مهرجان لندن للفيلم الكوردي

 
عدنان حسين أحمد
انطلقت فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان لندن للسينما الكوردية الذي يبدأ  من 15 نوفمبر / تشرين الثاني ويستمر لغاية الرابع والعشرين منه. وسوف يُعرض خلال أيام المهرجان “121” فيلماً  بينها “23” فيلماً روائياً طويلاً، و “46” فيلماً وثائقياً ، و “52” فيلماً قصيراً يشترك منها “20” فيلماً في قسم يلماز غوناي لمسابقة الأفلام الروائية القصيرة التي تشكّلت لجنتها لهذا العام من شخصيات سينمائية المعروفة في الوسط السينمائي الكوردي وهم أليف أردوغان، محمد أكسوي، مزكين أرسلان، بري إبراهيم ويشيم يبراك يولدز. فيما تتألف لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية فتتألف من أربعة محكّمين وهم عائشة بولات، بنيفسا بريفان، لورا إيفرز جونز، نهاد سيفين وتيم كندي. أما لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة فتتألف هذا العام من ستة محكّمين وهم هونر سليم، جوليا ساكو، محمد أكتاش، نيكولاي غالاني وشوكت أمين كوركي.

الأفلام الروائية
افتتحت الدورة الثامنة لهذا المهرجان بفيلم “قبل هطول الثلج” للمخرج هشام زمان الذي فاز بجائزة أفضل فيلم من العالم العربي في الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي وذلك “لتصويره التحوّل الداخلي لشاب راسخ في تقاليده من خلال رحلة شخصية، تكتشف الإنسانية والحب وتقاطع الحضارات”، كما تتميز غالبية الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في هذا المهرجان بجودتها التقنية، وسويتها الفنية ومن بينها فيلم “بلادي الحلوة. . بلادي الحادة” لهونر سليم الذي خطف هو الآخر جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان أبو ظبي لأنه “فيلم ذكي، مرح، وجذّاب، يوظف “الجانر” السينمائي بينما يعالج مسائل جديّة معاصرة”. وكذلك حصل فيلم “بيكس” أو “الوحيد” لكارزان قادر على جوائز عالمية وعربية عديدة. ومن بين الأفلام الروائية الطويلة المهمة نذكر “111 فتاة” لبهمن قباذي الذي يُعرض لأول مرة في بريطانيا، وهو من بطولة الفنانة مونيكا والممثل المعروف بيلوتشي وبهروز وثوقي، “غادر لتبقى” لآوات عثمان علي، “شبح الحرب السابقة” لهاوري مصطفى، “دموع التماثيل” لآزاد كركوكي، “عشر ثوانٍ” لآكو عزيز ميرزا، “حصاد” لمراد سيلاكان ميرزا، “الشتاء الأخير” لسليم صلواتي، “صوت أبي” لأورهان أسكيكوي وزينل دوغان، “جمالك لا قيمة له” لحسين تاباك الحائز على جائزة مهرجان “غولدن أورانج”.

الأفلام الوثائقية
أما قائمة الأفلام الوثائقية التي تعرض في المهرجان فهي “46” فيلماً وهو عدد كبير يتضمن موضوعات مختلفة تتناول هموم المواطن الكوردي وانشغالاته سواء داخل كوردستان الكبرى الموزعة في العراق وإيران وتركيا وسوريا أم في بقية أرجاء العالم حيث بدأت تشيع في المهرجانات الكوردية تسميات من قبيل كوردستان الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية في إشارة إلى كورد البلدان الأربعة التي سبق ذكرها تواً. وأبرز الأفلام الوثائقية التي سيتم عرضها خلال المهرجان هي “طَرْقات على الباب” لخليل فرات يزار وميتن جليك حيث يصور هذا الفيلم حملة القمع التي تعرّض لها أكراد تركيا عام 2009 حيث شرعت الأجهزة الأمنية التركية بحملة ضد الكورد رُمز لها بـ “طرْقات على الباب” حيث تأتي العناصر الأمنية في الصباحات الباكرة وتطرق الأبواب على الثوار المتمردين ثم تُسمع الاصوات المكتومة للضرب والاعتقال. لقد بلغ عدد المعتقَلين نحو “6000” شخص. الفيلم يرصد قضية القهر والصمود، واليأس والأمل لدى أكراد تركيا.
تتمحور بعض وثائقيات هذا المهرجان على الهموم الشخصية التي لا تنفصل عن الهم العام ففيلم “ليلة ويوم قبل المغادرة” لخسرو حمة كريم يدور حول المخرج الكوردي طه كريمي الذي فُجعنا بموته إثر حادث سيارة أودى بحياته في مطلع هذا العام وهو في ريعان شبابه وفي مقتبل تجربته الفنية الواعدة. صوّر هذا الفيلم ساعات كريمي الأخيرة قبل رحيله إلى مثواه الأبدي.
للأفراح والمناسبات الخاصة والعامة حصتها أيضاً ففي فيلم “الملابس المطرزة” لمنصور عزيزي احتفاء خاص بيوم الزفاف وما يسبقه من استعدادات كثيرة يقوم بها كلاً من العريس والعروس على انفراد ليبثّا أجواء الفرح والمرح بين أهلهم وذويهم وأصدقائهم.
لا بد من الإقرار بأن أجواء الحزن تخيّم على الكورد في البلدان الأربعة المذكورة ولعل فيلم “آسا” لإيركان أورهان هو مثال لهذا الحزن المستديم فـ “آسا” هي امرأة كوردية طاعنة في السن بلغت الثالثة والثمانين من عمرها وهي تقوم بما يشبه رحلة الحج السنوية لقبر ابنها الذي يقع قرب قرية “آمد” التابعة لمدينة ديار بكر حيث سقط شهيداً وهو يقاتل القوات التركية ضمن صفوف البكه كه. القرية المدمرة التي دُفن فيها تذكِّرنا بالقرى المدمرة في العراق أيام الحكم الدكتاتوري السابق الذي تعامل بقسوة نادره مع مواطنيه الكورد.
العادات والتقاليد الاجتماعية لها حصتها في هذا المهرجان ففيلم “رماد” يتمحور حول ختان البنات في بعض مناطق كوردستان العراق. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته كوردستان الجنوبية إلا أن التخلّف الاجتماعي لا يزال مهيمناً على بعض أجزائها القروية على وجه التحديد.

