المخرج المغربي علاء أكعبون للوثائقية: متفائل بموقع الدراما المغربية في العالم العربي

حاوره: أيوب واوجا

في العالم العربي يصعب على أيّ مُخرج اختار الاشتغال على المسلسلات الدرامية أن يجد فرصة للعمل، وذلك في ظلّ التنافس الكبير الذي يشهده هذا النوع من الإنتاج، وبسبب ضيق الحيز الزمني المُخصص للأعمال الدرامية، فهو مرتبط بشكل كبير بفترة شهر رمضان.

علاء أكعبون هو مخرج مغربي شاب نجح في فرض اسمه وسط الأعمال التلفزيونية المبرمجة للعرض في رمضان في السنوات الأخيرة، وحصدت أعماله ملايين المشاهدات، سواء داخل المغرب أو في العالم العربي. ومن بين أعماله مسلسل “الزعيمة” الذي بُثّ على شاشة القناة الثانية، وسلسلة “أسرار النساء” التي بثت على شاشة قناة “إم بي سي 5″، ومسلسل “داير البوز”، و”البيوت أسرار” اللذان بثتهما القناة الأولى المغربية.

عن صعوبة إخراج أعمال موجهة للبث في رمضان، وعن مفهوم المسلسلات الناجحة، تُحاور الجزيرة الوثائقية المخرج المغربي علاء أكعبون ليكون الحوار كالآتي:

 

  • ما السبب الذي يجعل جُلّ الأعمال الدرامية المغربية مرتبطة بشهر رمضان، بدلا من توزيع البث على مختلف أشهر السنة؟

أظن أن السبب يرجع لطبيعة المجتمع المغربي وارتباطه بشهر رمضان، فنحن مجتمع يُقدّس الاجتماع حول مائدة الإفطار في رمضان، فالفطور الرمضاني ليس مجرد وجبة كباقي وجبات الأيام العادية، بل يستمر لأكثر من ساعتين من الزمن بوجود جميع أفراد الأسرة.

كثرة الإنتاجات التلفزيونية في رمضان بشكل عام، وفي ساعة الفطور بشكل خاص، ترجع لكون هذا الحيّز الزمني هو أكثر وقت تضمن فيه القنوات التلفزيونية وجود أكبر عدد من المشاهدين أمام التلفزيون، لذلك فمن العادي أن تستثمر القنوات مواردها الإنتاجية لكي تضمن نسبة مشاهدة أكبر من الأيام العادية.

  • أن تُنتج مسلسلا رمضانيا يعني بالضرورة أن يكون عدد الحلقات لا يتجاوز ثلاثين حلقة، هل ترى أن هذا الحاجز يُضيّق من مساحة الإبداع والكتابة في المسلسلات الدرامية المغربية؟

بالعكس، أنا أرى أن ثلاثين حلقة تُعطي مساحة أكبر من المطلوب للإبداع، ولأكون صريحا معك، في بعض الأحيان أرى أن المشكلة الحقيقية في هذا الصنف من المسلسلات هو عدد الحلقات الذي يفرض على المخرج وكاتب السيناريو عددا أكبر من اللازم من الحلقات ليحكي قصته.

في المسلسلات الغربية نلاحظ أن الموسم الواحد من المسلسل يحتوي في الغالب على عشر حلقات لا أكثر، وجميعها تعطينا الانطباع بأن القصة مضبوطة ومحكومة دون إطناب، وأما في التعامل مع المسلسلات المرتبطة بعدد أيام شهر رمضان، فإننا نشعر نحن كمخرجين بأننا نتعامل مع مسلسل من موسمين أو أكثر.

أظن أن التحدي الحقيقي هو أن نبدع في أي قالب من المسلسلات سواء كانت عشر حلقات أو ثلاثين أو حتى ستين، المهم أن يكون المسلسل مكتوبا بطريقة مضبوطة فحسب، وأن يبدع المخرج في نقل السيناريو بشكل جيد.

 

  • يرى بعض المخرجين التلفزيونيين بأن النجاح يرتبط بعدد المشاهدات التي تحققها مسلسلاتهم، فما هو تعريفك أنت للمسلسل الناجح؟

لا أظن النجاح مرتبطا بعدد المشاهدات، وأكبر دليل على ذلك هو الأفلام الكلاسيكية التي لاقت رفضا جماهيريا في البداية، لكنها الآن تُعتبر من ثوابت السينما.

وبالفعل عندما تصنع عملا موجها للتلفزيون عليك مراعاة استعمال خطاب يصل للجميع، ويستوعبه الجميع، لأنك أنت من يدق باب منزل المشاهد، وليس هو من يبحث عن عملك في قاعة السينما، فعندما تقدم مسلسلا للتلفزيون فأنت كمن يُقدم خدمة للمتلقي، وعليك بالضرورة أن تقدمها بالشكل الذي يعجبه.

