السينما المغاربية.. خصب هنا وقحط هناك وفي البيدر محصول مختلف

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. وفي مقالنا الرابع من الملف نناقش وضعية السينما المغاربية في عام 2019، وأهم ما أنتجته من أفلام وأبرز ما جمعها من مشتركات.

 

أحمد القاسمي

تعمل هذه الورقة على جرد حصاد موسم سينمائي كامل وأكثر في بلاد المغرب الكبير، وتقييمه. وحتى نكون أبعد عن الهوى استأنسنا بآراء النقاد نبيل الحاجي وأحمد بوغابة وضاوية خليفة في القضايا الخلافية خاصّة، ولكن قبل أن نرمي بحجر في المياه الراكدة، لا مناص لنا ونحن نتحدث عن السينما المغاربية من مواجهة الأسئلة المربكة؛ منها سؤال معايير الجمع بين أفلامها في صنف واحد: فهل هي مدرسة قائمة الذات أم هي حركة أم هي تيار؟ وهل يكفي وجودها في رقعة جغرافية واحدة لنجمعها في كيان واحد؟

والجواب في مختلف الأسئلة بكل تأكيد هو لا، فهي ليست مدرسة لأنها لا تتشكل من أفلام متقاربة في الخصائص الفنية والأسلوبيّة والتقنيّة أو الخصائص المضمونيّة، ولا تتراكم فيها تجارب الأفراد والجماعات لتعطي صورة جامعة منسجمة. فلا يمكننا أن نتحدث عن مدرسة مغاربية كما نتحدث عن المدرسة الإيطالية أو السوفياتية أو المصرية أو الهندية.

وهي أيضا لا تشكل حركة فنية فتضم أفلاما تشترك في أهداف محدّدة، ولا تعمل على تحقيق غايات بعينها، فلا شيء فيها يشبه سينما حركة الدّوغمائية في الدانمارك وما أرسته من قواعد اصطُلح عليها بقواعد العفّة أو حركة سينما المؤلف، فليس جميعها يعمل على تخليص السّينما من شوائب الاستهلاك والارتقاء بها إلى مصافّ العمل الفني الحقيقي. وهي أخيرا لا تشكل تيارا ظهر في فترة محددة من الزمن نتيجة لخلفيات حضارية أو سياسية أو جمالية.

ومن الأسئلة التي تزيد الموقف ضبابية سؤال الهوية في هذه السّينما. فهل الأفلام التي ينتجها مواطنون مغاربيون مهاجرون في فرنسا أو بلجيكيا أفلام مغاربية، أم أن الأمر يقتصر على السينما التي تنتجها هذه الدول؟ بمعنى آخر: هل فيلم “في منصورة فرقتنا” لأوروثي ميريام كيلو[1] وهل فيلم “أريكة في تونس” لمنال العبيدي[2] أو “المحطة الجنوبية” لرابح عامر زعيمش[3].. أفلام مغاربية؟

المؤكد أن الجداول الرسمية لا تعد هذه الأفلام محلية، ولكن بأي معيار إذن نعتبر سينما عبد الرحمن سيساكو سينما موريتانية وسينما مونيا مدور جزائرية، وبأي معيار يصنف فيلم “رحّل” للفرنسي أوليفي كوسماك ضمن السينما المغربية؟ يعسر الوصول إلى جواب شاف مقنع.

أسرة فيلم آدم قبل عرضه في مهرجان مراكش

 

السينما المغاربية 2019.. الحصاد والحصّادون

حاولنا أن نرصد منجز السينما المغاربية في شكل قوائم نرتبها وفقا للأحرف الهجائية، فسجلنا ضمنها أهم الأفلام التي عرضت للعموم في بلدان المغرب الكبير سنة 2019. وكان بعضها قد لقي نجاحا جماهيريا، وبعضها الآخر نال التقدير والجوائز في المهرجانات الوطنية أو الدولية، فيما اكتفى البعض الآخر بشرف تسجيل الحضور.

وتقتضي الأمانة والدقة أن نشير إلى أنّ بعضها كان قد عرض هنا أو هناك سنة 2018، وتقتضي الأمانة أيضا أن نذكر أن بعضا قليلا من هذه الأفلام لم يكن متاحا لنا فاعتمدنا في تقديمه على الملخص الموجز الذي ذكره منتجوه. وللأسف فقوائمنا هذه خلت من كل إنجاز للسينما الموريتانية أو الليبية لظروفها الخاصة ولغياب الإنتاج.

 

السينما التونسية

“بورتو فارينا”.. جعبة الأيام مليئة بالمفاجآت

تدور أحداث هذا الفيلم (90 دقيقة) –وهو من سيناريو وإخراج إبراهيم اللطيف- حول عائلة تجتمع في المدينة الساحلية بالشمال التونسي غار الملح (بورتو فارينا)، للاحتفال بزواج ابنها علي من قريبته سارة بتدبير من الأب الثري فرج البحري، لإنجاب الابن الذكر والحفاظ على الإرث في إطار العائلة.

وبالفعل يترك الابن صديقته الفرنسية ويعود إلى تونس، ولكن ابنة عمه ترفض هذه الزيجة المدبرة. غير أن النهاية تكون مفاجئة؛ فعلي لم يكن ابن فرج، بل تبناه منذ ولادته وأخفى هذه الحقيقة عن محيطه. يُعد الفيلم كوميديا اجتماعية، ذلك النمط المميز لمختلف أفلام إبراهيم اللطيف.

 

“بيك نعيش”.. طلق ناري في الجنوب

في هذا الفيلم (96 دقيقة) –وهو من إخراج محمد مهدي البرصاوي- يتعرض عزيز إلى طلق ناري عشوائي من قِبل مجموعة إرهابية إثر قيام أسرته برحلة عقب الثورة إلى الجنوب التونسي، فيصاب بتلف في الكبد وتصبح حياته مهدّدة. وعبر هذا الحادث يتطرق محمد مهدي البرصاوي إلى قضية سرقة الأعضاء البشرية.

ويمثل الفيلم موجة الشباب التي تتسلم مشعل الإبداع السينمائي، وهو من إنتاج تونسي فرنسي لبناني، ولم يعرض بعد في القاعات التجارية واقتصر عرضه على المهرجانات، حيث حصد عددا من الجوائز.

 

“تلفزيون فتح الله”.. أحلام موسيقية في أحياء الفقراء

هذا الفيلم هو فيلم وثائقي (80 دقيقة) للمخرجة وداد الزغلامي، ويعرض تجربة ثلاثة موسيقيين من حي شعبي في الضاحية الجنوبية لمدينة تونس تسمى “فتح الله”، وهم حليم اليوسفي وتيقا بلكنا وبازا مان.

يتحدث الفيلم عن أحلام هؤلاء الموسيقيين بمستقبل أفضل رغم الصعوبات، ويبحر معهم في موسيقى الراب التي يعتمدونها تعبيرا عن رفض الأوضاع القائمة، ومن خلالهم يبرز نضال سكان الحي الفقير من أجل العيش بكرامة.

 

“دشرة”.. عن السحر وأكل لحوم البشر

ويحكي الفيلم (108 دقائق) –وهو من سيناريو وإخراج عبد الحميد بوشناق- قصة ثلاثة طلبة يبحثون عن مشروع تخرج مغاير للسائد، فيقررون إنجاز عمل استقصائي عن “منجية” المريضة النفسية.

ويأخذهم البحث، ويأخذ المتفرجين معهم، في رحلة مرعبة إلى قرية نائية بالشمال التونسي، فيوظف المخرج بنجاح وفي قصة متكاملة عددا من المعتقدات الشعبية –والممارسات أحيانا- مثل ذبح الأطفال لجعل الجن يُفرج عن الكنوز، واعتماد الأعضاء البشرية في عمليات السحر أو أكل لحوم البشر.

يمثل الفيلم الذي حقق أرباحا دون أن يحظى بأي تمويلات؛ أمارة على تطلّع السينما التونسية إلى معالجات سينمائية جديدة، وتُحسب له تلك الموازنة الدقيقة بين الجانب التجاري والقيمة الفنية البعيدة عن السطحية والابتذال.

 

“الرجل الذي أصبح متحفا”.. على هامش المجتمع التونسي

“أنا أجمع زمن عصرنا، فألتقط الأشياء المهملة أو المنسية وأمنحها حياة جديدة”. بهذه الكلمات يقدم الفنان والشاعر علي عيسى التونسي، ومنها يبحر مخرج الفيلم الوثائقي (61 دقيقة) مروان الطرابلسي في حياة شخصية غير نمطية.

فقد طوّف كثيرا في العالم، ولم يكتفِ بأصوله التركية والأندلسية ليضيف إلى نسله جينات شامية، فتزوج من لبنانية وأنجب منها ولدا شاء القدر أن يقضي مع أمه في حادث سير.

ولم يبق لعلي البالغ اليوم 81 سنة إلا الفنّ ملاذا يعوضه عن هذا الفقد، فاختار أن يعيش على هامش المجتمع التونسي، وحوّل منزله إلى متحف يجمع فيه القطع الفنية التي تتملكه بقدر ما يمتلكها، ويعقد معها صلة روحية وعاطفية عميقة يفتقدها في العالم الخارجي.

