“لُوس”.. ضوء إريتري من أعماق التيه الأمريكي

يصحبنا المخرج الأمريكي ذو الأصول النيجيرية “جوليوس أونا” في فيلمه الروائي الثالث “لُوس” إلى عالم الإثارة والتشويق والتوتر، كما فعل في فيلميه السابقين “الفتاة في ورطة”، و”مفارقة كلوفرفيلد” اللذَين اشتبكت فيهما الإثارة بالرعب والخيال العلمي، غير أن فيلم “لُوس” يحمل فكرة حسّاسة تتمحور حول المُهاجر الإريتري خاصة والأفريقي بشكل عام.

ورغم أن فكرة الهجرة واحدة إلا أنها تختلف في التفاصيل والجزئيات، ولو دققنا النظر في صورة البطل اليافع “لُوس” لوجدناه يمتلك معطيات التفرّد والتألق والبطولة، لكنه يريد أن يظل فتى طبيعيا يحتويه المجتمع الأمريكي، ويقبله بين ظهرانيه بحسناته وسيئاته لأنه يعتقد في قرارة نفسه أنه إنسان لا يختلف عن الأمريكيين كثيرا، لكنه لا يسعى إلى المثالية والكمال، بل يريد ببساطة شديدة أن يكون نموذجا للشاب الإريتري الذي اندمج في المجتمع الأمريكي عن قناعة تامة وصار واحدا منهم، وبدأ بتحقيق أحلامه التي كانت تدور في مخيلته المتقدة، من دون أن يسعى لأن يكون أوباما جديدا أو أي شخصية سياسية منبثقة عن القارة السمراء.

صراخ الواقع.. فكرة التبني

لا يغوص كاتب السيناريو “جي. سي. لي” في الحديث عن إريتريا، ولا يلامس التشعُبّات السياسية والاجتماعية لهذا البلد الأفريقي الصغير، لكن كاتب السيناريو والمخرج يفترضان أن المتلّقي العالمي لهذا الفيلم يعرف سلفا أن سجل حقوق الإنسان للحكومة الإريترية هو الأسوأ في العالم، وأنّ حرية الصحافة معدومة في هذا البلد، ولا يتقدّمها في التسلسل سوى كوريا الشمالية التي تُحصي على المواطنين أنفاسهم.

لعل هذا ما جعل السيناريست يكتفي بالقول إنّ “لُوس” قد جاء من بلد تمزّقه الحروب والنزاعات الداخلية، وأن غالبية الناس وخاصة الأطفال يتأثرون بهذه الحروب ويصبحون ضحايا لها، وربما يحتاج الكثير منهم إلى إعادة تأهيل قبل أن يندمجوا في الحياة العامة، أما الناس الإريتريون الذين يحاصرهم الفقر المدقع، وتنهشهم الأمراض، وتجتاحهم الأوبئة فلا يجدون ضيرا في التخلّي عن أبنائهم لمصلحة العوائل التي تتبنّاهم، وتضمن لهم الحياة الآمنة، والعيش الكريم الذي يقيهم من العَوز والمرض والانحراف الذي قد يفضي بهم إلى القتل أو الانجرار لميدان الجريمة المنظّمة.

ومن السياق السردي لهذا الفيلم الدرامي المثير نفهم أن “لُوس” -الذي تقمّص دوره بإتقان شديد الممثل “كليفن هاريسون جونيور”- قد تعرّض لنوع من العلاج النفسي وإعادة التأهيل رغم أننا كمتلّقين لم نرَ ذلك على أرض الواقع، لأنّ المخرج يعتقد بأنّ التلميح أفضل من التصريح، وأنّ المتفرّج المتفاعل يستطيع أن يلتقط الإيحاء بسهولة ويُسر ولا داعي للإفاضة والإطناب البصَرييّن.

أما الإشارة الوحيدة لتبّنيه فهي تنبّهنا إلى أن “لُوس” كان في السنة السابعة من عمره، ولعل الشيء الوحيد الذي يتذكّره بوضوح هو أنّ أمه الجديدة بالتبنّي “أيمي أدغار” قد واجهت صعوبة في لفظ اسمه الإريتري، ولهذا جاء مقترح العائلة أن يعيدا تسميته، فاختارا له اسم “لُوس” الذي ينطوي على معنى جميل وهو “الضوء”.