عمليات الأنفال
نادراً ما تغيب الأنفال عن هذا المهرجان أو عن سواه من المشاركات الكوردية في المهرجانات العربية والعالمية ففيلم “بالسيان” يعود بنا إلى حملة الأنفال، سيئة الصيت والسمعة حيث أباد النظام السابق نحو “180000” مواطن كوردي. يسلّط هذا الفيلم الضوء على قرية باليسان التي قُصفت بالأسلحة الكيمياوية في 16 أبريل / نيسان عام 1987. كما يرصد هذا الفيلم الناجين من القصف الذين نبشوا قبور موتاهم وأعادوا دفنها في قراهم.

تحضر منظومة القيم الكوردية الإيجابية منها والسلبية في هذا المهرجان، ففيلم الافتتاح “قبل هطول الثلج” لهشام زمان يبحث في قضية الشرف والقتل غسلاً للعار. وفي فيلم  “بناز: قصة حُب” لديّاه نتابع وقائع قتل بناز محمد التي تعيش بلندن من قبل أهلها حيث يُصر فريق الشرطة على متابعة هذه الجريمة المروّعة ولا يكفّ عن البحث والتحقيق إلى أن ينجح في تقديم القتلة إلى المحكمة كي ينالوا جزاءهم العادل.
تحظى الاحتفالات والمناسبات العامة باهتمام بعض المخرجين الكورد من بينهم محسن الله فيسي الذي أنجز فيلم “بليندانا” الذي يدور في مضارب القبيلة الكوردية الكبيرة “Mangur” التي تقطن على الحدود العراقية الإيرانية في منطقة قلعة دزه. يقدّم هذا الفيلم لمشاهديه مناظر آسرة في الجمال تكشف عن ثراء الطبيعية الكوردستانية وسحرها الخلّاب.
وفي السياق ذاته نشير إلى أهمية فيلم “عين الروح” للطيف فتاح الذي يتابع فيه شخصاً بصيراً يهرب من صخب المدينة إلى سكون الريف وهدوئه. لعل أبرز ما في حياة هذا الشخص البصير هو كونه شاعر وفنان في آنٍ معا. ترى، كيف يتعاطى هذا الفنان البصير مع الطبيعة الكوردستانية الجميلة؟
يلتفت بعض المخرجين الكورد إلى قضايا أبعد من دائرة الهم الكوردي فيرصدون جوانب وطنية تتعلق بالعراق عموماً وهذه نقطة تُحسب لمصلحتهم حقاً. ففي فيلم “وداعاً للسينما” لعبد الخالق عمر يعود بنا إلى هيمنة الفيديو على السينما في ثمانينات القرن الماضي حيث فاقمت الحرب العراقية الإيرانية الأمر حين تحولت صالات السينما إلى مخازن للحبوب، وكراجات للسيارات، أو تُركت في حالة خربة يرثى لها.

الغجر في كوردستان
الغجر لهم حصتهم في هذه الباقة الكبيرة من الأفلام الوثائقية ففيلم “دوم” الذي يعني الغجر يصور فيه المخرج مجموعة محددة من الناس الذين اتخذوا من نصيبين مكاناً لهم لكن السلطات لا تعترف بهم، فهم منفيون في بلدانهم، ومما يزيد الطين بلّة أنهم لا يتقنون اللغة التركية كي يدافعوا عن أنفسهم، لكنهم بالمقابل حافظوا على هويتهم الثقافية المميزة من خلال ذخيرة كبيرة من الأغاني التي يؤدونها بمصاحبة آلة موسيقية وحيدة الوتر.

غجر كوردستان العراق لهم حصتهم في هذا المهرجان أيضاً لذلك أقدم هكار عبد القادر على تحقيق فيلم أسماه “غجر آذار” الذي يحكي فيه القصة غير المروية لغجر كوردستان العراق حيث يلاحقهم العار الاجتماعي والنبذ، وتطاردهم التفرقة العنصرية، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية على الرغم من أن لديهم رئيساً يستطيع أن يتواصل مع السلطات ويتحدث بالنيابة عنهم كي يحصل لهم على حقوقهم المشروعة، لكن هل تداوي تلك الحقوق عللهم التي تؤرقهم ليل نهار؟.

أفلام قصيرة
احتلت الأفلام القصيرة المساحة الأكبر من المهرجان إذ بلغ عدد الأفلام التي ستعرض خلال أيام المهرجان الثمانية “52” فيلماً قصيراً بضمنها “20” فيلماً مشاركاً في مسابقة يلماز غوناي ومن بين هذه الأفلام “مسي بغداد” لسحيم عمر خليفة الذي فاز في مهرجان الخليج، “برزان” لكنان برزان، “داليا” لشاخوان عبدالله، “جي جو” لإيراج محمدي، وجدير ذكره أن لجنة هذه المسابقة قد أنيطت بهذه الشخصيات السينمائية المعروفة في الوسط السينمائي الكوردي وهم أليف أردوغان، محمد أكسوي، مزكين أرسلان، بري إبراهيم ويشيم يبراك يولدز.