2019 يحمل معه المزيد من الأعمال، ووسط ضبابية المشهد يعود المخرج رشيد بوشارب إلى التصوير في الجزائر، كما تم تحرير فيلم المخرجة الفرنسية يمينة بن غيغي، بينما يراهن عدد من المخرجين الشباب على إنتاج أفلام بميزانيات متواضعة، ليبقى السؤال: “أين سيتم عرض تلك الأفلام، وأي مستقبل لها في المهرجانات العالمية في ظل غياب سياسة ثقافية واضحة لتسويق الأعمال واتساع دائرة عقلية الريع مجددا؟

المخرجة والوزيرة الفرنسية السابقة يمينة بن غيغي انطلقت الشهر الماضي في تصوير فيلمها في الجزائر بدعم من المركز الجزائري للسينما

من حكاية “آخر الملكات” وأفلام الميزانيات المتواضعة

ما يلفت الانتباه في “خارطة الأفلام الجزائرية” لعام 2019، هو حضور عدد من الأفلام المنتجة بميزانيات منخفضة جدا. وفي وجه “التقشف” تقف إرادة حقيقية لمخرجين لم ينتظروا كثيرا من دعم الدولة لأجل إنجاز أعمالهم، وهي أفلام تبدو مهمة من حيث الطرح وجرأة الموضوع، مقابل أفلام أخرى سترى النور العام المقبل منتجة بدعم مباشر كبير من الجزائر يتم التحضير لها وتصوريها في الجزائر.

يتوجه المخرج الشاب داميان أنوري نحو تجربة ثانية، حيث يفتح دفاتر التاريخ بعد رحلته إلى أعماق البحار وتجربته السينمائية الموسومة “قنديل البحر” الذي نافس في مسابقة “نظرة ما” لمهرجان كان عام 2016، ويعالج هذه المرة حكاية لا نعرف عنها الكثير، فكما يوحي العنوان “زفيرة.. آخر الملكات”، وقد استفاد من منحة “سين فونداسيون” سنة 2017، ليخطو الخطوة الأولى نحو تصوير عمله السينمائي.

الفيلم تاريخي، يأتي تصويره في الجزائر بعد أن فاز المخرج بمنحة ثانية قدرها ثمانية آلاف يورو خلال النسخة الـ39 لـ”سيني ماد”، ليتحقق الحلم من بطولة الممثلة الجزائرية عديلية بن ديمراد التي تجسد دور الملكة.

ومن المفارقات التي تقف أمام هذا العمل الواعد موعد تصويره الذي يأتي في وقت قررت الجزائر فيه نصب تمثال بمدينة تيسمسلت غرب الجزائر يحمل مجسّم القائد البحري بابا عروج (1474-1518)، وهو قبطان وأمير مسلم اشتهر هو وأخوه خير الدين بجهادهما البحري في شمال أفريقيا وسواحل البحر المتوسط، ويأتي نصب التمثال بمناسبة مرور خمسة قرون على مقتله في معركة الدفاع عن المدينة.

وتدور حكاية فيلم “زفيرة.. آخر الملكات” حول قصة الأميرة زفيرة -مصممة لباس البدرون الجزائري العاصمي- وهي زوجة السلطان الجزائري سليم تومي حاكم الجزائر العاصمة 1516م قبل دخول العثمانيين، وقد قتله الأخوان بربروس؛ عروج وخير الدين اللذان جاءا إلى الجزائر لإغاثة سكانها من الحملات الصليبية والأوروبية. وكما تقول الحكاية فقد أُعجب أحد الأخوين بربروس بالأميرة زفيرة وأراد الزواج بها عنوة بعد مقتل زوجها، لكنها فضّلت الانتحار بقصر عزيزة بالعاصمة.

