فلسطين والسينما.. بعد سبعة عقود على نكبتها

قيس قاسم

 

 في الخامس عشر من شهر مايو/أيار من كل عام يتذكر العالم بأسره ذكرى نكبة فلسطين. إحياء الذكرى الأليمة يسترجع معه وقبل كل شيء ذكريات جريمة اغتصاب إسرائيل لأرض فلسطين عام 1948 وتشريد شعبها خارج وطنه ودياره.

منذ ذلك التاريخ المشؤوم والشعب الفلسطيني والعربي وأحرار ومثقفو العالم يصرون على استعادة وتذكر يوم النكبة، حتى لا تمحى مآسيه من الذاكرة.

السينما كانت وما زالت واحدة من أهم الوسائل الإبداعية التي أسهمت في الحفاظ على الذاكرة والهوية الفلسطينية، فقد وثقت الأفلام المتناولة للنكبة الكثير من تفاصيلها وما زالت توثقها. سردت بأساليبها قصص ما جرى للفلسطينيين منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة.

المناسبة، وبكل ما فيها من آلام وأوجاع تستدعي بالضرورة مراجعة ذلك الدور، عبر الإشارة إلى أهم الأفلام (فلسطينية وعربية وعالمية) المهمومة بالمناسبة، والمعنية بتدوين تاريخ الشعب الفلسطيني ونضالاته.

يُجمع مؤرخو السينما الفلسطينية ومحللوها على أن التاريخ القريب لما بعد النكبة لم يشهد حراكا سينمائيا لتوثيقها وسرد قصص ما تعرّض له الشعب الفلسطيني من ويلات خلالها وبعدها. ويحيلون الأسباب إلى حالة الإرباك والتشتت، وبسبب عدم توفر صورة بصرية عما حدث في عام النكبة عدا ما صوّره الأجانب وسوى مرويات شفهية كُتبت فيما بعد، وهي التي ستكون عماد الفكرة البصرية كما في فيلم “المتبقي” لسيف الله داد. ومن الأسباب كذلك حقيقة أنه لم يكن في العام 1948 من سينما هناك سوى المصرية، بالمعنى الاصطلاحي الدقيق.

بوستر فيلم “فتاة من فلسطين”، وهو أول فيلم عربي يشهد النور مباشرة بعد النكسة

 

“فتاة من فلسطين”.. أول فيلم عربي

قدّم المصريون مبكرا أفلاما تدور أحداثها حول النكبة، أو أن حبكاتها شديدة القرب منها كفيلم “فتاة من فلسطين” (1948) للمخرج محمود ذو الفقار وإنتاج عزيزة أمير، ويعد أول فيلم عربي يشهد النور مباشرة بعد النكسة.

 

باب الشمس.. يحكي النكبة والمقاومة

تلاه فيلم فطين عبد الوهاب “نادية” (1949) وبعده “الله معانا” لأحمد بدر خان (1953)، وفي نفس العام قدم نيازي مصطفى “أرض الأبطال” واستمر المصريون بتقديم أفلام لها صلة بالنضال القومي المصري والفلسطيني، إلى أن ظهر “باب الشمس” ليسري نصر الله وبخاصة جزؤه الأول “الرحيل” ليشكل انتقالة نوعية في الاشتغال الروائي على موضوع النكبة والشتات الفلسطيني.

قصة الفيلم مقتبسة عن رواية الكاتب اللبناني إلياس خوري، وتدور أحداثها حول شاب اسمه يونس يغادر قريته في فلسطين عام 1948 بينما تظل زوجته نهيلة متمسكة بالبقاء في قريتها في الجليل.

طيلة فترة الخمسينيات والستينيات يتسلل بطله من لبنان إلى الجليل ليقابل زوجته في مغارة “باب الشمس” وتنجب منه، ويعود مرة أخرى لينضم إلى تنظيم المقاومة في لبنان.

 

“المخدوعون” و”الترحال” و”بوابة الجنة”

وبالنسبة لبقية الدول العربية لم تظهر فيها سينما تتناول القضية الفلسطينية إلا بعد عام 1967، أي بعد نكسة يونيو/حزيران. فقد أنتجت سوريا فيلم “المخدوعون” وقام بإخراجه المصري توفيق صالح. قصة الفيلم مقتبسة من رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” (1972). وبعد سنوات وتحديدا في العام (1997) أنجز ريمون بطرس فيلم “الترحال”، وفي العام 2009 قدم ماهر كدو “بوابة الجنة”.

 

السينما الفلسطينية الجديدة

حسب الناقد الراحل بشار إبراهيم فإن الحضور الفلسطيني الحقيقي سيكون مع “السينما الفلسطينية الجديدة” التي بدأت في عام 1980 مع ميشيل خليفة ومي المصري وهاني أبو أسعد ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان وآن ماري جاسر ونجوى إبراهيم. هؤلاء أعادوا صياغة السينما الفلسطينية.