والدا “لُوس” الجديدان “بيتر وإيمي إدغار” ضحيا بالكثير من وقتهما وجهدهما ومالهما من أن أجل تربيته

السلوك القانوني.. ثنائية الممنوع والمسموح

تؤكد الثقافة الأمريكية على السلوك القانوني، وتلجأ إلى إبراز أهميته في الأفلام الروائية التي تنطوي غالبا على جوانب تعليمية وتربوية يستفيد منها المُشاهد، سواء أكان طفلا أم شابا أم شخصا ناضجا؟ فاللقطة الافتتاحية هي خِزانة مُشتركة لطالبَين توضع فيها ألعاب نارية غير قانونية، أي أنها يمكن أن تُحدث ضررا على الآخرين، والهدف من هذه اللقطة هو تحذير المُشاهِد من خطورة بعض الألعاب النارية، وتنويره ذهنيا بثنائية الممنوع والمسموح به، رغم أن فكرة الفيلم تذهب في اتجاهات شتّى أبرزها الحرية والحُب والاندماج وتأكيد الذات وتحديد القناعات الفكرية والاجتماعية والثقافية. كما يعالج الفيلم موضوعات أخرى تتعلّق بالأبوَين اللذيْن أخذا على عاتقهما تبنّي الطفل “لُوس”، وتربيته على الطريقة الأمريكية التي تُعدّ نموذجية إلى حد كبير.

يتناول الفيلم في جوانب أخرى ظاهرة التمييز العنصري، فالأبوان الجديدان وهما “بيتر إدغار” الذي لعب دوره “تيم روث”، و”إيمي إدغار” التي أدّت دورها بنجاح كبير الفنانة الشهيرة “نعّومي واتس”؛ قد ضحيا بالكثير من وقتهما وجهدهما ومالهما من أجل تربية “لُوس” وتعليمه، ووضع قدميه على السكة الصحيحة، تُرى، هل سينجحان في هذا المسعى أم يفشلان؟

هذا ما سنلمسه من البنية الفنية لهذا الفيلم الدرامي الذي نال إعجاب النقاد الأمريكيين فأثنوا على أداء الممثلين، وثمّنوا الرؤية الفنية والفكرية للمخرج “جوليوس أونا” من دون أن يغمطوا حق المصوّر “لاركن سيبل”، والمونتيرة المبدعة “مادلين غابن” التي منحت الفيلم عذوبة كبيرة في الانسياب الموضوعي، فلم يقع في فخّ التطويل الذي قد يفضي إلى الملل في كثير من الأحيان.

لوس يتميز عن غيره بشغفه بالرياضة وخوضه للمسابقات المدرسية التي يفوز فيها دوما

“لوس”.. سارق الأضواء

يتضمن هذا الفيلم شخصيات رئيسية ومساعدة، لكن “لُوس” يسرق الأضواء كلها ويهيمن على مدار القصة السينمائية التي تبدو وكأنها سيرة ذاتية ترصده على مدى عشر سنوات أو أزيد، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سنوات طفولته المبكرة في إريتريا.

يركّز المُخرج في تتبعه لهذه الشخصية الإشكالية العميقة على خصلتين أساسيتين:

–  الأولى هي القدرة على النقاش والحوار والمحاججة، وربما يذهب أبعد من ذلك إلى الجدال المنطقي الذي يقوده العقل، ولا يتفادى المشاعر والأحاسيس الداخلية التي تنتابه في أثناء مناقشة أي موضوع، وهو الأمر الذي أكسبه محبة الطلاب الآخرين وإعجابهم، لكن ذلك التألق لم يمنع من إغاظة البعض الآخر من الناس وربما تكون مُدرّسة التاريخ “هاريت” -التي جسّدت دورها بحِرفية عالية تُغبَط عليها الممثلة “أوكتافيا سبنسر”- هي النموذج الأمثل لهذا النمط الممتعض من النجاح لأسباب غامضة وخفيّة تكتّمت عليها ولم تُفصح إلاّ عن الجزء اليسير منها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفنانة المتمكنة قد حصدت الأوسكار والغولدن غلوب والبافتا عن أدوارها المُساعِدة التي تمنح الفيلم زخما قويا موازيا للشخصية المهيمنة التي حظيت ببطولة الفيلم.