فيلم آخر يستعد لقول كلمته السنة القادمة بتوقيع المخرجة فاطمة الزهراء زعموم، وهو يحمل عنوان “الراحة” (REST)، وهو فيلم من نوع الدراما والكوميديا الاجتماعية، ويحكي قصة المرأة الجزائرية، وتدور أحداثه في يوم واحد لحفل زفاف جزائري تقليدي، وكيف تبدو المرأة ليلة الدخلة وما هي الحكايات التي تدور في فلك الأفراح الجزائرية. أُنتج الفيلم بميزانية منخفضة جدا وبمشاركة عدد من الممثلين الجزائريين، مثل الممثلة عديلة بن ديمراد وناجية العراف ولويزا حباني وأمل حيمور، والممثل فوزي صايشي.

العمل من المقرر أن يعيد المخرجة فاطمة إلى الواجهة بعد غياب دام نحو سبع سنوات منذ تقديمها لفيلمها الروائي الطويل الموسوم “قديش تحبني” عام 2012، وقد راهنت المخرجة على دعم الممثلين من أجل تصوير التجربة الجديدة، حيث اختارت التصوير بإمكانيات محدودة جدا بين ولايتي البليدة والجزائر لمدة أربعة أسابيع، وقد انتهت السينمائية الجزائرية من التصوير مع وضع الرتوش الأخيرة للمونتاج. وتأمل فاطمة الزهراء زعموم أن يعود بريقها إلى المهرجانات، وذلك بعد أن ذاع صيتها سنة 2010 كثاني مخرجة جزائرية تقدم فيلما عن الإرهاب بعنوان “زهر”، فرغم الانتقادات الكبيرة فإنها عرفت كيف تدخل عوالم العشرية السوداء بعد المخرجة الجزائرية أمينة شويخ التي قدمت فيلم “رشيدة” عام 2002.

لقطة من فيلم "شرطي بيلفيل" بطولة عمر سي ولويس غوزمان والممثلة الجزائرية بيونة، وإخراج رشيد بوشرب

الثورة حاضرة بقوة والحكاية مختلفة

بسرعة غير متوقعة انتهى المنتج الجزائري ياسين العلوي (شركة ليث ميديا) من تصوير مشاهد فيلم “إيفتون” منذ أن انطلق شهر أكتوبر/تشرين الأول في التصوير بدعم من طرف المركز الجزائري لتطوير السينما التابع لوزارة الثقافة، وقد اختار مخرجا فرنسيا شابا هو “هيليي سيستيرن” لخوض التجربة الثانية له في إنتاج أفلام السير الذاتية الثورية الجزائرية، وذلك بعد تجربته مع المخرج سعيد ولد خليفة في فيلم “زبانا” بطولة الممثل عماد بن شني عام 2012.

في هذا العمل يتوغل السيناريو في حكاية مناضل فرنسي آمن بالثورة الجزائرية، وواجه نفس مصير الشهيد زبانة، حيث يعتبر فرناند إفيتون (1926-1957) أول فرنسي نفذت في حقه السلطات الفرنسية حكم الإعدام بالمقصلة في 11 فبراير/شباط 1957، وذلك بعد انشقاقه وانضمامه لجيش التحرير الجزائري.

مسار المناضل الراحل إفيتون يستحق دون شك عملا كبيرا، وقد تم اقتباس السيناريو من رواية “إخواننا الجرحى” للكاتب الفرنسي جوزيف أندراس الصادر سنة 2016، ويتطرق الفيلم إلى السنوات الأخيرة لحياة فرنان إيفتون ولقائه مع زوجته هيلين ومحاكمته أمام محكمة عسكرية. ويقوم بدور البطولة الممثل الفرنسي فانسون لاكوست والممثلة فيكي كريبس من لوكسمبورغ في دور الزوجة.

مؤخرا ساهمت مواضيع الثورة في تحويل كاميرا المخرج التلفزيوني جعفر قاسم لأول مرة باتجاه عالم الإخراج السينمائي، حيث انتهى هو الآخر من تصوير معظم مشاهد فيلمه الجديد “هليوبوليس” من إنتاج وزارة الثقافة الجزائرية. ويتناول العمل حكاية مجازر الثامن من مايو/أيار 1945 البشعة التي اقترفها الاستعمار الفرنسي بحق المتظاهرين الجزائريين في سطيف وقالمة وخراطة وسوق أهراس، وذلك بعد أن خرج الشعب الجزائري للتظاهر سلميا مطالبا فرنسا بالوفاء بوعودها التي قطعتها بشأن استقلال الجزائر، مقابل مشاركته في تحرير فرنسا في الحرب العالمية.