“طلامس”.. هجرة من القصر إلى الغابة

يغادر “س” الخدمة العسكرية بسبب موت والدته، ثم يلوذ بالغابة عندما طاردته الشرطة العسكرية بعد أن تلكأ في العودة، ليتوه فيها.

وفي الآن نفسه تغادر “ف” سكنها الفخم لشعورها بالوحدة بعد سفر زوجها إلى الغابة نفسها، فتنصرف الشخصيتان من الحياة المدنية إلى عالم الطبيعة المتوحّش، وتخلقان عالما خاصا غامضا يُبدي من خلاله مخرج الفيلم (120 دقيقة) وكاتب السيناريو فيه علاء الدين سليم رغبة في طرح أبعاد ذهنية وفلسفية لا يخفيها العنوان الذي يدل على الخطوط والرموز العصية على التفسير المنطقي المباشر، ويؤكدها فيلمه الأول “آخر واحد فينا”.

 

“عالبار”.. رائحة تونس قبل 40 عاما

فيلم وثائقي (96 دقيقة)، وفيه يتأكد اهتمام المخرج سامي التليلي –وهو كاتب السيناريو أيضا- بالشأن السياسي والاجتماعي الذي ظهرت بوادره في فيلمه الطويل الأول “يلعن بو الفسفاط” سنة 2012.

ومن خلاله يعود الفيلم القهقرى إلى أكثر من أربعين سنة خلت، فيعيد فحص أحداث مهمة من تاريخ تونس المعاصر بكاميرا تحاول الكشف عن الصلات الخفية بين عالم الرياضة الذي شهد تألق المنتخب التونسي في كأس العالم بالأرجنتين سنة 1978 واحتدام الصراع السياسي والاجتماعي في تونس وقتها.

“عرايس الخوف”.. بين الانتحار والتصالح مع الذات

يعود المخرج النوري بوزيد –وهو كاتب السيناريو أيضا- إلى موضوع التطرف الأثير عنده، من رائعته “صفائح من ذهب” في أواخر ثمانينيات القرن الماضي إلى “ما نموتش” سنة 2012 وأخيرا إلى “عرايس الخوف”.

ويعرض الفيلم (96 دقيقة) حكاية الفتاتين “زينة” و”دجو” بعد أن هربتا من استغلال “داعش” لهما جنسيا وعادتا إلى تونس سنة 2013، ويحاول أن ينفذ إلى أعماقهما عبر اللقطة الكبيرة التي تركز على الملمح وترصد ما تعيشانه من تمزق نفسي.

ورغم ما بذلته الطبيبة من مساعدة لاستعادة توازنهما؛ لا تشفع العزلة لدجو فتنتهي إلى الانتحار، أما زينة التي تختار طريق الإفضاء وفضح المتورطين في تسفيرها إلى الأراضي السورية، فتصل إلى ضرب من التصالح مع الذات.

اجتماع الطلاب في مدرسة الشيخ محمد بن ملوكة للتعلم

 

“العلويون قرن وثلاثون”.. قصة التحديث في تونس

يعود الفيلم (112 دقيقة) –وهو من إخراج محمد جمال النفزي- للنبش في تاريخ المدرسة العلوية في تونس منذ انبعاثها عام 1843 تحت تسمية مدرسة الشيخ محمد بن ملوكة، فيعرض تحولها إلى مدرسة عصرية بعد نحو 40 سنة في عهد علي باشا باي الذي اكتسبت اسمها منه، فإعادة هيكلتها سنة 1909، ثم تفرعها إلى مستويَين، ابتدائي وثانوي.

ولم تكن العودة إلى الماضي سردا محضا، ففي التأريخ لهذه المدرسة اختزال للمسار التحديثي التونسي، وتذكير للمجتمع بأن المدرسة التي تتقهقر اليوم هي مصعد اجتماعي لا غنى عنه.

 

“الغياب”.. في ظلال حرب البوسنة

ينبش فيلم “الغياب” (90 دقيقة) – وهو من سيناريو وإخراج فاطمة الرياحي- في مأساة عائلة رُحّلت من لوكسمبورغ إلى تونس لمشاركة الأب توفيق في الحرب الصربية البوسنية. فيسجن الأب أولا وتعود الأم البوسنية إلى بلدها بعد أن عجزت عن التلاؤم مع وضعها الجديد ثانيا. وفي تلك الأثناء، ورغم الصعوبات تحاول الفتيات الثلاث نحت مصير أفضل.

ولم يخلُ هذا الفيلم الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية أواخر 2018 وعرض في المهرجانات الدولية سنة 2019، من مقاربة سردية مشوقة تعيد التفكير في المعايير المعتمدة لسحب صفة الإرهابي على البعض إلى دائرة الجدل والتفكير رغم بُعده التوثيقي.

 

“فترية”.. رسائل نقدية في ثوب كوميدي

يعرض الفيلم (80 دقيقة) –وهو من إخراج وليد الطايع- أحداث اليوم الـ22 من مايو/أيار 2004 من أيام مدينة تونس، فتلهج الحشود والاجتماعات بمكاسب النظام القائم ونجاحاته موظِّفة انعقاد القمة العربية الـ16 للدعاية له، وتنتشر صور الرئيس في كل الأرجاء.

أما الأحداث فتكشف الإرباك الشامل الذي يعيشه سكان الأحياء الشعبية -وذلك معنى عبارة “فترية” في العامية التونسية- من تقهقر الخدمات الصحية وظروف اجتماعية تدفع إلى الانحراف واستغلال في حظائر البناء.

ومن هذا التباين بين النظام والفوضى تنشأ كوميديا الفيلم، ويبرر المخرج هذا الاختيار بما للإضحاك من قدرة على تبليغ رسائل النقد دون السقوط في الابتذال.

 

“الفلّاقة”.. إعادة الاعتبار لصانعي استقلال تونس

إلى من يعود الفضل في استقلال تونس؛ هل يعود إلى “المجاهد الأكبر” الحبيب بورقيبة وحده كما يذكر التاريخ الرسمي، أم إلى المناضلين بالسلاح في الجبال؟

هذا ما يطرحه فيلم “الفلّاقة” (92 دقيقة) لهاجر بن نصر في جزأين: الأول “الفلّاقة.. ملحمة الرصاص والدماء”، والثاني “الفلّاقة.. صراع الزعامات”.

يعود المخرج إلى الأرشيف وينصت إلى المؤرخين والمناضلين وعائلاتهم بحثا عن جواب محايد، وينخرط الفيلم ضمن حركة تعيد البحث في التاريخ التونسي الحديث بعد الثورة، لقناعتها بأن المثبت منه دُوّن لخدمة النظام الحاكم بعد الاستقلال أكثر مما كان يعكس الحقائق، لتعيد بذلك الاعتبار إلى المناضلين المنسيين الذين نُعتوا بـ”الفلّاقة” تهجينا لدورهم وحشرا لهم ضمن زمرة المارقين عن القوانين والأعراف.

 

“قبل ما يفوت الفوت”.. كنز في منزل متهالك

يتحدث الفيلم (73 دقيقة) –وهو سيناريو سمية الجلاصي محمد علي بن حمرة وإخراج مجدي لخضر- عن منزل متهالك يقضي فيه الشيخ علي مع زوجته وابنيه معظم أوقاته حيث يعمل خياطا، ولكن المنزل ينهار وتكتشف الأسرة أنّ الأب كان يتشبث به بحثا عن كنز، ويجد الشيخ نفسه مجبرا على العناية بأفراد أسرته وإنقاذهم من تحت الأنقاض قبل فوات الأوان.

 

“قيرة”.. ثورة صاحب الحمار

يستمد الفيلم أحداثه (115 دقيقة) –وهو سيناريو وإخراج الفاضل الجزيري- من ثورة عرفتها المهدية زمن حكم الفاطميين في منتصف العشرية الثالثة من القرن الرابع الهجري وتُعرف ثورته بثورة صاحب الحمار التي أضرت كثيرا بالحركة الاقتصادية والعمرانية. وعُرف قائدها مخلد بن كداد اليفرني المكنى بأبي زيد بتعطشه للدماء. فقد تطرف بها وتستر بالدين وتحالف مع الدولة الأموية، ثم شملت بقاعا كثيرة من شمال أفريقيا.

وقد نقلها الكاتب عز الدين المدني إلى المسرح وأخرجها الراحل علي بن عياد ثم الفاضل الجزيري نفسه لاحقا. وها هو ينقلها إلى السينما فيسقطها على الوضع الراهن ليعبر عن موقف سالب مما آلت إليه الأوضاع في بلدان الربيع العربي.