– أما السمة الثانية التي تميّزه عن الطلاب الآخرين فهي شغفه بالرياضة وخوضه للمسابقات المدرسية التي يُحرز فيها مراتب متقدمة دائما، فلا غرابة أن يُدرَج ضمن فئة النجوم الرياضيين الذين يزدادون تألقا بمرور الأيام.

مذهب العنف.. الطفل المجند

يميل المخرج إلى الاهتمام بالجانب الثقافي الذي يشكّل هُوية “لُوس” ويعزّزها كلّما تقادمت به الأعوام، وحينما تكلّفهُ مُدرّسة التاريخ “هاريت” بكتابة ورقة بحث من منظور شخصية تاريخية يختار الكتابة عن الفيلسوف الاجتماعي والمناهض للتميّيز العنصري “فرانز فانون” الذي يؤمن إيمانا قاطعا بأنّ مقاومة الاستعمار يجب أن تكون باستعمال العنف من جهة الطرف المقموع، ويعتقد بأنّ ما أُخذ بالقوة يجب أن يُسترَد بالقوة أيضا.

ولعل ما تخشاه “هاريت” من قناعات “لُوس” الفكرية هو أن يتخذ من مذهب “فرانز فانون” طريقة إلهام في مقاومة التمييز العنصري، وقد يلجأ إلى القوة والعنف لحلّ المواقف التي تواجهه في مجتمع أمريكي لم يتخلص كليا من نزعته العنصرية التي قد تظهر هنا وهناك في مؤسسات الدولة أو مرافق الحياة الاجتماعية على وجه التحديد، خاصة وأن “لُوس” كان طفلا مجنّدا قبل استقدامه إلى أمريكا، وغالبية الجنود الأطفال يتقنون استعمال السلاح بعد إدخالهم في معسكرات التدريب العشوائية.

صورة بورتريه لمُدرِّسة مادة التاريخ “هاريت” المتحاملة على طلابها السود

“هاريت”.. رقيب الخزائن المؤذي

كما هو متعارَف عليه في المدارس الأمريكية لا يحق للأساتذة أن ينتهكوا الحريات الشخصية للطلاب مثل تفتيش الخِزانات، لكن “هاريت” أقدمت على ذلك في غير مرة؛ الأولى عندما فتشت خِزانة الطالب “ديشون” وعثرت فيها على “الماريجوانا” ثم اتصلت بالشرطة وأربكت حياته النفسية والاجتماعية، وحرمته من بعض الفرص الرياضية؛ والثانية حينما فتشت خِزانة “لُوس” وعثرت فيها على الألعاب النارية غير المرخّصة قانونيا، وسبّبت له بعض المشكلات مع أبويه اللذيْن يحرصان على مراعاته من الناحية النفسية، ولا يضعانه في زاوية ميتة تسبب له الإحراج.

لا تقتصر تدخلات “هاريت” على “ديشون” و”لُوس” وإنما تتجاوزهما إلى “ستيفاني كيم” الطالبة التي تعرضت للإيذاء الجنسي من قبل بعض الأصدقاء بينما كان “لُوس” خارج هذه المجموعة، وقد ساعدها في التخلص من هذه الأزمة التي حدثت في أثناء ثمالته وغيابه عن الوعي نسبيا، وبذلك يصبح “لُوس” أمام اتهامات متعددة من قِبل هاريت:

– الأولى حيازته على الألعاب النارية غير القانونية.

– الثانية اتهامه بتبنّي العنف كوسيلة لمناهضة التمييز العنصري.

– الثالثة التحرّش الجنسية بستيفاني.

هذا إضافة إلى اتهامه بالكذب من قِبل والده “بيتر إدغار”، وتشويه صورته أمام أمه التي كرّست حياتها من أجله.

عندما يلتقي “لُوس” مع “هاريت” في الحصة الدراسية حول ورقة البحث التي أعدّها يعترف لها بأنه فعل ما طلبته منه لكنه لم يؤكد على إيمانه شخصيا بالعنف رغم كتابته عن توجهات “فرانز فانون” وقناعاته الفكرية، أما الألعاب النارية التي وجدتها “هاريت” في خِزانته وعدّتها تهديدا للمدرسة برمتها فإن “لُوس” يُبيّن لها بأن خِزانات الفريق الرياضي في المدرسة مشتركة، وأنّ الألعاب النارية لا تعود إليه البتّة.