هذا الفيلم أثار جدلا بسبب اختيار جعفر بلقاسم مدينة تيسمسلت لتصوير الفيلم بدلا من مدينة قالمة الشاهدة على الأحداث، وبات اليوم شبه جاهز للعرض ويتوقع عرضه في إطار الدورة الـ73 للأحداث التي تتزامن مع موعد انعقاد الدورة الـ72 لمهرجان كان، وهو ما يفتح الأبواب لاحتمال عرضه في هذا الحدث السينمائي الكبير في فرنسا.

بعد أن ضَمِن المخرج رشيد بوشارب دخول فيلمه الجديد “شرطي بيلفيل” (بطولة عمر سي ولويس غوزمان والممثلة الجزائرية بيونة) قاعات السينما في أوروبا وفرنسا، حيث قدم العرض الأول له في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018 ولم يحقق نجاحا كبيرا، يعود بوشارب إلى الجزائر مصابا فيما يبدو بتخمة وملل وامتعاض من الطريقة التي تعاملت فيها السينما الفرنسية مع المخرجين من أصول عربية، وهو ما تعكسه تصريحاته الأخيرة للصحافة العالمية. فبوشارب اليوم هو واحد من أبرز هؤلاء الذين انقطع حبل الود بينه وبين فرنسا، وحاله يشبه حال المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش الذي يواجه هو الآخر معارضة في فرنسا رغم فوزه بالسعفة الذهبية عام 2014 عن فيلم “حياة أوديل”.

بالنسبة لبوشارب فقد أعلن عن انتهائه من إنجاز ثلاثية أعماله السينمائية بالولايات المتحدة، وقرر العودة إلى الجزائر لتصوير فيلمه الجديد السنة القادمة، وهو عمل يتمحور حول الثورة والمرأة الجزائرية المجاهدة، مُستلهما الحكاية من قصة المجاهدة زهرة ظريف والمجاهدة ليزا إيغيل إحريز والمجاهدة أني ستينار وغيرهن من الذين لهن بصمة هامة في تاريخ الثورة الجزائري.

وحسب المعلومات الرسمية “فإن مشروع فيلمه الآخر حول موضوع حكاية السينماتك الجزائرية خلال العشرية السوداء” قد تم تأجيله إلى إشعار آخر، وذلك بعد أن بدأ بشكل جدي في التحضير للانطلاق لتصوير فيلمه الجديد “حكايات مجاهدة.

 

لمواضيع الإرهاب نصيب كبير

لا يمكن أن نتخيل السينما الجزائرية دون مواضيع العشرية السوداء، فهي لا تزال تُسيل لعاب الكتاب والسينمائيين، وتقدم عشرات الأعمال لقصص لم تكتب بعد، ومئات الحكايات التي لا نعرف عنها شيئا. وقد أنجبت الجزائر عدة أعمال عن تلك الفترة الموجعة، بعضها حقق نجاحا مثل “التائب” لمرزاق علواش، وعدد كبير منها ظل حبيس الأدراج ولم يتم عرضه إلا مرات قليلة تُعدّ على الأصابع مثل فيلم “عطور الجزائر” للمخرج رشيد بلحاج الذي استعان في فيلمه بمدير التصوير الإيطالي الشهير فيتوريو ستورارو.

حكايات الإرهاب تُطل عام 2019 بأفلام جديدة، وقد اختار المخرج الشاب أمين سيدي بومدين الصحراء ليجعل منها بوابة عمله السينمائي الطويل الأول، فبعد أن قدم فيلمين قصيرين قرر التوجه إلى الصحراء الجزائرية لتصوير فيلم “أبو ليلى” (إنتاج عام 2018)، وهو العمل الذي حصل منه على دعم من “سيني فوناسيا” لمهرجان كان السينمائي عام 2016.