“الكنز الفضي”.. صاحب القبعة المكسيكية

يتخلى منير بعزيز –وهو مخرج الفيلم وكاتب السيناريو (75 دقيقة)- عن دور المخرج المساعد صاحب الأيادي على عشرات الأفلام التونسية الناجحة، ليخرج فيلمه الوثائقي الخاص. فيختار له عرض سيرة المصور الفوتوغرافي بشير المنوبي الشهير ليس بقبعته المكسيكية وزيّه الموشح بشعارات مختلف التظاهرات التي قام بتغطيتها فحسب، وإنما برصيد هائل من الصور لمختلف التظاهرات الرياضية العالمية. فيعمل على إعادة بناء مسيرته ويتساءل عن مصير ما خلّفه من صور بعد وفاته.

“لا/نعم”.. مضايقات في يوميات فتاة سمراء

ينطلق فيلم “لا.. نعم” (82 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو محمود الجمني- من يوميات شابة سمراء أصيلة من مدينة قابس تعود من المهجر لتفيد بما حصلت عليه من معرفة في مجال الاتصالات، ولكنها تتعرض لمضايقات عنصرية، فيعمل على استفزاز الضمير المطمئن لكون تونس قد ألغت العبودية منذ سنة 1846، وكانت أول بلد مسلم يخطو هذه الخطوة.

ويعرض الفيلم تجارب صادمة لتونسيين سود ترشح مرارة وتفضح نفاق مجتمع يرفض العنصرية في العلن ويستبطن ممارساتها في السر.

 

“نورة تحلم”.. حلم تأباه الأقدار

هذا الفيلم (93 دقيقة) –وهو من إخراج هند بوجمعة، وقد شاركت في السيناريو مع “لوران برندونبورغ”- يحكي قصة “نورة”، وهي امرأة من الطبقة الشعبية الكادحة تواجه صعوبات جمة في تنشئة أطفالها الثلاثة. ويزيد احتراف زوجها “جمال” للإجرام وإقامته المستمرة في السجون من معاناتها.

ولأن قلبها يخفق لـ”سعد” الرجل الشهم، تخطط للطلاق من جمال والزواج منه، ولكن عفوا رئاسيا يتحالف مع القدر فيفسد كل خططها ويمنع عنها الحلم.

ومن خلال شخصيتها يعمل الفيلم على الغوص في قضايا الطبقة الشعبية التي ينتشر بينها العنف ضد المرأة، ويميل إلى اعتماد الممثلين الطبيعيين الذي يجسدون أدوارا قريبة من أدوارهم في الحياة، ويفيد كثيرا من قدرة الممثلة هند صبري في تقمص الأدوار الصعبة.

 

السينما الجزائرية

“أبو ليلى”.. من قصص العشرية السوداء

يطارد “لطفي” ضابط الشرطة رفقة “سي” زميله وصديق طفولته؛ إرهابيا خطيرا يكنى “أبو ليلى” كان قد فر إلى الصحراء بعد اغتياله لأحد الأطباء.

ومن خلال هذه المطاردة يعود بنا الفيلم –وهو سيناريو وحوار وإخراج أمين سيدي بومدين- إلى سنة 1994 فينزلها ضمن العشرية السوداء التي أضحت مَعينا للسينمائيين الجزائريين يعوضهم عن حرب الاستقلال، ويجعل من العنف والإرهاب اللذين وسما هذه العشرية مادة سينمائية مثيرة.

 

“ببيشة”.. عرض أزياء مخضب بالدماء

“نجمة” فتاة جامعية تقيم في السكن الجامعي رافضة مظاهر التطرف الذي تعيشه مدينة الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وبعد مقتل شقيقتها لندا وتخضيب دمائها للحائك (الرداء التقليدي الذي تغطي به نساء الجزائر أنفسهن)، تقرر رفض الاستسلام إلى الأفكار الإرهابية والانتقام لشقيقتها بتنظيم معرض للأزياء مستمد من هذا الحائك نفسه.

وبهذا المعرض تعيد نجمة للمرأة بهاءً يريد المتطرفون وأده خلف الجلباب الأفغاني، لكن خطر الإرهاب كان أقوى من تحدي مجموعة من المراهقات وأخطر من أحلامهن بالحياة البسيطة.

الفيلم (104 دقائق) من إخراج مونيا مدور والسيناريو لها بمشاركة فادات دروار، وهو من إنتاج جزائري فرنسي بلجيكي، وقد منع من العرض في الجزائر.

 

“143 طريق الصحراء”.. مليكة مهوى أفئدة المهمومين

تدير مليكة مطعما صغيرا في مكان هادئ بعيد في قلب الصحراء الكبرى، حيث تقدم الأطعمة البسيطة والقهوة والشاي لزبائنها وتلتقي بشخصيات غريبة عنها، ولكن تلقائيتها تخلق صلات نفسية مع رواد مقهاها ومشاركتهم في الهموم.

ولعل نباهة المخرج جعلته يصنع من هذا المقهى تعلّة فنية لجمع غرباء لفترة معينة كما في أفلام التاكسي أو محطات الحافلات في السينما الأمريكية خاصة، فيمد القصُّ جسورا من الثقة بينهم ويسمح للهموم المكبوتة بالتعبير عن نفسها ويتحول إلى سرير استرخاء.

والمفارقة أنّ الطبيب المعالج هو “مليكة” المسنة صاحبة الجسد العليل والمستقبل المهدد، فالرأسمالية الجشعة تُعد لبناء محطة حديثة لا شك في أنها ستعصف بمحلها قريبا.

هذا الفيلم (100 دقيقة) من إخراج وسيناريو حسان فرحاني، ومن إنتاج جزائري فرنسي قطري، وهو من أفلام الجزيرة الوثائقية الناجحة.

وعنه يذكر حسان فرحاني أنّ صديقه شوقي عماري أخذه إلى محل مليكة التي تحدث عنها في كتابه، ويقول: عندما وصلنا إلى المكان ذُهلتُ به، وذهلت بالمرأة التي تعمل هناك وبأجوائه، فقلت لنفسي: هنا سأصور فيلمي وليس في أي مكان آخر.

مخرج وكاتب سيناريو فيلم “مناظر الخريف” مرزاق علواش

 

“مناظر الخريف”.. رحلة إلى عالم الفساد والدعارة

تستدرج عصابة دعارة خمس طالبات ثم تغتالهن وتلقي بجثثهن في البحر، ومن خلال تحقيق الصحفية الاستقصائية حورية في ما حدث، يسلط مخرج الفيلم وكاتب السيناريو مرزاق علواش الضوء على قضايا المجتمع الجزائري كحرية العمل الصحفي وتحالف عناصر نافذة في الأمن أو السلطة مع شبكات الفساد والدعارة ونشاط العصابات واستغلال الدين لمآرب شخصية.

ولم يخلُ الفيلم (90 دقيقة) من ظلال للعشرية السوداء، بعد أن كانت هذه العشرية مدار فيلمي علواش “التائب” و”ريح ربانية”. فوالدا الصحفية حورية ومصطفى المفتش المتواطئ مع شبكات الفساد من ضحايا إرهاب تلك المرحلة القاتمة من تاريخ الجزائر، ولكن تفاعل الأبناء مع الجزائر الراهن كان متباينا.

كما لم يخل الفيلم أيضا من نزعة نحو عالم المغامرة والإثارة والتشويق التي بدأت تفرض نفسها على السينما المغاربية عموما، ويفسر مرزاق ذلك برغبة شخصية في إخراج فيلم إثارة وتشويق لا غير.

مخرجة فيلم “نار” مريم عاشور

 

“نار”.. صرخة غضب وصمت رهيب

تحاول مخرجة الفيلم وكاتبة السيناريو مريم عاشور بوعكاز أن تفهم دوافع إقدام بعض الجزائريين على الانتحار حرقا بصب البنزين على أجسادهم.

ويشرح أحد الناجين الأمر فيقول: أنا رب عائلة ولي ابنة مقعدة لا يمكنني التكفل بها. لقد كنت أعاني كثيرا”.

على هذا النحو كان الفيلم “نار” (52 دقيقة) ينصت لمن نجوا من محاولات الانتحار أو لذوي من قضوا محاولا التعمق في فهم دوافعهم معتمدا على شهادات صادمة، ومركزا على افتقاد هؤلاء للشعور بالاحترام وشعورهم المفجع بالظلم.

لذلك فقد مثل الفيلم صرخة غضب على المعاناة المستمرة للشباب، وكذلك للصمت الرهيب السائد حول هذه الظاهرة التي باتت أمرا عاديا ومألوفا وفق المخرجة.

 

السينما المغربية

“آدم”.. هموم نسائية في غيبة الرجال

تهيم “سامية” على وجهها بعد اصطدامها مع عائلتها بسبب حملها خارج إطار مؤسسة الزواج، وتجد الملاذ عند عبلة التي تعاني بدورها نتيجة لفقد زوجها. وتتعاون السيدتان في تجاوز المحن، وتقدم كل منهما العون للطرف المقابل في عالم معادٍ للنساء يغيب فيه الرجال أو يُغيّبون.

يعدّ الفيلم (98 دقيقة) -وهو من إخراج وسيناريو مريم التوزاني- من أنجح إنجازات السينما المغربية سنة 2019.