العمل التلفزيوني الذي يحصد متابعات كبيرة يعني أنه لاقى استحسان المشاهدين، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه جيد، على الأقل في التعريف الاحترافي لمفهوم المسلسل الجيد.

 

  • ارتباط نجاح المسلسل بعدد المشاهدات جعل بعض مخرجي الأعمال الرمضانية بالمغرب يلجؤون لجلب مشاهير الإنترنت المعروفين بعدد متابعيهم الكبير، ما تعليقك على الأمر؟

هذا ليس ابتكارا مغربيا، بل هو اختيار عالمي يقوم به صُنّاع الأفلام لترويج أعمالهم، وذلك عبر جلب مشاهير من عالم الموسيقى والموضة، دون إعطائهم أدوارا بطولية.

الفكرة في حد ذاتها ليست سيئة، لكن أن تُعطى أدوار بطولية لأشخاص لمجرد عدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي ودون موهبة في الأداء؛ فهذا هو الأمر السيء، على المخرج أن يُسائل نفسه في الاختيارات التمثيلية، وأن تكون لديه أسباب مقنعة في اختياره شخصا مشهورا من فضاء الإنترنت عوض ممثل محترف.

 

  • هل تقلّص دور المعهد العالي للتنشيط الثقافي (معهد حكومي لتكوين الممثلين) في المشهد التلفزيوني بالمغرب بعد بروز ممثلين قادمين من مجالات أخرى؟

صراحة لا أظن ذلك، المنافسة دائما حاضرة سواء أكان الممثل قادما من تكوين أكاديمي أو تكوين ذاتي. في اختياري لصاحب الدور لا أبحث في تكوينه الأكاديمي بالضرورة، بل أبحث عن الشخص المناسب للدور كيفما كانت خلفيته التكوينية.

في جميع مسلسلاتي يحضر ممثلون قادمون من المعهد العالي للتنشيط الثقافي، لكن هذا لا يعني أنني اخترتهم بسبب شهادتهم في المعهد، وإنما بسبب إقناعهم لي بأحقيتهم في الأدوار المعروضة.

الأمر إذن مرتبط بالمنافسة والأحقية، الأمر الجيّد في خريجي المعهد هو أنهم قادرون على فهم المصطلحات التقنية والتعامل معها نظرا لتكوينهم، لذلك يسهل التواصل معهم أثناء التصوير، ولا تجد نفسك مضطرا لشرح بعض البديهيات. لذلك أظن أنا شخصيا أن خريجي معهد التنشيط الثقافي هم الأكثر حضورا في المشهد التلفزيوني بالمغرب.

المخرج المغربي علاء أكعبون الذي حصدته مسلسلاته الدرامية التلفزيونية ملايين المشاهدات داخل المغرب وخارجه

 

  • ما هو تعريفك للممثل الناجح؟ فهناك العديد من التعريفات، ما الذي يعنيه أن يكون الممثل ناجحا؟ هل ذلك يعني أن يكون ناجحا في مساره الفني ككل، أم في دور أيقوني بصم مساره؟

بالنسبة لي الممثل الناجح في العادة هو الممثل الذي يُنصت جيدا، والذي إن شاهدته في عملين مختلفين تُسائل نفسك هل أنا فعلا أمام الشخص نفسه؟

بعض الممثلين ينحصر أداؤهم في الشخصية نفسها بسبب العروض التي تُقدم لهم، وبالتالي لا يجد الممثل مساحة كافية لتقديم ما لديه، ويُحتجز في شخصية واحدة طيلة مساره، كأن يؤدي دور الشرير حياته كاملة.

الممثل الجيد بالنسبة لي هو الممثل الذي يسمع جيدا، ويلاحظ الناس في معيشهم اليومي، ويأخذ منهم تفاصيلهم الصغيرة التي تساعد في بناء شخصياته التي يؤدي، كيفما كان نوعها، هذه التفاصيل الصغيرة هي عُدّة الممثل التي بها يُقنع المشاهد بالأداء ويصدقه.

 

  • في مسلسلك الأخير “داير البوز” نجحت في تجربة عرض مسلسل قصير من أربع حلقات، وفي فترة بث غير مرتبطة برمضان، هل ترى أن المسلسلات القصيرة هي الحل لمصالحة الجيل الجديد من المتفرجين المغاربة مع الدراما المغربية؟

نجاح مسلسل “داير البوز” يرجع لكاتبة السيناريو فاتن اليوسفي التي استلهمت السيناريو من حياتها، هناك لمسة من السيرة الذاتية لفاتن اليوسفي في هذا المسلسل، وفي مراحل التصوير وجدنا أنفسنا نحن كتقنيين وممثلين نحكي أيضا جزئيا قصة حياتنا مع الشهرة، لقد عملنا على هذا المسلسل بالكثير من الحب والانخراط الجدّي لأننا نحكي قصصنا، فأيّ عمل نقوم به بحُب يكون ناجحا.