“هاريت” مُدرِّسة التاريخ تناقش تلميذها اللامع لُوس في إحدى الصفوف الدراسية

مُدرّسة متحاملة.. البنية الموازية

تقوم القصة السينمائية على بنية موازية، ففي مقابل الطالب “لُوس” هناك مُدّرسة التاريخ “هاريت” المتحاملة على كل السود في الفيلم، وخاصة “ديشون” و”لُوس” وآخرين ممن قد تصادفهم داخل المدرسة وخارجها، ولكننا لم نقع على الأسباب الحقيقية التي تدفعها لكراهية الطلاب من ذوي البشرة السمراء، وربما تكون شقيقتها الصغرى “روزماري” التي تعاني من مرض عقلي لم يُشخِّصه الأطباء بعدُ هي السبب الذي يدفعها للظن ببعض الطلبة المشاغبين، ولكنّ “لُوس” يقع خارج إطار هذه المجموعة المتمردة على النمط الاعتيادي للحياة.

ذات مرة تقوم “روزماري” بتحطيم جزء من الأدوات المنزلية إثر نوبة عصبية ألمّت بها فتأخذها “هاريت” إلى الطبيب النفسي لتستعيد هدوءها لبعض الوقت، لكنها تشعر في أعماقها بأن شقيقتها الكبرى لا تحبها لأنها تسبّب لها الإحراج في كل مكان تحلّ فيه، بل إنها أصبحت خاصرتها الهشّة ونقطة ضعفها الوحيدة.

في اليوم التالي تصل “روزماري” إلى المدرسة، وفي ثورة انفعالها يحصل لها انهيار عصبي أمام شقيقتها “هاريت” ومجموعة كبيرة من الطلاب حتى يصل بها الأمر إلى التعرّي قبل أن تصل الشرطة وتسحبها بالقوّة بعد أن تشلّها بعصا الصعق الكهربائي، وهو مشهد لم نألفه إلا مع النزلاء الخطرين في السجون والمعتقلات الكبرى، لكن الطلاب قد صوّروا بهواتفهم النقالة نوبة انهيار “روزماري” العصبي.

عرض “لُوس” لأبويه هذا الفيديو الذي يجرح الذائقة العامة، وفي تلك الليلة يتعرّض منزل “هاريت” للتخريب، وبعد مدة قصيرة تأتي إليها “ستيفاني” لتخبرها بأنها قد تعرضت للتحرش الجنسي، فتقوم “هاريت” بإبلاغ المدير “دان توسون” بتلك الحادثة فيطلب حضور “لُوس” وأبويه لمواجهة ادعاءات “هاريت” في اجتماع مدرسيّ، وسرعان ما يقوم “لُوس” بدحض الاتهامات بواسطة الفيديو الهاتفي الذي سجّله في حضور ثلة من الأصدقاء المحتفلين، وفيها نشاهد “ستيفاني” وهي تنفي تعرّضها لأي اعتداء جنسي.

“ستيفاني كيم” الطالبة التي تعرضت للإيذاء الجنسي من قبل بعض الأصدقاء، بينما كان “لُوس” خارج هذه المجموعة

هفوات متكررة.. الصورة النمطية

ثمة أخطاء عديدة ارتكبتها المدرّسة “هاريت” من بينها أنها سلّمت الألعاب النارية إلى “أيمي”، لكن “أيمي” أنكرت ذلك، كما أنها اتهمت “لُوس” بإيذاء “ستيفاني” جنسيا، وهذا ما لم يحصل على أرض الواقع، وأكثر من ذلك فإنها لم تُخبر مدير المدرسة بوجود الألعاب النارية غير القانونية التي تفجرت لاحقا في مكتبها وسببت حريقا لم يسفر عن خسائر بشرية، لكن المدير لم يستطع مؤازرتها أو الدفاع عنها رغم أنها قدّمت خدمات جليلة لطلبة هذه المدرسة على مدى 15 سنة.