 

“أخناتون في مراكش”.. مطاردة في سبيل “بردية فرعونية”

فيلم كوميدي حركي من إخراج وسيناريو سعيد الناصري، ويجمع بين ممثلين مغاربة ومصريين، وهو من إنتاج مشترك بين البلدين.

وفيه يتعرض مطرب مشهور للابتزاز من عصابة دولية لتهريب “بردية فرعونية” من زمن الملك أخناتون إلى المغرب ومنه إلى أوروبا، وتهدده العصابة باختطاف ابنته الوحيدة، فيستعين بالعميد المكلف بحمايته لاسترجاع البردية.

“أموسّو”.. احتجاجات قرية أمازيغية

يعرض الفيلم –وهو من إخراج نذير بوحموش- تفاصيل الحياة اليومية للمحتجين من سكان قرية “إميضر” الأمازيغية الواقعة جنوب شرق المغرب.

ويتابع الفيلم اعتصامهم احتجاجا على الأضرار البيئية الخطيرة التي يسببها أكبر منجم للفضة بأفريقيا لضيعاتهم منذ 2011، ويصور علاقتهم بالأرض، فيورد قَطعهم لخط أنابيب المياه التي يعتمدها مبرزا مكاسب الاعتصام وتضحيات المعتصمين.

 

“جمال عفينة”.. حينما يجتمع الجمال والعفن

تدور قصة الفيلم (98 دقيقة) –وهو من إخراج ياسين ماركو ماروكو، كما أنه شارك في السيناريو إلى جوار مهدي الخودي وعايدة زغاري- حول المذيع “تشيرمان” صاحب برنامج “الصباح القاتم”.

ويستضيف “تشيرمان” في برنامجه جمال عفينة لمشاركة المستمعين قصة حياته بدءا من قريته التي هجرها أهلها إلى المدينة إلى أمريكا إلى ضربه في الأرض بسبب ما واجهه من مضايقات هناك، فيطأ عالما تعمّه الفوضى والحروب والصراعات.

وفي تسمية البطل بـ”جمال عفينة” يجمع المخرج بين الجمال والعفن، فيحاكي بشكل ما سخرية الروائي الفلسطيني إميل حبيبي صاحب رواية سعيد أبو النحس الذي يجمع بين التفاؤل والتشاؤم.

يقول المخرج “كلنا بشكل ما جمال عفينة”، ويؤكد أن عمله رسالة كونية تدعو إلى القيم السامية.

 

“حياة مجاورة للموت”.. من مآسي الصراع المغربي الصحراوي

فيلم وثائقي (95 دقيقة) يتناول معاناة جنود مغاربة كانوا قد وقعوا أسرى مخيمات تندوف لدى جبهة البوليساريو، وما رافق ذلك من عمليات اختطاف لأبناء الجنوب وقتل وتعذيب.

ويراوح الفيلم –وهو من إخراج لحسن مجيد وسيناريو عبد الواحد المهتاني- بين عرض الشهادات والمشاهد التمثيلية.

الفيلم من إنتاج 2018 ولكنه عرض أساسا في 2019، ويمثل عينة من المواضيع الأثيرة في السينما الوثائقية المغربية هذه الأيام التي تعرض ما خلّفته المواجهات بين الجيش المغربي وجبهة البوليساريو من المآسي.

 

“دقات القدر”.. بين إباحة الجسد ووأده

ينسج فيلم “دقات القدر” –وهو من إخراج وسيناريو محمد اليونسي- ضفيرة من حكايتين:

الأولى لتوضا المغربية، وهي ضحية أعراف تبيح جسدها لشقيق زوجها وفق تقليد محلي.

والثانية لماريا الشابة الإسبانية، وهي ضحية رهبنة تريد منها قبر جسدها، وينزلها ضمن خلفية تاريخية تتهم إسبانيا بقصف أقاليم الشمال المغربي إبان فترة استعمار الريف بالأسلحة الكيميائية في عشرينات القرن الماضي.

والفيلم مقتبس عن رواية للمخرج بالعنوان نفسه.

“رُحّل”.. الهجرة تأكل أولاد نعيمة

تنتزع الهجرة السرية من “نعيمة” ابنين كدحت في تربيتهما بمفردها، فقد غادر الأكبر البلاد نحو فرنسا، وغرق الثاني. وها هو حسين الابن الأصغر يعمل على اقتفاء أثري شقيقيه، فتحاول الأم أن تصده وتأخذه إلى الجنوب بعيدا عن مدينة طنجة المطلة على أوروبا وتقوده نحو الجنوب.

وكان الفيلم (87 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو الفرنسي أوليفي كرسماك- قد عُرض في القاعات المغربية بعنوان أول هو “نعيمة وأولادها”.

 

“طفح الكيل”.. علاج أطفال الفقراء ببيعهم للأثرياء

يحاول الشاب أيوب الانتحار بالقفز من فوق جسر، لكنه ينجو ويُنقل إلى المستشفى ليعالج، فتكون الحادثة سببا لعقد صفقة يبيع بمقتضاها عمه حسين طفله غير الشرعي إلى زوجين سويسريين لا ينجبان لتوفير تكاليف علاجه.

وتكون تلك الصفقة تعلّة فنية لمخرج الفيلم وكاتب السيناريو محسن بصري عالم المؤسسات الطبية التي ينخرها الفساد فتفشل في توفير الرعاية الطبية للفقراء.

 

“عاشوراء”.. رعب الجاثوم

هذا الفيلم هو فيلم رعب (95 دقيقة) –وهو من إخراج طلال السلهامي- يستثمر اعتقادا شعبيا مغربيا يفسر الجاثوم -أو بوغطاط في العامية المغربية- بأنه جنّي يكتم أنفاس النائم ويمنعه من الكلام بعد أن يسحب لسانه بيديه.

وإليه ترد الروايات في الفيلم اختفاء طفل يقصد منزلا مهجورا مع أتراب له للاحتفال بعاشوراء، ثم يلتقي به أصدقاؤه الناجون بعد زمن فيكون القادح لمواجهة الماضي وفك ألغاز اختفاء الأطفال، فيعتمد تقنيات المكياج والمؤثرات البصرية لخلق الرّعب في نفس المتفرّج.

“في عينيك كنشوف بلادي”.. يهود المغرب ودعوى التطبيع

يعرض هذا الفيلم الوثائقي (75 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو كمال هشكار- قصة نيتا الخيام وزوجها عاميت هاي كوهين، وهما موسيقيان إسرائيليان من أصول مغربية يعيشان في القدس.

وعلى إيقاع الأغاني التقليدية المغربية يقومان برحلة إلى المغرب بحثا عن جذورهما وغوصا في إرثهما الثقافي.

ولئن أعلن المخرج رغبته في تسليط الضوء على الجانب اليهودي من الهوية المغربية، فإن الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي يجد في هذا الفيلم استمرارا لخط التطبيع الذي يسوق له المخرج بمساندة دوائر رسمية منذ فيلمه الوثائقي “تنغير.. جيروزالم أصداء الملاح”.

 

“مباركة”.. في وكر السحر والشعوذة

تدور أحداث الفيلم (102 دقيقة) –وهو من إخراج محمد زين الدين وشارك في كتابة السيناريو له مع “أولفييه بومباردا”- في بلدة مغربية نائية حيث ينتعش السِحر والشعوذة والطب الشعبي. فيعرض حكاية “مباركة” المرأة المُداوية بالأعشاب والمختصة بالطب الشعبي التي تلتقي “مهدي العروبي” وهو شاب ثلاثيني يعودها للعلاج. ولكن مسار الأحداث يتغيّر من بحث عن الشفاء إلى علاقات معقدة.

 

“مسعود وسعيدة وسعدان”.. البحث عن كنز علي بابا

يمكن اعتبار الفيلم (140 دقيقة) –وهو من إخراج إبراهيم الشكيري- كوميديا سوداء يعود فيها “مسعود” إلى حيّه بعد أن يغادر السجن، فتطلب منه صديقته “زمانا” مساعدتها في البحث عن ابنتها “سعيدة” بعد أن فقدت أثرها.

فيوافق مسعود وتدفع به رحلة البحث إلى مغامرات ومفاجآت، فلا يعثر على البنت فحسب وإنما على خزينة تعود إلى عصابة خطيرة، وعلى القرد سعد الذي يختطف المفتاح.

 

“معجزة القديس المجهول”.. لص وضريح

فيلم كوميدي (100 دقيقة) للمخرج علاء الدين الجم، ويعرض حكاية لص يقع في قبضة الشرطة بعد أن أمّن ما سرق من مال في شكل قبر.

وبعد خروجه من السجن يفاجأ أولا بأن القبر قد تحول إلى ضريح يتبرك به المرضى طلبا للشفاء، ويفاجأ ثانيا بأن الشرطة قد وصلت إلى القبر ووضعت يدها على ما خُزّن فيه من مال.

وعبر الأحداث الكوميدية يبسط الفيلم في قضايا اجتماعية جادة.

“مكان تحت الشمس”.. البحث عن نبض المدينة

وثائقي مغربي فرنسي (80 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو كريم عيطونة- يعرض محنة ثلاثة بائعين بنهج الجزائر وسط مدينة تطوان.