عدد الحلقات القليل يجعلنا نتحكم ونضبط إيقاع المسلسل والقصة، وأعتقد أن هذه هي طريقة جلب المشاهدين الشباب وجرّهم لمتابعة أعمالنا، فهم ترعرعوا في عالم كل شيء فيه سريع، لذلك فصبرهم ينفد بسهولة. ثم إن القنوات التلفزيونية انفتحت على هذا النوع من المسلسلات، وبدأت في تجريبه لجلب شريحة جديدة من المتابعين.

أنا كمخرج أرتاح في هذا النوع من المسلسلات، لأنني أستطيع ضبط تفاصيله والتجريب فيه، لأن هامش الخطأ يكون صغيرا.

 

  • تجاربك الدرامية المغربية كانت ناجحة في المجمل، هل ستستمر في إخراج المسلسلات التلفزيونية، أم تفكر في العودة لعالم السينما؟

لم أرحل أبدا من عالم السينما، ففي أي عمل أقوم به -سواء لصالح التلفزيون أو السينما- أشتغل بنفس الطريقة، بالفعل هناك مساحة أكبر للكتابة في عالم السينما، لكنني أُمنّي النفس بأن تختفي الفوارق بين مفهوم الفيلم التلفزيوني والفيلم السينمائي ذات يوم.

من حسنات وباء كورونا أنه قلّص الحدود بين عالم السينما والتلفزيون، لقد لاحظنا أن كبار المخرجين السينمائيين في ظل إغلاق قاعات العرض يلجؤون لعرض أعمالهم على منصات العرض الرقمي والتلفزيون.

في طريقة عملي وتفكيري من البداية لا أخلق الفوارق بين عمل موجه للسينما أو التلفزيون، فأنا أعمل بنفس الجد والانخراط، وأتمنى أن يصبح مستوى التلفزيون بالمغرب مثل مستوى السينما.

أبطال مسلسل “البيوت أسرار” الذي أخرجه المغربي علاء أكعبون وبُث على القناة الأولى المغربية

 

  • لمساتك الإخراجية وحركات الكاميرا في أعمالك التلفزيونية تُظهر بأن لك قدرات سينمائية كبيرة تحدها التلفزة، هل يمكنك أن تحدثنا عن المخرجين الذين تأثرت بأسلوبهم؟

في التلفزيون تكون مُطالبا بتصوير عدة مشاهد في اليوم الواحد نظرا لارتباطك بالوقت، على عكس السينما التي قد تُصوّر فيها مجرد مشهدين في اليوم كله، ويكون لديك وقت للتفكير والتدقيق.

المخرج الجيد هو مخرج ينجح في التلفزيون وفي السينما، فهناك مسلسلات في منصات العرض العالمية عندما تشاهدها تشعر أنك تشاهد أفلاما سينمائية. ولا أظن أن التلفزيون قد يحد من إبداع المخرج، فأنا عاشق للسينما قبل أن أكون مخرجا، أشاهد الأفلام بشكل يومي، من أفلام “كوبريك” إلى يوسف شاهين و”ألمودوفار”، وأحاول إنارة مُخيلتي عبر مشاهدة أفلامهم، وإن حاولت ذكرهم جميعا فقد أصل لتسمية ألف مخرج دون أن أنتهي.

لقطة من مسلسل “أسرار النساء” الذي بُث على  قناة “إم بي سي 5” وهو من إخراج المغربي علاء أكعبون

 

  • هل يلعب الجانب المادي دورا في اختيارك الاستمرار في الإخراج التلفزيوني عوض السينمائي؟

أسعد أوقاتي تكون دائما خلف الكاميرا، لقد ترعرت في وسط لا يُقدّس المال، لذلك فأنا لا أسعى نحوه، بل أسعى للبحث عن الفرح الذي يخلقه الوقوف خلف الكاميرا، وهذا أهم شيء عندي في هذا الميدان.

أما بالنسبة لاختياري الأعمال التلفزيونية، فذلك لأنني في حاجة للعمل والقيام بالشغف الذي يستهويني. أول شيء أختاره في العمل هو المحتوى والمشاركين فيه، وما الذي يمكن أن أستفيد منه. بالفعل هناك رغبات مادية تحكم اختياراتنا، لكنني أؤكد لك أنها آخر معيار يحكم اختياراتي.

  • بالرغم من أن أعمالك تلقى نجاحا في المغرب، فإن شهرتها تكاد تغيب عن الساحة العربية، ما السبب الذي يجعل الدراما المغربية حبيسة البلد ولا يصل صداها للعالم العربي؟

أظن أن السبب هو اللهجة المغربية، فهي على عكس اللهجة المصرية التي انتشرت في العالم العربي عن طريق الإعلام، لذلك فالأمور معقدة شيئا ما بالنسبة لنا لتسويق مسلسلاتنا في العالم العربي، وذلك بسبب صعوبة فهمها في العالم العربي، لكنني متفائل بموقع الدراما المغربية في العالم العربي مستقبلا، فعلينا فقط العمل بالشكل المطلوب.