أحلام المنفى.. قصة فتاتين من مخيم شاتيلا

ويعد عمل مي المصري “أحلام المنفى” من بين أبرز الأفلام التي تناولت النكبة وحاولت الربط بين تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وحقه في العودة إلى وطنه وبين ما تركته من آثار تدميرية على الشعب الفلسطيني، ومن بين أكثرها مأساوية الهجرة والعيش في الشتات.

وفي هذا العمل توثّق مي المصري قصة فتاتين فلسطينيتين؛ منى من مخيم شاتيلا للاجئين في لبنان التي اضطرت عائلتها إلى الرحيل من فلسطين عام 1948، ومنار من مخيم الدهيشة في فلسطين. تعيش الفتاتان على بعد أميال، لكنهما تتمكنان من التواصل على الرغم من الحواجز التي تفصل بينهما.

 

ميناء الذاكرة.. يافا من الحياة إلى الخراب

ويُعتبر فيلم “ميناء الذاكرة” للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري من بين الأفلام الشديدة القرب من جذر النكبة، لرجوع حبكته إلى تاريخ مدينة يافا وكيف تحول أحد أكثر أحيائها حيوية وحياة إلى قفرٍ خالٍ من أهله جرّاء الاحتلال الإسرائيلي للمدينة.

 

 

الزمن المتبقي.. بين الماضي والحاضر

النقلة النوعية في مستويات السرد السينمائي الفلسطيني جاءت مع “الزمن المتبقي” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان أحد أهم ممثلي التيار الطليعي، وتتجاوز اشتغالاته الأشكال التقليدية وتذهب إلى ابتكار لغة سينمائية ترتقي لمستويات العالمية. ففيلم السيرة الذاتية محوره شخصي، مقدم بلغة ساخرة يمكن من خلالها بعين فاحصة مراجعة الذات وملاحقة مآلات عائلته وبلاده من العام 1948 حتى الزمن القريب، ومن خلال ذكرياته يستعيد إيليا سليمان تاريخا حافلا بالأحداث والمنعرجات باشتغال سينمائي متفرد ورائع.

 

ملح هذا البحر.. ميراث الأجداد

ثمة أسماء أخرى معاصرة قربت موضوع النكبة من خلال استثمارها قصصا وحكايات في الزمن الحالي. ويُعيدها تطور مساراتها السردية إلى الماضي وبالتحديد إلى النقطة الحاسمة في التاريخ الفلسطيني؛ النكبة. فيلم “ملح هذا البحر” للفلسطينية الأمريكية الجنسية آن ماري جاسر مثال عليها.

ففي فيلمها تعود ثريا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مدينتها للمطالبة بميراثها من جدها على قلته. وهناك وتحت سلطة الاحتلال تدرك معنى غربة الفلسطيني في وطنه ونذالة المحتل.

 

البرج.. حلم العودة

هناك أيضا مجموعة من المخرجين العرب الذين ساهموا واشتغلوا مع السينما الفلسطينية مثل اللبناني جان شمعون، والعراقيان قيس الزبيدي وقاسم حول اللذين أعادا صياغة رواية غسان كنفاني “عائد إلى حيفا” سينمائيا.

والى جانب من سبق مخرجون أجانب وقفوا مع الشعب الفلسطيني وآمنوا بعدالة قضيته فقدموا أعمالا مهمة. من بين هؤلاء غودار وجورج سلويزر والسويدي بيا هولكويست، وليس آخرهم النرويجي ماتس غرورد في فيلم تحريك عنوانه “البرج” عن النكبة وحلم العودة المشروع.

 

وثائقيات.. “أصحاب البلاد” و”أبناء عيلبون”

على المستوى الوثائقي هناك الكثير من الأعمال التي تناولت النكبة، غير أن الكثير منها تميز بالمباشرة والتقريرية، وقليلة أخرى امتازت بقوة السرد وبخاصة تلك التي صُورت في فلسطين، أو استطاعت الحصول على أرشيف بصري نادر، كفيلم روان الضامن “أصحاب البلاد” و فيلم هشام زريق “أبناء عيلبون” الذي يوثق مجزرة “قرية عيلبون” في الجليل الأوسط عام 1948، وكيف هُجر أهاليها واستشهد الكثير منهم. كلمات مخرجه تختصر تراجيدية ما وثق: “لا يستطيع والدي، أن يتذكر المجزرة وبعد مرور خمسين عاما على حدوثها، من دون أن يتألم”.

وفي النهاية فمن يريد معرفة الكثير من التفاصيل المتعلقة بالنكبة والغوص في تفاصيلها لا بد له من مُشاهدة وثائقي الجزيرة “النكبة” بأجزائه الأربعة:

1.   خيوط المؤامرة

2.    سحق الثورة

3.    التطهير العرقي

4.   النكبة المستمرة