فبعد إنشاء مركز تجاري قرب المكان الذي يعرضون فيه سلعهم، تقرر السلطات طردهم إلى سوق مهيأة، ولكنها بعيدة عن نبض المدينة، فيقررون تأسيس جمعية بحثا عن مكان تحت الشمس.

 

“من أجل القضية”.. من أجل فلسطين

يصل كريم عازف القيثارة الفلسطيني المقيم بإسبانيا وسيرين المغنية الفرنسية ذات الأصول اليهودية إلى المغرب قادمين من برشلونة، ويحاول كريم العبور إلى وهران للحاق بفرقة موسيقية تقوم بجولة فنية في المغرب الكبير، ولكنه يصطدم بحدود مغلقة بين المغرب والجزائر.

وعبر تذكر العازف لما عاشه من قمع على الجسر الحدودي أو في طريقه إلى المعبر يعرض الفيلم (93 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو حسن بن جلون- وجوها من معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال موكلا مهمة خرق الحدود الزائفة إلى الفن.

 

“من رمل ونار”.. جاسوس إسباني في القرن الـ17

فيلم (116 دقيقة) تاريخي عن الجاسوسية من إنتاج مغربي إيطالي، وهو من إخراج سهيل بن بركة، وسيناريو “رودولفو سانشو” و”كارولينا كريسونتيني” و”إيمانيال آرياس”.

وتدور أحداثه بين عامي 1802 و1818، فتعرض سيرة الجاسوس الإسباني “دومينغو باديا” الذي دخل إلى المغرب متقمصا شخصية علي باي نجل أمير عربي، وكان يهدف إلى جمع البيانات التي تسمح بالإطاحة بسلطان المغرب مولاي سليمان المتهم ببيع القمح للإنجليز مقابل شراء الأسلحة لاستعادة الأندلس من الإسبان.

يلتقي “باديا” الليدي “إستر ستانهوب” ابنة رئيس الوزراء الإنجليزي “ويليام بيت” التي عاشت في لبنان وسوريا، ويعيش معها قصة حب عاصفة تنتهي بمقتله بعد أن دست له الأرستقراطية البريطانية السم.

 

“مواسم العطش”.. عندما يغيب الرجال

يصور الفيلم (92 دقيقة) –وهو للمخرج حميد الزوغي وسيناريو إبراهيم هاني- عطش السكان بسبب ندرة الماء رغم النهر الذي يمر بقريتهم المعزولة في ستينيات القرن الماضي، ومنه يعبر إلى عطش نسائها إلى الرجال.

فقد أُخذ الرجال إلى العمل في المزارع ومناجم الفحم التي يملكها الفرنسيون، ولم يتركوا منهم غير عجوز مقعد أو فتى غرّ، فيجعل هذه الوضعية سبيله للغوص في عالم المرأة الاجتماعي والنفسي معتمدا لغة سينمائية تسعى ما أمكن إلى المجاز والإيحاء.

 

“نذيرة”.. مُخبرة يقرر جهازها التخلص منها

ويتناول الفيلم (92 دقيقة) –وهو من إخراج وسيناريو كمال كمال- قصة “نذيرة”، وهي شابة في الـ26 من العمر تعمل تقنية تصوير في أحد أقسام المخابرات، ويقتصر عملها على وضع الكاميرات في بيوت رجال السلطة لتصوير حياتهم الحميمة لاستعمال سلطتهم في قضاء أغراضهم الخاصة. ثم يقرر رؤساؤها التخلص منها.

“نساء الجناح ج”.. ممرضة تغرق في اكتئاب مرضاها

تحمّلت “آمال” مسؤولية فقدان ابنها الوحيد، فعاشت عذاب الضمير لذلك. وانهارت “ريم” بعد أن تعرضت للاعتداء الجنسي من والدها، كما انهارت “ابتسام” التي دفعتها أمها إلى الزواج من شاذ جنسيا يميل للذكور.

جميع من سبق يلتقين في غرفة واحدة بالجناح “ج” من مستشفى للاضطرابات النفسية بالدار البيضاء. وتكاد الممرضة التي تساعدهن أن تفقد توازنها النفسي فتغرق في حالة اكتئاب مماثلة لحالة نزيلات المستشفى، ولكنهن يجدن في الصداقة والبوح ملاذا وعنصر علاج. هذا ما يناقشه الفيلم (95 دقيقة) الذي أخرجه محمد نظيف.

“هلا مدريد فيسكا برشلونة”.. كوميديا اجتماعية

هذا الفيلم هو فيلم (90 دقيقة) كوميدي اجتماعي –من إخراج عبد الإله الجواهري وسيناريو عثمان أشقرا- لا يخلو من إيحاءات سياسية، وتختلط فيه الانتماءات الرياضية بالإيحاءات السياسية، ويصور أحد المتسترين بالدين والموظفين للعمل الخيري للسيطرة على الحي الفقير وعلى سكانه.

 

سينما تبحث عن توازنها في عالم متغيّر

رغم سؤال الهوية الذي يرافق هذه السينما دائما، فإن منجزها ونجاحاتها يشهدان -بقدر ما تشهد خيباتها ومشاكلها- على أنها تمثل كيانا واحدا سواء صنفت باعتبارها مدرسة أو حركة أو تيارا أو غير ذلك.

I) سينما واحدة.. رغم كل شيء

رغم هذه الاحترازات لا يمكننا إلا أن نتحدث عن سينما مغاربية، فالمؤتلف منها أكثر بكثير من المختلف فنيا ومضمونيا وسياقيا أيضا، ونقصد ظروف الإنتاج والتمويل والتصوير والعرض والتقبل.

فمن المؤتلف بين الإنتاج السينمائي في أغلب البلدان المغاربية إنتاجها لأفلام مميزة تميل إلى البحث عن الأسلوب الفريد الذي يقطع السرد الكلاسيكي، ويميل إلى سينما وصفية تغوص في هواجس الذات وتنجح في ذلك، فتقارع أفلام العالم وتنتزع الجوائز في المهرجانات الكبرى، ومنها تقاسمها المشاكل على مستوى البنية التحتية.

فعدد القاعات التجارية يتراجع بشكل كبير، والمتفرّج يهجر القاعات. ففي تونس كان العدد يبلغ 128 قاعة فجرَ الاستقلال على سبيل المثال، أما اليوم فلا يزيد عن 14 قاعة. وما وجد منها في الجزائر يظل شاغرا تقريبا، أما في موريتانيا فقد اختفت هذه القاعات تماما. ورغم أن الفيلم المحلي يظل الأكثر استقطابا للجمهور عادة، فإنه لا يغطي النفقات.

زد على ذلك أنّ السوق السينمائية المغاربية لم تر النور ولا يبدو أنها ستراه قريبا، وآخر هذه التجارب القليلة عرض فيلم “ببيشة” في تونس، فقد كان الإقبال فاترا رغم قيمة الفيلم ورغم منعه في الجزائر، وهو ما يؤجج عادة فضول الجمهور.

أبطال فيلم “مسعود وسعيدة وسعدان” المغربي لإبراهيم الشكيري، والذي يُعتبر ضمن الكوميديا السوداء

 

الخلل النقدي.. البحث عن آفاق جديدة

لا يمكننا تشخيص راهن هذه السينما دون الحديث عن النقد، فرغم وجود عدد من الأقلام المهمة يظل النقد السائد انطباعيا مجاملا حينا متحاملا حينا آخر بعيدا عن الموضوعية والعمق. ولعل ذلك يعود إلى أنّ أفضل الأقلام عامة تركز على السينما العالمية أكثر وتنشر في الخارج لغياب النشريات النقدية المهمة في المغرب الكبير. أما البحوث الأكاديمية السينمائية الرائدة التي أضحت تنجَز عن هذه السينما، فرغم أهميتها تظل حبيسة المكتبات الجامعية ولا تستقطب الجمهور العريض.

ومن المشترك بين منجزات هذا الإنتاج السينمائي على أيامنا بحثها عن آفاق جديدة تتقاطع مع التجارب النخبوية المتعالية على الجمهور العريض، وتغوص في هموم الذات بأنانية بدل الانفتاح على الهمّ الجماعي، فقد أخذ يتأكد زهد موجة جديدة في البحث عن الجوائز أو المشاركة في المهرجانات الدولية، وتتقرب في المقابل من الجمهور.

ومن مزايا هذه الأفلام تنويع المشهد السينمائي وجعله يستجيب لمختلف الأذواق ويطرح القضايا الاجتماعية التي تتعالى عليها سينما المؤلف. وهذا ما يبشر ببروز صناعة سينمائية قادرة على الحياة والاستمرار.

من هذه الآفاق الجديدة التي أضحت تتأكد؛ الاتجاه إلى الكوميديا الاجتماعية. فلنا أن نذكر في المغرب -على سبيل المثال- فيلم “مسعود وسعيدة وسعدان” لإبراهيم الشكيري، فالفيلم يعرض في كوميديا سوداء ونقد للمشهد السينمائي المغربي؛ قصة قرد يعيد عبر الجمهور للقاعات السينمائية حضورها وألقها. ولكن هذا التوجه لم ينظر إليه بعين الرضا من قبل جميع المهتمين بالشأن السينمائي، فقد ظلوا يتهمونها بالتسطيح والاستسهال.