ويستعد مخرج الفيلم القصير “غدا الجزائر” بشركة “تالا فيلم” لخوض تجربته الروائية الطويلة الأولى، وذلك في رحلة تتبع خطوات “أبو ليلى”، وهي حكاية رجل يعيش في تسعينيات القرن الماضي ترميه أمواج العشرية في داومة العنف والظلم ويبحث عن مفاتيح لحياة مختلفة. ويستعد المخرج لتصوير الفيلم بين ثلاث ولايات جزائرية صحراوية هامة، بداية من تمنراست وتيميمون وأدرار، مع الاعتماد على ممثلين محليين ينحدرون من الصحراء الجزائرية سيرافقون أمين بومدين رحلة تصوير الفيلم لمدة سبعة أسابيع.

موضوع العشرية السوداء في السينما الجزائرية جزء من حكايات المواطن والوطن والانتماء، ومن هذه الحكايات العمل الجديد للمخرجة والوزيرة الفرنسية السابقة يمينة بن غيغي التي انطلقت الشهر الماضي في تصوير فيلمها في الجزائر بدعم من المركز الجزائري للسينما، حيث وصلت النجمة السينما الفرنسية ذات الأصول الجزائرية “إيزابيل عجاني” لتصوير مشاهدها في الفيلم الذي يستمر تصويره 11 أسبوعا بين العاصمة ووهران وقسنطينة وباريس.

الفيلم الذي يحمل عنوان “الأخوات” سيحمل توقيع مخرجة أثارت الجدل في بلادها مؤخرا، وسحبت منها فرنسا وسام الشرف بسبب تهمة التهرب الضريبي، ويُتوقع أن يكون العمل جاهزا للعرض سنة 2019 ليسرد قصة ثلاث أخوات انفصلن عن بعضهن البعض، وتحكي إحداهن على خشبة المسرح قصة الأب الذي كان يحتضر، وهنا تتقاطع الحكاية مع تجاعيد الحياة في الجزائر، ومسألة الانتماء والاندماج التي عادة ما تؤرق العرب في المهجر.

المخرج الجزائري رشيد بوشارب أعلن عن انتهائه من إنجاز ثلاثية أعماله السينمائية بالولايات المتحدة، وقرر العودة إلى الجزائر لتصوير فيلمه الجديد السنة القادمة

مزيد من الأفلام في مواجهة القاعات الشاغرة

رغم الحالة المرضية التي تعاني منها السينما الجزائرية في السنوات الأخيرة، وما تشكله حالات القاعات من مشهد “محزن” يشوّه صورة البلد، فإن المخرج الجزائري مرزاق علواش لم ييأس أبدا وهو يتجه إلى تصوير عمل جديد بعنوان “طبيعة الخريف” (Paysages d’automne)، وذلك بعد أن قدم فيلم “الريح الرباني” (2018).

ولم يمض أقل من عام على عرض الفيلم حتى قرر علواش الوقوف مجددا خلف الكاميرا، واختار مدينة مستغانم محطة جديدة لتصوير عمل جديد بمشاركة مع مجموعة من الممثلين الشباب، منهم بطولة الممثلة “سليمة عبادة” بدور الصحفية، و”خالد بن عيسى” بدور المحقق، بالإضافة إلى كل من محمد تيكيرات ومحمد بن داود وحسان بن زيراري، ومن المقرر أن يكون الفيلم بوابة علواش الجديدة نحو المهرجانات العالمية التي يحبها وتحبه من برلين وكان وفينسيا. 

فيلم "العربي بن مهيدي" للمخرج بشير درايس لا يزال يأمل في عرض العمل العام المقبل وسط حرب التصريحات بينه وبين وزارة الثقافة ووزارة المجاهدين