في هذه الأثناء يحاول “لُوس” إصلاح ما يمكن إصلاحه فيقدّم لها باقة من الزهور، لكنها تطرده من المنزل فيقطع شكّه باليقين بأنها ساهمت بتقديم صورة نمطية عن غير البيض في هذه المدرسة، ولم تعترف بأنها دمّرت منزلة “ديشون” الرياضية، حينما أخذت منحته الدراسية وقدّمتها إلى “لوس” بوصفه طالبا مثاليا ورياضيا مرموقا مع أنها لم ترتح له في دخيلتها، ولم تحبه في يوم من الأيام، وكانت تصرّ على أنّ المؤسسات الأمريكية تريد أن تحررهم من النمط القديم وتجعلهم يفكرون بطريقة جديدة.

“أيمي” والدة لوس مُستغرقة بهمومها بعد أن اعترف لها ولدها بأنه لم يتفاجأ بكل الهدايا التي جلبتها له

منزل معزول في الغابة

ما إن يخرج “لُوس” من منزل “هاريت” حتى تلاحقه “أيمي” بالسيارة، وحينما يلج إلى منطقة مُشجِرة تترجل وتتبعه مشيا على القدمين، فتراه يدخل إلى منزل معزول، وهناك تصاب بالدهشة حين تراه يمارس الحب مع صديقته “ستيفاني”، الأمر الذي يعني بأن علاقتهما العاطفية قد عادت إلى سابق عهدها بعد جفوة قصيرة، وأنّ ادِّعاءات “هاريت” ما هي إلاّ أوهام أو أكاذيب امرأة مهووسة بالصورة النمطية التي زرعتها الأوضاع العنصرية الشاذة التي نشأت مع قدوم الملوّنين والمواطنين السود إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

حينما يعود “لُوس” إلى المنزل يجد أمه “أيمي” جالسة عند المكان الذي كانت تخبّئ فيه هدايا أعياد الميلاد، فيعترف لها بأنه لم يتفاجأ بكل الهدايا التي تجلبها له، وإنما كان يتصنّع المفاجأة كي يزرع المحبة والدهشة في قلب أمه التي تتمنى له الآن مستقبلا باهرا بعد أن تجاوز مرحلة الصبا وأصبح شابا يافعا بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى.

بوستر فيلم “لُوس”، حيث يظهر فيه لوس والده ووالدته ومُدرسة التاريخ

أن أكون أمريكيا.. الخطاب الأخير

أشرنا إلى أنّ الخَطابة هي أبرز مميزات “لُوس”، ومن خلالها يستطيع أن يُبرز كفاءته في النقاش والمجادلة، ويبدو أنه قد أخذ بنصيحة أمه التي طلبت منه أن يروي قصته الذاتية التي وُصفت هذه المرة بأنها فريدة جدا، لكنه لم يقع فريسة للغرور، فبعد أن شكَرَ مديره “دان توسون” وأثنى على أبويه الرائعين قال:”مازلت أشعر بأنني عادي جدا” رغم النجاحات المتلاحقة التي حقّقها في أوراقة البحثية وفي مسابقاته الرياضية التي تعتمد على الصبر والنَفَس الطويل، ففي أمريكا التي جاء إليها بفضل أبويه بالتبنّي وبرعايتهما غير المحدودة وجد نفسه التي كانت ضائعة في التيه الإريتري الموحش، لكن عندما اختارت له الأم اسم “لُوس” الذي يعني “الضوء” شعر في تلك اللحظة أن الضوء الذي يشعُّ في داخله كان كافيًا لكنس الظلام الذي أحاطَ به في السنوات السبع الأولى.

ثم ختمَ خطبته بالقول: “أدركتُ الآن كم أنا محظوظ لكوني أمريكيا، وأن تتوفر لي الفرصة لأن أبدأ من جديد حيث يتسنى للقادمين الجُدد أن يكونوا مقبولينَ بالرغم من أخطائهم، وأن يرووا قصصهم كما رويتُ قصتي الآن”. ثم شكرَ أبويه “بيتر” و”أيمي” على حُسن التربية والاهتمام قبل أن ينهي كلمته المُعبِّرة التي تركت تأثيرها الواضح على الحضور.

في المشهد الختامي المتداخل الذي ينبثق من الكلام البليغ نرى “لُوس” بشخصيته الرياضية وهو يركض بوتيرة متصاعدة تذكِّرنا بتشابك البلاغة مع الرياضة، وتآزر براعة العقل مع قوة البدن الرشيق الذي يندفع إلى الأمام ليُصبح نجمًا ساطعًا في سماء مرصعّة بالنجوم.