ذلك شأن الناقد المغربي أحمد بوغابة مثلا. يقول لنا وهو يقيّم منجز السينما المغربية: تشبه سنة 2019 ما قبلها، وبالتالي لم تحمل جديدا أو تطورا ما بقدر ما يُعيد المشهد نفسه بجمود، أو أقول يتراجع. فقد تضعضع مستوى الأفلام المغربية بحثا عن جمهور من خلال أفلام يسميها أصحابها “كوميدية” (والكوميديا منهم براء) وهي إعادة إنتاج للأعمال التلفزيونية بأسماء الممثلين الذين لهم ظهور مكثف في التلفزيون. ولكن هذه الأفلام لا تجد نفس الجمهور بالقاعات فتسقط سريعا.

والظاهرة نفسها بدأت تتأكد في السينما التونسية، وإن بوتيرة أقل كما في فيلم “بروتو فرينة” لإبراهيم لطيف الذي ينقد ظاهرة الزواج في إطار العائلة للحفاظ على الإرث بأسلوب هزلي، أو في فيلم “فترية” لوليد الطايع الذي يعرض وجوها من الفوضى العارمة في حي شعبي، والحال أن نظام بن علي يتغنى بنجاحات “صانع التغيير”.

“دشرة” رسالة للمخرجين الشباب بأن الإنجاز لا يعتمد على الدعم المالي

 

شغف البحث عن الألغاز.. تحطيم الأرقام القياسية

من الآفاق الجديدة التي بدأت السينما المغاربية تتطلع إليها أفلام الرعب، وفيلم “عاشوراء” لطلال السلهامي مثال جيّد، فقد استثمر المخرج معتقدا مغربيا راسخا في الثقافة المغربية حول الجاثوم لفك ألغاز اختفاء الأطفال، ووظّف تقنيات المكياج والمؤثرات البصرية لخلق الرّعب.

ولئن كانت هذه الأفلام -على قلتها- قديمة في السينما المغربية تعود إلى عشرين سنة خلت عندما أخرج محمد لعليوي سنة 1999 فيلم “هواجس بعد منتصف الليل”؛ فإن فيلم “دشرة” يعد الأول من نوعه في السينما التونسية. ومداره على رحلة فريق من الطلبة للبحث في لغز اختفاء مُنجية، ولكن البحث ينتهي بهم إلى عالم السحر واستخراج الكنوز، حيث تختلط الأعضاء البشرية والحيوانية ويجتمع المرعب بالفظيع.

وما يحسب لهذا الفيلم هو تحطيمه للأرقام القياسية على مستوى الإيرادات، فرغم أنه لم يحظَ بأي تمويل فإنه قد نجح في تحقيق أرباح، وهو ما لم يتسن لأي فيلم تونسي آخر.

 

II) سينما هشة.. التأثر بالظروف الخارجية

لا شك أنّ السينما في كل من تونس والمغرب تعيشان -رغم الهنات- فترة ازدهار وتنوع على مستوى الكمّ والكيف. ولكنّ خلف هذه الشجرة التي تبدو للمتفائل باسقةً ثمة غابة وراءهما لا تخلو من وهن ناتج عن الأوضاع السياسية المتقلبة خاصّة.

فالحال سيئة كيفما قلبتها في موريتانيا، إذ أن قاعات العرض مفقودة والمعاهد المختصة غير متوفرة وتكاد المؤسسات تقتصر على مهرجان نواكشوط الدولي للفيلم القصير. وفي غياب إنجاز فردي لعبد الرحمن سيساكو هذه الأيام لا نجد إنجازات معتبرة يمكننا الحديث عنها.

والأمر نفسه ينسحب على السينما في ليبيا، فبسبب الأوضاع السياسية المتقلبة وغياب الأمن، تكاد أخبار السينما تُختزل هناك في عزم على تجديد دور العرض لم ينتقل من النية إلى التنفيذ، أو في مهرجان “صنع في ليبيا” الذي يعرض أفلاما محلية لم تغادر الحدود ولم تتسنّ لنا معرفة مستواها أو نمطها.

ورغم أنّ السينما الجزائرية تحاول أن تتدارك أزمتها الناشئة عن العشرية السوداء وتبحث عن نفسها لتستعيد سالف بريقها، فإن عدد منجزاتها تراجع. ويجد الناقد الجزائري نبيل الحاجي أن للوضع السياسي في الجزائر هذه الأيام دورا في ذلك، “فنظرا للوضع السالف الذكر تعطلت حركة الإنتاج وتقلص دور المؤسسات الحكومية المعنية بالقطاع الثقافي والسينمائي بوجه خاص”.

زد على ذلك ما لمقص الرقيب من أثر سلبي، فعلى خلاف أبواب الحرية التي انفتحت أمام السينما في تونس، وبدرجة أقل في المغرب، فإن غيابها يظل معضلة كبيرة تواجه السينما الجزائرية. ففيلما “الجزائر بالليل” -الذي يعمل على تعرية الحياة الليلية في الجزائر العاصمة- و”ببيشة” مُنعا من العرض منعا لم يحُل دون وصولهما للجمهور. فالمخرج يانيس كوسيم عرض عمله على جمهور الحراك، و”ببيشة” واجه هذا الحظر بالنشر على يوتيوب. وهذا ما يكشف أن لجوء الرقيب في عصر فتحت فيه أبواب التواصل على مصراعيها ضرب من الغباء الثقافي.

لقطة من تصوير كواليس فيلم “ببيشة” الممنوع من العرض في الجزائر

 

التطرف والمرأة.. القديم المُعاد في السينما الجزائرية

قد لا يختلف النقاد كثيرا في اعتبار فيلمي “ببيشة” و”أبو ليلى” من أكثر الأفلام نجاحا، فقد استقبلا استقبالا جيدا في الخارج ونالا عددا من الجوائز. “فالعملان يشتركان في طرح مسألة التطرف والإرهاب الذي عاشته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، لكنّ كل واحد منهما ينفرد بلغة بصرية ودرامية خاصة به، وفق نبيل الحاجي.

ولكن “ببيشة” لم يستقبل بالصيغة نفسها في الجزائر دائما، ففضلا عن منعه من العرض في القاعات لم تُخف بعض الأقلام الجزائرية امتعاضها منه، وما موقف الإعلامية والناقدة ضاوية خليفة إلا واحدا منها. فبحسب رأيها “لا يزال الكثير من السينمائيين والمخرجين الجزائريين يتناولون موضوع المرأة من زاوية نمطية وصورة تقليدية تجاوزها الزمن والأحداث، وفيلم “ببيشة” للمخرجة مونيا مدور نموذج مهمّ على ذلك. فمن الجيد أن تهتم السينما بكل القضايا والمواضيع المطروحة في الواقع، ولكن بالمقابل عليها أن تقدم نماذج جيدة عن المرأة الجزائرية؛ ما أنجزت وما يحدوها من طموح وأهداف. وللأسف ففي 2019 لا تزال بعض المواضيع التي تخدم أطرافا معينة متداولة على الرغم من أنها تسيء للمرأة والسينما الجزائرية”.

وتضيف ضاوية: أرى أن موضوعا وطرحا كهذين لا يخدمانها ولا يثقلان رصيدها نوعيا، فالجزائر تمتلك مخزونا هائلا من القصص ويمكنها أن تلتقي بالخيال وتثري المكتبة السينمائية.

الكثير من السينمائيين والمخرجين الجزائريين يتناولون موضوع المرأة من زاوية نمطية وصورة تقليدية تجاوزها الزمن والأحداث

 

جيل جديد من السينمائيين.. علامة مضيئة تكسر النمطية

رغم كل شيء يظل الناقد نبيل الحاجي متفائلا فيرى أن لهذه السينما -على قلتها- حصيلة معتبرة في المهرجانات الكبيرة والمسابقات الدولية، وهي العلامة المضيئة خلال العام، خاصة أنها تحمل بصمات مخرجين شباب يقدمون أعمالهم السينمائية الأولى. وهذا ما يشاركه فيه المهتمون بالشأن السينمائي.

فمن العلامات المضيئة ضمن هذه العتمة ظهور موجة جديدة تقودها مجموعة من الشباب. ورغم أنّ “موضوع العشرية السوداء أو الإرهاب ظل من أبرز المواضيع التي تطرحها السينما الجزائرية” وفق ضاوية خليفة، “فإنّ نظرة الجيل الجديد من السينمائيين الشباب وطرحهم للموضوع جاء بطريقة مختلفة. وأستدل على ذلك بفيلم أبو ليلى للمخرج الشاب أمين سيدي بومدين الذي تناول قصة عن الإرهاب ولكن بطريقة وأسلوب مغايرين تماما يجذبان المتلقي والنقاد على حدّ سواء”.