مقص الرقيب.. هل يحرر الأفلام عام 2019؟

في آخر تصريح له للصحافة قال الوزير عز الدين ميهوبي إن “كل ما يمسّ الدين ورموز الدولة ويخدش الحياء يتم توقيفه دون الإشهار”، وعمليا فقد حكمت تلك المعادلة بالإعدام على عدد من الأفلام الجزائرية التي لم تر النور، وأثارت موجة من الغضب لدى بعض المخرجين؛ جزء من التذمر تعكسه انتفاضة المنتجة الفرنسية ميشال غافراس شريكة حياة المخرج كوستا غافراس، فقد رفضت هذه الأخيرة عرض فيلم “زاد” على شاشة التلفزيون الجزائري رغم مرور حوالي أربعين عاما على إنتاج الفيلم بأموال جزائرية، ويأتي رفضها منح الترخيص لعرض الفيلم عبر شاشة التلفزيون الجزائري في وقت ترفض فيه وزارة الثقافة منح تأشيرة عرض فيلم “في هذه السن أختبئ لأدخن” للمخرجة ريحانة الذي أنتجته ميشال عام 2016، وتعتبره ابنها المدلل وعملها الحقيقي الذي تعبت كثيرا في رحلة تصويره بين فرنسا واليونان والجزائر.

هكذا تواصل الرقابة في الجزائر إعلان الحرب على كل ما يمس بالمحرمات الثلاثة “الدين والسياسة والجنس”. ومن بين الأفلام التي تواجه هذه المشكلة فيلم “الجزائر بالليل” للمخرج يانيس كوسيم، فرغم كونه عملا مُنتجا بتمويل من خزينة الدولة فإنه لا يزال يواجه مشكلة الترخيص له بالعرض، رغم أنه مضى أربع سنوات على انطلاق عملية تصويره، فقد بات في مواجهة جدار بيروقراطية وزارة الثقافة التي ترفض السماح بعرض الفيلم إلى حين إشعار آخر بحجة أن المخرج لم يحترم السيناريو الأصلي، وحسب المخرج فالأمل يبقى معقودا وسط مؤشرات حدوث تغييرات على مستوى هرم السلطة والحكومة السنة المقبلة.

فالفيلم يحكي قصة فتاة تُدعى “ليلى” (جسد دورها مريم مجقان)، وهي مصورة شابة تجوب شوارع الجزائر ليلا بسيارة يقودها زوجها، ونكتشف الجزائر ليلا من خلال صور تُعرّي الحياة الليلية في الجزائر العاصمة، وتقدم مشاهد المشردين والدعارة ومعاناة الجزائريين مع المستشفيات، ويشارك في الفيلم عدد من الممثلين الشباب منهم سارة ليسكا ومنير ساسي وسهيلة يعقوبي.

ومن خلال القصة نفهم كيف يواجه العمل الأول للمخرج الشاب تحديات كبيرة، وذلك بعد أن قرر الغوص في متاهات تبدو عميقة وتفتح الأبواب للرقابة من أجل اغتيال العمل قبل عرضه.

وتحيلنا حكاية الرقابة التي يواجهها فيلم “الجزائر ليلا” إلى قصة فيلم “العربي بن مهيدي” للمخرج بشير درايس، فهذا الأخير الذي لا يزال يأمل في عرض العمل العام المقبل وسط حرب التصريحات بينه وبين وزارة الثقافة ووزارة المجاهدين التي ألزمت المخرج بإعادة تصوير بعض المشاهد في الجزائر العاصمة، وتصحيح القصة من أجل تحرير الفيلم والسماح له بلقاء الجمهور.

لا أحد اليوم في الجزائر لم يسمع بحكاية فيلم “بن مهيدي” (الممثل خالد بن عيسى)، فقد ذاع صيته قبل الأوان، وأطلق نيران صديقة بين جهات الإنتاج، ورغم قرار لجنة المشاهدة التابعة لوزارة المجاهدين التي أبلغت المخرج هاتفيا الأسبوع بأن الفيلم لن يتم عرضه حتى بعد التعديلات، فإن المخرج مُصرّ على المضي قدما في هذه المعركة التي تدخل عامها السادس، ويأمل المخرج هو الآخر في حدوث تغيير حكومي السنة القادمة يفرج عن سياسة ثقافية جديدة تحرر الفيلم من قيود الجدل الذي حاصره قبل وأثناء وبعد انتهاء التصوير، وتسمح بعرض الفيلم خلال السدس الأول من العام الماضي.