وللتفاؤل بمستقبل السينما في الجزائر معين آخر وفق نبيل حاجي، “فالكاميرات خرجت إلى الشارع لتصوير الواقع أوان الحراك، وربما سنكتشف العام المقبل أعمالا مهمة عن هذه الانتفاضة الشعبية المتميزة والاستثنائية في تاريخ البلد”.

 

III) الوثائقي.. منزلة متأخرة من المشهد السينمائي

فن السينما في الأصل هو التعبير بالصورة، كيفما كان هذا التعبير، ومن صيغ ذلك التعبير بالطبع الدراسة الفكرية. ولما أضحى الوثائقي وجهة عدد من المخرجين في بلدان المغرب الكبير، اعتُبر الأمر تصحيحا لمشهد سينمائي اختُزل في القص والتخييل.

ولكن هذا النمط الفني -رغم بعض الطفرات الجميلة- ما زال بعيدا عن منازعة الفيلم الروائي من جهة غزارة الإنتاج أو الوقع عند المشاهد. ولعل إلقاء نظرة خاطفة على حاصل الأفلام لسنتي 2018 و2019 يؤكد هذا الأمر.

ولئن كانت النتيجة واحدة فالأسباب كثيرة، منها ما يتعلّق بصعوبة الإبداع في هذا النّمط، فالدراسة التي تقارب المواضيع المختلفة وتسعى إلى تقديم الحقائق عبر عرض الحجج والبراهين لا تكفل وحدها للفيلم الوثائقي النجاح الفني، فما يرتقي بهذه الدراسة إلى مصاف الإبداع الفني توظيفُها لعبقرية الصورة أساسا للتعبير أولا وتجسيدها وجهة النظر الخاصّة المبررة على مستوى الفكرة والمبتكرة على مستوى المعالجة الفنية. فهذه السينما سريعا ما تسقط في ما نصطلح عليه نحن بالشكل البيروقراطي، ونقصد عرض وجهات نظر لشهود أو مؤرخين يكتفون بعرض معلومات في جمود واسترخاء، وسريعا ما يسقط في الريبورتاج، وهو شكل صحفي يعمل على عرض الحقائق دون الاكتراث بالجانب الفني من جهة ويقتضي إقصاء الذات لتحقيق أقصى قدر من الموضوعية.

 

المشاكس الأعزل الذي يزعج أصحاب القرار

من أسباب عدم قدرة الوثائقي على منافسة الفيلم الروائي الظروف المادية والموضوعية، فهذا النمط السينمائي أعزل يواجه المشاكل المختلفة، ولا سلاح له تقريبا سوى رغبة مبدعيه ونضالهم الفني، فالتكوين الأكاديمي في هذا الاختصاص مفقود غالبا، ومنصات عرض الوثائقي معدومة تقريبا.

وباستثناء بعض الأفلام التي تتسلل إلى القنوات التلفزيونية أو المهرجانات فإن أغلب الإنتاجات الوثائقية لا تجد فرصة للعرض، وعائداتها المالية ضعيفة غالبا ومعدومة أحيانا، والمعلومة الضرورية محجوبة غالبا لأسباب سياسية أو إدارية.

فمن شأن الوثائقي المشاكسة وإثارة الأسئلة بطبعه، وهذا ما يزعج أصحاب القرار والمصالح والنفوذ. كما رغبة الجمهور العريض -المستنزف بهمومه الشخصية والباحث عن الخيال والتسلية- لا تسير في صالح هذا النمط كثيرا.

هذا ما يصدُق على الوثائقي في عامة البلدان المغاربية ويؤكده أحمد بوغابة في المغرب بمرارة. فيقول: الفيلم الوثائقي بالمغرب لا يحظى بنفس العناية والدعم والتمويل كالأفلام الروائية باستثناء الأفلام الدعائية حول الصحراء، فقد تم تخصيص مهرجان خاص بها في العيون بالصحراء. ويقتصر عرض الأفلام الوثائقية الجادة -القليلة جدا طبعا- على المهرجانات فقط، سواء داخل المغرب أو خارجه، ولا يُعرض في القاعات السينمائية التجارية إطلاقا، إذ ليس له جمهور في القاعات التجارية.

 

وثائقيات ناجحة.. أولى خطوات المستقبل الواعد

رغم هذه الصورة القاتمة لعالم الوثائقيات في المغرب العربي فثمة نقاط ضوء واعدة، ويبقى فيلم “أموسو” للمخرج نذير بوحموش هو الوحيد والاستثناء في سنة 2019 الذي يستحق الإشادة به باعتباره فيلما مستقلا عن نمط الإنتاج الرسمي والسائد حسب بوغابة، “فقد أُنتج من طرف جمعية القرية المحلية التي تقع فيها الأحداث النضالية الاحتجاجية بإمكانياتها المتواضعة، مع دعم بسيط من خارج المغرب، واستغرق تصويره 6 سنوات، لكنه قوي بمضمونه وأسلوبه السينمائي الذي يُعَرِّفُ بنضال تلك القرية من أجل الماء ضد احتكار شركة المنجم لهذا المصدر الطبيعي للسكان الفلاحين منذ قرون. فقد تميز بجرأة نقده السياسي والاقتصادي والاجتماعي بصورة واضحة دون لف أو دوران متحديا الرقابة. وهو الفيلم الذي تم تصويره بدون رخصة، وتم اعتقال مجموعة الشباب الذين أسهموا فيه بآرائهم كأبناء القرية وكالمناضلين المدافعين عن قضيتهم”.

وفضلا عن ذلك فإن المهرجانات الخاصة بالفيلم الوثائقي تتعدد، وورش التدريب والندوات التي تعقد على هامشها تؤتي أكلها، والمهرجانات الكبيرة أضحت تفرده بمسابقات مستقلة. لذلك ظهرت بعض الأفلام الجيدة، ففي تونس أثار فيلما “الغياب” و”الرجل الذي تحول إلى متحف” اهتمام النقاد، وفي الجزائر “ورغم عدم تحقق الكثير من الأفلام الوثائقية خلال العام” كما يقول نبيل حاجي، “فإنّ العمل الوثائقي الثاني للمخرج الشاب حسان فرحاني “143 شارع الصحراء” الذي عرض في العديد من المنصات الدولية واستحق العديد من الجوائز؛ تميّز من خلال سرد عميق يتخذ من عزلة شخصية “مليكة” بطلة العمل نافذة مفتوحة لفهم أوجاع الوطن وتقلباته خلال العشرين سنة الأخيرة التي عاشتها الجزائر”.

وفي قراءة للفيلم نفسه تقول ضاوية خليفة: المخرج حسان فرحاني من المخرجين الشباب الأذكياء، فهو يستطيع أن يخرج من الواقع والحياة البسيطة قصصا جميلة يسردها على الجمهور المتقبل بطريقة ذكية ومستلذة، فلا مجال للصدفة في عالمه ذي القصص الصالحة في كل زمان ومكان، والنتيجة أنه صوّر من خلال شخصيته المرأةَ الجزائرية بنجاح، فمليكة تشبه كثيرا نساء الجزائر في الملامح والتفاصيل.

لقطة للفتاة الجامعية “نجمة”في فيلم “بيبشة”، والتي تحلم بأن تصبح مصممة أزياء

 

IV) مصادفة تختزل المشهد.. المرأة في ثلاثة أفلام

هل أرادت الصدفة أن تجيب بفصاحة وصوت مرتفع على المشككين في وجود هوية مستقلة للسينما المغاربية؟ فقد جمَع قدَر مشترك بين الأفلام الفارقة في السينما المغاربية التقليدية، وكانت المرأة محورها من خلف الكاميرا ومن أمامها.

فأفلام “نورة تحلم” و”ببيشة” و”آدم” مثلت أهم النجاحات السينمائية في كل من تونس والجزائر والمغرب، ومثلت في الآن نفسه نجاحات متشابهة في المسار الإنتاجي والإبداعي. فمن جهة الإنتاج المشترك مثلت نموذجا للشراكة بين المحلي والأوروبي، ومن جهة المبدع اتسمت بالبصمة النسائية.

فـ”نورة تحلم” من إخراج هند بوجمعة وبطولة هند صبري، و”ببيشة” من إخراج مونيا مدور وبطولة لينا خودريابنة، و”آدم” من إخراج مريم توزاني وبطولة سيرين الراضي ولبنى أزابال. ولكن نقطة التقاطع الأهم بين هذه الأفلام يتمثل في طرحها لقضايا المرأة من وجهة نظر نسائية ترصد غياب الرجل بسبب الموت أو السجن أو الهرب، وموقف المجتمع من العلاقات الجسدية خارج إطار مؤسسة الزواج؛ سلاحها في ذلك الجرأة التي تعمل على صدم المتفرج.

أما “نورة تحلم” فيتناول وجوها من العنف المسلط على المرأة، فلما كانت نورة تعمل على الطلاق للضرر وتتطلّع إلى حياة هادئة بسيطة مع حبيبها وأطفالها الثلاثة، كان زوجها يغادر السجن بفضل عفو رئاسي ليجهض ظهوره جميع أحلامها ويفسد كل خططها.

ورغم أن فيلم مريم التوزاني يُعنوَن بـ”آدم” فإنه يعرض مشاكل حواء أساسا، فـ”سامية” تقع ضحية لحب كاذب وتهرب من عائلتها، وتدخل مدينة الدار البيضاء بحثا عن عمل، فلا تجد الملاذ إلا عند “عبلة” الأم التي فقدت زوجها منذ سنوات في حادثة مرور.

ويعود بنا فيلم “بيبشة” إلى فترة العشرية السوداء، فيعرض قصّة “نجمة” الفتاة الجامعية التي تحلم بأن تصبح مصمّمة أزياء، وبعد اغتيال شقيقتها ليندا تعمل على الانتقام لها من خلال عرض يُستمد من الحائك، ذلك اللباس التقليدي الذي يُعلي من قيمة الجسد الأنثوي، وتعمل على تحدي القوانين التي تفرضها الجماعات المتشدّدة، ولكن عزمها يحبَط نتيجة هجوم إرهابي قاتل.

الممثلة لينا خودري التي أدت دور “نجمة” في فيلم “بيبشة” خلال فوزها بجائزة أفضل ممثلة بإحدى المهرجانات

 

المجتمع الذكوري.. من لم يمت بالسيف مات بغيره

في هذه الأفلام المختلفة تكون الأنثى ضحية ذكورية المجتمع، فــنورة ضحية زوج عنيف تعوّد الإجرام، وسامية ضحية حبيب خادع، وفي “ببيشة” تكون المرأة ضحية سطوة الرجل سواء كان أخا رقيبا أو حبيبا خادعا. ولا يتعلق الأمر برفيقة نجمة فحسب، فعلى مستوى الرموز تتحول نجمة مع زميلاتها إلى رمز للحرية بما فيها من تطلع للبهاء والجمال والفن، وهي مؤنث ويعصف الإرهاب بطموحها وهو مذكر.

ونفّذ الغارة فريق رجالي يقودهم بائع الأقمشة الذي حوّل دكانه لبيع الجلابيب الأفغانية السوداء بعد أن كان يعرض سلعا بألوان الطيف.

وبما أن الأمر يتعلق بالمصادفات التي تصنع وحدة هذه الأفلام، فلا بد أن نذكر أن “نجمة” في الفيلم هي لينا خودري ابنة الصحفي رابح خودري الذي كان مهدّدا بالتصفية خلال فترة الإرهاب، وإليه أهدت الفيلم “تقديرًا منها له ولجهوده وشجاعته أثناء تلك الحقبة الصعبة من تاريخ الجزائر”.

لقطة من فيلم “آدم” للمخرجة مريم توزاني، حيث يرصد انفعالات المرأة الحميمة التي تجد لدى أختها المرأة ملاذا يحميها من الرجل الذئب

 

المعالجة البصرية.. رُبّ صورة أبلغ من ألف كلمة

لقد كشفت هذه الأفلام النسائية الثلاثة عن معالجات بصرية راقية بعيدا عن الثرثرة، وهذا ما ساعدها على تحويل جسد الممثل في مختلف حالاته إلى مادة فنيّة دالة على محنة المرأة في مجتمع ذكوري معادٍ. فقد جسدت هند بوجمعة ارتباك المرأة ومعاناتها انطلاقا من جسد هند صبري المتشنج، وقد ركزت مونيا مدور أساسا على التقابل بين كساء الجسد الأنثوي. فكلما توشح بالألوان واتسع حوله الفضاء رمَز إلى التحدي والحرية والحياة، وكلما غلب عليه السواد وضاق الفضاء كان الخطر داهما.

أما في فيلم آدم فقد جعلت مريم توزاني أحداثها تدور في الأفضية المغلقة. وهذا ما جعل اللقطة الكبيرة التي تركز على الملامح اختيارها الأول. وعبر هذا التقطيع الفني كانت الكاميرا تغوص في انفعالات المرأة الحميمة التي تجد لدى أختها المرأة ملاذا يحميها من الرجل الذئب.

وينظر أحمد بوغابة بكثير من الرضا لهذا الفيلم “فقد تميز بنجاح المخرجة في إدارة الممثلتين الرئيسيتين في تناسق متكامل بين القبول والرفض والتعاون والتأثير والتأثر في صعود تدريجي للعلاقة الدرامية بينهما، وفي فضاء مغلق (المنزل، طيلة الفيلم إلا بضع دقائق خارجه) وهو ما عمّق المواجهة بين رؤيتين مختلفتين للحياة ماضيا ومستقبلا كرَّسهما توظيف الإضاءة أولا، واستعمال الموسيقى باعتبارها عنصرا محركا لهما تُوّج بأغنية وردة الجزائرية ثانيا”.

لقطة للمثلة المصرية هند صبري خلال أدائها في فيلم “نورة تحلم”

 

أفلام المرأة.. من ضيق الرقابة إلى فساحة الأوسكار

لم يكن قدَر هذه الأفلام المغاربية الثلاثة متطابقا تماما، فقد تضمنت وجهات نظر خفية ومواقف تتعلق بوضعية المرأة التي تسلب حريتها، وهو ما يغرسها ضمن مسألة أشمل هي الهوية. ومن هنا مكمن اختلاف تقبلها. فمقابل التفهم التونسي والمغربي لكل من “نورة تحلم” و”آدم”، واجه فيلم “ببيشة” تعسف الهيئات الرقابية فلم يسمح له بالعرض وواجه هجوم بعض الإعلاميين والنقاد على اعتبار أنه يقدم صورة غير دقيقة عن الإرهاب وأخرى غير واقعية عن المرأة الجزائرية، واتهموه بمحاربة التطرف من منظور إيديولوجي خاص.

ولعل ترشيحات الأوسكار تمثل وجها آخر من وجوه اختلاف أقدار هذه الأفلام، فقد تم اختيار فيلم “آدم” لتمثيل المغرب في جوائز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وكُسرت قواعد هذه الجائزة لأجل عيون “ببيشة” فتم إدراجه في القائمة رغم أنه لم يعرض للعموم لمدة أسبوع على الأقل وفق ما تقتضيه قواعد قرار أكاديمية الأوسكار. أما في تونس فقد تم اختيار الفيلم الروائي الباهت “ولدي” لمحمد بن عطية.

ولئن كنا نجد عدم ترشيح “نورة تحلم” معقولا باعتباره عُرض للعموم بعد اختيار الأفلام المرشحة -ولا شك في أنّ حظوظه وافرة في السنة المقبلة- فإننا نرد ترشيح فيلم “ولدي” إلى كونه فتحا آخر من فتوحات لاعبي الكواليس في السينما التونسية وحيتانها التي لا تترك للأسماك الصغيرة شيئا.

لا يسعنا انطلاقا من هذه التطوافة حول عالم السينما المغاربية -التي أردناها متأنية بعيدة عن السرعة في تقييم منجز السينما المغاربية- إلا أن نؤكّد أن قدرها أن تبحث عن توازنها باستمرار من جهة القضايا والأنماط والهوية والتمويل، وهذا ما يؤلف منها مشهدا شديد التركيب.

ولا يسعنا أيضا إلاّ أن نرصد خصبا هنا وقحطا هناك، وسنوات عجافا هنالك. أما ما في البيدر فيكفي لطعام جيد وفق البعض، وهزيل يمضغ القديم كمن يلوك علكة وفق البعض الآخر.

[1] فيلم وثائقي لأوروثي ميريام كيلو. وهي مخرجة فرنسية جزائرية عبرت من الريبورتاج الصحفي إلى الوثائقي السينمائي. فكشفت محنة قرية المنصورة الكائنة في برج بوعريريج بالجزائر انطلاقا من مخطوط سيناريو لوالدها مالك كيلو السينمائي بدوره. فترافقه في رحلة إلى القرية وإلى منزله الذي لم يره منذ نحو نصف قرن لتعيد -بالاعتماد على شهادته وشهادة ضحايا تلك المحنة- تشكيل صورة القرية المحاصرة بالأسلاك الشائكة حيث يتم حجز المواطنين وترويعهم لقطع صلتهم بجبهة التحرير الوطنية..
[2]  فيلم كوميدي يعرض قصة سلمى درويش التي تعود إلى تونس بعد تجربة في فرنسا لفتح عيادة نفسية. وهذا ما يجعلها تعيش وضعيات مفاجئة تكشف جميعها عن معاناة التونسيين، لم يُدعم الفيلم من قبل وزارة الثقافة واعتبر أجنبيا.
[3]  السيناريو والإخراج لرابح عامر زعيمش ومدار الحكاية على طبيب يمارس مهنته بحس إنساني وسط وضع متفجّر، والحال أن جميع أواصله تتهاوى. فيجد نفسه في دائرة العنف عندما يؤخذ عنوة لمعالجة أحد القادة المتمردين ضمن خلفية تطغى فيها غطرسة القوى الأمنية الموتورة وقمعها والفوضى الأمنية. فيهيمن الإرهاب ويسقط الأبرياء تباعا بأعصاب باردة. ولكن لا تُوافق تاريخا محددا ولا تعيّن بلدا بذاته مع أن كل العلامات تدل على أنه متوسطي.